الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

اللواء/ باقي زكي يوسف

اللواء/ باقي زكي يوسف
عدد : 06-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
سلسلة (رجال من مصر(



رحل عن عالمنا صباح السبت الماضي 23 يونيو عام 2018م بطل يدين له الوطن بدور عظيم في حرب العاشر من رمضان عام 1393 هجرية السادس من أكتوبر عام 1973م هو اللواء باقي زكي يوسف وتم تشييع جنازته من كنيسة مار مرقس بشارع كليوباترا بمصر الجديدة واللواء باقي ولد في يوم 23 يوليو عام 1931م والذى تخرج من قسم الهندسة الميكانيكية بكلية الهندسة جامعة عين شمس عام 1954م وإنضم فى شهر ديسمبر من نفس العام للقوات المسلحه المصرية كضابط مهندس فى سلاح المركبات ثم تم ندبه للمشاركه فى مشروع بناء السد العالى مابين في الفترة بين شهر أبريل عام 1964م وحتي نكسة يونيو عام 1967م حيث عاد مرة أخرى للخدمة كضابط مهندس في القوات المسلحة وهو صاحب فكرة إستخدام مضخات المياه لفتح الثغرات في الساتر الترابي لخط بارليف والذى يعد أصعب ساتر ترابي في التاريخ الحديث وعلي الرغم من صغر سنه حينها وحضوره وسط قادة كبار فإنه أطلق الفكرة التي ساهمت في رد أرضنا وكرامتنا وكانت عبقرية الفكرة تكمن في بساطتها بل وسجلت كبراءة إختراع بإسمه وأصبحت تدرس في الأكاديميات والكليات والمعاهد العسكرية على مستوى العالم وكان بطلنا الراحل حينذاك يشغل منصب رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميداني غرب القناة وفي شهر مايو عام 1969م عندما صدرت التعليمات بالإستعداد للعبور كانت مشكلة الساتر الترابي علي الضفة الشرقية للقناة من أكبر المشاكل التي تعيق عملية عبور القناة من الغرب إلي الشرق وكان لابد من التغلب علي هذه المشكلة وإيجاد حل مناسب من أجل فتح ثغرات فيه في وقت قياسي .



وتعالوا أولا نلقي نظرة علي خط بارليف ومكوناته حيث نشأت فكرة إنشاء هذا الخط علي يد الجنرال حاييم بارليف رئيس أركان حرب جيش الإحتلال الإسرائيلي في أواخر الستينيات من القرن العشرين الماضي بعد إنتصار إسرائيل في حرب الخامس من شهر يونيو عام 1967م وإحتلالها شبه جزيرة سيناء وكان هدفه فصل سيناء عن مصر بشكل نهائى ليحول دون وصول الجيش المصري إلي الضفة الشرقية للقناة وقد إستعان الإسرائيليون في بنائه بشركات متخصصة وبعد دراسات مستفيضة بنوا هذا الخط وكلفوه ملايين الدولارات وظلوا يدعمونه ويعملون علي تقويته ويزيدون عليه لعدة سنوات متتالية على أساس أنه سيكون حدود إسرائيل وبحيث لا يمكن إختراقه وكان يشمل 22 موقعا دفاعيا تشمل عدد 35 نقطة حصينة كانت موزعة بطول 170 كم على طول قناة السويس ويفصل بين كل منها حوالي كيلو متر واحد في الإتجاهات المهمة وحوالي 5 كيلو مترات في الإتجاهات الثانوية كما وصلت المسافة بينها في منطقة البحيرات المرة إلي 10 : 15 كيلو متر وتم تحصين كل مباني الخط بالكتل الخرسانية وقضبان السكك الحديدية المسروقة من سكك حديد سيناء بالإضافة لتغطيتها بأطنان من الصخور والرمال لإمتصاص كل أشكال القصف الجوى والأرضي مهما كان حجمه هذا بالإضافة إلى الأسلاك الشائكة ومناطق الألغام وأنابيب النابالم الحارق أسفل مياه القناة كما كانت هناك شبكات تليفونية تربط كل نقاط الخط ببعضها البعض من ناحية وبالقيادة داخل فلسطين المحتلة من ناحية أخرى في بئر السبع وتل أبيب كما كان بكل نقطة حصينة تجهيزات هندسية ومنصات للدبابات والمدفعية كل 100 متر وتحتل أرضها المدرعات ووحدات مدفعية ميكانيكية من ناحية أخرى وعلاوة علي كل ماسبق قام العدو الإسرائيلي بإنشاء ساتر ترابي علي طول الضفة الشرقية للقناة من بورسعيد وحتي السويس بإرتفاع وصل إلي 20 متر في بعض الإتجاهات المهمة مما يجعل من الإستحالة عبور أى مركبة برمائية أو مدرعة إلي شرق القناة كما تم زحزحة هذا الساتر لتلامس قاعدته السفلية شاطئ القناة وبحيث أصبح ميله يتقابل مع ميل شاطئ القناة أى لم تكن هناك أى مصطبة أو كتف ظاهر لشاطئ القناة من جهة الشرق وكان هذا الميل يتراوح بين 45 درجة و65 درجة طبقا لطبيعة التربة في كل قطاع علي طول شاطئ القناة وبذلك فقد كان يصعب الصعود عليه أو إنهياره وقد إستغل العدو الإسرائيلي في تأسيسه الكثبان الرملية الطبيعية المتواجدة شرق القناة بالإضافة إلي نواتج حفر مشاريع تعميق وتطهير قناة السويس التي كان يتم رفعها وتجميعها في الأرض الصحراوية شرق القناة علي إعتبار أن الأرض غرب القناة أرض زراعية .




وقد درس خبراء العسكرية السوفيتية خط بارليف بشكل دقيق وأكدوا أن الساتر الترابي لا يمكن تحطيمه إلا بقنبلة نووية وبالطبع كان هذا مستحيلا ومن ثم بات هذا الساتر الترابي أحد المعضلات الكبرى فى عملية الإعداد والتخطيط لعبور القناة وإقتحام خط بارليف فكيف ياترى سيتم فتح ثغرات فى الرمال والأتربة المكونة للساتر الترابي التى لا تؤثر فيها الصواريخ لعبور ناقلات الجنود والمدرعات والدبابات إلى سيناء وكان الحل المقترح حينذاك هو أن يقوم المهندسون بشق حفر داخل الساتر الترابي بإستخدام طريقة الحفر اليدوى وذلك نظرا لإستحالة الحفر بالمعدات الميكانيكية ثم يتم ملء هذه الحفر بالمتفجرات ومن ثم يتم تفجيرها بعد أن يبتعد عنها المهندسون مسافة 200 متر علي الأقل وكان من الناحية النظرية من المفترض أنه لو تم تعميق الحفر ووضع المتفجرات علي أعماق أكبر فستكون كمية الأتربة المزاحة أكبر ولكن من الناحية العملية لم يكن ذلك ممكنا نظرا لأن التجارب التي أجريت علي نماذج تماثل الساتر الترابي تبين منها أنه عندما يحاول المهندسون تعميق الحفر تتهايل كميات أخرى من الأتربة من الأجناب ومن ثم كانت المتفجرات لايتم وضعها علي أعماق كبيرة والنتيجة أنه كانت لا تنزاح علي الأكثر إلا حوالي خمس كمية الأتربة المطلوب إزاحتها لفتح الثغرات في الساتر الترابي حيث كان مطلوبا إزاحة حوالي 1500 متر مكعب من الأتربة لعمل كل ثغرة وبإستخدام المتفجرات كان لاينزاح أكثر من 200 إلي 300 متر مكعب علي أقصي تقدير ولذا تم التفكير في إستخدام البلدوزرات التي سيتم نقلها علي معديات إلي شرق القناة مع تجهيز مطالع لها علي الساتر الترابي لتستكمل فتح الثغرات فيه وتم عمل العديد من التجارب خلال شهرى مايو ويونيو عام 1971م علي كيفية فتح الثغرات في الساتر الترابي بهذه الطريقة وتبين منها أنه يعيبها أن عملية التنسيق بين المهندسين الذين يقومون بعمليات التفجير وبين جنود المشاة الذين عبروا إلي شرق القناة قد لاتكون علي المستوى المطلوب مما قد يعرض بعض الجنود للإصابة من أثر التفجيرات كما أن إشتراك عدد كبير من المهندسين في عمليات الحفر والتفجير قد يعرض المهندسين لخسائر فادحة في الأرواح إذا تمت عمليات قصف جوى أو مدفعي من جانب العدو الإسرائيلي إلي جانب أن إستخدام البلدوزرات في إستكمال عمليات فتح الثغرات قد يعرضها أيضا للتدمير مما سيؤدى إلي تأخير فتح الثغرات في الساتر الترابي ومعني هذا بقاء جنود المشاة الذين عبروا القناة بلا مدرعات لمدة طويلة مما يعرضهم لهجمات مدرعات العدو الإسرائيلي وإلي جانب ذلك فإن فتح الثغرات في الساتر الترابي بهذا الأسلوب يعد باهظ التكاليف كما أنه يحتاج لعدد كبير من الأفراد .


وفي أواخر شهر يونيو عام 1971م كان هناك إجتماع لبحث مشاكل عبور القناة ومنها مشكلة فتح الثغرات في الساتر الترابي ودخل المقدم وقتها باقي زكي يوسف هذا الإجتماع وتذكر عمله بالسد العالي كما ذكرنا في السطور السابقة وأنه كان يتم إستخدام مضخات المياه التي كانت تهزم وتزيح الأتربة وتفتت الصخور في دقائق معدودة فرفع يده للحديث قبل أن يحل دوره في الكلام فطلب منه قائده الإنتظار حتى يحل دوره ولكنه أكد أن ما سوف يقوله مهم وعاجل فسمح له بالحديث فقال أنتم تقولون إزاحة رمال لزوم فتح ثغرات بالساتر الترابي وربنا منحنا الحل أمام هذه المشكلة وهو متوةافر بوفرة وتحت أرجلنا وهو المياه وفي هذه الحالة المياه ستكون أقوى من المفرقعات والألغام والصواريخ وأوفر وأسرع وبمجرد أن أنهي حديثه وجد سكون في القاعة لدرجة أنه وصف هذه اللحظة فيما بعد قائلًا خفت أن أكون قد خرفت ولأن الأفكار الجريئة في القوات المسلحة كانت لا تهمل وكان لها مساحة كبيرة لتجربتها وتنفيذها فقد تم فتح باب النقاش بين قادة كل الأسلحة بالقوات المسلحة المصرية كل في تخصصه ولم يكن هناك مشكلة مبدئية بالنسبة للفكرة ولكن كان الأهم هو أن تكون مضخات المياه صغيرة حتي يتم حملها على القوارب المطاطية ويمكن المناورة بها لتأمين سلامتها وسلامة الجنود المسؤولين عن تشغيلها ووصل الأمر إلي نائب رئيس هيئة العمليات حينذاك حيث علم أن هناك ضابط برتبة مقدم في سلاح المركبات التابع للجيش الثالث الميداني لديه فكرة يريد عرضها عليه فسأل عن إسمه ولما علم أنه المقدم باقي زكي يوسف قال أنا عارفه ده ما بيهزرش هاتهولي ووصل الأمر إلي اللواء مهندس جمال محمد علي قائد سلاح المهندسين الذى عرض الأمر علي الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة المصرية الذى إهتم بالأمر وتم عمل عدة تجارب لفتح الثغرات في الساتر الترابي بإستخدام مضخات المياه وكانت النتائج رائعة تبين منها أنه كلما زاد ضغط الماء كلما زادت سرعة تهايل الرمال وبالتالي فإن معني ذلك سرعة فتح الثغرات بالساتر الترابي كما تبين أن كل متر مكعب من المياه يزيح حوالي متر مكعب من الرمال وأن العدد المثالي من المضخات لفتح الثغرات هو أن يخصص عدد 5 مضخات لكل ثغرة وخلال شهر يوليو عام 1971م تم إتخاذ القرار النهائي بإستخدام مضخات المياه في فتح الثغرات في الساتر الترابي وتم إستيراد عدد 300 مضخة مياه إنجليزية الصنع وصل جزء منها في أواخر عام 1971م والباقي وصل في أوائل عام 1972م وخلال هذا العام تم إستيراد عدد 150 مضخة من ألمانيا حيث كانت كفاءتها أعلي وتم إتخاذ قرار بإستخدام عدد 3 مضخات إنجليزية الصنع بالإضافة إلي عدد 2 مضخة ألمانية الصنع لفتح كل ثغرة وبعمل التجارب تبين أن هذه المضخات الخمس وبمعدل عدد 3 أفراد لكل منها ليكون مجموع الأفراد عدد 15 فردا لكل ثغرة قادرة علي إزاحة حوالي 1500 متر مكعب من الرمال في مدة تتراوح بين ساعتين وثلاث ساعات وهي مدة مناسبة جدا كما أن عدد الأفراد المطلوبين لتشغيلها قليل جدا مما يقلل من الخسائر في الأفراد إذا تعرضوا لا قدر الله لقصف جوى أو مدفعي ومما هو جدير بالذكر أنه كنوع من الخداع والتمويه قد تم إستيراد هذه المضخات بواسطة مصلحة الدفاع المدني والحريق التابعة لوزارة الداخلية علي أنها ستستخدم في إطفاء ومقاومة الحرائق خاصة في قرى الصعيد الجبلية التي لا تستطيع سيارات إطفاء الحريق الوصول إليها بسهولة في حالة نشوب حريق وذلك حتي لايتم رصدها إذا تم إستيرادها لصالح القوات المسلحة ويتم إكتشاف هذه الطريقة العبقرية البسيطة التي سيتم بها فتح الثغرات في الساتر الترابي في حالة عبور القوات المسلحة المصرية إلي شرق القناة .



وبفضل هذه الفكرة العبقرية نجحت قواتنا المسلحة في عبور القناة وفتح الثغرات في الساتر الترابي وإقامة كبارى العبور المعدنية مابين ضفتي القناة خلال 6 ساعات بدلا من 12 ساعة وكانت قواتنا من المشاة والمدرعات تتدفق على الضفة الشرقية للقناة تباعا وفي الساعة 10 مساءا بعد حوالي 8 ساعات من بداية العبور كان هناك 80 ألف جندي مصري على الضفة الشرقية للقناة مما أفقد العدو الإسرائيلي توازنه بفضل وعبقرية وإخلاص قواتنا المسلحة لدرجة أن القادة الإسرائيليين عندما بلغهم بداية عملية العبور وحدوث الثغرات بالساتر الترابي سألوا وهم في غاية الدهشة كيف نجح المصريون في فتح هذه الثغرات وبحلول الساعة الثامنة من صباح يوم 7 أكتوبر عام 1973م وبعد مرور 18 ساعة فقط من بدء عبور القناة كان العدو الإسرائيلي قد فقد حوالي 300 دبابة وعدة آلاف من القتلي وعدد 20 طائرة وخط بارليف بالكامل بما يعني سحق عدد 3 ألوية مدرعة وعدد 1 لواء مشاة والتي كانت مخصصة للدفاع عن القناة من جانب العدو الإسرائيلي في حين بلغت خسائرنا 5 طائرات وعدد 20 دبابة بالإضافة إلي 280 شهيد فتحية إجلال وتقدير لكل رجال القوات المسلحة المصرية وللمقدم في وقت الحرب باقي زكي يوسف والذى تدرج بعد ذلك في صفوف القوات المسلحة حتي حصل علي رتبة اللواء كما حصل على نوط الجمهورية العسكري من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل محمد أنور السادات عام 1974م وبه إشادة بأعمال إستثنائية قام بها كما حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية من الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عام 1984م عند إنتهاء خدمته في القوات المسلحة المصرية ولكنه ظل يذكر أن أكبر وأهم تكريم حصل عليه عندما طلب تسجيل فكرة المضخات بإسمه ولايفوتنا هنا أن نذكر أنه في خلال حرب أكتوبر 1973م قد أسهم فيها عشرات من كبار الضباط المسيحيين فى المعركة جنبا إلى جنب مع أشقائهم المسلمين منهم برتبهم التي وصلوا إليها الفريق فؤاد عزيز غالي والذى كان قائد الفرقة الثامنة عشر المشاة وقت الحرب واللواء شفيق مترى سدراك قائد اللواء الثالث المشاة الميكانيكي التابع للفرقة 16 مشاة وقت الحرب واللواء طيار مدحت لبيب صادق واللواء ثابت أقلاديوس والعميد نعيم وهبة كما أن قصة اللواء باقى زكى يوسف تثير لدينا فكرة أو قيمة الإبداع في كل مجالات حياتنا الفكرية العلمية والأدبية فبدون القدرة على الإبداع وتشجيع الإبداع فى كل المجالات لا يمكن تصور أى تقدم حقيقي وكل محاولة لرفض الإبداع تحت أى مسمى أو مبرر هى حجر على التقدم والتطور وهى حرب على الحياة نفسها ونكرر التحية لذكرى باقى زكى يوسف وفكرته المبدعة .
 
 
سلسلة جديدة بإسم رجال من مصر أ
الصور :