الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

مسراته منذ الفتح الاسلامى وحتى نهايه العصر العثمانى الثانى

مسراته منذ الفتح الاسلامى وحتى نهايه العصر العثمانى الثانى
عدد : 01-2014
كان أهم حدث في مسراتة خلال العصور الوسطى هو تغير مسار طريق الحج ليمر بها بعد أن كان مساره في السابق يقع جنوبها، وترتب على ذلك بروز اسم مسراتة بين الحجاج خاصة وأنها كانت آخر المنازل العامرة قبل دخولهم برية برقة التي كانت خالية من أي عمران. وقد كانت لقبيلة هوارة السيطرة على منطقة مسراتة قبل هجرة بني سليم وبني هلال في سنة 1051، ثم كانت لأولاد سالم من بنى ذباب السليميين بعد هجرتهم، وسأتناول الحديث عن تاريخ منطقة مسراتة عبر محورين تاريخها قبل تسميتها بمسراتة وتاريخها بعد تسميتها بهذا الإسم.

تاريخ المنطقة قبل تسميتها بمسراتة:

بعد الصراع الذي دار بين القبائل من جهة والدولة الرومانية ثم البيزنطية من جهة أخرى استطاعت قبيلة هوارة السيطرة على المنطقة، وكانت مسراتة جزءا من ديارها عند الفتح الإسلامي في عام 22 ﻫ (643) وبقيت هوارة تسيطر على المنطقة إلى أن ضعفت قوتها بسبب الثورات التي شاركت فيها منذ أواخر الدولة الأموية إلى بداية الدولة العبيدية، وعندما هاجرت قبائل بنى هلال وبنى سليم في عام 443 ﻫ (1051) لم يحصل صدام بينهم وبين هوارة، وألت سيطرة على إقليم طرابلس لبنى ذباب من بنى سليم بعد الاتفاق الذي تم بين بنى هلال وبنى سليم على تحديد مناطق نفوذهم في المغرب العربي. وبالنسبة لتاريخ المنطقة في هذه الفترة فإن ما ذكره الجغرافيون العرب عنها يتمثل في ورود اسم مسراتة عند اليعقوبي كقبيلة، وورود اسمي مكانين في مسراتة وهما طرف قانان عند البكري والإدريسي، وسويقة ابن مطكود عند عدد من الجغرافيين والمؤرخين والرحالة العرب. وقد ورد ذكر سويقة ابن مطكود عند ابن حوقل وقال أن هوارة المقيمين بناحية قصر ابن مطكود يدفعون الزكاة والخراج لعامل طرابلس، كما ورد ذكرها عند بعض المؤرخين في سياق الحديث عن الحروب التي وقعت بين يحي بن غانيه والموحدين، حيث تذكر المصادر التاريخية أن الناصر الموحدي أرسل أخاه أبا إسحاق في عام 602 ﻫ (1206) لمطاردة ابن غانيه، فطارده حتى سويقة ابن مطكود.

تاريخ المنطقة بعد تسميتها بمسراتة:

