الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

جامع سامراء

جامع سامراء
عدد : 05-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
سلسلة كنوز عالمية


سامراء مدينة عراقية تاريخية تقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة في محافظة صلاح الدين وتبعد 125 كيلومترا شمال العاصمة العراقية بغداد وتحدها من الشمال مدينة تكريت ومن الغرب مدينة الرمادي ومن الشرق مدينة بعقوبة وهي تعتبر أحد أهم المدن المقدسة في العراق وذلك لوجود ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري وهما لهما مكانة دينية كبرى عند طائفة الشيعة الإثنا عشرية فهم يعدونهما الإمامين العاشر والإمام الحادي عشر من أئمتهم كما تضم المدينة أضرحة السيدة حكيمة أخت الإمام علي الهادي والسيدة نرجس أم الإمام المنتظرالمهدي عند الشيعة كما يوجد بجوار الضريحين السرداب الذي عاش فيه الأئمة الهادي والعسكري والمهدي ولهذا فهي تستقطب الزائرين الشيعة من جميع أنحاء العراق وخارجه لاسيما في أيام المناسبات خاصة عاشوراء ويبلغ عدد سكان مركز المدينة أكثر من 190 ألف نسمة حسب إحصائيات وزارة التخطيط العراقية لعام 2013م وقد ضمت منظمة اليونيسكو مدينة سامراء عام 2007م إلى قائمة التراث العالمي وتمتد هذه المدينة بطول 41.5 كيلومترا من الشمال إلى الجنوب أما عرضها فيتراوح بين 4 و8 كيلومترات وتحتوي هذه المدينة على معالم أثرية هندسية وفنية ومن بين الآثار العديدة والبارزة الموجودة في الموقع المسجد الجامع ومئذنته الملوية والذى شيد في القرن التاسع الميلادي ويبقى قرابة 80٪ من المدينة الأثرية مطمورا ويحتاج إلى تنقيب وقد تم الإستيطان في منطقة مدينة سامراء منذ أقدم العصور وقبل ظهور الإسلام وتحديدا في أثناء الحقبة الساسانية التي بدأت في أوائل القرن الثالث الميلادى وحقبة المناذرة حلفاء الفرس التي بدأت في أول القرن الرابع الميلادى وإتخذت في بعض المواقع حولها نقاط مراقبة وحصون دفاعية إستراتيجية وعسكرية أثناء فترة إحتدام الصراع المسلح بين الروم والفرس .


وفي العصر العباسي كانت سامراء تعد عاصمة ثانية للدولة العباسية مع بغداد العاصمة الأولي وكانت تسمي حينذاك سر من رأى وذلك منذ عهد الخليفة العباسي المعتصم عام 221 هجرية الموافق عام 835م والذى قام بتعميرها لتكون عاصمته الجديدة وهو ثامن الخلفاء العباسيين ويكني بأبي إسحاق وهو محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد والمولود عام 179 هجرية الموافق عام 796م في بغداد والذى تولى الحكمَ على الشام ومصر خلال فترة خلافة أخيه المأمون ويذكر بأن المعتصم بالله قد بويع بالخلافة في اليوم ذاته الذي توفّي فيه أخوه المأمون في طرطوس ببلاد الشام ويحمل المعتصم بالله لقب الخليفة المثمن نظرا للدور المهم الذي لعبه الرقم ثمانية في حياته وتمثّل ذلك لكونه الخليفة العباسي الثّامن وقد تولي الحكم لمدة ثماني سنوات وثمانية أشهر بالإضافة إلى قيامه بثمانية فتوحات عسكرية ثم كانت وفاته عن عمر يناهز 48 عاما تاركا وراءه ثمانية أولاد وثماني بنات وكان ذلك في الثامن من شهر ربيع الأول من عام 227 هجرية الموافق عام 842 هجرية وتتحدث الروايات أنه لما جاء يبحث عن موضع لبناء عاصمته تلك وجد هذا الموضع لنصارى عراقيين فأقام فيه ثلاثة أيام ليتأكد من ملائمته فإستحسنه وإستطاب هواءه وإشترى أرض الدير بخمسمائة درهم ثم بدأ تخطيط مدينته التي سميت سر من رأى .


وبعد أن تم بناء المدينة إنتقل المعتصم بالله مع قواته وعسكره إليها ولم يمض إلا زمن قليل حتى قصدها الناس وشيدوا فيها مباني شاهقة وفي عهد إبنه الخليفة العباسي المتوكل عام 245 هـجرية الموافق عام 859م بنى فيها مدينة المتوكلية وشيد الجامع الكبير ومنارة مئذنته الشهيرة الملوية التي تعد أحد معالم المدينة الأثرية وقد بقيت مدينة سامراء عاصمة للخلافة العباسية فترة تقرب من 58 عام تمتد من عام 220 هجرية الموافق عام 834م وحتي عام 279 هجرية الموافق عام 892م وقد تعرضت أغلب المباني في مدينة سامراء للتدمير أثناء الغزو المغولي عام 656 هجرية الموافق عام 1258م والصفوي لاحقا في أوائل القرن السابع عشر الميلادى كما هو حال مدينة بغداد وخلال ذلك هدمت أسوارها ومبانيها الشاهقة وفي خلال فترة الحكم العثماني شهدت المدينة نهضة عمرانية صغيرة وفي عام 1299هـجرية الموافق عام 1881م بنيت أول مدرسة إبتدائية في مدينة سامراء وفي عام 1294 هجرية الموافق عام 1878م نصب أول جسر على نهر دجلة يربط الضفة الشرقية للمدينة بضفتها الغربية .


