جهاد ناصر تكتب
لم يبلغ ملك من ملوك مصر ما بلغه رعمسيس الثاني من شهرة في التاريخ فقد استطاع هذا الملك أن يفرض اسمه وشخصيته علي عصره وكل العصور التالية وتعد معركة قادش نقطة تحول في حياته السياسية والعسكرية وعلامة بارزه في تاريخ الشرق الأدنى القديم ككل فإذا ما رجعنا إلي أي عصر سيتي الأول لوجدنا انه تقدم للاستيلاء علي مدينة قادش والتحم بجيوش خيتا وانتهي الأمر بينهما بعقد معاهدة صداقة ظلت محترمة حتى مات سيتي الأول وعندما تولي رعمسيس الثاني العرش لم يقم بنقض هذه المعاهدة وقد حدث تمرد من أمراء الدويلات السورية ضد رعمسيس الثاني بتحريض من مملكة خيتا أو أن الإرهاصات الأولي كانت علي يد الشردان الذين هددوا الموانئ والمواصلات بمنطقة شرق البحر المتوسط فتوجه في عامه الرابع لدحر هذا الخطر في مهده ثم احكم قبضته علي صور وجبيل واتخذ من مدينة عرقاتا قاعدة لمهاجمة أمورو وأستولي عليها بعد هزيمة حاكمها "بنتشينا" الذي كان ولائه لمواتاللي حاكم خيتا فاستفز هذا الوضع مواتاللي فأراد أن يلقن الفرعون الشاب درسا لم يجعله يجرؤ علي مناوأة النفوذ الحيثي بسوريا وكان علي رعمسيس الثاني في عامه الخامس أن يدخل في مواجهة عسكرية مع حاكم خيتا في قلب الإقليم السوري وقد استعان مواتاللي فيها بشعوب كثيرة اتخذ منها جنود مرتزقة مثل شعوب جزر بحر إيجه وإمارات سوريا الصغرى وبلاد الفرات وتقدم بكل هذه الجموع عند موقع يعد البوابة السورية الشمالية ذات الوضع الاستراتيجي الهام وعلم رعمسيس بنبأ هذا التحرك فتوجه من العاصمة "بر- رعمسيس" صوب قادش مخترقين وادي البقاع شرقي لبنان وقتذاك قبض الجنود المصريون علي جاسوسين من بدو الشاسو كانوا قد أرسلهم مواتاللي ليعرفا تحركات الجيش وبعد ضربهما ضربا موجعا ابلغوهما أن مواتاللي تقهقر بجيوشه إلي حلب عندما علم بتقدم الجيوش المصرية وان الملك الحيثي يخشي التقدم جنوبا عندما سمع بالزحف المصري شمالا ولكن كان اعتراف متفق عليه من قبل الملك الحيثي وعلي الرغم من أن رعمسيس قد قسم جيشه إلي أربع فيالق (أمون , رع , بتاح , ست) إلا انه انطلق بفيلق أمون راغبا اللحاق بعدوه قبل أن ينفذ انسحابه تاركا بقية جيشه خلف ظهره وهنا قد ارتكب الفرعون خطأ حربيا لان تجمع القوات احد الأسس الحربية وكذلك تصديقه لما قاله الجاسوسان وعدم تنظيمه لإدارة مخابراته كلفاه ثمنا كبيرا وما أن عبر الفرعون نهر العاصي إلا والتف حوله ملك خيتا وجنوده وهذا ما اخبره به الجنود الحيثيين اللذان كانا قد قبض عليهما بان ملك خيتا علي بعد ميلين وليس مائتي ميل ولكن ظن إنهم يخدعانه ومن ثم اخذ يعد العدة لهذا الموضع الجديد الذي لم يكن في الحسبان .وما إن وصل فيلق رع إلا وهجم العدو هجوما مفاجئا فلم يستطع لم شمله مما احدث تشتت في صفوف جنود الفرعون فتخلي عنه أكثر رجاله فلم يري رعمسيس بدا من الاعتماد علي نفسه فصمد للقتال فكان عمله مثلا في الشجاعة لجنوده من جيش أمون ورع وسرعان ما ثبتت قلوب جيشه والتحموا بالأعداء والفضل في ذلك يرجع إلي نجده الجنود الفلسطينيين المعروفة "بفرقة ثيارونا" حيث وصلت إلي المعركة تحت إمرة الضباط المصريين فاحدث مجيئهم تغيرا في سير المعركة وانتهي اليوم الأول دون هزيمة رعمسيس التي كان ليس ببعيد عنها أما كيف نجح في ذلك؟ فيجيب عنها رعمسيس في نصوص شعرية تعكس تقواه حيال أمون إذ يذكر في ابتهاله لأمون الذي توجه إليه طالبا العون بعدما واجه الخطر المحقق وقد أجابه أمون بالفعل وقال له اثبت فانا معك ويبدو أن لهذه الكلمات مفعول السحر علي رعمسيس مما ساعدهم علي إنهاء القتال في اليوم التالي وحسبما تذكر النصوص المصرية طلب المتحالفون العفو من رعمسيس الثاني . علي إيه حال فقد عاد رعمسيس إلي ارض الكنانة دون أن يضم مدينه قادش وإذا نظرنا في تاريخ هذه المعركة الآن ونقرا ما كتبه عنها المصريون وما سطروه علي واجهات المعابد فإننا نجد أنفسنا عاجزين عن فهم السبب الذي جعل رعمسيس لا يجني ثمار انتصاره ذلك انه لو كان رعمسيس قد انتصر بحق لرأينا صدي ذلك علي ارض الواقع وآيا ما كان الأمر فقد استفاد رعمسيس من نتائج هذه المعركة سياسيا بشكل فاق الوصف فعاد إلي العاصمة بر رعمسيس في موكب حافل بالأسري والغنائم عام 1274 ق.م وكأنه انتصر نصرا حاسما في معركة قادش التي سجل وقائعها علي جدران المعابد المختلفة حتى وصلت ثمان مدونات الأولي في معبد أبيدوس و3مواضع مختلفة في معبد الكرنك ومرتين في معبد الأقصر فضلا عن برجي صرحي الرمسيوم بالإضافة إلي معبد أبوسمبل كما نسخت علي البردي في غير مرة مثل بردية شستربيتي الثانية والثالثة وكذلك بردية دينية |