ظهر اسم مسراتة كدلالة على المنطقة في منتصف القرن الثالث عشر مع تحول طريق الحج إلى المرور بها، وبدأ بعد ذلك ذكرها يرد عند المؤرخين والجغرافيين، وذكرت المصادر التاريخية أن الأمير الحفصي أبى زكرياْ حاكم بجاية قام بجولة في إقليم طرابلس في عام 685 ﻫ (1286) بناءا على دعوة من بنى ذباب فوصل إلى الأبيض بمسراتة وبايعته قبائل بنى ذباب من الجواري والمحاميد وآل سالم كما بايعه عرب برقة. وكانت مسراتة في ذلك الوقت من ضمن مناطق مشيخة أل سالم الذين أصبح غلبون بن مرزوق شيخا لهم في عام 701 ﻫ (1301)، وبسبب منافسة بنى زيان له، اتفق معهم على أن يتنازل لهم عن ترهونة وبنى وليد وسرت ويكون له مسلاتة وزليتن وما بينهما ومسراتة وتاورغاء. واتخذ غلبون بن مرزوق من قصر أحمد مقرا له بعد انتقاله إلى مسراتة، وتوارث أبناؤه من بعده رئاسة مشيخة أل سالم، وذكر ابن خلدون أن شيخ أل سالم في زمانه هو حميد بن سنان بن عثمان بن غلبون، وذكر أن حاكم طرابلس علي بن عمار أرسل قائد جيشه قاسم بن خلف الله إلى مسراتة في عام 792 ﻫ (1389) في الظاهر بحجة جمع الضرائب وفي الباطن لإبعاده عن طرابلس، وهذا الحدث يدل على نوع من الارتباط بين من يحكم مدينة طرابلس والمشيخات التي تحكم المناطق ويتمثل الإرتياط في دفع السكان لضريبة. ولم يذكر ابن خلدون ولا المصادر التاريخية من بعده من تولى مشيخة آل سالم بعد الشيخ حميد، ولكن المعروف أن مشيخة بنى تليس التي أسسها على بن تليس خلفت الغلابنة في حكم المناطق التابعة لهم . وقد حكمت مشيخة بنى تليس المنطقة ما يزيد على القرن، ثم انهارت ولا يعرف من تولى حكم المنطقة بعدهم، ولكن يبدو أن مشيخة قامت في مسراتة سيرت شؤونها بعد انهيار مشيخة بنى تليس واحتلال الإسبان لمدينة طرابلس في سنة 1510، التي غادرها عدد كبير من سكانها واستقروا في مناطق أخرى من بينها مسراتة، التي نقل إليها التجار نشاطهم مما ساهم في زيادة وازدهار النشاط التجاري بها وتحولت إليها القوافل التجارية القادمة من إفريقيا وسفن البندقية، ونتيجة لذلك قامت جمهورية البندقية بفتح فرع قنصلي لها بمسراتة لرعاية مصالحها وعينت به نائب لقنصلها بطرابلس. وظلت مسراتة تدير شؤونها حتى دخولها تحت السيادة العثمانية بعد تحرير طرابلس في سنة1551.

تاريخ مسراتة العـثماني:

جاء العثمانيون إلى بلادنا محررين ومنقذين ونجدة للمسلمين في المغرب العربي بعد تكالب عليهم الصليبيون الأسبان عليهم بعد سقوط غرناطة، ولولا هذه النجدة لسقطت بلدان المغرب العربي في يد الصليبيين الإسبان منذ القرن السادس عشر، وقد دامت الفترة العثمانية في بلادنا مدة ثلاثمائة وستين سنة ( 1551 :1911) وتقسم تلك الفترة إلى ثلاثة عهود هي العهد العثماني الأول، فالعهد القرمانلي، وأخيرا العهد العثماني الثاني، ونظرا لبعد طرابلس عن مركز الدولة العثمانية استأثر الدايات ثم من بعدهم القرمانليين بالحكم، وأصبحت سيادة الدولة العثمانية اسمية، ولم تزد سنوات الحكم العثماني المباشر بين سنتي 1551- 1835 عن 79 سنة من 284 سنة، وبعد احتلال الإستدمار الفرنسي الجزائر، قامت الدولة العثمانية في سنة 1835 بإعادة سيطرتها المباشرة على إيالة طرابلس خوفا عليها من وقوعها في يد الإستعمار الأوربي، وقد شعر السكان أيضا بهذا الخطر بعد احتلال تونس سنة 1881، وحاولت الدولة العثمانية تطوير طرابلس ولكنها أصبحت غير قادرة حتى على مساعدة نفسها بعد أن تكالب عليها الصليبيون من روسيا حتى إنكلترا. وطيلة الحكم العثماني لم يتغير نمط الحياة القائم بمسراتة منذ العصور الوسطى الذي يجمع خصائص متعددة من بيئات مختلفة، فمن الريف خاصية الاستقرار بالقرى والعمل بالزراعة، ومن حياة سكان المدن الإسلامية العمل بالتجارة وعدم الاختلاط والمحافظة، ومن البادية التنظيم القبلي الذي استقر خلال العهد القرمانلي وحتى نهاية العهد العثماني الثاني على تجمعين قبليين هما الأهالي والكوارغلية. ولم ينتقل المجتمع خلال تلك الفترة من مجتمع يعتمد على الزراعة إلى مجتمع يعتمد على الصناعة، وبقي أغلب أفراده يعتمدون على الزراعة في حياتهم على الرغم من الصعوبات التي كانت تحيط بها، وخاصة أنها تعتمد على الأمطار فإذا قلت أو انقطعت حدث الجفاف الذي كان دوريا وقاسيا على السكان..


مسراتة في العهد العثماني الأول:


بدأ العهد العثماني في ليبيا بتحرير طرابلس في سنة 1551، وارتبطت مسراتة بأول والي عثماني وهو مراد آغا، وبعد تولي دورغود باشا الحكم في سنة 1556 قام بحملة على المناطق ومن بينها مسراتة التي هجرها جزء من سكانها بعد علمهم باتجاه الحملة، ليستقروا بعد ذلك في بنغازي، وقام دورغود باشا بوضع حامية من الجنود الإنكشارية بمسراتة لتثبيت السيطرة عليها وجمع الضرائب ومنح قائدها حرية التصرف واتخاذ القرار الذي يراه مع جنوده أو مع السكان . وفي إطار الصراع الدائر قام فرسان مالطا بالنزول ليلا بقوات عسكرية في مرسى قصر أحمد في سنة1561 واتجهوا إلى القرية ونهبوها ثم عادوا إلى سفنهم حاملين معهم خمسة وستين أسيرا أغلبهم من النساء والأطفال، ولدرء هذا الخطر تم بناء حصن بمرسى قصر أحمد وضعت به بعض الذخائر الحربية لمقاومة أي اعتداء يقع على المنطقة. وقد قام دورغود باشا أثناء حكمه باستقدام الكثير من جنود الإنكشارية الذين تمتعوا في إيالة طرابلس بوضع متميز عن باقي الإنكشارية في إيالات الدولة العثمانية، فبالإضافة إلى المرتبات المرتفعة وتزويدهم بالمواد الغذائية والملابس سمح لهم بقرار خاص صادر من السلطان العثماني سليمان القانوني بالزواج والعمل بالتجارة مع إعفائهم من الضرائب وهو ما كان ممنوعا عليهم . وأدت هذه القرارات إلى زيادة اختلاط الإنكشارية بالسكان وزيادة تعدياتهم مما أدى إلى نشوب ثورات تم إخمادها بقسوة، ولكن ذلك لم يمنع اندلاع ثورة عارمة في سنة 1588 قادها يحي بن يحي السويدي وانضم له فيها شيوخ القبائل ومنهم شيوخ قبائل مسراتة واستطاعوا القضاء على القوة العسكرية للحاميات الإنكشارية خارج مدينة طرابلس التي فرضوا حصار بري عليها، ولم تستطع الدولة العثمانية القضاء على الثورة وإعادة فرض سيطرتها على المناطق الداخلية إلا في سنة 1590. وبعد ذلك مرت أحوال سكان مسراتة ما بين سخط وولاء لمن يحكم طرابلس، حيث شاركت قبائل مسراتة في حملة دعا لها الداي محمد باشا الساقزلي في سنة 1639، ثم شاركوا في الثورة التي قامت على خلفه الداي عثمان باشا الساقزلي في سنة 1673 وانتهت بصلح مع الداي المذكور. وفي عهد خلفه بالي داي لبى مشائخ مسراتة دعوته لدفاع عن طرابلس وشاركوا في صد العدوان عن مدينة طرابلس حتى زال الخطر. وفي خلال القرن السابع عشر إفرنجي استخدم مرسى قصر أحمد من قبل السفن الطرابلسية العائدة من الغزوات البحرية، حيث كانت تتوقف به ويرسل ربابنتها من يستطلع الأخبار في مدينة طرابلس، فإذا تأكدوا من سلامة الوضع واستتباب الأمن أبحروا بسفنهم بمحاذاة الساحل إلى طرابلس. وكان الساحل في حالة قيام حرب مع دولة أوربية كبيرة يحاصر من قبل سفنها، كما حدث في سنة 1676 عندما حصر الساحل من قبل السفن الإنكليزية طوال شهري يناير وفبراير حتى تم الصلح في شهر ابريل. ومع نهاية القرن السابع عشر بدأ دور الكوارغلية يبرز في الحياة السياسية بعد أن زاد عددهم وأصبحوا يشكلون قوة عسكرية حلت محل الإنكشارية الذين اقتصر وجودهم على مدينة طرابلس، وقد انضم كوارغلية مسراتة مع بني معدان في عام 1109 ﻫ (1698) إلى عبد الله بن عبد النبي الصنهاجي الذي كان موالي لوالي طرابلس ضد منصور بن خليفة وجرت معركة بينهم في قرارة بن جدي انتصر فيها الصنهاجي ومن معه، ثم انقلب بعد انتصاره وتوجه نحو مسراتة فهادنه حاكمها في تلك الفترة أحمد بن ضيف الله وأظهر له الصداقة وهاداه حتى وصل خليل باشا على رأس جيش والتقى به في بوادي حسان في عام 1111 ﻫ (1699) وحدثت معركة أسفرت عن هزيمة الصنهاجي ،ولم ينس المسراتيون لخليل باشا وقوفه معهم، ولذلك عندما ثار الجند على خليل باشا في طرابلس وعزلوه عن الحكم في أواخر عام 1121ﻫ (1709)، قام رحومة بن جويلي المسراتي كبير ركب تجار مسراتة بآخذ خليل باشا معه حتى أدخله مصر سالما.