ويعد المسجد الجامع مع المئذنة الملوية بمدينة سامراء من الآثار التاريخية ومن أبرز معالم عهد الدولة العباسية في هذه المدينة بصفة خاصة وفي العراق بصفة عامة حيث تشاهد آثاره حتي الآن شاخصة وهي تقاوم كل عوامل التخريب الطبيعية على مر القرون وكان هو المسجد الجامع الذي بناه الخليفة العباسي المتوكل على الله إبن الخليفة المعتصم بالله كما ذكرنا في السطور السابقة بين عام 234 هجرية الموافق عام 848م وعام 237 هجرية الموافق عام 851م على أرض مستطيلة مساحتها 27920 مترا مربعا بطول 240 مترا وعرض 158مترا ويسع المصلى الواسع به لأكثر من 80 ألف مصل وقد شيد الجامع بمادة الطابوق وهو نوع من الطوب المحروق في أفران خاصة يتم صفه يدويا ويشد بالجص وفرشت أرضيته كلها بطابوق مربع صف بدقة وإتقان ويتألَّف هذا الجامع من بيت للصلاة ومجنبتين ومؤخرة تحيط بصحن مستطيل وكان في الصحن نافورة جميلة المنظر ذات شكل دائري تتكون من قطعة واحدة من حجر الجرانيت ويتكون بيت الصلاة في هذا الجامع من تسعة عقود أو أساكيب وخمسة وعشرين بلاطة متساوية في سعتها عدا بلاطة المحراب فهي أوسع من غيرها ويبلغ عرضها 4,20 مترا ويطل المصلَّى على الصحن بتسع عشرة بائكة أما عمق المصلى فيبلغ 62 مترا وتتألف كل من المجنبتين الشرقية والغربية من أربعة أروقة تشتمل كل منها 23 بلاطة أي تطل كل منها على الصحن بثلاث وعشرين بائكة وتتكون مؤخرة الجامع من ثلاثة عقود أو أساكيب بخمس وعشرين بلاطة وبوائكها بعدد بوائك وبلاطات المصلى والبلاطة الوسطى بعرض بلاطة المحراب أيضا .

ويوجد في جدار القبلة صف من نوافذ صغيرة عددها أربع وعشرين وتنفتح كل واحدة منها على إحدى بلاطات بيت الصلاة عدا بلاطة المحراب فهي بدون نافذة ومما لا ريب فيه أن وظيفة هذه النوافذ هي إدخال النور والهواء إلى المصلى وجعلت على إرتفاع معين أقرب إلى السقف من أرضية الجامع وهذه النوافذ مستطيلة الشكل من الخارج منحدرة إلى الداخل وذات أقواس مفصصة ترتكز أطرافها على أعمدة آجرية شبه أسطوانية مندمجة الأطراف وهذه التشكيلة تزيد في جمال وروعة شكل جدار القبلة الذي يتوسطه محراب ضخم ذو حنية مجوفة مزدوجة العقود وتستند أطراف عقوده على أعمدة رخامية أسطوانية رشيقة ولم تقتصر تشكيلات الزينة والتحلية على جدار القبلة والمصلى فقط بل إمتدت إلى أجزاء أخرى من هذا الجامع الكبير فقد زينت هامات الجدران من الخارج بسلسلة من دوائر مقعرة داخل شكل رباعي وتظهر هذه المقعرات وكأنَّها أكاليل تحيط بالجامع وعددها ست بين كل برجين وقطرها متر واحد هذا وتتميز جدران الجامع بالضخامة وبإرتفاعها البالغ 11 متراً وسمكها البالغ 2.7 مترا بإستثناء الأبراج التي تدعمها وهي أبراج نصف أسطوانية تجلس على قواعد مستطيلة عدا أبراج الأركان فهي شبه مستديرة ويبلغ قطرها خمسة أمتار ومجموع أبراج الجامع 44 برجا وللجامع 15 بابا للدخول إليه ثلاثة منها في الجدار الشمالي وإثنان في جدار القبلة وخمسة في كل من الجدارين الشرقي والغربي وترتفع هذه الأبواب حوالي ستة أمتار عن مستوى سطح الأرض للجامع وتتوجها نوافذ ذات عقود مدببة .


