بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
وتعالوا بنا الآن نستعرض معا في السطور القادمة أهم الإنجازات والأعمال الكبيرة والإصلاحات والتشريعات التي تمت في عهد الملك فؤاد وذلك علي النحو التالي :-
-- تم في عهد الملك فؤاد رفع الحماية البريطانية عن مصر وإعلان إستقلالها وأصبحت بذلك مصر دولة مستقلة ذات سيادة وإن كان هذا الإستقلال قد جاء منقوصا نتيجة التحفظات الأربعة التي تكلمنا عنها سابقا والخاصة بترتيبات الدفاع عن مصر وعن قناة السويس والخاصة أيضا بالمحافظة علي الأجانب وممتلكاتهم ومصالحهم وأخيرا الخاصة بإقليم السودان لكن لاننكر أن ذلك كان علي الأقل خطوة نحو الإستقلال الكامل الذى تم في النهاية عبر أكثر من مرحلة وعبر العديد من جولات المفاوضات الشاقة والمضنية قبل ثورة يوليو عام 1952م وبعدها أيضا بذل فيها الساسة المصريون قصارى جهدهم للوصول إلى الإستقلال التام لمصر .
-- تم في عهد الملك فؤاد صدور دستور عام 1923م والذى يعد من أرقى الدساتير التي تم صدورها في التاريخ الحديث ولا يعيبه سوى التعديلات التي أدخلت عليه لمنح الملك صلاحيات حل البرلمان وإقالة الوزارة وإصدار مراسيم بقوانين حتي في حالة إنعقاد البرلمان لكن لاننسي أن النتيجة النهائية كانت نقلة كبيرة في مجال الحياة السياسية في مصر في ظل وجود ملك ذى نزعة إستبدادية ويفضل الحكم الأوتوقراطي وتجميع السلطات في يده بقدر المستطاع .
-- بموجب دستور عام 1923م تم إجراء أول إنتخابات برلمانية عامة في مصر في عهد وزارة يحيى إبراهيم باشا يوم 12 يناير عام 1924م والتي توصف حتى اليوم بأنها أنزه إنتخابات تم إجراؤها في مصر وكان أكبر دليل علي هذا رسوب رئيس مجلس الوزراء وكان وزيرا للداخلية أيضا أمام مرشح حزب الوفد في دائرته ومسقط رأسه مركز منيا القمح التابع لمديرية الشرقية علما بأنه كان المنظم لتلك الإنتخابات بحكم منصبيه كوزير للداخلية وكرئيس لمجلس الوزراء .
تم تأسيس الجامعة المصرية التي تم تسميتها بعد ذلك بجامعة فؤاد الأول عام 1940م ثم تحولت إلى جامعة القاهرة عام 1953م وذلك بعد أن كانت قد تأسست الجامعة الأهلية رسميا عام 1908م وكان الملك فؤاد أحد مؤسسيها وتولي رئاستها لفترة قبل ان يتولي حكم مصر وبعد ذلك تم دمج الجامعة الأهلية مع الجامعة الحكومية التي قررت الحكومة تأسيسها في منتصف عشرينيات القرن العشرين الماضي وتم إطلاق إسم الجامعة المصرية عليها وبدأت بكليتي الآداب والحقوق ثم تم إلحاق مدرستي العلوم والطب بها ثم تم إلحاق مدرسة الصيدلة بكلية الطب وتم البدء في تأسيس مباني الجامعة في مكانها الحالي عام 1928م حيث تم تشييد مبني إدارة الجامعة الحالي بقبته الشهيرة وعن يمينه كلية الحقوق وعن يساره كلية الآداب وتوالى بعد ذلك تشييد باقي كليات الجامعة ثم تم في عام 1935م إلحاق مدرسة المهندسخانة بها ولتصبح كلية الهندسة وكانت مبانيها في نفس المنطقة وفي مواجهة مبني إدارة الجامعة وأيضا تم ضم مدرسة الطب البيطرى إلى كلية الطب وتم ضم مدرستي الزراعة والتجارة العليا إلى الجامعة المصرية ليصبحا كليتي الزراعة والتجارة ثم تم ضم معهد الأحياء المائية إليها أيضا وتوالى بعد ذلك بعد عهد الملك فؤاد في عهد الملك فاروق ومابعده ضم وإنشاء كليات جديدة مثل كلية دار العلوم وكلية السياسة والإقتصاد وكلية الإعلام وغيرها وجدير بالذكر أن الأميرة فاطمة إبنة الخديوى إسماعيل وأخت الملك فؤاد كانت قد تبرعت بجزء من الأراضي التي كانت تمتلكها ليقام عليها مبني الجامعة ومباني الكليات المختلفة من حوله وأيضا لاننسي ذكر أن جامعة القاهرة مصنفة ضمن أفضل 500 جامعة في العالم وتخرج منها علماء كبار مثل الدكتور علي مصطفي مشرفة عالم الذرة المصرى المعروف وتلميذته الدكتورة سميرة موسي والدكتور مجدى يعقوب والدكتور علي إبراهيم باشا والدكتور هاشم فؤاد والدكتور أحمد شفيق والدكتور مهندس حسن فتحي والدكتور مهندس إبراهيم جعفر والدكتور مهندس على صبرى والدكتور مهندس علي لبيب جبر والدكتور مهندس علي أحمد رأفت والدكتور مهندس عبد الرحمن الساوى وغيرهم ولي الشرف أنا كاتب هذه السطور أن أكون أحد خريجي هذه الجامعة العريقة من قسم العمارة بكلية الهندسة دفعة شهر يوليو عام 1981م .
-- تم في عهد الملك فؤاد إنشاء مدينة بور فؤاد علي الضفة الشرقية لقناة السويس عند المدخل الشمالي للقناة وفي مواجهة مدينة بورسعيد وبدأ بناؤها عام 1920م وتم إفتتاحها وبدء السكن بها عام 1926م وكان عدد سكانها في ذلك الوقت حوالي 800 نسمة فقط معظمهم من الأجانب العاملين في شركة قناة السويس وبنيت أغلب مبانيها ومنازلها علي الطراز الفرنسي وتخطيطها يعتمد على وجود شوارع واسعة ومباني لايتعدى إرتفاعها دورين أو ثلاثة أدوار وحول كل مبني حديقة تحيط به وبشوارعها مسطحات خضراء في الجزيرة الوسطى بمساحات كبيرة وكانت بور فؤاد في البداية حي من أحياء مدينة بورسعيد ثم تحولت مؤخرا منذ سنوات قليلة إلى مدينة مستقلة بذاتها تتبع محافظة بورسعيد .
-- تم في عهد الملك فؤاد تشييد العديد من مشاريع الرى العملاقة إستكمالا للمشاريع التي بدأت أيام جده محمد علي باشا حيث أنشئت القناطر الخيرية وأيام أبيه الخديوى إسماعيل حيث تم حفر عدد كبير من الترع أهمها ترعتي الإبراهيمية والإسماعيلية وأيام إبن أخيه عباس حلمي الثاني حيث أنشئ خزان أسوان وقناطر اسيوط والتي كان الهدف منها تخزين مياه فيضان النيل وتنظيم توزيعها علي مدار العام فنجد أنه قد تم في عهد الملك فؤاد تشييد قناطر نجع حمادى عام 1928م لتنظيم تغذية ترعة الفؤادية شرقي النيل وترعة الفاروقية غربي النيل بالمياه لزوم رى الأراضي الزراعية في تلك المناطق وبالإضافة إلى ذلك تم تعلية خزان أسوان عام 1926م لزوم زيادة سعته التخزينية للمياه وزيادة قدرته على توليد الكهرباء وقد ساهمت تلك المشاريع العملاقة وحقا التي لايوجد لها مثيل في العالم مساهمة كبيرة جدا في زيادة مساحات الأراضي الزراعية في الوجهين القبلي والبحري وأيضا ساهمت في زيادة إنتاجية تلك الأراضي نتيجة إنتظام دورات ريها في الأوقات المناسبة وضمان عدم تعرضها للعطش والجفاف .
-- تم في عهد الملك فؤاد وفي خلال وزارة إسماعيل صدقي باشا مابين عام 1930م وعام 1933م تشييد كورنيش الإسكندرية الذى يربط المدينة من شرقها بداية من السور الخارجي لقصر المنتزة وحتي أقصى غربها في منطقة بحرى بمحاذاة شاطئ البحر المتوسط وصار هذا الكورنيش أهم شريان مرورى رئيسي بمدينة الإسكندرية منذ إنشائه وحتي الآن وكان له تأثيره الكبير علي مد العمران إلي مناطق كثيرة في الإسكندرية مثل منطقة الرمل ومنطقة الإبراهيمية ومنطقة ثكنات مصطفي كامل والتي كان من الصعب الوصول إليها بالسيارات وكانت الوسيلة الوحيدة لذلك هي الترام فأصبح بعد تشييد الكورنيش الوصول إليها بسهولة بالسيارات مما شجع الكثيرين علي شراء أراضي بتلك المناطق والبناء عليها وجدير بالذكر أن هذا المشروع عند التفكير في تنفيذه لاقي معارضة شديدة علي أساس تكلفته الباهظة ولكن إسماعيل صدقي باشا وإن كان مكروها من الشعب المصرى وكان الناس يلقبونه بعدو الشعب نظرا لطريقة حكمه الإستبدادية والمتعسفة إلا أنه كان ذو عقلية إقتصادية فذة وصاحب رؤية مستقبلية متميزة وأصر على تنفيذ المشروع وأيده الملك فؤاد في ذلك وقال إسماعيل صدقي باشا حينذاك ردا على معارضيه إنه سيأتي يوم يقول الناس فيه وأولهم من عارضه في مشروع كورنيش الإسكندرية ياليته قد ضاعف عرض الكورنيش عدة مرات وبالفعل فقد جاء هذا اليوم وهانحن في أيامنا هذه نقول ماقاله إسماعيل صدقي باشا منذ أكثر من 75 عاما
-- تم في عهد الملك فؤاد تأسيس أول بنك مصرى وطني خالص ليس به مؤسسين أو شركاء أجانب وهو بنك مصر عام 1920م علي يد رجل الإقتصاد المصرى الكبير طلعت حرب باشا وخلال الفترة من عام 1920م وحتي عام 1934م كان بنك مصر قد أنشأ العديد من الشركات التي كان لها دور كبير في تنمية وتطوير الإقتصاد المصرى ودفعه إلى الأمام بقفزات سريعة وكذلك تحقيق الإكتفاء الذاتي من مستلزمات المأكل والملبس والإستغناء بالتالي عن الإستيراد من الخارج بل الإتجاه إلى تصدير الفائض من الإنتاج المحلي وتحقيقا لذلك فقد تم تأسيس وإنشاء مصانع وشركة المحلة للغزل والنسيج ومصانع طنطا للزيوت والصابون وشركة مصر للسياحة وشركة مصر للطيران وشركة ستوديو مصر للتصوير السينمائي وشركة مصر للتأمين وكذلك خلال هذه المدة قام بنك مصر بإفتتاح العديد من الفروع في عواصم المحافظات ومدنها لخدمة جميع طوائف وفئات الشعب المصرى من صغار المودعين والعملاء والقيام بالأعمال البنكية المختلفة من صرف وإيداع وإدخار وإقراض وخلافه كما قام بنك مصر أيضا بعد ذلك في عهد خليفته الملك فاروق بتأسيس مصنع كفر الدوار للغزل والنسيج وتوسعة وتطوير مصانع شركة المحلة للغزل والنسيج وهي المصانع التي كان لمنتجاتها شهرة عالمية داخل وخارج مصر .
-- تم في عهد الملك فؤاد أيضا تأسيس بنك التسليف الزراعي وذلك لمساعدة الفلاحين عن طريق حصولهم على قروض ميسرة من أجل الحصول على مايلزم الأرض الزراعية من بذور وأسمدة ومبيدات ومعدات وسداد القروض في نهاية كل موسم زراعي وكان هذا البنك بما قدمه من مساعدات للفلاحين سببا رئيسيا في زيادة إنتاجية الأراضي الزراعية جنبا إلي جانب مع ماذكرناه من توافر مياه الرى وعدم تعرض الأراضي الزراعية لمخاطر العطش والجفاف بسبب مشاريع الرى العملاقة التي تم تشييدها في عهد الملك فؤاد وأسلافه .
-- وفي مجال التعليم كان الملك فؤاد شديد الإهتمام بالعملية التعليمية حتي قبل أن يصبح سلطانا ثم ملكا فلا ننسي أنه كان أحد المؤسسين للجامعة الأهلية عام 1908م وترأسها لفترة ولذلك نجد أنه في عهده بخلاف إنشاء الجامعة المصرية في منتصف عشرينيات القرن العشرين الماضى وتأسيس كليات جديدة بها وضم المدارس العليا إليها نجد أنه قد تم إنشاء عدد كبير جدا من المدارس سواء الإبتدائية أو الثانوية أو المدارس الشاملة التي تضم جميع مراحل التعليم الروضة والإبتدائي والثانوى في الوجهين البحرى والقبلي وكان منها علي سبيل المثال لا الحصر مدرسة قنا الثانوية في أعماق الصعيد وكلية سان مارك المشهورة في مدينة الإسكندرية .
-- وأيضا كان الملك فؤاد شديد الإهتمام بالدعاية السياحية لمصر والترويج السياحي لها لجذب السياح من جميع أنحاء العالم لزيارتها ومشاهدة آثارها التي لا مثيل لها في أى دولة أخرى في العالم والتمتع بجوها الدافئ المعتدل طول العام ففي عام 1933م تم تنظيم مسابقة الدعاية السياحية لمصر تحت رعايته وتم تصنيع كأس من الذهب الخالص عليه مناظر سياحية من مصر خصيصا لتلك المسابقة ولا ننسي أن تأسيس شركتي مصر للسياحة ومصر للطيران بواسطة بنك مصر كان من العوامل المساعدة في الترويج والدعاية السياحية لمصر .
-- وكان الملك فؤاد شديد الإهتمام أيضا بالنواحي الثقافية ومن الأعمال التي تمت في هذا المجال كان إنشاء معهد الموسيقى العربية عام 1921م وذلك من أجل الحفاظ علي التراث الموسيقي العربي وتعليم أصول الموسيقي العربية وتم تخصيص قطعة أرض له بشارع الملكة نازلي سابقا رمسيس حاليا لبناء مقر دائم له وتم البناء بالفعل ولايزال المبني موجودا حتي الآن ويؤدى رسالته وكذلك تم إنشاء مجمع اللغة العربية عام 1932م وصدر بذلك مرسوم ملكي من الملك فؤاد وبحيث يكون مكونا من 20 عضو عدد 10 منهم مصريين وعدد 10 من العرب والمستشرقين وبشرط أن يكون الجميع من المتبحرين والعلماء في أصول اللغة العربية وذلك بغرض المحافظة على سلامة لغتنا العربية لغة القرآن الكريم وتعريب المصطلحات الأجنبية وتنظيم دراسات علمية للهجات اللغة العربية بمصر وخارجها إلي جانب وضع معجم تاريخي للغة العربية .
