الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

وسائدنا الخالية

وسائدنا الخالية
عدد : 07-2013
بقلم الأديب/عبد الرازق أحمد الشاعر
Shaer129@me.com

ذات صباح، تراصت أقدام الدائنين أمام نُزُل نبيل روماني ليتبينوا حقيقة موته، ولما رأوه مسجى أمامهم على سرير ملكه، تعالى نحيبهم وترددت آهاتهم في جنبات القصر، وهموا بجثمان الرجل ليأخذوه حتى تُرد إليهم أموالهم. وعندها استوقفتهم ابنته البارة واعدة إياهم بتسديد ديونه كافة إن هم كفنوه وحملوا نعشه إلى مثواه في جنازة تليق بعراقة نسبه.

وفور تشييعه، أقامت الفتاة مزادا كبيرا لبيع مقتنيات والدها وتسديد ديونه. وأقبل الرومانيون من كل حدب ليشتروا ما تبقى من مجد مزيف أفلح الرجل في إخفائه حتى الرمق الأخير. ويومها أمر الملك أوجستس أحد حراسه أن يشتري له وسادة النبيل الراحل مهما بالغ المزايدون في سعرها، فلما سؤل عن ذلك قال: "طالما أن الراحل استطاع أن ينام رغم تلك الديون، فلابد أن السر يكمن في الوسادة."

آه يا أوجستس لو كنت بيننا وشاهدت كم الوسائد التي تبعث على الرقاد وتغري بالنوم الهادئ تحت ظلال الزيزفون أناسا غرقوا في الديون حتى أسافل ذقونهم! آه لو كنت حيا وقررت السير ذات صياح في شوارعنا الربيعية جدا، وقادتك قدماك إلى ميمنة مظاهرة أو مشأمة وقفة احتجاجية، ورأيت نبلاءنا الأشاوس يحملون عصيهم الطويلة وأسلحتهم البيضاء ويطلقون خراطيش ديونهم في صدور النساء والأطفال والأجنة ثم يعودون إلى وسائدهم اللينة لينعموا بنومة هادئة وأحلام سعيدة!

لو أنك كنت بيننا ورأيت الناس يغسلون أياديهم وأرجلهم حتى الكعبين بالأحمر القاني وهم يهزجون بأغاني النصر ويدقون طبول الفضيلة ثم يعودون إلى بيوتهم ليضعوا أقدامهم المتورمة من جهاد زائف في ماء دافئ، ثم تراهم يدغدغون وجوه نسائهم بأياديهم الملطخة بدماء الأشقاء، وبعدها يديرون ظهورهم للذكريات ويضعون خدودهم الباردة فوق وسائدهم الناعمة ويغطون في حلم عميق!
لو أنك كنت بيننا أيها المندهش من نبل الرومان، لرأيت في صحافيينا النبلاء وإعلاميينا الفجرة ما يغريك بتتبع مزاداتهم وملاحقة وسائدهم! فهؤلاء النماردة المتقدمون يستطيعون أن يأتوا بشمس الحقائق من مغاربها ويخلطوا ألوان الأحداث بحرفية مدهشة، ثم يأوون إلى بيوتهم فجر كل خيانة ليوزعوا القبلات الدافئة على جباه أطفالهم، وما هي إلا دقائق معدودات حتى تراهم يغطون في قبح عميق.

لو عشت في ربيعنا المصري قليلا ورأيت كيف يُساق الناس إلى الميادين بالشعارات الفاجرة والدعاوى الكاذبة، ورأيت الشعب الأعزل من الفهم والفقه يوزع كالقطعان المعصوبة ذات اليمين وذات اليسار، ورأيت المتاجرين بالوعي فوق المنصات يوزعون وعود النصر على الفئة المؤمنة، أو وجبات سحور رمضانية على الثابتين فوق مكتسبات ثورتهم الفاشية. ثم رأيت هؤلاء وهؤلاء يطلقون الصفير والشخير من مناخرهم الضيقة ريثما يضعون رؤوسهم المكدودة فوق وسائدهم الثورية، لحرت أي وسادة تشتري.

ولو أنك دخلت يوما دار قضاء ربيعية، وشاهدت كوميديانا الساخرة، وسمعت صوت الحجاب ينادون على أصحاب القضايا المتأخرة، وجفلت لطرقات الطاولة العالية ورفعت رأسك لترى رؤوسا اجتاحها الصلع من كل جانب، فصارت قاحلة جرداء من طول رقاد، ثم رأيت المجرمين والبلاطجة والسفاحين يخرجون من أقفاص تهمهم آمنين ليواصلوا مسيرة إجرامهم المعتاد، لحرت عند أي ناصية تستوقف أي قاض لتساومه على وسادة تغريه رغم كل ذلك برقدة وادعة.

لو رأيت اليوم أيها الأوجستس شعبنا المصري الملقى في غياهب الميادين الفسيحة، وسمعت دوي صرخاتنا العابثة في كافة الميادين والأزقة، وعلمت حجم نفاقنا وفاقتنا وادعاءاتنا الرخيصة، لأنفقت مالك كله على وسائد تغرينا بالرقاد. لو كنت بيننا لعلمت أن النوم في بلادنا هبة نيل لم نعد نأمن له مصبا، وأن وسائدنا الخالية بقايا ديون لتاريخ أوشك أن يقف على باب كل واحد منا مطالبا بالسداد. ربما نستطيع أيها الأوجستس أن نسدد فواتيرنا كلها ذات حساب، لكنني أجدنا مضطرين لإكمال وصلة الحلم الناعمة فوق وسائدنا الدافئة حتى حين.