الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

محمود سليمان باشا.. جهاد مضىء في الحياة السياسية المصرية

محمود سليمان باشا.. جهاد مضىء في الحياة السياسية المصرية
عدد : 12-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com



محمود سليمان باشا سياسي ورجل بر مصري كان وكيلا لمجلس شوري القوانين‏ ومن كبار ملاك الأراضي الزراعية بمركز ساحل سليم التابع لمديرية أسيوط‏ بوسط صعيد مصر ويعود نسبه إلي عائلة تنحدر من قبيلة بني سليم ببادية الحجاز والموجودة حتي الآن بالمملكة العربية السعودية وحدث أن هاجر أحد أبناء العائلة وهو عبد العال بن عثمان بن حسب النبي بن طايع بن حسب بن محمد بن جامع إلي مصر وإستوطن الشاطئ الشرقي لضفة نهر النيل بأسيوط جنوب مصر لذلك سميت تلك المنطقة بساحل بني سليم نسبة للقبيلة وأنجب عبد العال 4 أبناء هم همام وشغل منصب حكمدار مصر على مستوى الصعيد وكان عضوا بمجلس الأحكام بنظارة الحقانية وتمام وكان متفرغا لأعمال الزراعة ورعاية مصالح أهالي ساحل سليم وتوفي بالحجاز ثم سليمان وهو والد محمود سليمان باشا ونال رتبة البكوية وكان أحد 4 مصريين حصلوا على تلك الرتبة حينذاك ثم أبو زيد وشغل منصب حاكم جنوب الصعيد وقد أنجب محمود سليمان باشا السياسي المصرى محمد محمود باشا الذى شغل عدة مناصب وزارية في عهد الملك فؤاد كما شغل منصب رئيس مجلس الوزراء مرتين أولهما في عهد الملك فؤاد عام 1928م وثانيهما في عهد الملك فاروق في أواخر عام 1937م وقد ورث عن أبيه 1600‏ فدان وقد ولد محمود سليمان باشا في عهد محمد علي باشا عام 1834م و ولما بلغ سن السابعة من عمره أحضر والده العلماء والمدرسين في المنزل فأخذ عنهم النحو والحساب والعلوم العربية ثم إلتحق بالأزهر الشريف .

وفي عهد الخديوِى إسماعيل مابين عام 1863م وعام 1879م كان محمود سليمان باشا رجلا مسموع الرأي نافذ الكلمة وفي عام 1867م ترك منصب عمدة بلده ساحل سليم وعين ناظرا لقسم أبو تيج ثم رقي وكيلا لمديريتي جرجا وأسيوط ولما صدر القانون النظامي بعقد مجلس النواب في عهد الخديوى توفيق خلال فترة تولي محمد شريف باشا أبو الدستور المصرى رئاسة مجلس النظار و تقدم للنيابة عن الأمة وإنتخب عضوا بمجلس النواب الذى إفتتحه الخديوى توفيق في يوم 26 ديسمبر عام 1881م وتم إختياره ضمن اللجنة التي تم تكليفها بالرد علي خطاب العرش الذى ألقاه الخديوى توفيق بنفسه أمام أعضاء البرلمان وكان له في هذا المجلس مواقف يذكرها له التاريخ ولما قامت الثورة العرابية وشبت نارها في عام 1881م كان موقف محمود سليمان باشا يمتاز بالحكمة وبعد النظر حيث قدر ما يمكن أن يصيب البلاد من جرائها فتنحي عن الإشتراك فيها كما تنحي بعد ذلك عن الإشتراك في النظام الذي أعقبها ومع أن الثورة العرابية كانت تطورا طبيعيا في الحركة الوطنية المصرية إلا أنَ ذلك أوقعها في براثن الإحتلال البريطاني وعموما فقد كان محمود سليمان باشا من أنصار عدم الإشتراك في هذه الثورة وقد رأى بعد فشلها وبدء الإحتلال الإنجليزى لمصر وإستصدارهم قانون مجلس الشورى والجمعية العمومية من الخديوى توفيق أن يتنحي عن العمل العام وترك القاهرة إلي الصعيد وعكف علي عمله الخاص وعلي البر بالفقراء وظل كذلك من عام 1882م حتي عام 1895م حين قرر أن يخرج من العزلة التي كان قد فرضها علي نفسه وما لبث أن عاد إلي القاهرة وإلي العمل العام .

