الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تمثال المسيح الفادى

 تمثال المسيح الفادى
عدد : 06-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com


ريو دي جانيرو معناها باللغة العربية نهر يناير وتأتي هذه التسمية حيث وصل إليها المستكشفون البرتغاليون في شهر جانيوري أو يناير وتسمي أحيانا ريو إقتضابا هي ثاني مدن البرازيل سكانا بعد مدينة ساو باولو كما أنها تعد ثالث حواضر قارة أمريكا الجنوبية بعد مدينة ساو باولو البرازيلية ومدينة بيونس آيرس عاصمة الأرجنتين وكانت هي العاصمة القديمة للبرازيل قبل تشييد العاصمة الجديدة برازيليا وهي عاصمة ولاية ريودى جانيرو الكبرى وقد بدأ تأسيسها في عام 1565م عندما بنى الجنود البرتغاليون قلعة وقرية بالقرب مما يعرف الآن بخليج جوانابارا في العام المذكور وإستقروا هناك من أجل السيطرة على الميناء وأطلقوا على مدينتهم إسم الخليج الذي كان يسمى في ذلك الوقت ريودي جانيرو أى نهر يناير كما ذكرنا في السطور السابقة ويعتقد المؤرخون أن المكتشف البرتغالي جونكالو كولهو سمى الخليج بإسم الشهر الذي وصل فيه عام 1503م وكان كيلهو يعتقد بأن الخليج مصب لنهر عظيم وهي تعتبر من أجمل مدن العالم في رأى الكثيرين وتبلغ مساحتها نحو 1260 كيلومترا مربعا وقد بلغ عدد سكان هذه المدينة وضواحيها عام 2007م نحو 14 مليون نسمة تقريبا ولذا فهي من أكثر مدن العالم إزدحاما وإكنظاظا بالسكان .


وتحتوي ولاية ريودى جانيروعلى أهم المعالم السياحية بالبرازيل خاصة شواطئها الخلابة وأشهرها شاطئ كوباكوبانا إلي جانب شواطئ ليبلون وإيبانيما كما تشتهر المدينة بوجود تمثال المسيح الفادي أو مايطلق عليه من قبل البرازيلين كوركوفادو والذى يطل علي المدينة بمنظر رائع من فوق قمة جبل والذى يتم الوصول إليه بالقطار في أعلى هذا الجبل والذى يعد من أبرز الأماكن السياحية في ريودى جانيرو ويزوره أكثر من 8 مليون سائح في العام وهو يوجد بحي بوتافوجو الذى يحوى أسواق تجارية تعد من أفضل المواقع للتسوق كما تشتهر مدينة ريودى جانيرو بالكارنفالات والمهرجانات المتواصلة والمناسبات المختلفة تقريبا طوال العام وقد شهدت مدينة ريودي جانيرو إتساعا ونموا كبيرا في السياحة في السنوات الماضية حيث شهد النشاط السياحي في البرازيل نهضة كبيرة جدا بسبب معالم ريو دي جانيرو الرائعة وقد إختارتها اللجنة الأوليمبية الدولية لإستضافة اوليمبياد عام 2016م كما أنها شهدت جانبا من مبارايات كأس العالم التي نظمتها البرازيل عام 2014م وعلى الرغم من الإزدحام الشديد الذى تشهده المدينة فإن العديد من سكانها يعتبرونها أفضل مكان للحياة والإقامة في البرازيل حيث يستمتعون على وجه الخصوص بشواطئها المشمسة وملاهيها الليلية ومهرجاناتها النابضة بالحيوية .



وكما ذكرنا فإن من أهم معالم مدينة ريودى جانيرو تمثال المسيح الفادي وتعود فكرة إقامة هذا التمثال إلي عام 1850م حينما وصل القس بيدرو ماريا بوس القادم من مدينة البندقية الإيطالية إلى مدينة ريودي جانيرو وأذهله جمال جبل كوركوفادو وإقترح يومها بناء أي معلم كنسي عليه تكريما للأميرة إيزابيل التي كانت وريثة عرش الإمبراطورية البرازيلية آنذاك ومن هنا بدأ يروج فكرة صنع تمثال ضخم للمسيح يستطيع الجميع مشاهدته من أى مكان في المدينة وعرض علي الأميرة البرازيلية أن تمد هذا المشروع المقترح بالمال لكن الأميرة تجاهلت الفكرة فطواها النسيان ثم تم رفضها تماما بعد إعلان الجمهورية البرازيلية وإصدار القوانين التي نظمت عمل الكنيسة وفصلت إدارتها ومواردها عن الدولة لكن الفكرة إنتعشت مجددا في أوائل العشرينيات من القرن العشرين الماضي بواسطة مجموعة من المتدينين الكاثوليك في العاصمة البرازيلية آنذاك ريودى جانيرو وذلك من منطلق الحفاظ علي الديانة المسيحية الكاثوليكية خشية إنتشار الموجة الإلحادية اللادينية التي بدأت تظهر عقب إنتهاء الحرب العالمية الأولي ومن هنا قاموا بتنظيم مهرجانات وتجمعات جماهيرية كبيرة من أجل جمع التبرعات والمساعدات العينية اللازمة لتنفيذ المشروع الذى كان قد دخل في طي النسيان وبالفعل إستطاعت هذه المجموعة خلال سنوات قليلة من جمع مبالغ كبيرة من المال أتت في معظمها من شريحة البرازيليين الكاثوليك المتدينين وسرعان ما تم الإستعانة بعدد من المصممين والنحاتين البارزين لتقديم تصميماتهم وأفكارهم حول النصب المقترح حيث كانت الفكرة الأساسية للمشروع تتركز حول إنشاء نصب ضخم يرمز للصليب و للسيد المسيح أيضا في نفس الوقت .


