الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

صانع الفخار

 صانع الفخار
عدد : 07-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com


وتعتبر هذه المهنة من أقدم المهن التي تعلمها الإنسان حيث عرفت منذ العصر الحجرى الحديث أى منذ مايقرب من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد ويعتبر الطين هو المادة الأساسية المستخدمة في صنع الفخار وذلك لتميزه بسهولة تشكيله وذلك بسبب بنيته الداخلية التي تساعد علي ذلك كما أنه يتميز بنعومة حبيباته وأنه يتحول إلى مادةٍ صلبة بالتجفيف والحرق ولا يصنع الفخار من الطين فقط بل تضاف إليه مواد أخرى تساعد على تماسكه وتزيد من صلابته مثل الرمل والصخور وبعض فتات الفخار القديم ومن الأدوات التي تسهل صناعة الفخار الفرم المستعملة في عملية تشكيل الفخار مما يسهل العمل كثيرا على الصانع أثناء عملية التشكيل وكان الفخار قديما يجفف بواسطة الشمس أو الهواء حيث يتم تعريضه لهما لمدة أربعة أو خمسة أيام وبعد ذلك تبدأ عملية عجن الفخار وتحويله إلى أشكال مختلفة ثم يترك ليجف فترة أسبوع قبل إدخاله الفرن تحت حرارة تصل إلى 850 درجة مئوية ومن ثم يحرق ومن ثم يعاد صقله مرة أخرى حيث يصقل قبل الحرق وبعده وكان يلون بأكاسيد المعادن المختلفة فيأخذ أحيانا اللون الأحمر الغامق وأحيانا اللون الأحمر الفاتح وأحيانا اللون الأسود وهكذا وقد عرفت صناعة الفخار في مصر القديمة منذ أقدم العصور أو عصور ما قبل الأسرات الفرعونية الذى بدأ حوالي عام 3000 قبل الميلاد .


ويبدو ذلك في العديد من الحضارات التي تنتمي إلي العصر الحجرى الحديث مابين الألفية الخامسة قبل الميلاد وحتي بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد والتي كان منها حضارة نقادة بمحافظة قنا التي عرفت تقنيات حرق الفخار والذى كان يتميز بإحمراره وبوجود نقوش هندسية كما أننا في هذه الحضارة نجد أن صناعة الأوانى الحجرية قد إزدادت تأنقا وجمالا وروعة علاوة علي أن إنسان تلك المرحلة قد بدأ يزين الأوانى الفخارية برسوم الحيوان والنبات والإنسان كما ظهرت أيضا حضارة مرمدة بني سلامة وهذه الحضارة ليست معروفة للكثيرين وقد تواجدت في موقع قرية تسمي مرمدة بني سلامة وهي تقع شمالي إمبابة بمحافظة الجيزة ولذلك سميت بإسم القرية وقد عرف أهل هذه الحضارة صناعة الفخار الذى أضفوا عليه طابعا جماليا عن طريق زخرفة سطوحه بعناصر زخرفية بسيطة وصنع أيضا إنسان مرمدة بني سلامة أوانيه الفخارية باليد وكانت غير مصقولة وغير مزينة ومعظمها كان من فخار أسود خشن بسيط في أشكاله يتناسب مع مطالب الحياة ويتميز بوجود بروزات بها لحملها وأحيانا ثقوب في جوانبها لتعليقها منها ومن المظاهر الجديدة في هذه الحضارة العثور علي تماثيل طينية صغيرة كما عثر أيضا علي بعض أدوات الزينة مما يدل علي إهتمام أهل هذه الحضارة بالكماليات وإن كانت قليلة في عددها وهي تتكون من عقود مصنوعة من العظم والصدف كما إستعملت النساء الكحل المصنوع من التونية الخضراء .