مسراته من العهد القرمانلى حتى نهايه العصر العثمانى:

بعد تزايد دور الكوارغلية في الحياة السياسية مع بدء انحسار دور الإنكشارية، استطاع أحمد القرمانلي الاستيلاء على الحكم في سنة 1711، مما دفع كوارغلية مسراتة إلى التطلع إلى الحكم وقاموا في عام 1132 ﻫ (1720) بقيادة كل من إبراهيم الترياكي وعلي بن خليل الأدغم وإبراهيم ابليبلو بإعلان خلع أحمد باشا القرمانلي وبايعهم الكوارغلية على أن يكون إبراهيم الترياكي محل أحمد باشا القرمانلي ويكون علي الأدغم وزيره، وتوجهوا إلى طرابلس لتنفيذ ما أعلنوه، وعندما وصلوا تاجوراء جرت معركة انتصر فيها أحمد باشا القرمانلي وأعطى الجميع الأمان ماعدا إبراهيم الترياكي وعلي بن خليل الأدغم الذي هرب إلى مصر وبقي فيها حتى عفى عنه أحمد باشا القرمانلي فرجع في عام 1133 ﻫ (1721( ومن الأحداث التي شهدتها مسراتة بعد ذلك هطول أمطار غزيرة في صفر عام ﻫ1139 (التمور سنة 1726) تسببت في فيضانات نجم عنها تهدم المنازل وتلف المزروعات وهلاك الدواب. وخلال حرب قامت مع فرنسا قامت البحرية الطرابلسية بالاستيلاء على زورق فرنسي في سنة 1728 كان يبحر قرب شاطئ مسراتة. وقد أصيبت البلاد بكارثة عندما تفشى وباء الطاعون في شهر الصيف سنة 1733 واستمر شهر ونصف توفي خلاله الكثير من السكان، ثم أصيبت البلاد بجفاف أدى إلى مجاعة أصابت السكان في سنتي 1734- 1735 . وعاود الجفاف في سنة 1745 وأدى إلى وفاة الكثير من السكان وهلاك دوابهم، ثم تكرر الجفاف في سنة 1767 وأدى إلى مجاعة اضطرت أربعين ألف من سكان إيالة طرابلس إلى الهجرة إلى مصر وتونس، واستمر الجفاف في السنة اللاحقة التي انتشر فيها وباء الكوليرا. وعلى مستوى الأحداث القبلية في مسراتة أصبح سالم الأدغم آغا للكوارغلية بعد وفاة والده رمضان آغا في سنة 1782 وقاد كوارغلية مسراتة الذين شاركوا في حملة عسكرية سنة 1783 . وقد عاود الجفاف في سنة 1784 وعمت المجاعة ثم تفشى الطاعون في شهر ابريل سنة 1785 ولم ينقطع إلا في شهر أغسطس سنة 1786. وأدت تتابع سنين الجفاف إلى ارتفاع نسبة الوفيات وهجرة السكان إلى البلدان المجاورة ووفاة خمس سكان إيالة طرابلس، ونتيجة لذلك تأثر الوضع الاقتصادي والاجتماعي وارتفعت أسعار المواد الغذائية وهبط سعر الذهب والفضة حتى بيعا بأقل من قيمتهما الفعلية في أوربا بمعدل يتراوح بين 20% و25%. وكانت الدول الأوربية في تلك الفترة تسعى إلى اكتشاف القارة الإفريقية لنهب ثرواتها وفي إطار ذلك قامت الجمعية الإفريقية بلندن بإرسال ويليام لوكاس William Lucas إلى طرابلس الذي وصلها في هانيبال سنة 1788 ثم حصل على الأذن بالتوجه إلى فزان فسافر عبر طريق مسراتة التي وصل إليها في 5 النوار سنة 1789 وبقي فيها بسبب تعذر مواصلة السفر إلى فزان فبقي إلى 6 ابريل يجمع المعلومات عن وسط إفريقيا من التجار، ثم عاد راجعا وقدم تقريره