الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الخيامية

الخيامية
عدد : 05-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com

الخيامية هي فن مصري أصيل إنفردت به مصر منذ قرون عديدة ومصطلح الخيامية مشتق من كلمة خيام والمقصود به هو صناعة الأقمشة الملونة التي تستخدم قي عمل السرادقات وذلك عن طريق التطريز على أقمشة القطن السميكة بإستخدام مجموعة من الألوان الزاهية والخيوط البارزة وربما يمتد تاريخ هذه المهنة إلى العصر الفرعوني ولكنها بالتأكيد أصبحت أكثر إزدهارا وإنتشارا في مصر في العصر الإسلامي منذ أن تم الفتح الاسلامي لها حيث كان العرب يقيمون في خيام تتميز بحسن مظهرها الخارجي وقد أخذ المصريون هذا الفن وأضافوا اليه بعضا من ملامح فنونهم الخاصة من خلال الرسومات والأشكال والألوان التي أدخلوها على هذا الفن ولا سيما خلال حقبة العصر المملوكي حيث تطورت ودخلت فى أعمال الفراشة ثم في أعمال الديكور والملابس .

وكانت الخيامية ترتبط قديماً بكسوة الكعبة المزينة بخيوط الذهب والفضة والتي كانت تقوم مصر بتصنيعها حتى فترة ستينيات القرن العشرين الماضي وإرسالها إلي بلاد الحجاز قي موكب مهيب يعرف بإسم المحمل ولذا قامت مصر بإنشاء وتأسيس أول مؤسسة لذلك وأسمتها إدارة الكسوة وهي موجودة في منطقة تحت الربع بحي باب الخلق بالقاهرة وكانت الكسوة تحمل على الجمال في موكب مهيب ضمن إحتفالية كبيرة من مصر إلى السعودية قبل موسم الحج كان يسمى بموكب المحمل هذا وتتواجد هذه الحرفة بكثرة في شارع الخيامية بالقرب من باب زويلة في آخر شارع الغورية في القاهرة الفاطمية على إمتداد شارع المعز لدين الله وهذا الشارع موجود بهذا المكان منذ تأسيس القاهرة الفاطمية في عصر الدولة الفاطمية وقد سمى بهذا الإسم نسبة لتلك الحرفة .

ويعد شارع الخيامية أحد أشهر أسواق القاهرة المسقوفة فما أن تدخل ذلك الشارع حتى تجد على جنباته مجموعة من الورش التي تخصصت قي هذه الحرفة والتي تعد من التراث الفني العريق وقد كان باب زويلة يغلق أثناء الليل ويفتح قي أثناء النهار وكان يسمح للتجار القادمين من خارج القاهرة وأيضا الذين يأتون من المغرب والشام بالدخول منه صباحا لمباشرة أعمالهم وتسيير أعمال تجاراتهم ولذا كان هذا الشارع يتكون من طابقين حيث كان الطابق الأرضي يستخدم كإسطبل لخيول هؤلاء التجار وكان الطابق الذي يعلوه مخصص كأماكن لمبيتهم والذين كان لهم خيام يستخدمونها قي سفرهم وترحالهم وكانوا يعملون على إصلاحها قي تلك المنطقة كما كان يحرص كل منهم علي أن تختلف خيمته عن الخيام الأخرى ومن هنا بدأت مهنة الخيامية في هذا المكان التاريخي العريق ومن ثم بدأ الطابق الأرضي تدريجيا يتحول إلي الورش الخاصة بحرفة الخيامية حاليا .


ويعتبر فن صناعة الخيام من أوائل الحرف والأعمال اليدوية التي تعلمها ومارسها الإنسان لصنع مأوى له من القماش وذلك بعد أن صنع الأكواخ من الأحجار والخشب والبوص والحصير وقد تطورت صناعة الخيام منذ عهد الدولة الفاطمية حيث فكر الفنان المصري في إدخال البهجة في شكل مسكنه فطور صناعة الخيام وبدأ يحيكها من أقمشة ملونة مستعيناً بالتصاميم والزخارف العربية القديمة وأدخل بعد ذلك رسوما وزخارف مستقاة من المعابد والجوامع والكنائس كما طور من صنعته وصنع من هذه الحرفة أشياء أخرى مثل المعلقات على الجدران وأيضا العديد من الديكورات المنزلية وزينة شهر رمضان المعظم بداية من فوانيس رمضان ومدافع الإفطار مرورا بالأهلة والنجوم والإكسسورات النسائية فضلًا عن الأدوات والمفروشات المنزلية مثل الخداديات ومفارش السرير وعلب المناديل وغيرها .