وبعد العودة إلي القاهرة تقدم محمود سليمان باشا لعضوية مجلس شورى القوانين وإنتخب وكيلا للمجلس وظل في هذا المنصب قرابة 13 عاما وكانت له فيه مواقف مشهودة وفي عام 1907م قام محمود سليمان باشا بتأسيس حزب الأمة الليبرالي في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني ورفع الحزب شعار أصحاب المصالح الحقيقية هم أبناء البيوتات المصرية والدعوة إلى مبدأ مصر للمصريين وكان هذا الحزب هو أول حزب يكون له برنامج ونظام في مصر فلقد كانت الأحزاب المصرية حتي يوم تشكيل حزب الأمة تقوم علي فكرة الدعوة لعمل واحد معين وكان هذا الحزب أول الأحزاب التي وضعت لها برنامجا كاملا مفصلا يتناول كيفية إصلاح أحوال البلاد السياسية والإقتصادية والإجتماعية وعلي نهجه سارت الأحزاب الأخرى بعد ذلك ولقد تألف حزب الأمة علي هذه الصورة وسبق تأسيسه بعدة شهور إصدار صحيفة بإسم الجريدة التي كانت بعد ذلك لسان حاله وكان الكاتب الأول فيها هو أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد باشا .

وعندما حدث بعد تشكيل هذا الحزب بسنوات الخلاف بين المسلمين والأقباط وكان من أثره أن عقد الأقباط مؤتمرا في أسيوط، يتهمون فيه حكومات ذلك العصر بأنها تستبعد الأقباط عن مناصب الحكم ولا تعطيهم حظهم الكامل منها وكانت هذه الحركة خطيرة النتائج كان محمود سليمان باشا من الذين تقدموا للقضاء عليها ولإعادة الألفة بين عنصرى الأمة ولذلك تألف المؤتمر المصري بهليوبوليس وإختار رياض باشا رئيسا له ومحمود سليمان باشا وكيلا له وفند مزاعم الأقباط يومئذ وأظهر للناس أن لهم من مناصب الحكم أكثر من نسبتهم العددية بكثير ودعاهم إلي أن يكونوا في وحدة الأمة صفا .ولما قامت الحرب العالمية الأولي عام 1914م وقرر الإنجليز خلع الخديوى عباس حلمي الثاني لوقوفه إلي جانب المعسكر المعادى لبريطانيا ومنعوه من العودة إلي مصر من أجازته التي كان يقضيها في إسطنبول قيل إنه قد عرض علي محمود سليمان باشا أن يصبح ملك مصر وذلك قبل تولية السلطان حسين كامل العرش لكنه رفض لكون المنصب لم يكن بإختيار المصريين ولعلمه مسبقا بأن الإنجليز لن يتركوه يستقل بحكم البلاد وسيفرضون عليه إرادتهم فرفض العرض جملة وتفصيلا ومع أن هذا الموقف لا يوجد دليل قاطع عليه إلا أن هذا الموقف كان من المواقف التي كان يفتخر بها محمد محمود باشا نجل محمود سليمان باشا خاصة أمام الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان حيث كان دائما يردد عبارة أنا إبن من عرض عليه ملك مصر فأبى وقد كان لمحمود سليمان باشا دور في إقناع السلطان حسين كامل تولي العرش فقد أظهرت الوثائق البريطانية أنه بتاريخ 19 سبتمبر عام 1914م تم إتخاذ قرار عزل الخديوى عباس حلمي الثاني عن عرش مصر لعدم ثقتها به وإنحيازه إلى الدولة العثمانية ضد بريطانيا وتم عرض تولي عرش مصر على الأمير حسين كامل وقتها فلم يكن قد بقى سلطانا بعد فرفض في البداية أن يتولي العرش بهذا الشكل فالخديوى عباس حلمي الثاني محبوب من الشعب المصرى وله شعبيته التي لا تخفي علي أحد ثم إن الشعب سيعتبر من تولي الحكم بدلا من الخديوى المعزول أنه قد جاء علي أسنة رماح الإنجليز وأنه صنيعتهم وهنا لجأ الإنجليز إلى سيناريو آخر حيث صارحوا الأمير حسين كامل بأنه إذا لم يقبل العرش فقد يختارون واحدا من زعماء المسلمين والذى ليس بالضرورة أن يكون مصريا وذكروا إسم أغا خان الثالث زعيم طائفة الإسماعيلية الشيعية الهندية كبالون إختبار لكي يدفعوا الأمير حسين كامل دفعا لقبول العرش حتي لايضيع حكم مصر من يد الأسرة العلوية .