إلى الجمعية التي أرسلته. وفي محاولة من علي باشا القرمانلي لفض النزاع الذي قام بين أولاده، قام بتعيين ابنه يوسف حاكما على مسراتة في شهر الربيع 1790 في محاولة لإبعاده عن طرابلس، وانعكست ردة فعل يوسف على ذلك في سوء تعامله مع سكان مسراتة، فأعربوا عن عدم رغبتهم في إقامته بينهم خاصة بعد قيامه في شهر هانيبال من نفس السنة بقتل أخيه حسن بك، واعتبر يوسف موقف سكان مسراتة منه إهانة له فأقنع والده بإرسال حملة عسكرية عليهم، وتوجهت الحملة نحو مسراتة في شهر الحرث سنة 1790 وأسفرت عن معارك عنيفة ألحقت أضرارا بسكان مسراتة. ولم يطل الوقت حتى أعلن يوسف خروجه على أبيه وأخيه أحمد في سنة 1791 فساند أهل مسراتة أحمد بك وأرسلوا عددا من المقاتلين لدعمه، ثم قام الحاج سالم آغا الأدغم في نهاية شهر أغسطس سنة 1793 بقيادة حوالي أربعمائة فارس ومائتين من المشاة من مقاتلي مسراتة نحو طرابلس وعندما اقترب منها اشتبك مع قوات يوسف المحاصرة لها وكاد أن يلحق بها الهزيمة لولا تخاذل أتباع أحمد بك القرمانلي عن دعمه بهجوم ينطلق من داخل مدينة طرابلس، ومع ذلك شق طريقه إلى المدينة ودخلها. وبينما كانت الاستعدادات تتم لاستئناف القتال حدث ما لم يكن بالحسبان عندما أرسى أسطول عليه شخص يحمل فرمان من السلطان العثماني بتولي الحكم، فقرر أهالي المدينة القبول به بعد أن سئموا من نزاعات الأسرة القرمانلية فيما بينهم، وخرج علي باشا القرمانلي وتولى علي برغل الحكم بينما ظل يوسف القرمانلي مع قواته يراقب الموقف خارج طرابلس، فقام علي برغل بالتعاون مع الحاج سالم آغا بشن هجوم علي قوات يوسف باشا بخارج المدينة فشتتوها وغادر البلاد. وبعد تسلم علي برغل الحكم قام بظلم سكان مدينة طرابلس ظلما شديدا فتطلعوا إلى عودة الحكم القرمانلي، فقام أحمد بك ويوسف القرمانلي باستعادة الحكم في آخر شهر يناير سنة 1795، ثم أقصى يوسف أخوه أحمد بك عن الحكم في 11 الصيف سنة 1795 وحصل بعد ذلك على اعتراف الدولة العثمانية بحكمه وأصبح يحمل لقب باشا وقام بإصلاح علاقته مع سكان مسراتة الذين شاركوا خلال حكمه في عدة حملات عسكرية، وكان سكان مسراتة خلال العهد القرمانلي منضوين في تجمعين قبليين هما: (الأهالي والكوارغلية.( وخلال عهد يوسف باشا القرمانلي تزعم الشيخ أبو القاسم بن الشيخ أبوبكر بن منتصر قبائل الأهالي، وتزعم عصمان آغا بن سالم آغا الأدغم قبائل الكوارغلية. وكان حكم مسراتة يتم إما بتعيين قائد يتولى جميع السلطات ماعدا السلطة القضائية أو يترك الحكم لزعيمي الأهالي والكوارغلية يدير كل منهما شؤون القبائل التابعة له بما في ذلك تعيين شيوخ القبائل. وكان حسن البلعزي يتولى مهام قائد مسراتة في سنة 1821، ثم عين يوسف باشا ابنه مصطفى بك حاكما لمسراتة عندما عين أبنائه حكام على المناطق . وأهم حدث في تاريخ مسراتة خلال العهد القرمانلي هو قيام