وقد إختارت اللجنة المنظمة لمسابقة التصميمات الهندسية لهذا النصب في عام 1924م تصميما للمهندس البرازيلي هيترو دي سيلفا كوستا إستخدم في عمله ومخططاته أساليب فنية تسمي فن الآرت ديكو كانت قد راجت في الكثير من بلاد العالم بين عام 1920م وعام 1939م حيث توارت هذه الأساليب بعد ذلك بقيام الحرب العالمية الثانية في عام 1939م وكان لهذه الأساليب في الفترة المذكورة تأثيرها الكبير الواضح علي العديد من الفنون كالعمارة والتصميم الداخلي والفنون البصرية مثل الموضة والرسم والتصميم الرقمي والسينما وتصميم المجوهرات وقد جمع هذا الطراز بين العديد من الأشكال الفنية التي ظهرت في بداية القرن العشرين الماضي خصوصا التكعيبية والفن الجديد وغيرهما وقد قام بتنفيذ التمثال النحات الفرنسي من أصل بولندى باول لاندويسكي والذى كانت له أعمال نحتية عديدة تعدت الخمسين في العاصمة الفرنسية باريس إلي جانب العديد من الأعمال النحتية أيضا في المدن القريبة منها ويصور هذا التصميم السيد المسيح برمزيته للسلام العالمي مشيرا إلى ذلك بذراعيه المفتوحتين .



وكان قد تم وضع حجر أساس إقامة هذا التمثال في عام 1922م قبل إجراء المسابقة المشار إليها وتم البدء في إقامته فعلا عام 1926م وظل العمل فيه قائما لمدة 5 سنوات تمت خلالها عملية البناء بإستخدام السقالات المعدنية والرافعات كما تم نقل مواد البناء إلي أعلي الجبل الذى أقيم عليه التمثال عن طريق السكك الحديدية ولذا فقد تضمنت أعمال بناء التمثال أعمال شق طريق وإنشاء خط سكة حديد لزوم الوصول إلى موقعه وأخيرا تم تدشينه في يوم 21 من شهر أكتوبر عام 1931م في إحتفال كبير شارك فيه رئيس جمهورية البرازيل آنذاك وفي حينه تقرر أن تتم إنارة التمثال عن طريق أجهزة مربوطة لاسلكيا بالفاتيكان في إيطاليا على بعد حوالي 5700 ميل كنوع من الإحترام الذي يكنه كاثوليك العالم لبابا الفاتيكان لكن الخطة واجهت بعض المشاكل بسبب سوء الأحوال الجوية لذلك تقرر إنارة التمثال من قبل العمال البرازيليين المسئولين عن إدارة و صيانة التمثال والأقسام المرفقة به وقد بلغت تكلفة بنائه في حينه حوالي 250 ألف دولار أميريكي وهو مايعادل حاليا حوالي 3.25 مليون دولار أميريكي وهذا التمثال الضخم للسيد المسيح يعد ايقونة ورمزا قويا ليس لمدينة ريودى جانيرو وحدها فقط ولكن للبرازيل كلها وللمسيحية في العالم أجمع ويبلغ إرتفاعه حوالي 125 قدما أى حوالي 38 مترا ويزن 1000 طن ولذا فهو يعد من أضخم وأكبر التماثيل علي مستوى العالم .