وكانت مئذنة أو منارة هذا الجامع من أبرز معالم الحضارة المعمارية العباسية وهي مئذنة فريدة من نوعها بين مآذن العالم الإسلامي في الطراز المعماري حيث بنيت المنارة على شكل حلزوني من مادة الجص والطابوق الفخاري ويبلغ إرتفاعها الكلي حوالي 52 مترا وتقع على بعد 27.25 مترا من الحائط الشمالي للمسجد وتقع على الخط المحوري لمحرابه وترتكز على قاعدة مربعة طول ضلعها 33 مترا وإرتفاعها 4.2 مترا وتزينها حنايا ذات عقود مدببة عددها تسعة في كل ضلع عدا الوجه الجنوبي فتشغله سبع فقط إذ تغطِّي جزء منه نهاية السلم المنحدر الذي يؤدي إلى القاعدة ويعلوها مبنى أسطواني الشكل مكون من خمس طبقات تتناقص سعتها مع الإرتفاع للأعلى ويحيط بها من الخارج سلم حلزوني بعرض مترين يلتف حول جسم المئذنة وبعكس إتجاه عقارب الساعة ويبلغ عدد درجاته 399 درجة وينتهي بقمة المئذنة التي يبلغ قطرها ثلاثة أمتار وأروع ما في القسم العلوي من هذه المئذنة هو فص من المشاكي المحرابية وعددها ثمان تتوج البدن وترتكز عقودها على أعمدة آجرية شبه أسطوانيَّة مندمجة كما يوجد في أعلى القمة طبقة يسميها أهل سامراء بالجاون وهذه الطبقة كان يرتقيها المؤذن ويرفع عندها الآذان ومن الجدير بالذكر أن الناس كانوا يعتمدون في القدم على رؤية المؤذن على قمة الملوية نهارا وعلى فانوسه الذي يحمله معه عند الصعود لقمة المئذنة ليلا لتحديد أوقات الصلاة حيث كان بالطبع يتعذر وصول الصوت إلى مسافات بعيدة في المدينة كما كانت النساء غير المتزوجات أو اللواتي لا يلدن أو يلدن إناثا فقط أو أي إمرأة لها أمنية وتريد تحقيقها يعتقدن بأنه إذا إرتقت الواحدة منهن الدرج إلى قمة المئذنة الملوية وقامت بإلقاء عباءتها النسائية العراقية التقليدية السوداء إلى الأرض فإذا وصلت الأرض مفروشة ومفتوحة فهذا دليل خير علي أن أمنيتها ستتحقق وإذا نزلت مكورة فهذا يعني أن أمنيتها لن تتحقق .


وفي العصر الحديث حظيت منارة الملوية ومدينة سامراء بإهتمام جميع الحكومات المتعاقبة في الدولة العراقية حتى أصبحت مسجلة ضمن المدن والشواخص الأثرية في منظمة اليونيسكو العالمية وكانت مقصدا للزائرين من كل بقاع العالم إلى حين ما أصابها من إهمال وتخريب بعد الغزو الأميريكي للعراق عام 2003م حيث أصبحت منطقة نزاع بين القوات الأميريكية المحتلة التي إتخذت من المنارة والمسجد الأثري قاعدة عسكرية ونتيجة المعارك المستمرة تعرضت للأسف الشديد القبة العليا للمئذنة للتفجير مما ألحق أضرار بجزئها العلوي وبعد إنسحاب القوات الأميريكية من العراق لم تأخذ المنارة التاريخية فرصتها من الإهتمام والإعمار حيث تعرضت بعد ذلك المنطقة إلى تهديد آخر من قبل مسلحي تنظيم داعش الذين سيطروا على أجزاء واسعة من مدن محافظة صلاح الدين وبعض المناطق القريبة من الملوية لتشهد المنطقة مرة أخرى نزاعات مسلحة وبعد خروج هذا التنظيم مؤخرا من المنطقة تم الإتفاق علي تنفيذ مشروع ضخم بالتعاون مع محافظة صلاح الدين ومنظمة اليونيسكو حيث ستقوم شركات عالمية متخصصة بإعمار الملوية والمسجد وقد شكلت لجنة برئاسة وإشراف محافظ صلاح الدين وعضوية هيئة من الوقف السني ولجنة مختصة من هيئة الآثار والتراث العراقية من أجل إتمام وإنجاز هذا المشروع وقد خصصت ميزانية ضخمة له ستضاف إلى المبالغ التي جمعتها الحكومة العراقية من المواطنين منذ سنين في حملة جمع أموال أطلق عليها إعمار الملوية وقد بدأت هذه الحملة في ثمانينيات القرن العشرين الماضي في عهد حكومة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وإلى وقتنا الحاضر ووصلت المبالغ إلى أرقام كبيرة جدا وسيتم البدء في هذا المشروع قريبا بإذن الله تعالي وجدير بالذكر أنه لم يتكرر نموذج لهذه المئذنة إلا في جامع أحمد بن طولون بمصر والذى تم تشييده في عام 265 هجرية الموافق عام 879م .
 
 
الصور :