يوسف باشا ببيع الأراضي الخالية والبرية بمسراتة، واجتمعت لذلك القبائل وجمعوا المال، وناب في الشراء عن قبائل الأهالي الشيخ أبو القاسم بن منتصر، وعن قبائل الكوارغلية عصمان آغا الأدغم. ومن الأراضي المشتراة وادي مميون دراق الذي تم شراؤه في شوال عام ﻫ1229 (سبتمبر سنة 1814) ثم توالت مشتريات أراضي البرية، وقد قسمت بعض الأراضي بين القبائل وتركت الأخرى مشاعا بين القبائل خلال ذلك العهد، ومن المقاسمات التي تمت في ذلك العهد قسمة وادي مميون دراق التي تمت في عام 1233 ﻫ (1818). وقد عرفت وثائق الملكية باسم حجج بيت المال لأنها صادرة عن ناظر بيت المال ومختومة بختمه بالإضافة إلى ختم يوسف باشا القرمانلي. وترجع أسباب بيع الأراضي العائدة للدولة إلى محاولة يوسف باشا إيجاد موارد مالية بعد إسرافه في صرف الأموال والاستدانة من التجار الأوربيين بربا فاحش، بالإضافة إلى زيادة مصاعبه المالية بسبب قرار الدول الأوربية مجتمعة منع دول المغرب العربي من القيام بغزوات بحرية أو تقاضي رسوم مرور من الدول الأوربية لقاء مرور سفنها بأمان في البحر المتوسط. وقد أدى النقص في موارد الخزينة إلى قيام يوسف باشا بتبديل العملة المتداولة عدة مرات بعملات أقل قيمة منها خفضت فيها نسبة الذهب والفضة بالإضافة إلى فرض ضرائب جديدة على السكان، وأدى ذلك إلى قيام إلى ثورة أدت إلى حرب أهلية في سنة 1832، انقسم فيها السكان قسمين بين منادي بخلعه وبين باقي على ولائه له، وبالنسبة لمسراتة فقد أبدى عصمان آغا الأدغم تضامنه مع كوارغلية المنشية بطرابلس الذين كانوا أول من أعلن الثورة على يوسف باشا وقاموا بمبايعة حفيده محمد بك بدلا منه، وأما الشيخ أبو القاسم بن منتصر فعبر عن عطفه وولائه ليوسف باشا. ونتيجة لهذه المواقف المتضاربة جاء أحمد القرمانلي إلى مسراتة أحمد القرمانلي لأخذ البيعة من سكانها لأخيه محمد بك الذي بايعه كوارغلية المنشية، ثم رجع أخذا معه الشيخ أبوالقاسم وابنه عبد الله للإقامة بالمنشية ليكونا تحت أنظارهم لأنه قيل له أنه لو بقي الشيخ أبوالقاسم بمسراتة فلن تتم لهم بيعة، لأنه متعاطف مع يوسف باشا والقبائل تستمع لكلمته، كما أخذ معه أيضا ابن عصمان آغا وابن أخيه خليل آغا. وقد توفي الشيخ أبو القاسم بالمنشية في شهر ديسمبر سنة 1832، ورجع ابنه عبد الله إلى مسراتة وتولى مشيخة الأهالي، وقد أرسل علي باشا بن يوسف باشا القرمانلي الذي حل محل أبيه رسالة له ولأخيه أحمد في 30 ذي القعدة عام 1248 ﻫ (21 ابريل سنة 1833) وطلب فيها دعمهما ضد ابني أخيه والمعارضين له. ولكن كان الوقت قد فات حيث إشتعلت الحرب الأهلية وانفرد كل زعيم بحكم منطقته ولم يعد بيد علي باشا إلا مدينة طرابلس، فأدت هذه الحرب في النهاية إلى تدخل الدولة العثمانية في سنة 1835 وقامت بإنهاء حكم الأسرة القرمانلية وإعادة حكمها المباشر على طرابلس.