ويطلق صانعو الخيامية في مصر على مهنتهم صناعة الأنبياء مؤكدين أن نبي الله إدريس قد عمل في صناعة الخيام وأن المهنة ذُكرت في التوراة وفي القرآن الكريم وكان من أبرز من طور هذه المهنة في مصر في العصر الحديث الحاج حنفي محمد إبراهيم الملقب بشيخ الخيامية وقد عرض فنه وتاريخه في عدد من البرامج في القنوات التليفزيونية المصرية والعربية والدولية وقديما كانت هناك طقوس خاصة لإعتماد أي حرفي خيامي جديد ينضم لتلك الطائفة حيث كان يتم إجتماع الخيامية وشيخهم لرؤية وفحص أعمال الخيامي الجديد فإذا كانت على المستوى المطلوب يقيم الحرفي مأدوبة إعتماد لجميع الخيامية للإحتفال بإنضمامه للمهنة أما حالياً فدخول المهنة يتم بشكل تلقائي بعد تعلمها وقد إقتحمت المرأة هذا المجال وأثبتت نفسها فيه نظرا لأنها مهنة لا تتطلب خروجها من منزلها حيث تستطيع أن تعمل في هذا الفن وهي في بيتها وقد أشارت الأبحاث التاريخية إلى أن الجلسة التي كانت السيدات يجلسونها عند القيام بأعمال الخيامية قد عرفت بإسم التربيعة .


وتبدأ خطوات فن الخيامية بوضع التصميم الذي سيتم التعامل معه ونقل هذا التصميم على ورقة باترون تتم خياطته في القماش الذي سيتم تطريزه ثم يتم وضع بودرة مخصصة لطبع الرسم على القماش حتى تتم عليه عملية التطريز ويقوم الصانع الذي يعرف بإسم الخيامي بعمل أكثر من وحدة من ذات التصميم ويقوم بعدها بخياطتها مع بعضها البعض بطريقة اللفقة وذلك بدون أن يظهر أي شيء من هذه الخياطات على السطح الخارجي للقماش وتعتبر مهنة الخيامية من المهن التي تعرضت لصراع من أجل البقاء والإحتفاظ بهويتها كفن يدوي في مواجهة التطور السريع في تكنولوجيا صناعة النسيج والتي أدت الى تراجع الخيامية اليدوية مع إنتشار الخيامية المطبوعة مما دعا الخياميين إلى بناء خان الخيامية في قلب منطقة الأزهر ويضم أكثر من 60 محلا متجاورا تعمل جميعها في صناعة الخيامية أما السوق فأصبح لعرض المنتجات على السائحين الذين ينجذبون للشنط المشغولة والمجالس العربية والحرفية والخداديات والخيم اليدوية ذات النقوش المتميزة مما يساعد على رواج المنتجات التي تشهد إقبالا كبيرا عليها رغم إرتفاع أسعارها كما تشهد الحرفة عمليات تصدير للدول العربية وخاصة خيم الحج والبدو وفي حقيقة الأمر نستطيع أن نقول إن الخيامية فن راق وبالغ الصعوبة فالقطعة الصغيرة يتم العمل بها لمدة 4 أيام متواصلة ويبلغ ثمنها 100 جنيه مصري علي الأقل أما مفارش السرير فيصل سعرها إلى 600 جنيه مصرى وأكثر هذا ويفضل المشترى الأجنبى قطع الخيامية الزاخرة برسومات زهرة اللوتس الفرعونية خاصة الأمريكان والألمان فيما يحرص المشترى العربى خاصة من دول الخليج وليبيا على شراء الخيام .