وبالفعل إستدعي الإنجليز أغا خان الثالث للحضور إلى القاهرة وكان متواجدا آنذاك بالهند ووصل إلى الإسكندرية في يوم تنصيب السلطان حسين كامل سلطانا علي مصر ومن الملاحظ أنه لم ينزل بالسويس وهي في طريقه قبل أن يدخل قناة السويس ويكمل رحلته بحرا إلي الإسكندرية مما يدل على أن الإنجليز كانوا يستخدمونه كورقة ضغط علي الأمير حسين كامل لقبول عرش مصر والذى وجد نفسه وقد وقع بين فكي كماشة لافكاك منها فلو قبل العرش بهذه الطريقة سيقال إنه قبله علي جثة إبن أخيه الخديوى عباس حلمي الثاني وأنه صنيعة الإنجليز ولو رفضه فمن الممكن والمحتمل ضياع الحكم نهائيا من بين يدى الأسرة العلوية وهنا وجد أنه لابد من إستشارة واحد من ذوى الرأي والمشورة فلجأ الي محمود سليمان باشا وزاره بمنزله في شارع الفلكي بوسط القاهرة وعرض عليه الأمر فقال له إن من الحكمة أن يقبل العرش لأنه يخشي من وقوع ماهو أبعد من أن يقال عنه إنه قد إغتصب العرش من الخديوى عباس حلمي الثاني وأن الأمر قد يصل إلي خروج مقاليد الحكم من يد أسرة محمد علي باشا نهائيا وبناءا علي تلك المشورة والتي كانت هي القول الفصل في الموضوع برمته قبل الأمير حسين كامل تولي العرش وأخبر المستر ملن شيتهام القائم بأعمال المعتمد السامي البريطاني في مصر بقبوله عرش مصر وهنا تم إعلان عزل الخديوى عباس حلمي الثاني رسميا وتنصيب السلطان حسين كامل سلطانا علي مصر وفرض الحماية البريطانية عليها وكان ذلك في يوم 19 ديسمبر عام 1914م وبذلك خرجت مصر من تبعيتها الإسمية للدولة العثمانية وسقطت كل الحقوق التي كانت علي مصر لها وزالت كل القيود المفروضة من جانبها علي مصر فعلى سبيل المثال لا الحصر أصبح من حق من يحكم مصر الإنعام علي من يشاء بالرتب والنياشين وعدم التقيد بتعداد معين للجيش المصرى .

وبعد إنتهاء الحرب العالمية الأولي عام 1918م وبدء مطالية مصر بإستقلالها ورفع الحماية البريطانية عنها وكان محمود سليمان باشا قد جاوز الثمانين من عمره وحق له أن يستريح من عناء العمل وأن يخلد إلي الراحة حتي يحين الأجل المكتوب وذلك بعد أن كتب في حياته السابقة منذ مطلع الشباب صفحات جهاد مضيئة إلي جانب ما قام به من واجبات تجاه أولاده كأب من حسن العناية وجميل البر بأبنائه وكان كل ذلك كافيا وفوق الكفاية ليكتب لهذا الرجل صحيفة مجد باقية علي مر التاريخ وما أجمل هذه الشيخوخة الطاهرة المنزهة عن شوائب الهوى والتي قامت فيما سبق لها من سنين الحياة بما يطلب إلي الرجل من جد وبر وتقوي وما أجمل الشيخ يصل إلي قمة الحكمة بعد أن يطوف من الحياة بشهواتها وأهوائها ومطامعها ومجدها فتدعوه الحكمة إلي أن ينظر إلي الأهواء والمطامع والشهوات جميعا نظرة إصغار ولكن تشاء الأقدار أن يكون هناك دور باق لمحمود سليمان باشا في صفحات الجهاد من أجل وطنه الغالي علي نفسه وليكن هذا الدور خير خاتمة حيث إنطلقت حينذاك الحركة الوطنية المصرية وجاء هذا الشيخ الكبير لينضم إلي صفوف المجاهدين لإعلاء شأن الوطن وزادته سنوات عمره التي تعدت الثمانين إصرارا وحرصا علي الوقوف في الصف الأول من صفوف المجاهدين وأن يكون في مقدمة من يتعرض لما يصاب به من يتعرض للدفاع عن عظمة هذا الوطن وإستقلاله وكان منظرا يبهر النفس بما فيه من مهابة وإجلال حينما جلس محمود سليمان باشا في رئاسة لجنة الوفد المركزية يوم كانت البلاد تضطرب أحشاؤها من أقصاها إلي أقصاها ويوم كانت الأحكام العرفية بالغة في قسوتها خلال ثورة الشعب في عام 1919م وجعل من داره كعبة لجميع من يعمل من أجل خدمة الوطن وأقسم علي ألا يتزحزح إلا أن تزحزحه القوة فكان سباقا كغيره إلي التضحية والمكانة العلية وكان مثلا عاليا من النزاهة والجهاد لخير الوطن ورفعته .