وإلي جانب حضارتي نقادة ومرمدة بني سلامة ظهرت أيضا في نفس الفترة تقريبا حضارة الفيوم وقد صنع إنسان الفيوم أوانيه الفخارية يدويا بواسطة الأيدي وكانت خشنة الصنع وقد خلطت بالطين ويمكن تمييز 3 أنواع من فخار الفيوم فخار أحمر مصقول وفخار أسود مصقول ويلاحظ أنها خالية من الأيدي والأعناق أو الحافات البارزة وكانت أيضا حجارة البدارى والتي تقع بمحافظة أسيوط حاليا ضمن حضارات العصر الحجرى الحديث في مصر والتي عرفت صناعة الفخار أيضا حيث تم العثور علي العديد من الأعمال النحتية والتماثيل في مقابر أهل هذه الحضارة والتي تتميز بالروعة والجمال ومما يميزها أن غالبيتها مصنوع من العاج ومن الطين المحروق وأن الرأس فيها تبدو أضخم من المعتاد وتتخذ اليدان وضع علي مبعدة من الجسم كما تفترق الساقان مع وجود فتحة طولية ظاهرة بين الفخذين وقد عثر في المعادى أيضا على بعض الفخار الوافد من فلسطين مما يدل على وجود علاقات خارجية لسكان منطقة المعادى مع سكان فلسطين في هذه الفترة الزمنية حيث إكتشفت في
المعادي بعض الأواني الفخارية ذات الغطاء الطيني التي تمتلئ بالزيوت القادمة من فلسطين وتذهب لمصر فإعتبرت لذلك حضارة المعادي حلقة وصل مابين الحضارة الآسيوية الفلسطينية في الشمال وبين حضارة صعيد مصر في الجنوب في منخفض الفيوم وفي البدارى بمحافظة أسيوط وفي نقادة بمحافظة قنا ومما لا شك فيه أن الأعمال النحتية قد تطورت تطورا كبيرا بداية من حضارة نقادة مرورا بعصور الأسرات الفرعونية القديمة والوسطي والحديثة وجدير بالذكر أن النماذج الفخارية المصرية القديمة التي وجدت في مواقع حضارية أهمها منطقة البدارى بالإضافة إلي منطقة الكوم الأحمر بالمنيا ومنطقة نقادة بقنا وغيرها وأيضا التماثيل التي عثر عليها في نفس هذه المناطق وفي مناطق أخرى مثل الأشمونين بمحافظة المنيا وفي مناطق عديدة بالدلتا قد إحتلت أماكن هامة وبارزة في فتارين المعروضات في المتاحف المصرية وفي متاحف العالم وبخاصة في متحف أيرلندا القومي في عاصمتها دبلن ومتحف تاريخ الفن في العاصمة النمساوية فيينا وفي المتحف القومي للآثار في مدينة فلورنسا بإيطاليا ومتحف الآثار القومي في العاصمة الأسبانية مدريد ومتحف مدينة ليفربول بإنجلترا وغيرها من متاحف العالم الشهيرة .


وقد عثر في واحة سيوة والخارجة على أدوات مماثلة لما ذكرناه تنتمي إلي العصر الحجري الحديث أيضا تشبه أدوات حضارة الفيوم بقسميها مما يدل علي أنها كانت متصلة إتصالا وثيقا بالفيوم وحضارتها حيث كانت هناك بالفعل علاقات وثيقة بين مناطق وأقاليم وحضارات مصر المختلفة في عصور ماقبل الأسرات وكانت تلك معجزة حققها المصريون وسجلوا بتحقيقها تفردا منذ العصر الحجرى الوسيط حينما تمكنوا من الربط بين القرى والأقاليم المختلفة في القطر المصرى بعضها ببعض فأصبح هذا التواصل وهذا التفاهم خطوة هامة جدا من خطوات كثيرة سبقت التوحد المصرى داخل دولة واحدة تعد أول دولة لها حكومة مركزية وجيش نظامي في تاريخ البشرية الأمر الذى تحقق آنفا علي يد الملك مينا أو نارمر موحد القطرين القبلي والبحرى ووصلت به مصر إلى درجات كبيرة من التحضر والتقدم منذ فجر التاريخ صنعهما المصرى القديم بيديه وقلبه .


وتعتبر دول شرق آسيا أيضا من أقدم وأكثر الدول التي صنعت الفخار وإهتمت بصناعته في فترة ما قبل الميلاد وأكثر الدول التي إشتهرت بصناعته اليابان والصين حيث كان أهل اليابان يصنعون الفخار بأيديهم كما كانت شعوب أمريكا تصنع الفخار يدويا ومن ثم تلونها بأكاسيد المعادن وبالألوان النباتية ولم يكونوا يعرفون الفرم وكانوا يصنعون من الفخار الأواني والتماثيل الحيوانية والبشرية وفي سوريا كان الفخار الذي يصنع من النوع الممتاز حيث تعلم صناع الفخار طريقة التحكم في شدة النار والأفران التي يحرقون فيها الفخار وتطورت صناعة الفخار في سوريا بشكلٍ ملحوظٍ وطوروا الرسومات على الفخار والألوان والأشكال الكثيرة والمختلفة وبعد ذلك ظهرت الفسيفساء الملونة والأعمدة الفخارية في العراق وغيرها من الدول وفي الوقت الحاضر هناك أعداد قليلةٌ من الحرفيين يعتمدون صناعة الفخار كحرفة وصنعة أساسية وهناك أشخاص إتخذوا من هذه الصنعة موهبةً لوقت الفراغ حيث يقضون أوقاتهم في صناعة شيء مفيد .