ويبلغ عدد الأشكال الإسلامية في أشغال الخيامية أكثر من عشرين شكل أهمها البؤجة والخاتم وزهرة عُرف التي تشبه قرني الغزال إلى جانب اللوزة والبلحة والمخمس وهو شكل خماسي الأضلاع فضلاً على الأشكال العتيقة لتلك الصناعة التي تشمل الشمعة غير المشتعلة والمفروكة ورأس الثعبان وبالإضافة الى ماسبق فإن من أعمال الخيامية توجد أيضا صناعة أقمشة الفراشة التي تستخدم في سرادقات الأفراح والمآتم وهي تصنع من أقمشة القطن وخيوط البوليستر ويتم إستخدام ماكينة لطبع التصميم على القماش ويتم تكرار نفس النقشة ثم يتم خياطتها معا ويطلق على القطعة الواحدة من السرادق لمة ويستفيد من هذا النوع تجار الفراشة ويعد سعرها منخفض وغير مكلف عن باقي أنواع وأصناف فنون الخيامية .

ومن المألوف حاليا في المناطق الأثرية في أسوان والأقصر والغردقة وشرم الشيخ وخان الخليلي أن تنصب خيام من أقمشة الخيامية بداخلها مقاه يرتادها السياح يتناولون داخلها الشاي الأخضر والسحلب والقرفة بالمكسرات والأرز باللبن وأيضا المهلبية المصرية العريقة والتي يرجع تاريخها لزمن الفاطميين الذين كانوا يقدمونها في الأفراح والأعياد وأيضا داخل الخيامية التي إنتعشت في ذلك الزمان كما أن الخيامية في الثلاثة عقود الماضية تقريبا قد أخذت مظهرا جديدا نسبيا حيث إرتبطت بشهر رمضان الكريم فتقام خلاله الخيم الرمضانية والتي تستقطب عشاق السهر وسماع الموسيقى العربية وتناول الأكلات الشعبية والتراثية المصرية وتناول المشروبات الرمضانية كالسحلب وقمر الدين والكركاديه وتبدأ هذه الخيم الرمضانية مع إنطلاق مدفع الإفطار فيكون الإفطار جماعيا غالبا يضم أهل الحي الذين يتناولون الإفطار الذي يشتمل على أكلات رمضانية يتبرع بها كل بيت من بيوت الحي وهذا المشهد مختلف تماما عن موائد عباد الرحمن وتظل الخيم الرمضانية مفتوحة حتى السحور ومضاءة بالفوانيس الملونة ويستمع روادها إلي الأغاني الفولكلورية والفنون الشعبية وتجمع هذه الخيم الرمضانية طبقات إجتماعية مختلفة وإتجاهات مختلفة كذلك كالفنانين والسياسيين والصحفيين والعلماء وغيرهم .

وقد إهتمت الدولة بصناعة الخيامية كحرفة مصرية أصيلة حيث تقوم وزارة الثقافة بتنظيم بعض الورش المجانية لتعليم فن الخيامية بالتعاون مع مراكز الثقافة الخاصة كما ينظم مركز الحرية للإبداع مهرجان سنوى للفنون والحرف التقليدية من بينها الخيامية من أجل تعريف الجمهور بالحرف التراثية كما يقام معرض دولي سنوى بالعاصمة البريطانية لندن لمشغولات الخيامية يشارك فيه العديد من أصحاب هذه الحرفة من مصر كما قامت الحكومة المصرية خلال عام 2015م بإتخاذ قرار بحظر إستيراد السلع والبضائع ذات البعد التراثي بما عاد بالفائدة علي صناعة الخيامية وبعض الصناعات التراثية الأخرى مثل صناعات المشغولات النحاسية والبرونزية والفضية وهو القرار الذي أغلق الباب أمام تدفق ملايين السلع التي كانت تستورد من الصين ولا تتوقف آثارها عند حد إغراق الأسواق المصرية فحسب وإنما تضرب وتؤثر سلبيا أيضا علي تلك الصناعات العريقة .

 
 
الصور :