ولما حدث الإنقسام بين سعد زغلول باشا وعدلي يكن باشا وإختلفا في أسلوب الكفاح من أجل إستقلال مصر وأسس عدلي يكن باشا حزب الأحرار الدستوريين وإنضم إليه محمود سليمان باشا وإبنه محمد محمود باشا إلا أنه لم ينس قديم صلاته بأصدقائه سواء منهم من كان في فريقه السياسي أو كان في فريق مخاصم له وعلي إشتداد الخصومة في ذلك الوقت بين الأحرار الدستوريين وسعد زغلول باشا فإن محمود سليمان باشا كان أسبق من أرسل إلي سعد زغلول باشا بعد عودته من منفاه فى جبل طارق يهنئه بسلامة مقدمه وكذلك كان في هذا الموقف كما كان في غيره من المواقف عظيما ساميا فوق شهوات الساعة .

وكانت وفاة هذا الرجل العظيم خلال فترة رئاسة إبنه محمد محمود باشا لرئاسة مجلس الوزراء للمرة الأولي في عهد الملك فؤاد الأول يوم 22 يناير عام 1929م عن عمر يناهز حوالي 95 عاما بعد حياة حافلة بالجهاد والكفاح من أجل وطنه وذهب ليكون في رحاب الرحمن حيث لا مشاحنات ولا مباغضات ولا أحزاب.

ولا يفوتنا هنا أن نتكلم عن قصر محمود سليمان باشا ببلدته بمركز ساحل سليم قلب صعيد مصر بمحافظة أسيوط والذى يعد من أقدم وأفخر القصور الأثرية التي كانت تزخر بها المدينة حيث كان أعجوبة في البناء والمعمار ومعالمه الأثرية حيث يحمل بناؤه ملامح إبداع معماري تميز بها وكان ينفرد بطابع تاريخى سياحى أثرى حيث شيده فنانون معماريون من فرنسا وقد تم إنشاؤه عام 1855م أى منذ اكثر من قرن ونصف وتبلغ مساحة الأرض التى شيد في وسطها القصر ما يقرب من 50 فدان وتبلغ مساحة الأرض التي بني عليها القصر فدان حيث تحيط به حديقة من أشجار الزينة الفرنسية والتى تبلغ ثمن الشجرة الواحدة منها 50 ألف جنيه حاليا ولا تتعدى طولها 3 أمتار ويتكون القصر من طابقين يحتوى كل طابق على 17 غرفة حيث تم بناؤه على أعمدة دائرية مزدوجة ويحتوى من جوانبه الأربعة على كرانيش فرعونية الطراز ترمز للقوة على شكل نمر وأسد ويأخذ القصر الشكل الدائرى على النظام الفرنسى وبه شبابيك من الخشب الفلبينى الأحمر اللون ذات كرانيش ضوئية بدائرة كل شباك مما أكسب القصر رونقا وجمالا فنيا وتشكيليا وكان من أبرز المهندسين الفرنسيين المعماريين الذين شاركوا في بنائه جوزپي بيينا والذى كان يعد واحدا من أكفأ المهندسين المعماريين في فرنسا في هذا العصر .

وكان ممن برزوا من أسرة محمود سليمان باشا في المناصب الكبرى نجله محمد محمود باشا الذى ولد يوم 4 ابريل عام 1878م وتلقى تعليمه بمدرسة أسيوط الإبتدائية وفي عام 1892م إلتحق بالمدرسة التوفيقية بالقاهرة، حيث أتم دراسته فيها وحصل علي شهادة إتمام الدراسة الثانوية عام 1897م ثم سافر إلي إنجلترا ليدرس بجامعة أوكسفورد وبعد عودته عين وكيل مفتش بنظارة المالية مابين عام 1901م وعام 1902م ثم إنتقل إلى نظارة الداخلية وعين مساعد مفتش حتي عام 1904م ثم أصبح سكرتيرا خصوصيا لمستشار ناظر الداخلية الإنجليزي عام 1905م ثم تدرج في الوظائف حتى وصل لمنصب مدير مديرية الفيوم وهو ما يعادل منصب المحافظ حاليا ثم أصبح محافظا لمنطقة القناة ثم لمديرية البحيرة ثم إستقال لرفضه طلب السلطات البريطانية زيادة الضرائب المقررة على الفلاحين وكان من الأعضاء المؤسسين لحزب الوفد مع سعد زغلول باشا وكان ضمن الوفد الذي شكله سعد زغلول باشا لطلب السفر إلى لندن من أجل المط\لبة بإستقلال مصر وهو الوفد الذى قامت السلطات البريطانية في مصر بإحتجازه وسجنهم في يوم 8 مارس عام 1919م بثكنات قصر النيل ونفيهم بعد ذلك الى مالطة لتقوم ثورة عام 1919م التي أجبرت الإنجليز على قبول فكرة سفر الوفد لعرض مطالب الشعب المصري وقام محمد محمود باشا بتأليف الكتاب الأبيض الذي يسرد قضية مصر من الجانب السياسي والقانوني ونتيجة لخلافات بين أعضاء الوفد حول أهدافه ومسارات التفاوض مع الإنجليز برزت حركة إنقسامات داخلية أدت لخروج عدلي يكن باشا ومحمد محمود باشا من الوفد وقاما بتأسيس حزب الأحرار الدستوريين المنافس القوي لحزب الوفد عام 1922م والذى ترأسه عدلي يكن باشا في البداية ثم ترأسه بعد ذلك محمد محمود باشا وفي وزارة عدلي يكن باشا الثانية التي شكلها يوم 7 يونيو عام 1926م وظلت في الحكم حتي يوم 21 أبريل عام 1927م شغل محمد محمود باشا فيها منصب وزير المواصلات وفي تلك الفترة بدأ إنشاء مطار القاهرة الدولي كما تم مد خطوط التلغراف والتليفونات لأول مرة بين القاهرة والإسكندرية وفي الوزارة التي تلتها والتي قام بتشكيلها عبد الخالق باشا ثروت يوم 23 أبريل عام 1927م شغل فيها منصب وزير المالية وفي الوزارة التالية التي شكلها مصطفي النحاس باشا وكانت وزارة إئتلافية بين حزبي الوفد والأحرار الدستوريين شغل فيها أيضا محمد محمود باشا منصب وزير المالية .

وفي يوم 25 يونيو عام 1928م تم إختياره لأول مرة لكي يشغل منصب رئيس الوزراء وهي الوزارة التي عرفت بإسم وزارة اليد الحديدية حيث أعلن محمد محمود باشا بنفسه أن وزارته سوف تتصف بهذا الوصف وذلك لزوم القضاء على حالة الفوضي والإنفلات في البلاد والتي تسبب فيها الحكم الحزبي وبأنه سوف يعطل العمل بالدستور لتحقيق ذلك وقام بإلقاء مجموعة خطب حينذاك في العديد من المناسبات تم جمعها بعد ذلك في كتاب بنفس الإسم اليد الحديدية في إعلان واضح وصريح عن تصميم الرجل علي إهمال الحكم الدستورى وهو ما تحقق طوال فترة وزارته من اليوم المذكور وحتي تقديم إستقالتها للملك فؤاد يوم 4 أكتوبر عام 1929م وقد تلخص برنامج حكومته حينذاك في السعي لتمكين البلاد من الإستقلال ونشر العدل والحريات وتطبيق اللامركزية وفي عهد هذه الوزارة وفي يوم 26 يونيو عام 1929م بدأت جولة مفاوضات جديدة بين مصر وبريطانيا لتسوية المسائل المعلقة بينهما ومثل مصر فيها رئيس الوزراء محمد محمود باشا ومثل بريطانيا المستر آرثر هندرسون وزير الخارجية حينذاك وبعد مرور أسبوع وفي يوم 3 يوليو عام 1929م تم إعداد مشروع معاهدة بين الجانبين المصرى والبريطاني وتم تسليمه لمحمد محمود باشا بعد يومين أى في يوم 5 يوليو عام 1929م وإستدعى محمد محمود باشا عبد الحميد باشا بدوى وهو رجل قانون دولي مصرى ضليع إلى العاصمة البريطانية لندن لدراسة ومراجعة وصياغة مشروع المعاهدة مما أسفر عن تقديم الحكومة المصرية إلى الجانب البريطاني مشروع معاهدة آخر معدل وبعد مفاوضات شاقة بين الجانبين لم يتم التوصل إلي إتفاق وفي نهاية شهر سبتمبر عام 1929م بات واضحا أن حكومة محمد محمود باشا تلفظ أنفاسها الأخيرة وكان كل وزرائها مدركين ذلك حتى أنهم كانوا يؤدون مهامهم اليومية بلا حماس وأخيرا تقدمت الحكومة بإستقالتها حلا لهذا الموقف الشائك وكان أن كلف الملك فؤاد عدلي يكن باشا بتأليف الوزارة الجديدة وعلي أن تكون وزارة إنتقالية تشرف علي الإنتخابات البرلمانية .

تولي محمد محمود باشا رئاسة الوزارة للمرة الثانية في أواخر عام 1937م خلفا لوزارة الوفد التي كان يترأسها مصطفي النحاس باشا وكان محمد محمود باشا في ذلك الوقت رئيسا لحزب الأحرار الدستوريين وزعيما للمعارضة في مجلس النواب وبدأ عهد وزارته الجديدة بقرار بحل مجلس النواب الوفدى القائم الأمر الذى رفضة غالبية النواب وإضطرت الحكومة لإستخدام الشرطة حتي تخرج النواب من البرلمان وقد حرص محمد محمود باشا علي أن تمثل في وزارته كافة الإتجاهات الحزبية فيما عدا حزب الوفد وشملت عدد 16 وزيرا وهو أكبر عدد لأى وزارة تشكلت حينذاك كان منهم رؤساء بعض الأحزاب وعدد من الرعيل الأول لحزب الوفد خلال ثورة عام 1919م والذين إختلفوا مع سعد زغلول باشا وخرجوا من الحزب حينذاك وكان هذا ضروريا لعمل شئ من التوازن أمام الرأى العام نتيجة الموقف العنيف الذى إتخذه الملك فاروق الشاب آنذاك تجاه وزارة مصطفي النحاس باشا صاحبة الأغلبية البرلمانية والتأييد الشعبي الجارف في البلاد وتم فتح باب الترشح لانتخابات برلمانية جديدة والتي تدخلت فيها الإدارة بشكل سافر من أجل الوصول إلى تشكيل برلمان لايحقق فيه حزب الوفد الأغلبية وبالفعل جرت الإنتخابات في شهر أبريل عام 1938م وجاءت النتيجة حصول الوفد علي 12 مقعدا من إجمالي مقاعد البرلمان وباقي المقاعد وعددها 252 مقعدا حصل عليها مرشحو الحكومة والأحزاب الموالية لها وعلي رأسها حزب الأحرار الدستوريين ومما يذكر أن كلا من الزعيم مصطفي النحاس باشا ومكرم عبيد باشا قطبي الوفد الكبيرين قد سقطا في تلك الإنتخابات في دائرتيهما ومع ظهور نتيجة الإنتخابات البرلمانية تقدمت الوزارة بإستقالتها للملك فاروق لتفسح الطريق أمامه من أجل إختيار وزارة جديدة وحيث آن حزب الأحرار الدستوريين كان هو صاحب الأغلبية طبقا لنتيجة الإنتخابات البرلمانية التي أجريت في البلاد فقد كلف الملك محمد محمود باشا بإعادة تشكيل الوزارة من جديد .


وبدأ محمد محمود باشا في إختيار وزراء وزارته الجديدة وكان يرغب في أن تكون غالبيتها ممن ينتمون إلي حزب الأحرار الدستوريين بإعتبار أنه حزب الأغلبية ولكن إعترض القصر علي ذلك حيث أن القصر كان يريد أن تكون للوزارة صبغة قومية لا حزبية وكان كل من القصر والحزب يرى أنه صاحب الفضل في إقصاء الوفد من حلبة الصراع السياسي وأنه يحق لكل منهما أن يجني ثمار ذلك مما خلق جو أزمة وزارية أخرت إعلان التشكيل الوزارى لمدة 3 أسابيع خاصة أنه بعد تنازل محمد محمود باشا عن وجهة نظره وقبوله أن يشكل وزارة قومية بدأ يظهر خلاف جديد بين الأحزاب تمثل في توزيع المناصب الوزارية حيث أن ثقل ووزن وأهمية كل وزارة يتحدد علي أساس تواجدها في ساحة العمل الداخلي وكانت علي سبيل المثال من الوزارات التي حدث تنازع علي من يشغلها وزارة الحربية والتي كانت من أقل الوزارات شأنا قبل توقيع معاهدة عام 1936م حيث كان الإنجليز هم المسؤولون عن الدفاع عن البلاد والمهيمنون علي شئون الجيش المصرى ولكن بعد توقيع المعاهدة زادت أهمية تلك الوزارة حيث بدأ تحديث الجيش المصرى وفتح أبواب الكلية الحربية أمام أبناء الطبقة المتوسطة من أجل زيادة عدده وكذلك بدأ تدريب الجيش المصرى علي إستخدام الأسلحة الحديثة الأمر الذى زاد من هوة الخلاف بين القصر ورئيس الوزراء المكلف بتشكيل الوزارة وقام الوفد بإستغلال هذا الموقف إستغلالا جيدا حيث تم تنظيم مظاهرات حاشدة في شتي أنحاء البلاد تهتف بسقوط الوزارة وسقوط محمد محمود باشا وتندد بتزوير الإنتخابات وبالتدخل السافر لرجال الإدارة فيها وفي نتائجها مما جعل محمد محمود باشا يعجل ويسرع بإعلان التشكيل الوزارى المرتقب في يوم 27 أبريل عام 1938م .


وفي هذه الوزارة شغل محمد محمود باشا منصب رئيس الوزراء إلي جانب وزارة الداخلية كما كان الأمر في التكليف الأول بعد إقالة وزارة الوفد وجاء باقي التشكيل ليشمل أحمد كامل باشا وزيرا للصحة العمومية وأحمد محمد خشبة باشا وزيرا للحقانية وحسن صبرى باشا وزيرا للحربية والبحرية وحسين سرى باشا وزيرا للأشغال العمومية وإسماعيل صدقي باشا وزيرا للمالية وعبد الفتاح باشا يحيى وزيرا للخارجية ورشوان محفوظ باشا وزيرا للزراعة ومحمد حسين هيكل باشا وزيرا للمعارف العمومية ومحمد حلمي عيسى باشا وزيرا للمواصلات ومصطفي عبد الرازق باشا وزيرا للأوقاف ومراد وهبة باشا وزيرا للتجارة والصناعة ولم تعمر تلك الوزارة أكثر من شهرين حيث إستمرت مناورات ودسائس القصر بقيادة علي ماهر باشا رجل القصر القوى حيث قام بمناورة ماكرة بأن قدم إستقالته كرئيس للديوان الملكي علي أساس أن الأزمة الوزارية قد إنتهت وأنه قد أدى مهمته بنجاح وبالطبع لم يقبلها الملك فاروق مما دعم موقف علي ماهر باشا في مواجهة الوزارة ورئيسها ولم يجد محمد محمود باشا حلا غير أن يقدم إستقالته للملك فاروق يوم 24 يونيو عام 1938م حتى يتيح له الفرصة لتكليف رئيس ديوانه علي ماهر باشا بتشكيل الوزارة الجديدة أو يعيد تكليفه بتشكيلها مع زيادة عدد الوزراء المنتمين للحزب السعدى وقبلها الملك فاروق بالفعل ولكنه إختار البديل الثاني وقام بتكليفه مرة أخرى بتشكيل الوزارة الجديدة وأعاد مرة أخرى محمد محمود باشا تشكيل الوزارة ولم يحتفظ بمنصب وزير الداخلية إلي جانب رئاسة مجلس الوزراء كالعادة وهي من أهم الوزارات وإستعان بمحمود فهمي النقراشي باشا نائب رئيس الحزب السعدى وزيرا للداخلية وجاء بمحمود غالب باشا وزيرا للمواصلات بدلا من محمد حلمي عيسي باشا وبحامد محمود باشا وزيرا للصحة العمومية بدلا من أحمد باشا كامل وبسابا بك حبشي وزيرا للتجارة والصناعة بدلا من مراد وهبة باشا أما باقي المناصب الوزارية فلم يطرأ عليها أى تغيير ولكن لم تسلم تلك الوزارة أيضا من مناورات ودسائس علي ماهر باشا طوال المدة التي قضتها في الحكم حتي أن محمد محمود باشا تنامي إلى علمه خلال الأيام الأخيرة من عمر وزارته أن علي ماهر باشا يجرى مشاوراته مع بعض الشخصيات المرشحة لتكون ضمن وزارته القادمة إلي جانب أنه ترأس وفدا سافر إلى إنجلترا للتفاوض والتفاهم بشأن بعض المسائل التي تخص العلاقات بين مصر وبريطانيا وباقي الدول العربية وخصوصا فلسطين من وراء ظهر الوزارة القائمة وتزامن ذلك مع تدهور صحة محمد محمود باشا وإصابته بمرض شديد فكان أن تقدم بإستقالته إلى الملك فاروق فقبلها وكلف بالفعل علي ماهر باشا بتشكيل الوزارة الجديدة يوم 18 أغسطس عام 1939م .