وفى قلب القاهرة وتحديدا في قرية الفخارين فى منطقة الفسطاط بمصر القديمة يقع أقدم مكان لصناعة الفخار فى مصر منذ دخول عمرو بن العاص والفتح الإسلامى لمصر حتى وقتنا الحالى فعند دخولك للمنطقة تجد أوجه سمراء لأشخاص تلطخت أيديهم وملابسهم ببقايا الطين ليحافظوا على صناعة يشهد عليها التاريخ ويقوم كل منهم بالدور المخصص له بمهارة عالية حيث يحرك أصابعه بشكل مميز حول قطعة الطمى المبللة لكى تخرج تحفة فنية تجذب أنظار المارة إليها وفي هذه القرية يوجد شخص إسمه محمد عابدين تجاوز الستين من عمره والذى يعد أحد أكبر صانعى الفخار بمصر القديمة ولذا فهو يلقب بشيخ الفخارين والذى يقول عن نفسه لكل من يقابله إنه يعمل منذ طفولته بالفخار هو وعائلته وأنه قد توارث هذه المهنة أبا عن جد والآن لديه ولدين علمهم هذه الصنعة ويضيف قائلا إن قرية الفخارين بمصر القديمة تضم 30 وحدة لصناعة الفخار حيث بدأت القرية الدخول فى هذه الصناعة بشكل منظم منذ الفتح الإسلامى لمصر وكانت قبل ذلك صناعة الفخار موجودة بالقرية منذ آلاف السنين ولكن بشكل عشوائى ويؤكد علي أن صانع الفخار أصبح مهنة نادرة جدا بالرغم من تميز مصر بهذه الصناعة عن غيرها من البلدان الأخرى وخاصة قرية الفخارين فقد كنا نورد الفخار إلى الدول الأوروبية فصناعة الفخار سحر وفن رفيع يحتاج لفنان مبدع فأنت تحول الطين إلى أشكال فنية مبهجة .

ويوضح أيضا محمد عابدين أن هناك شروط لعامل الفخار الجيد منها أن يكون عمره لايزيد عن عشر سنوات عندما يبدأ فى هذه المهنة لأنها مهنة إحساس فعلى الطفل أن يدرك جيدا منذ صغره كيف يركز إحساسه فى كفي يديه اللذين سيتعامل بهما مع الطين وماذا سيكون لونه حيث لايوجد شكل معين لقطعة الفخار فالصانع يصنع الشكل الذى يخطر على باله فهى مهنة إحساس من الطراز الأول ويضيف أيضا قائلا إن الدولاب الذى يستخدم في صناعة الفخار وهو عبارة عن أسطوانة حديدية ورأس تستخدم باليد وأسطوانة أخرى من أسفل يتم تشغيلها بالقدم وبمجرد تحريكها باليد أو القدم تسير عكس عقارب الساعة لتبدأ عملية التشكيل ثم تليها عملية الرسم والنقش على الجسم الخارجي لقطعة الفخار ويستطرد قائلا إن العمل على الدولاب يتطلب تركيز وصبر ويستغرق ذلك وقت طويل بداية من جمع الطفلة من الجبل ثم تخميرها وتخزينها وتنقيتها وتصفيتها وتشكيلها على الدولاب ولا تستغرق عملية التشكيل سوى عدة دقائق حسب خبرة الفنان وبعد التشكيل تبدأ مرحلة الرسم والنقش والتى يتم فيها إستخدام الرسم البارز والغائر على الصناعات الفخارية قبل تجفيفها وأخيرا تأتى عملية الحرق التي تتم في الفرن الخاص لذلك ويطلق عليه الكانون ثم يترك الفخار في الفرن لمدة 6 ساعات وبعد ذلك يكون الشكل النهائي للفخار وجدير بالذكر أنه قد تطورت في الوقت الحاضر صناعة الأفران من البلدية إلى الحديثة التي تعمل بالكهرباء .


ويضيف أيضا عم محمد عابدين قائلا إن صانع الفخار لابد وأن يتحلي أيضا بالعديد من المواصفات حيث أنها تحتاج إلي الدقة المتناهية في صنع الأشكال وإلي خفة اليد فالتعامل مع هذه المادة صعب جدا خصوصا للمبتدئين وأن أكبر الصعوبات التي تواجه صاحب هذه المهنة تتمثل في قلة اليد العاملة كما يضيف قائلا إن زبائنه من مختلف فئات الناس كل حسب حاجته ونظرته فمنهم من يقتنيها كقطع تراثية ومنهم من يقتنيها كتحف للزينة ومنهم من يقتنيها لإستخدامها في الطعام والطبخ لقناعته أنها أفضل من الناحية الصحية من الأواني المنزلية المعدنية ولذا فهو يصنع منها أشكالا عديدة مثل الجرة والطاجن والحصالة والمزهرية والمباخر والأباجورات وقصارى الزرع ونماذج للبيوت والمساجد والأكواخ والشلالات والكثير من هذه المنتجات تطلبها العديد من الفنادق الكبرى والقرى السياحية لإستغلالها في عمليات الديكور والزينة ويطالب صانعو الفخار الدولة وخاصة وزارة الثقافة بأن تدعم صناعة الفخار من خلال مراكز الخزف والحرف اليدوية الذى من المفترض أن يدعم هذه المهنة إلا أنه لايقوم بدوره مؤكدين أنه إذا اهتمت الحكومة بهذه المهنة فإنهم يستطيعون أن ينافسوا بها عالميا وأن يصدروا المنتجات الفخارية لكل دول العالم فهناك فى بعض متاحف العالم مثل متحف اللوفر فى العاصمة الفرنسية باريس يوجد جزء خاص بفخار الفسطاط فكيف يكون من بالخارج أكثر إهتماما منا بصناعة تعود أصولها منذ قديم الزمان لنا .
 
 
الصور :