-- وفي نفس إطار الإهتمامات الثقافية للملك فؤاد فقد إهتم إهتماما بالغا بالمتاحف فأمر بإنشاء المتحف الزراعي بالدقي وجعل منه ثاني أهم مكان متخصص في الزراعة علي مستوى العالم بعد المتحف الزراعي في العاصمة المجربة بودابست وخصص له سراى شقيقته الأميرة فاطمة إبنة الخديوى إسماعيل لتكون مقرا له كما أمر بالبدء في إنشاء المتحف الحربي وتجميع تاريخ مصر العسكرى به وتاريخ إنشاء الجيش المصرى في عهد جده محمد علي باشا علي يد سليمان باشا الفرنساوى وعرض الأسلحة المختلفة والشارات والرايات والرتب والنياشين وخلافه علي مر العصور ولم يسعف العمر الملك فؤاد فقد توفى قبل إفتتاحهما وتولي خليفته وإبنه الملك فاروق هذه المهمة كما إهتم الملك فؤاد بتطوير وإصلاح المتاحف التي كانت قد فتحت منذ أيام أسلافه مثل متحف الفن الإسلامي بميدان باب الخلق والمتحف القبطي بمصر القديمة ودار الآثار المصرية بميدان التحرير ومتحف الإسكندرية القومي والمتحف اليوناني الروماني بمدينة الإسكندرية وبالإضافة إلي ذلك فقد تم في عهده تأسيس متحف سكك حديد مصر والمتواجد بمبني محطة مصر بالقاهرة والذى تم إفتتاحه قي يوم 15 ينايرعام 1933م متزامنا مع مناسبة إنعقاد المؤتمر الدولي للسكك الحديدية في مصر في نفس الشهر وأيضا تأسيس متحف البريد المصرى بالعتبة والذى تواكب إفتتاحه مع إجتماع مؤتمر البريد العالمي العاشر بالقاهرة في عام 1934م كما تم في نفس العام تأسيس متحف الشمع علي يد الفنان جورج عبد الملك وكان مقره في البداية في ميدان التحرير ثم تم نقله إلي منطقة جاردن سيتي وأخيرا إستقر في مقره الحالي في منطقة عين حلوان قرب ضاحية حلوان جنوبي القاهرة وبالإضافة إلي ما ذكرناه من المتاحف تم أيضا في عهد الملك فؤاد إقامة تمثال نهضة مصر علي يد مثال مصر الأول محمود مختار والذى تم وضعه أولا في ميدان باب الحديد أمام مبني محطة مصر للسكك الحديدية بالقاهرة عام 1928م ثم تم نقله بعد ذلك عام 1955م إلي الميدان الذى سمي بإسم ميدان النهضة في أول الطريق المؤدى إلي جامعة القاهرة .
-- وفي المجال الصحي تم في عهد الملك فؤاد إنشاء العديد من المستشفيات الكبيرة مثل مستشفي الدمرداش في حي العباسية والتي تبرع بأرضها وتكاليف إنشائها السيد عبد الرحيم الدمرداش باشا ومستشفي المواساة بالإسكندرية والتي أنشأتها جمعية المواساة الإسلامية الخيرية بالإسكندرية والتي كان يترأسها محمد فهمي عبد المجيد والد الدكتور عصمت عبد المجيد وزير الخارجية وأمين عام الجامعة العربية الأسبق كما بدأ في عهده العمل في تأسيس مستشفى الهلال الأحمر التابع لجمعية الهلال الأحمر المصرى كما تم إنشاء العديد من مراكز رعاية الأمومة والطفولة وكل تلك المستشفيات والمراكز كان العلاج فيها بالمجان فيما عدا الموسرين فكانوا يقومون بسداد رسوم للعلاج يتم الصرف منها بعد ذلك علي صيانة وتحديث تلك المستشفيات والمراكز وصرف الأدوية للفقراء وغير القادرين وقبل وفاة الملك فؤاد بحوالي 3 أسابيع وفي أوائل شهر أبريل عام 1936م أصدر مرسوما بإنشاء وزارة الصحة لأول مرة في مصر بحيث تكون مهمتها إنشاء المستشفيات العامة في القاهرة والمحافظات ومراكزها والإشراف عليها وتقديم الخدمات الصحية والعلاجية للمواطنين ورعاية الأمومة والطفولة والقيام بحملات توعية لتطعيم الأطفال ونشر الوعي الصحي خاصة في الريف وغيرها من الخدمات المتعلقة بالصحة والوقاية من الأمراض والأوبئة .
