الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

فلسفة حب الوطن…بين القول والفعل

فلسفة حب الوطن…بين القول والفعل
عدد : 08-2016
بقلم الدكتور/. إبراهيم حسن الغزاوي
خبير دولي في إدارة مراحل الانتقال وتهيئة مؤسسات الدولة عقب الاضطرابات والنزاعات
محاضر القانون الدولي وحقوق الإنسان
eommar@hotmail.com



“ما أطيبَك من بلدٍ وما أحبَّك إليَّ ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنتُ غيرَك …. رواه الترمذي.

هكذا كان درس العشق الأكبر في تاريخنا الإسلامي الحنيف …أعطاه لنا الرسول الكريم (ص) ..وهو بالقطع كان فيه إنسانا قبل أن يكون وطنيا….ثم كان فيه إنسانا ووطنيا قبل أن يكون رسولا ونبيا…وفي مقولته اجتمعت كل خصال الإنسان الكريم الحي بمشاعره السوية، والوطني المخلص، الذي ربطته أواصر الترابط المتنوعة بجغرافية مكة المكرمة وتضاريسها…وكان أيضا رسولا ونبيا…ومن معانيها أنه كان مشرعا ..ومن خير ما شرع هذا الدرس الإنساني الرفيع في الربط بين الإنسان والأرض على نحو إنساني بالغ الرقة والعذوبة والنقاء والمحبة..كلها في آن واحدد….

ومن حديث الرسول الخاتم أخذت فكرة مقالتي اليوم…. محاولا رسم الخط الإنساني الرفيع والقوي والعميق في الرباط النفسي بين الفرد والجغرافيا ، لما له من دور محوري في صياغة أبجديات علاقة المواطنة التي نعيشها اليوم في مصر وفي غيرها من بلدان العروبة حولنا….

فلأمر ليس مجرد واقع مادي يجسد تعايش يومي بيننا كبشر وبين الأرض والزرع والماء والصحراء والهواء…الأمر أكبر من ذلك بكثير…فالرسول الخاتم قد صاغ بإنسانية واضحة أطر علاقة أبدية..لم يبتدعها هو، وإن أحسن قوله في تجسيدها، لكي يراها الناس بوضوح ويتبعونه فيها….

وأول وأهم وأقوى أسس هذه العلاقة الرائعة هو الطيبة والحب…فبقوله أطيب وأحب بلاد الله إلي… قد القي الضوء على عنصرين متشابكين في تكوين مشاعر بني البشر..وهما الطيبة والمحبة….وبغيرهما تفسد كل العلاقات…

ونحن وإن اعتدنا أن تكون الطيبة والمحبة من صفات الإنسان في علاقته مع الإنسان عادة ، فقد جاء حديث الرسول (ص) ليجعلها صفات أيضا ترتبط وتنتمي للجماد والنبات والهواء والتضاريس بصفة عامة…وفي ذلك صياغة إنسانية نبيلة لروابط تدوم بين الناس وأرضهم وسمائهم…أليست هذه هي أنبل صفات المواطنة؟..وإذا كانت تلك هي صفات المواطنة…كما شرعها لنا نبينا (ص) …فهل يليق بنا ألا نشرف بتلك الصفات ونحملها على العين والرأس قبل القلب والمشاعر؟

ولعل قيمة الرباط هذا بين البشر والحجر تبين اليوم لنا في مصرنا الحبيبة وفي امتنا العربية ، ونحت نعاني من اهتراء هذه الروابط بين الفرد وبين الوطن…. مما يجعل الكثيرون لا يكترثون ..وهو يطأوون بأقدامهم أو بسلوكهم على ابسط واجبات الانتماء لبلادنا…فالذي يقبل أن يضع عبوة ناسفة في أي بقعة من وطنه …معطوب الإنسانية ….والذي يلوث فكر غيره بهراء العلم واخطر الثقافة التي تؤدي للتطرف والعنف هو فاقد لأبسط روابط الانتماء الإنسانية…والذي يسير في الأرض فسادا..فيسرق أو يقتل أو يظلم….هو فاقد لها أيضا…والذي يريد أن يأخذ كل شيء ..ويسعي بكل شريف وغير شريف للتكسب ولو على حساب الآخر أو المال العام..هو فاقد لأبسط الروابط الإنسانية تلك…والذي يأخذ راتبه من خزينة الدولة..ولا يعمل …أو يتقاعس أو يهمل واجبه..هو فاقد لروابط القربى الطبيعية بين البشر والوطن…والذي يعيق قضاء حوائج البسطاء والعامة من الناس في أي من دواوين السلطة أو الإدارة..هو منفر وجائر في حكم ما استقر بحديث النبي من ثوابت علاقة المواطنة السوية….والذي يندفع بلا وعي ولا عقل يردد ما يردده الخبثاء لكي يرسخ لانتشار الإشاعات الهدامة التي تضر بالناس والبلاد..هو أيضا فقير في المواطنة ….والمسئول الذي يكرس وقت خدمته للناس في التكسب من وراء وظيفته …هو فاقد لتلك الروابط الحية الإنسانية…والمواطن الذي يبني فوق ارض زراعية…فيضر مجتمعه لكي يتكسب لنفسه ….هو بالقطع خارج نطاق هذه الوشائج الراقية التي نسميها مواطنة ….وباليقين من أجل كثير من هذه الأنماط السلوكية غير الرشيدة ..كان القانون …لكي يردها ويدفعها ، كلها أو معظمها ، بحكمه وسلطانه ، ويعاقب كل من يجتريء على نواميس المواطنة الصحيحة..ولكن ليس بالقانون وحده تقوم المجتمعات …فالقانون يطبقه البشر…والقانون يحكم البشر أيضا….

هناك مفردات العقيدة الدينية التي يجب أن يكون لها سلطانها في إعادة صياغة أطر الحب بين الفرد والوطن… ومن غير المقبول أن نختزل علاقتنا بالله الخالق في زيارات روتينية لدور العبادة.. أو حج أو عمرة أو غيرها… وبعدها تعود ريما لعادتها …ولا تغيير حقيقي يستقر ويستمر …ليطال بالإيجاب سلوك جمعي للناس….

وهناك الثقافة السوية ….التي ترفع من شأن الحس والعقل الإنساني..وترتقي به …لتجعله أكثر إدراكا لجرائم قد يقع فيها الناس في حق وطنهم..ولكن لا يطالها القانون بعقوبته..مثل الأغاني الهابطة والأفلام الرخيصة وثقافة البغض السلوكي اللفظي قبل الفعلي….والنميمة والتربص والخوض في الأعراض والانشغال بغير ما يخصنا من شئوننا الخاصة …وغيرها…..

نحن نحتاج لنهضة حقيقية في مسارات السلوك الإنساني، بيننا وبين بعضنا البعض …وبيننا وبين أوطاننا ….لكي نحب بلادنا حبا هي تستحقه…ونستحقه نحن أيضا…ولكي نسيطر على روافد العنف والتفكك والتشرذم الذي ضرب بلادا عريقة وحضارات عميقة مثل العراق سوريا….نعم…نحتاج اليوم إلى تدبر معاني كلمة المواطنة …وفي أعيننا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم…