الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الفتوة

الفتوة
عدد : 08-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com


إرتبطت مهنة الفتوة تاريخيا بسمات كالقوة التي عادة ما يتحلى بها الشباب بين طوري المراهقة والرجولة والشهامة والشجاعة التي يهرع أصحابها إلى نجدة الغير والنبل والسعي إلى العدل والحق مما يؤسس لنظام يدعم هذه السمات ويخلق الشجاعة والنجدة في الفتى وقد قدمته السير الشعبية أحيانا كنموذج للحاكم الفرد المستبد العادل الذي يسعى لتطبيق قانون القوة والحق حسب معادلاته وقناعاته الخاصة وبما يتوافق مع طبيعة أهل الحارة التي يحكمها فهو حاكم شعبي سواء إختاره الناس أو فرض نفسه بالقوة عليهم ولكي يستمر في موقعه كان عليه أن يضيف إلى قوته ما يجعل الناس تحبه كأن ينصر الفقراء ويقيم العدل ويلعب دور الحكيم ويرتب الحياة في الحارة التي يحكمها بحيث يظل الجميع قانعين ومقتنعين به ومدينين له نظرا لحمايته لهم فهو على سبيل المثال يأخذ الإتاوة أى مبلغ من المال من القادر ليعطي المحتاج وكان دائما يقترن ظهور الفتوة بغياب السلطة المركزية المسئولة عن ضبط المجتمع فالناس تحاول أن تجد بديل أو قائد محلي من بينهم وتتنازل له عن بعض الإستقلال في مقابل حمايتهم والدفاع عن مصالحهم .

وبتطبيق معاني الشهامة والنخوة والشرف والكرامة ونجدة الضعيف والدفاع عن المظلوم ونصرته فإنه يعتبر على بن أبي طالب هو أبو الفتيان لتوافر كل صفات النبل والشهامة والشرف والفروسية في شخصه رضي الله عنه وفي العصر العباسي الثاني إشتهر الخليفة الناصر العباسي بإهتمامه الكبير بالفتونة وجعل نفسه كبير الفتوات وجعل للفتونة ملابس خاصة ونظاما واسع المدى فإنتشرت في العالم الإسلامي كله ومنه عرفت مصر هذا النظام وإتسع مداه وإنتشر فيها إنتشارا كبيرا وفي العصر العثماني عهد الولاة العثمانيون إلى المماليك بالعديد من السلطات في مصر مقابل أن يؤدون لهم مبالغ سنوية من المال في مقابل أن يتصرف المماليك في شئون مصر كما يريدون فظهر الفتوات الذين كانوا ينشئون فرقا من المقاتلين ويتولون حماية التجار والأموال وأهل الشوارع نفسها والحواري وكانوا يجمعون أموالا من التجار والأهالي في مقابل ذلك وفي الثلاثين سنة الأخيرة من العصر العثماني قرب نهاية القرن الثامن عشر الميلادى لم تكن هناك دولة بالمعني المعروف لمفهوم الدولة في مصر حيث سادت الفوضي وظهرت تشكيلات عصابية كبيرة تضم ما بين 300 أو 400 رجل ينهبون الأسواق فبدأ الفتوات يكونون فرق للدفاع عن أحيائهم بالإضافة للدور المنوط بهم من البداية وكان إغلاق البوابات في المساء وإنارة المصابيح والتفتيش عن الأغراب وشيئا فشيئا أصبح لكل حي أو مدينة في القاهرة والإسكندرية وهي أكبر المحافظات وقتها فتوة أو فتوات يحمون الأهالي والتجار .

وقد شارك الفتوات بعد ذلك في مقاومة القوات الغازية التي تعاقبت علي مصر حيث شارك الفتوات في حماية الوطن أمام المطامع الأجنبية وكانت أولي هذه المشاركات ضد قوات الحملة الفرنسية التي جاءت إلي مصر بقيادة نابليون بونابرت عام 1798م حيث إشتدت مقاومة الفتوات لها حين تخاذل المماليك عن دورهم في المقاومة ضد الفرنسيين عند غزوهم لمصر فنهضت طوائف الشعب تدافع عن البلاد وكان الفتوات من أهم العناصر الشعبية في قيادة ثورات القاهرة الأولي والثانية ضد الفرنسيين حتي أن نابليون بونابرت ضاق بهم ذرعا وأطلق عليهم إسم الحشاشين البطالين وكان عندما يضيق به الأمر يصدر منشوراته إلي طوائف الشعب يناشدهم فيها عدم سماع كلام هؤلاء الحشاشين وكان بونابرت حينما بلغ بجيوشه منطقة إمبابة في طريقه إلي مصر إستنجد الأمراء المماليك بالعامة من الناس بعد أن تخاذلت جنودهم فخرج له أولاد الحسينية يتقدمهم الفتوات وتصدوا للجيش الفرنسي بعصيهم فحصدتهم المدافع الفرنسية حصدا و يحفل تاريخ هؤلاء الفتوات بالعديد من الأسماء اللامعة فكان من أعلامهم فتوات الحسينية العطوف عتريس وكورة وعفيفي القرد فتوة حي بولاق أبو العلا أما حي المغربلين فكانت تسيطرعليه المعلمة عزيزة الفحلة وإبنها محمد ولما إشتدت مقاومة الفتوات لقوات الحملة الفرنسية أمر نابليون جنوده بالبدء في هدم أبواب الحارات وفتح القاهرة على بعضها للإضعاف من سلطات الفتوات ومع بداية الإحتلال الإنجليزي لمصر ترك المحتل الفتوات في حالهم حتى بدأ الإنجليز في بناء البوليس في مصر فبدأ النزاع بين الجانبين وكلما قوى البوليس ضعف أمر الفتوات حتى قامت ثورة عام 1919م حيث إنضم الفتوات إلى حزب الوفد في مقاومته لقوات الإحتلال الإنجليزى ولما جاءت ثورة عام 1952م قامت بظبط الأحوال الأمنية في البلاد فإنتهي بذلك عصر الفتوات .

وجدير بالذكر أن أشهر فتوة في القاهرة إكتملت فيه صفات الفتوة الحقيقي كان الحاج إبراهيم كروم فتوة حي بولاق والذى كان له مكانة خاصة عند أبناء الحي وقد كان إبنا لراعي غنم ولكنه لم يعمل بمهنة والده بل كان يعمل في رصف الطرق أيام الإحتلال الإنجليزي لمصر وكان يكره معاملة الإنجليز للمصريين فكان يتشاجر معهم ويوسعهم ضربا وأدت جرأة قلبه لتعلم اللعب بالعصا حتي أصبح من أمهر الحطابين علي مستوي مصر فكانت عصاه تساعده علي ممارسة هوايته وهي الرقص البلدي الذي كان دائما سببا في إثارة المشاكل مع الآخرين فعندما كان يري زفة أو فرحا أو يسمع طبلا بلديا في الشارع يسرع إليه ويوقفه ويعطي رئيس فرقة الموسيقي ما تيسر من البقشيش وتكون عصاه في يده فيرقص بها ولكن في بعض الأحيان كان أصحاب الفرح يرفضون طلبه فكان يثور وينزل بعصاه علي كل من أمامه وتأتي الإسعاف في النهاية لحمل الجرحي الذين أصيبوا من جراء عمله هذا وهكذا طارت شهرته كفتوة بارع في إستخدام العصا وأصبح أهل الحي يهابونه ويحسبون له ألف حساب ولكنه برغم حزمه وقوته إلا أنه كان له مواقفه الطريفة حيث ذهب في يوم ما إلي صاحب السيرك إبراهيم الحلو وطلب منه أسدا من أسود السيرك لكي يركبه ليستقبل به الرئيس جمال عبدالناصر في أثناء عودته من مؤتمر بالهند ولكن الحلو رفض خوفا علي الناس ولكنه لم ييأس وركب علي حصانه وإستقبل الرئيس جمال عبد الناصر بموكب يزيد علي ثلاثة آلاف رجل من أهالي حي بولاق وكتب علي أكبر لافتة في ميدان عابدين ما نصه إبراهيم كروم فتوة مصر يحيي جمال عبدالناصر فتوة العالم وبعيدا عن مواقف الشهامة فلم تخل شخصية إبراهيم كروم من الوطنية فأثناء حرب العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956م كان لديه عدد 156 رشاشا قدمها هدية إلي الحكومة المصرية كمساهمة منه في مقاومة العدوان الثلاثي علي مصر وكان هذا السلاح ملكا للإخوان المسلمين الذين حاربوا به اليهود في فلسطين عام 1948م ثم خبأوا هذا السلاح لديه ودعوه إلي أن ينضم إلي جماعتهم وكان الحاج إبراهيم كروم مستعدا لمواجهة قوات العدوان فسلح أهل بولاق بالأسلحة تحسبا لهبوطهم بالمظلات كما هبطوا علي بورسعيد وقد تبرع بمبلغ ألف جنيه وهو مبلغ كبير في هذا الوقت للمجهود الحربي وكرمه بعد ذلك الرئيس جمال عبدالناصر علي هذه المشاعر الوطنية ويذكر أيضا للحاج إبراهيم كروم موقف يدل علي جدعنة وشهامة أولاد البلد والنزعة الوطنية فعندما إتهم الرئيس السادات بقتل وزير المالية الوفدى أمين عثمان باشا عام 1946م في عهد الملك فاروق قبل ثورة عام 1952م وهرب من أجهزة البوليس فكان أثناء فترة هروبه يلجأ أحيانا إلي إبراهيم كروم لكي يجد له مأوي ليختبئ فيه فكان يخبئه في أحد المنازل التي يمتلكها ولم ينس الرئيس السادات له هذا الموقف بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية وإستجاب لدعوته لزيارة حي بولاق حيث أقام له سرادق كبير وذبح له عجلين إحتفالا بقدومه .

وفي الإسكندرية ظهر فتوة آخر كانت له شهرة كبيرة ويسمي حميدو والذى ولد عام 1890م وبعد أن وصل إلي سن الشباب ذاع صيته داخل منطقة الأنفوشي كفتوة وكان مشهورا بالروسية الإسكندراني لشدة ضرباته التي يوجهها لخصومه برأسه وكان حميدو مواظبا على متابعة سباقات القوارب بالمحافظة وهي المنافسات التي كانت تقام بصفة رسمية بين أهل منطقتي السيالة ورأس التين وحدث أن شارك حميدو في أحد هذه المسابقات ممثلا عن منطقة السيالة وتمكن من الفوز بالسباق تحت أنظار الخديوى عباس حلمي الثاني حاكم مصر في ذلك الوقت والذي ألقى له حفنة من الريالات على الأرض كمكافأة له إلا أن الفتوة رفض أن يتناولها وقد أثارهذا التصرف من حميدو غضب الخديوى فأمر بإستدعائه إلى قصر رأس التين وبالفعل توجه الفتوة في الموعد المحدد إلي القصر وهناك طلب الخديوى منه أن ينازل أحد خدمه حينها وافق حميدو دون تردد وبمجرد أن بدأ النزال بينه وبين الخادم ضربه حميدو برأسه ليسقط الخادم مغشيا عليه بشكل سريع وهكذا أنهى الفتوة الصراع في وقت قصير مثيرا إعجاب الخديوى الذي أطلق عليه لقب الفارس وأصبح الجميع ينادونه بذلك حتى وفاته في عام 1936م وأيضا في الإسكندرية في فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين الماضي كان إسماعيل سيد أحمد هو فتوة منطقة محرم بك وإشتهر بوسامته وعلو مكانة أسرته بين الأهالي وكان هذا الفتوة يشبه الملك فاروق وإستغل هذا الأمر في شراء طربوش ونظارة شبيهه برأس الدولة وقد تمتع هذا الفتوة بحس وطني عال حتى إنه كان يتوجه إلى الأراضي الفلسطينية هاربا في سيارة والده التابعة لسلاح المقاومة حتى يقاتل العصابات الصهيونية في ذلك التوقيت ومع وقوع حادث إغتيال وزير المالية الوفدى أمين عثمان باشا كان للفتوة إسماعيل سيد أحمد دور بارز من خلال إيوائه الضابط محمد أنور السادات داخل فيلته بمحرم بك ومن الطريف أن إسماعيل كان يقضي عقوبة الحبس عن إحدى القضايا أثناء تولي السادات الحكم ومع معرفته بما ألم بالفتوة أمر السلطات بالإفراج عنه ونقله وثالث الفتوات الإسكندرانية كان يسمي النونو والذى كان مشهورا بقوة بأسه في الإسكندرية حتى أنه شكل خطرا على الإنجليز أثناء فترة الإحتلال الإنجليزى لمصر حتى عرف وسط الأهالي بلقب البعبع ويحكي الأهالي أن بريطانيا العظمى كانت ترسل المؤن والعتاد لقواتها وللجيش المصري وللنونو كذلك حتي لا تغضبه وتأمن شره وبعد وفاة النونو عثر المقربون منه ضمن أوراقه على خطاب شكر عن دوره في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948م .

ولم يقتصر عالم الفتوات علي الرجال فقط بل كان هناك فتوات أيضا من عالم النساء دخلن في عالم القبضة الخشنة القوية التي تحمل النبوت لتغلق حيا بأكمله ومن أشهر النساء الفتوات كانت المعلمة توحة فتوة حي المطرية وعزيزة الفحلة فتوة حي المغربلين وزكية المفترية فتوة سوق الخضار الموجود في حي المناصرة بالقاهرة إضافة إلي المعلمة مجانص الدهل التي تقول إنها دخلت السجن في قضية مشاجرة أفضت إلي موت أما فتوة شر الطريق كما يسميها أنصارها فهي أشهر فتوة حريمي في منطقة الجيارة بمصر القديمة وإسمها الحقيقي كيداهم وهناك أيضا الفتوتان نفتالين بلية ومهبولة الشوارع والتي تجيد إستخدام المطواة قرن الغزال وتتقن أيضا رياضة الكونغ فو وفي الجيزة كانت الفتوة المعلمة سكسكة وإسمها الحقيقي كان أم سيد وقيل عنها إنها كانت سيدة مرهوبة الجانب يخشاها الجميع وتحولت إلي أسطورة وكان مقرها في شارع أبوهريرة بالجيزة حيث يوجد في هذه المنطقة سوق البرسيم الذى يتردد عليه الكثير من التجار وكان المعلم مرسي صاحب القهوة الشهير في هذه المنطقة متزوجا من المعلمة سكسكة وكان هذا المقهي ملتقي فتوات القاهرة والجيزة حيث كانوا يقضون فيه سهراتهم التي تمتد إلي الساعات الأولي من الصباح وبعد وفاة زوجها تولت هي إدارة شئون المقهي وكانت سيدة فارعة الطول قوية الجسم ولها عضلات تمكنها من التغلب علي من يقف أمامها وكان علي ذراعها وشم شأنها شأن الرجال حيث كانت ترتدي الصديري والجلباب البلدي الرجالي والكوفية مثل التجار الكبار المعروفين بلقب المعلمين وكانت تمسك بيدها عصا أو شومة غليظة طويلة وأخذت سكسكة توسع نشاطها حيث إستأجرت مع آخرين أرض السوق من الحكومة وبحيث تقوم هي بتأجير مساحات منها للمترددين عليها من تجار الدواجن والغلال والأقمشة وكان من يمتنع عن دفع المستحق لها تعاقبه أشد العقاب وكانت سكسكة لا تدخل أي مشاجرة لمجرد الشجار فقط ولكنها كانت أيضا تتدخل بدافع الشهامة وحماية الضعيف من أهل حتتها كما أنها كانت إمرأة عطوفة وتكره المعارك إلا إذا إضطرت إلي ذلك ولم يكن في منطقتها أي حالات طلاق فقد كانت تقوم بحل جميع المشاكل بين الأزواج والزوجات بطريقة ودية وكانت تستمع لهم عندما تتسع المشكلة أما صاحب الخطأ فيكون نصيبه علقة ساخنة حتي يعود إلي صوابه كما كانت الفتوة سكسكة تلعب دورا مهما في الدعاية لمرشحي الإنتخابات وذلك عندما قام أحد أبناء دائرتها بترشيح نفسه أمام مرشح معروف من حزب الوفد عام 1950م في آخر إنتخابات عامة قبل ثورة يوليو عام 1952م وتولت هي عملية الدعاية له فكانت ترتدي ملابس الرجال وتركب العربة الكارو وتطوف الشوارع مع جيرانها وهي تصفق وتهتف بحياة إبن حتتها وكان المنافس له يخشاها فأرسل إليها بعض أتباعه لمساومتها للإنضمام إلي صفه لكنها رفضت حتي وصل الأمر بالمنافس إلي تأليف لجنة لمحاربة الدعاية التي كانت تقوم بها سكسكة وتم تأليف دعاء خاص عليها لكي يردده أنصاره وهو يا رب إهلك سكسكة في يوم حرب مهلكة .


هذا وقد إرتبط إسم الفتوة بأعمال البلطجة بعدما لم يعد هناك حاجة لخدماته الأمنية فبدأ الفتوات في الحصول على إتاوات وذلك بالمخالفة للقانون مقابل تجنب بطشهم وليس مقابل الحماية كما كانت قديما وتؤكد بعض المراجع التاريخية والشعبية أن كلمة بلطجي تعني حامل البلطة باللغة التركية وأنه في عهد الدولة العثمانية كان الجنود البلطجية بمعني حاملي البلطة يتقدمون القوات الغازية ويقومون بقطع الأشجار بالبلطات ويشقون طريقا أمام القوات المتقدمة وكان دورهم أيضا عمل فتحات أو هدم أجزاء في جدران الحصون والقلاع التي تهاجمها القوات حتي تتمكن من إقتحامها وحينذاك لم تكن كلمة بلطجي تحمل معني سيئا حتي أن أسماء البعض كانت مشابهة لها مثل بلجة جي مصطفي باشا الذي كان واليا علي مصر من قبل الدولة العثمانية من عام 1755م حتي عام عام 1762م أما في عصر محمد علي باشا فقد أصبحت كلمة بلطجي صفة سيئة وتعني الشخص المستهتر الذى يأتي بأعمال أقرب إلي الإجرام في الأحياء الشعبية حتي وصل الأمر إلي صدور قانون لمكافحة البلطجة التي كانت أداة من أدوات الحرب لكنها تحولت الآن إلي أداة تخويف وترويع للآمنين بتعدد أشكالها من مطواة قرن غزال إلي سنجة وسيف وجنزير وخنجر ثم أسلحة نارية مرورا بماء النار الحارقة ثم البخاخات المخدرة فضلا عن العض والسباب والردح وهي أدوات البلطجة الحريمي أما الآن في العصر الحديث فنجد أن أعمال البلطجة قد تنوعت ففي الإنتخابات مثلا يتم تمزيق لافتات الخصوم وإفساد الإجتماعات والندوات الإنتخابية وصولا إلي الإعتداء علي الناخبين وعلي مقار اللجان الإنتخابية والإنتهاء بقيادة سيارة مسرعة والإصطدام بأنصار المرشحين أو المرشحين أنفسهم هذا بالإضافة إلي الإستعانة بأمثال هؤلاء في المظاهرات وبنفس الأساليب حتي وصلت إلي الإستعانة بآخرين من غير الجنسية المصرية وهو ما شوهد في المظاهرات العديدة التي إندلعت سواء في القاهرة