مسراتة في العهد العثماني الثاني:

بعد سيطرة نجيب باشا على طرابلس وعزل علي باشا القرمانلي وعودة الحكم العثماني المباشر, أرسل عصمان آغا الأدغم إلى نجيب باشا رسالة تتضمن الترحيب دون إعلان قبوله بالسلطة العثمانية المباشرة على مسراتة، وبعد ثلاثة أشهر من عزل علي باشا عين الوالي محمد رائف باشا الذي وجه دعوة لوالدة محمد بك القرمانلي وأخته للعودة إلى مدينة طرابلس والإقامة فيها، فرفضتا العودة وانتقلتا من تاجوراء إلى مسراتة، ولذلك قامت الدولة العثمانية بإرسال المشير طاهر باشا لفرض السيطرة المباشرة على مسراتة، ولما وصل طرابلس أعد قواته ثم نقلها بالسفن ونزل بها على شاطئ قصر أحمد بمسراتة في 14 ناصر سنة 1836 فلقي مقاومة عنيفة واستمرت المعارك سبع وعشرين يوما أمدا فيها بقوات جديدة بقيادة شاكر صاحب الطابع الذي قدم بثلاثة سفن حربية وتسعة سفن تجارية عليها ثلاثمائة جواد أهداها لطاهر باشا الذي استطاع استمالة قسم من سكان مسراتة، فقرر عصمان آغا وقف المقاومة والخروج من مسراتة، وسيطر طاهر باشا على مسراتة في 9 هانيبال سنة 1836 ثم قبض بعد ذلك على عصمان آغا ونقله طاهر باشا معه عند رجوعه إلى استنبول في محرم عام 1253 ﻫ (ابريل سنة 1837). وخلال الشتاء في الفترة الواقعة بين سنتي 1836-1837 انتشر وباء الطاعون في إيالة طرابلس وأصبح وضع السكان والجيش العثماني صعبا وتوفي من السكان حوالي 80700 ألف نسمة. وعفت الدولة العثمانية عن عصمان آغا، وعاد من استنبول في شوال عام 1255 ﻫ (ديسمبر سنة 1839) وأعيد آغا على كوارغلية مسراتة وزليتن وساحل آل حامد. وعين حسن بك البلعزي قائدا على مسراتة، وبعد تولي الوالي الجديد محمد أمين باشا في 6 جمادى الآخرة عام ﻫ1258 (4 أغسطس سنة 1842) قام بتنظيم أمور الإيالة في سنة 1845 وجعلت مسراتة مديريه ضمن لواء مسراتة الذي أصبح مركزه في مدينة الخمس التي أسست في تلك السنة. ومن الأحداث الهامة التي شهدتها مسراتة في تلك الفترة زيارة السيد محمد بن علي السنوسي لها خلال زيارته إقليم طرابلس في سنة 1844، وقد استقبله كل من الشيخ عبد الله بن منتصر وأخيه أحمد بإماطين، وقاما ببناء أول زاوية لطريقة السنوسية بمسراتة في نفس العام 1260 ﻫ (1844) في موضع بروك جمال قافلة السيد محمد السنوسي، كما بنيا زاوية ثانية في زاوية المحجوب بمسراتة، وأوقفا على كلا الزاويتين وقف لصرف على الزاويتين، وقد تولى الإشراف على الزاويتين بتكليف من السيد محمد السنوسي الشيخ عبد الله السني الذي إستقر خلال تلك الفترة بإماطين لرعاية الزاويتين والقيام بالتعليم، وقد أقام بمنزل بني له قرب الزاوية. وفي عهد الوالي محمود نديم باشا أعيد التنظيم الإداري للإيالة في سنة 1865 وجعلت مسراتة قضاء ضمن لواء الخمس، وعين للقضاء قائم مقام ومجلس إدارة يتكون من أربعة أعضاء اثنان عن الأهالي واثنان عن الكوارغلية، وعين الشيخ عبد الله بك بن منتصر مديرا على مسراتة ومنح رتبة (قيوجي باشي) كما عين الأميرألاي إسماعيل بك قائدا للقوة العثمانية المتواجدة بمسراتة والمناطق التي حولها، ثم عين عبد الله بن منتصر قائم مقام لواء الخمس في عام 1263 ﻫ (1847) ومنح رتبة (باي) وظل في منصبه إلى وفاته في عام 1266 ﻫ (1850) وخلفه في مشيخة الأهالي أخوه أحمد بك الذي عين في عدة مناصب منها قائم مقام الخمس في عام 1273 ﻫ (1857) ومنح لقب باشا ورتبة ميرميران، وتوفي في عام 1274 ﻫ (1858)، أما عصمان آغا الأدغم فقد خلفه أحمد آغا الأدغم في زعامة الكوارغلية والذي تولى عدة مناصب إدارية وعسكرية في ولاية طرابلس. وبما أن البلاد تمر كل سبع أو عشر سنوات بفترة جفاف، فقد تسببت قلة الأمطار في موسم شتاء 1870-1871 إلى اضطرار السكان إلى ذبح مواشيهم لفقدهم الحبوب، فسمي ذلك العام بعام الذبح، ثم تكرر الجفاف في سنة 1881 فقامت الدولة العثمانية باستيراد الدقيق وتوزيعه على السكان فسمي ذلك العام بعام الدقيق. وبعد تعيين أحمد راسم باشا واليا على طرابلس في سنة 1882 قام بإصلاحات أخذت مسراتة نصيبا منها، وتم بناء قصر الحكومة بإماطين وحفر آبار على الطريق التي تربط إماطين بالمناطق البعيدة، كما تم إيصال خط البرق(التلغراف) إليها وأسس بها بلدية ومجلس بلدي، وقام الأهالي والتجار ببناء خمسة فنادق تجارية ومائتي مسكن وافتتحت مدرسة ابتدائية بتبرعات السكان. وفي عهد الوالي حافظ باشا تم إلغاء امتياز الكوارغلية في سنة1901 والقاضي بعدم دفع الضرائب في مقابل تأدية الخدمة العسكرية، كما تم تنظيم مسراتة إداريا وقسمت في سنة 1902 إلى محلات وعين لكل محلة مختار أعطيت له صلاحية إعطاء شهادات الملكية وإعلام سجل النفوس بحالات الولادات والوفيات. ومن الأحداث المهمة في تاريخ مسراتة في تلك الفترة قسمة أراضي البرية المعروفة بالبر الفوقي الحساسين، والتي تم شرائها في عهد يوسف باشا القرمانلي وقسمت في زمن قائم مقام مسراتة ب"هجان بك" المعروف لدى كبار السن في مسراتة باسم "بهجات بي".

 
 
بقلم الدكتور/ عبد العزيز الفضالى