ويوجد هذا التمثال على قمة جبل كوركوفادو الذى يعلو 710 مترا فوق سطح البحر وقد تم صنعه من الكونكريت أى الخرسانة والحجر الاملس وقد صنعت جميع أجزائه في فرنسا ثم تم نقلها إلي البرازيل وتحتوى قاعدته على كنيسة رومانية كاثوليكية أنشئت عام 2006م في الذكرى رقم 75 لتدشينه تقام فيها الصلوات وتعقد فيها حفلات التعميد والأعراس وكثير من المناسبات الدينية الأخرى ويشرف التمثال على منتزه وحديقة وطنية في غابة تيجوكا تلك الغابة الأكبر في العالم مطلا على المدينة كما يوفر التمثال للزائرين إطلالات رائعة على مدينة ريودي جانيرو وخليج جوانابارا وجبل شوجارلوف وشاطئ كوباكوبانا وشاطئ إيبانيما وقد تم إختيار هذا التمثال ضمن عجائب الدنيا السبع الجديدة في المسابقة السويسرية التي تمت خلال عام 2007م بعدما قامت العديد من الشركات والبنوك البرازيلية الكبيرة بتنظيم حملة إعلانية ضخمة للترويج للتمثال كما تم إستغلال العامل الديني للحصول على مزيد من الأصوات فرفعت الحملة شعار صوت من أجل المسيح وبعثت شركات الهاتف المحمول في البلاد رسائل إلكترونية إلى أجهزة الهاتف المحمول للملايين من مستخدميها تقول إضغط 4916 وصوت للمسيح مجانا و يبدو أن عشرة ملايين برازيلي قد إستجابوا لهذه الدعوة المجانية وصوتوا للتمثال مما ضمن له الفوز في المسابقة وذلك إضافة إلي العامل الوطني المتجسد بالشعور بالفخر لإنتماء هذا الاثر إلى البرازيل إضافة أيضا إلى العامل الإقتصادي الذي أدى إلى توجيه الأنظار والإستثمارات نحو هذه المسابقة حيث إعتبرتها حكومة البرازيل فرصة ذهبية لجذب السياح إلي البلاد حيث تبني الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دا سيلفا من جانبه الدعاية للتصويت لصالح هذا التمثال وكان يدعو مواطنيه عبر حديثه الإذاعي الأسبوعي للتصويت لصالحه وهذه التأثيرات العاطفية سواء الدينية أو الوطنية أو الإقتصادية هي التي دفعت الكثيرين حول العالم من ضمنهم منظمة اليونيسكو العالمية للتشكيك في مصداقية نتائج هذه المسابقة لأنها إعتمدت على أسلوب انه من يحصل علي أصوات أكثر يربح أكثر وحيث يمكن لشخص واحد أن يصوت عدة مرات إلي جانب أن عملية الإختيار غير مبنية علي أسس وأصول ومعايير وإشتراطات علمية وتاريخية تم علي أساسها التصويت .


وقد أجريت العديد من عمليات الصيانة على تمثال المسيح الفادي للمحافظة عليه وحمايته من أى تلفيات قد تحدث به وكان بدايتها في عام 1980م حين تم ترميمه وبعد ذلك شاهد التمثال العديد من عمليات الصيانة الاخرى في عام 2003م وعام 2010م وعام 2012م ومما يذكر أنه في عام 2008م تعرض التمثال إلى صاعقة قوية أثناء عاصفة رعدية ضربت سماء مدينة ريودي جانيرو لكن الصاعقة لم تترك أضرارا في التمثال رغم إحتراق عدة أشجار قريبة منه وذلك بفضل الحجر الصابوني المستعمل في طبقته الخارجية والذى يمثل عازلا جيدا للتيار الكهربائي وأخيرا في شهر يناير عام 2014م حدث للتمثال كسر في أصبع الإبهام اليمني بسبب عاصفة قوية ضربت سماء مدينة ريودى جانيرو وخضع بعدها التمثال للترميم في شهر فبراير من السنة نفسها وجدير بالذكر أنه قد ظهر تمثال المسيح الفادي أكثرمن مرة في السينما في العديد من الأفلام مثل فيلم الرسوم المتحركة الكارتون ريو إنتاج عام 2011م وأيضا في فيلم ملحمة الشفق بزوغ الفجر وفيلم قمر جديد هذا بجانب ظهوره في بعض الألعاب الإلكترونية مثل درايفر2 وكول أوف ديوتي ومودرن وورفير2 كما تم إضاءة هذا التمثال باللونين الأخضر والأصفر المميزين لعلم البرازيل خلال إقامة مونديال كأس العالم عام 2014م التي أقيمت هناك خلال النصف الثاني من شهر يونيو والنصف الأول من شهر يوليو من العام المذكور إضافة إلي مشاهدة التمثال إنطلاق دورة الألعاب الأوليمبية التي أقيمت لأول مرة في قارة أمريكا اللاتينية في مدينة ريودى جانيرو عام 2016م عندما قام الكاردينال أوراني تامبيستا بإشعال الشعلة الأوليمبية عند أقدام التمثال وذلك بعد طلب من رئيس بلدية ريودى جانيرو طالبا من السيد المسيح حماية الشعوب الآتية من كل أقطار العالم وأن يحالف الحظ الرياضيين البرازيليين خلال منافسات الدورة في الألعاب المختلفة .
 
 
الصور :