أو في الإسكندرية بعد ثورة 25 يناير عام 2011م وأشارت الدراسة الصادرة من المركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية إلي إرتفاع معدلات البلطجة في الإنتخابات البرلمانية عام 2000م ومن بعدها في إنتخابات عام 2005م وأخيرا في إنتخابات عام 2010م والتي شابها التزوير الصريح الفج وكانت من أسباب إندلاع ثورة 25 يناير عام 2011م وكانت أبرز مظاهر البلطجة في جميع هذه الإنتخابات لجوء عدد كبير من المرشحين إلي العنف و إستخدام الزجاجات الحارقة و الذخيرة الحية لإثبات نفوذهم وسطوتهم في مواجهة منافسيهم . وقد جسدت السينما المصرية شخصية الفتوة وعالمه الخاص عن طريق روايات أديب مصر الكبير الحاصل علي جائزة نوبل في الأدب نجيب محفوظ الذي إهتم إهتماما بالغا بالحارة المصرية ومزج عن طريقها القديم بالحديث عبر عالم الفتوات حيث كانت ثلاثة أعمال من أهم رواياته البديعة تعبر عن هذا العالم حق تعبير وهي أولاد حارتنا والشيطان يعظ والحرافيش والتي كانت بمثابة المفتاح السحري الذي دخلت من خلاله السينما المصرية إلي عالم الحارة والفتوات فقدمت الرواية فلسفة الحكم وتعاقب الحكام وعلاقتهم بشعوبهم ودور هذه الشعوب من خلال الفتوة ودوره في الحارة وعلاقته بالحرافيش الذين هم عامة الشعب ولقد إعتمدت معظم هذه الأفلام علي نسيج درامي واحد حيث ترفع هراوات الفتوات لتفرض القهر والذل والإتاوات علي سكان الحارة ليأتي فيما بعد من يحاول الوقوف ضد هذا الظلم وتجسد ذلك في فيلم الشيطان يعظ إنتاج عام 1981م وفيلم المطارد إنتاج عام 1985م وفيلم سعد اليتيم إنتاج عام 1985م أيضا وأفلام شهد الملكة والحرافيش والتوت والنبوت والجوع إنتاج عام 1986م وفيلم أصدقاء الشيطان إنتاج عام 1988م وفي الحقيقة فقد برع أديبنا الكبير من خلال تلك المؤلفات أن يملأ وجداننا بإتساع أفقه وعمق رؤيته وإستشرافه للمستقبل بعالم الفتوات الذي لم يختف منذ القدم ولكنه يتطور ويتحور ويكتسب إسما جديدا ومعني مختلفا يتلاءم مع كل مرحلة زمنية .

ومن خلال روايات أديبنا الكبير نجد أنه قد وضع صفات لمهنة الفتوة شأنه في ذلك شأن من يمتهن أى مهنة أخرى حيث لابد أن تتوافر للفتوة عدة صفات حتي يحصل علي ما يؤهله لتلك المهنة ومن هذه الصفات نظرة عينيه التي توحي بالثبات والثقة في النفس أما صفاته الجسدية فهي أن يكون طوله فارع عريض المنكبين مفتول العضلات وساعده حجر من أحجار سور التكية وساقه جذع شجرة التوت ورأسه ضخم وأن تكون قسماته وافية التقاطيع غليظة مرتوية بماء الحياة كما أنه لابد من أن يتميز بالصوت القوى الجهورى وبصفات أولاد البلد العريقة في إغاثة الملهوفين ومساعدة ذوى الحاجات وأخيرا كان من نظام الفتوات هو إذا ما إرتكب أحد من أعوان الفتوة جريمة القتل فإن الفتوة الذى يتبعه يتبرأ منه أمام جميع الفتوات الآخرين ويطرده من بين هؤلاء الأعوان وبذلك فإنه يخرج من دائرة الفتوتة وهكذا وتدريجيا وبمرور الزمن أصبحت الفتونة حركة ومهنة ذات قواعد وأسس وأصول كما أصبح لها أيضا قانون عرفي وأسس أخلاقية تقوم عليها .
 
 
الصور :