-- تم في عهد الملك فؤاد إنشاء الإذاعة المصرية الرسمية وتم إفتتاحها يوم 31 مايو عام 1934م وكانت قبل ذلك تتواجد في مصر منذ عام 1925م وبعد 5 سنوات فقط من بدء الإرسال الإذاعي في العالم بعض الإذاعات الأهلية مثل إذاعة مصر الجديدة وإذاعة راديو فؤاد وإذاعة راديو فاروق وكان يمتلكها بعض الهواة وتعتمد في تمويلها علي الإعلانات التجارية ولذلك كان مشغلو تلك الإذاعات يستخدمونها كما يحلو لهم فالبعض يبث من خلالها رسائل إلى أصدقائه والبعض يبث من خلالها إعلانات تجارية لبعض البضائع والسلع وفي عام 1926م صدر أول مرسوم ملكي من الملك فؤاد يحدد شروط وضوابط إستخراج تراخيص تشغيل الأجهزة اللاسلكية طبقا للإتفاقيات الدولية لتنظيم عمل تلك الإذاعات والتي بدأت تطور من نفسها وبعد أن كانت تبث برامجها باللغة العربية أصبحت تذيع بالعديد من اللغات مثل الإنجليزية والفرنسية والإيطالية لخدمة الأجانب المتواجدين في مصر كما أقيمت بعض المحطات الإذاعية في مدينة الإسكندرية وكان إرسالها يستمر من 2 إلى 4 ساعات يوميا إلى أن جاء يوم 31 مايو عام 1934م والذى أصبح عيدا للإعلام يتم الإحتفال به سنويا إنطلق صوت المذيع أحمد سالم بكل حماس وبكل إنتماء ومن أعماق قلبه بالعبارة التي مازالت مستخدمة حتي اليوم قبل بداية البرامج وفي الفواصل وهي عبارة هنا القاهرة وكان عدد المحطات في البداية عدد 4 محطات تزايدت مع الوقت وأصبحت الآن أكثر من 10 محطات وكان أول رئيس للإذاعة عند إنشائها هو سعيد باشا لطفي والذى إستمر رئيسا لها لمدة 13 سنة ونصف السنة تقريبا منذ إفتتاحها يوم 31 مايو عام 1934م حتي يوم 22 ديسمبر عام 1947م وخلفه محمد بك قاسم وكان مقر الإذاعة المصرية في البداية في شارع الشريفين بوسط مدينة القاهرة الخديوية ثم إنتقلت إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون المصرى بماسبيرو بكورنيش النيل ببولاق بعد إنشائه في عام 1960م .
-- تم في عهد الملك فؤاد إنشاء العديد من الحدائق والمتنزهات العامة التي كانت ومازالت متنفسا لأفراد الشعب يقضون بها أيام الأجازات والأعياد مع أسرهم بالإضافة إلي مساهمة تلك الحدائق والمتنزهات في تنقية الهواء خاصة في المدن المزدحمة التي تتزايد فيها معدلات التلوث بالجو خاصة وأنه قد بدأت أعداد السيارات والمركبات تتزايد في الشوارع بداية من عشرينيات القرن العشرين الماضي مرورا بالثلاثينيات ومابعدها ومن هذه الحدائق الحديقة اليابانية بحلوان وأقيمت عام 1919م علي يد المهندس المعمارى محمد ذو الفقار باشا وحديقة الورد بمنطقة سموحة بالإسكندرية وأقيمت عام 1928م وحديقة الأندلس بالزمالك وأقيمت عام 1935م علي يد المهندس المعمارى محمد ذو الفقار باشا أيضا وإلي جانب ذلك كان الإهتمام والعناية بالحدائق التي أنشئت في عصور أخرى مثل حديقة الأزبكية بالقاهرة وحديقة الأسماك بجزيرة الزمالك بالقاهرة وحديقة الحيوان بالجيزة وحديقة الأورمان بالجيزة وحدائق قصر المنتزة والنزهة وأنطونيادس بالإسكندرية .
-- وفي إطار إستكمال منظومة الكبارى المعدنية العابرة للنيل سواء في القاهرة أو في المحافظات واللازمة لخطوط السكك الحديدية أو لعبور السيارات والمركبات تم في عهد الملك فؤاد علي سبيل المثال لا الحصر إنشاء كوبرى قصر النيل الجديد بالقاهرة وتم إفتتاحه عام 1933م ليحل محل كوبرى قصر النيل القديم الذى بناه الخديوى إسماعيل وتم إفتتاحه عام 1872م وكذلك تمك تجديد كوبرى دسوق علي فرع نيل رشيد في عام 1927م والذى يصل محافظة كفر الشيخ بمحافظة البحيرة عند مدينة دسوق التابعة لمحافظة كفر الشيخ عابرا النيل إلى مدينة الرحمانية بمحافظة البحيرة ومنها إلي دمنهور عاصمة محافظة البحيرة ومنها إلي طريق القاهرة الإسكندرية الزراعي فهو شريان مرورى هام جدا لربط وسط الدلتا بغربها ولينضم إلى قائمة الكبارى الهامة التي تم إنشاؤها قبل ذلك خاصة في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني مثل كوبرى عباس وكوبرى أبو العلا وكوبرى الزمالك القديم وكوبرى إمبابة بالقاهرة وكوبرى نجع حمادى بالصعيد وكوبرى المنصورة وكوبرى بنها بالوجه البحرى وجدير بالذكر أن تلك المجموعة من الكبارى العابرة للنيل ساهمت مساهمة كبيرة جدا في إستكمال شبكة خطوط السكك الحديدية في مصر وكذلك شبكة خطوط الطرق مما أدى إلى تسهيل حركة نقل السلع والبضائع وإنتقال الأفراد بين جميع محافظات مصر وذلك بالطبع إنعكس إيجابيا علي رواج النشاط الإقتصادي والتجارى والعمراني والسياحي في جميع ربوع مصر .
-- وبحلول عام 1935م كانت مصر قد سددت كل ديونها ولم يعد علي مصر أى دين لأى دولة بل كانت بريطانيا هي المدينة لمصر كما زاد حجم الرصيد الذهبي للعملة المصرية وكان الجنيه المصرى أقوى من الجنيه الإسترليني وكانت قيمته تفوق قيمة الجنيه الذهبي بقرشين ونصف القرش تقريبا وفي الحقيقة نستطيع أن نقول إن هذا الأمر كان من أعظم أعمال وإنجازات الملك فؤاد مما جعل مصر في ذلك الوقت متقدمة جدا في المجال المالي والإقتصادي نتيجة تحررها من الديون التي كانت تثقل كاهلها وتفتح الطريق أمام التدخل الأجنبي في شئونها.
-- تم في عهد الملك فؤاد أيضا تجديد وإصلاح وترميم العديد من المساجد الأثرية التي يعود تاريخ بعضها إلى العصر الفاطمي وبعضها إلى العصر المملوكي وبعضها إلى العصر العثماني ومن تلك المساجد علي سبيل المثال لا الحصر مسجد أحمد بن طولون ومسجد الحاكم بأمر الله ومسجد السيدة نفيسة بالقاهرة ومسجدى أبو العباس المرسي والبوصيرى بميدان المساجد بمنطقة بحرى بالإسكندرية كما أمر بإعادة تخطيط هذا الميدان وكلف المهندس المعمارى الإيطالي ماريو روسي الذى كان قد إستقدمه من إيطاليا ليتولي مسؤولية صيانة وإصلاح المساجد التابعة لوزارة الأوقاف المصرية بهذا الأمر وقد توفى قبل إنتهاء هذا المشروع وتم إستكماله في عهد إبنه الملك فاروق كما إستمرت مصر في عهد الملك فؤاد في إرسال كسوة الكعبة المشرفة سنويا إلى مكة المكرمة والذى كان يصنع في دار كسوة الكعبة التي أنشأها محمد علي باشا يحي الخرنفش بالقاهرة .
-- تم أيضا في عهد الملك فؤاد بناء مبني البرلمان المصرى والذى تم وضع حجر أساسه يوم 9 سبتمبر عام 1922م وعقدت به أول جلسة لمجلس النواب يوم 15 مارس عام 1924م بعد صدور دستور عام 1923م وإجراء أول إنتخابات برلمانية عامة في شهر يناير عام 1924م ولهذا المبني قيمة فنية ومعمارية وتاريخية هامة وقد تم تشييده علي طراز جمع بين الطرز المعمارية الأوروبية التي كانت سائدة في أواخر القرن التاسع عشر الميلادى وأوائل القرن العشرين الماضي وبين الطراز المعمارى الإسلامى في العمارة والفنون ويوجد داخله متحف يسمي متحف البرلمان المصرى والذى أنشئ خصيصا من أجل الحفاظ على التراث المصرى فى مجال الممارسة السياسية والتشريعية والبرلمانية ويأتي هذا المتحف فى موقع الصدارة بين المتاحف المماثلة فى العالم وهو يضم مستنسخات أثرية لأقدم ما أبدعته البشرية من وثائق وتشريعات وقوانين ومعاهدات .
-- وبالإضافة إلى كل ماسبق ففي عهد الملك فؤاد كانت هناك العديد من الإصلاحات الإدارية حيث تم إنشاء وزارت جديدة مثل وزارة المواصلات ووزارة التجارة والصناعة ووزارة الصحة لتحسين الأداء الوظيفي ولكي تكون هناك مؤسسات حكومية مسئولة عن تلك المجالات التي زاد نشاطها في عهده في مصر من حيث إنشاء العديد من الطرق وخطوط السكك الحديدية والمستشفيات العملاقة والمصانع الكبرى وزيادة النشاط التجارى في مصر وواكب ذلك كله صدور العديد من التشريعات والقوانين والقرارات التي تنظم ممارسة كافة الأنشطة في مصر وإختصاصات الوزارات المختلفة والإدارات داخل كل وزارة ومنها علي سبيل المثال لا الحصر القوانين الخاصة بقصر العديد من الأنشطة علي المصريين دون الأجانب والقوانين الخاصة بالجنسية وقانون تنظيم الإتصالات اللاسلكية طبقا للمعايير الدولية وقوانين تنظيم المحاكم وقوانين دمغ الذهب حتي لايتم غشه والقوانين الخاصة بإصدار العملات سواء الورقية أو المصنوعة من النيكل والكروم إلى جانب تشجيع وتدعيم إستخدام اللغة العربية في جميع الوزارات والمصالح والهيئات والمؤسسات والمحاكم .
وبعد فقد حاولت أن أحصر ماتم من أعمال وإنجازات وإصلاحات في عهد الملك فؤاد وإجتهدت بقدر المستطاع وأكرر أنني سردت تاريخ هذا الرجل بحياد تام وقلت ماله وماعليه بتجرد وحياد كامل ويتبقى لنا أن نذكر أنه مرض في الشهر الأخير من حياته مرضا قصيرا وتوفاه الله بقصر القبة يوم 28 أبريل عام 1936م وليتم تشييع جنازته منه يوم أول مايو عام 1936م ويتم دفنه في مقابر العائلة المالكة بمسجد الرفاعي بالقاهرة وليسدل الستار علي فترة حكمه ولتبدأ صفحة جديدة وأخيرة في حقبة حكم أسرة محمد علي باشا مع إبنه ووريث عرشه وولي عهده الملك فاروق والذى كان في ذلك الوقت مسافرا في لندن للدراسة وتم إستدعاؤه علي عجل ليتولي عرش مصر وجدير بالذكر أنه كان يسمي شارع 26 يوليو الشهير بوسط القاهرة الخديوية بإسم شارع فؤاد وتم تغيير إسمه بعد قيام ثورة عام 1952م إلي شارع 26 يوليو ومع ذلك مايزال الكثيرون في مصر يسمون الشارع بإسمه القديم كما يوجد أيضا بوسط مدينة الإسكندرية شارع يسمي أيضا شارع فؤاد .
تابع الجزئين الأول والثانى عبر الروابط التالية:
http://www.abou-alhool.com/arabic1/details.php?id=38994
http://www.abou-alhool.com/arabic1/details.php?id=38995
|