وكانت في هذه الأيام قد بدت في الأفق نذر قيام الحرب العالمية الثانية ولم يعمر محمد محمود باشا طويلا بعد ذلك وتوفي في يوم أول فبراير عام 1941م ويتبقي لنا أن نذكر أنه في الفترة التي تقلد فيها محمد محمود باشا الوزارة من يوم 30 ديسمبر عام 1937م وحتي يوم 18 أغسطس عام 1939م كان زواج الملك فاروق من الملكة فريدة يوم الخميس 20 يناير عام 1938م كما أنه كانت هناك أعمال وإصلاحات وقرارات حققت الكثير من الإيجابيات في مجال ضبط العمل الإدارى والفني في مختلف الوزارات وأهمها المنع النهائي لكافة الترقيات والعلاوات الإستثنائية بجميع الوزارات والمصالح إلا في حالات الضرورة القصوى وبموافقة اللجنة المالية المختصة في كل وزارة أو مصلحة كما تم تخفيض مرتبات الوزراء لتكون 2500 جنيه في السنة بدلا من 3000 جنيه وعلي أن يتم تطبيق ذلك بداية من أول شهر مايو عام 1939م وكذلك صدرت في عهدها قوانين خاصة بالضرائب من شأنها تحقيق الكثير من العدالة الضريبية وتعتبر هي الحجر الأساسي للنظام الضرائبي المعمول به حتي الآن كما تم الإهتمام بالجيش المصرى كما أسلفنا بأسلحته المختلفة حيث تم تزويد كلية الطيران الملكية بعدد 23 طائرة متوسطة لتعليم طلبتها وإنشاء قوة بحرية للدفاع عن شواطئ مصر وتزويدها بإحتياجاتها من البوارج واللنشات ولاقطات الألغام البحرية وإنشاء مصانع للأسلحة الصغيرة والمفرقعات كما كانت تلك الوزارة هي التي تم في عهدها بداية إنشاء جامعة الإسكندرية وكان إسمها جامعة فاروق في ذلك الوقت كما إتخذت تلك الوزارة قرارا بتجفيف جزء من بحيرة مربوط لإقامة مطار مدني عليها وهو مطار النزهة حاليا بدلا من مطار الدخيلة الذى تم تخصيصه للطيران الحربي كما أنه نظرا للبوادر التي كانت قد بدأت في الظهور في أواخر أيام تلك الوزارة بقيام الحرب العالمية الثانية فقد إتخذت الحكومة عدة قرارات من أهمها إنشاء مصلحة للوقاية المدنية وشراء الأدوات والمهمات اللازمة لها من كمامات للوقاية من خطر الغازات السامة وصفارات إنذار لتركيبها في عواصم المديريات .

وكان من الشخصيات البارزة أيضا في عائلة محمود سليمان باشا نجله حنفي محمود باشا وهو الشقيق الأصغر لمحمد محمود باشا وشغل منصب وزير المواصلات في وزارة إسماعيل صدقي باشا مابين شهر فبراير حتي شهر ديسمبر عام 1946م وعبد المجيد باشا صالح وشغل منصب وزير التموين في وزارة حسن صبرى باشا من شهر يونيو وحتي شهر نوفمبر عام 1940م ومنصب وزير المواصلات والتموين في وزارة حسين سرى باشا التي تلتها بداية من شهر نوفمبر عام 1940م ومحمود محمد محمود نجل محمد محمود باشا والذى شغل منصب رئس جهاز المحاسبات قبل ثورة يوليو عام 1952م ثم عين وزيرا للمواصلات بعد الثورة وهمام محمود والذى ساهم في إنشاء التليفزيون المصري وذلك بالإضافة لوجود عدد كبير من أبناء العائلة كأعضاء في البرلمان منهم خليل صالح باشا وعبد الحميد بك صالح وعبد الرحمن محمود سليمان وعلى محمود سليمان ومحمود محمد محمود سليمان ومحمد عبد الرحمن محمود وأبو إسماعيل تمام وعبد المنعم خليل ابراهيم .

جدير بالذكر أن مكتبة الإسكندرية قد قامت بإعداد دراسة تاريخية على مدار أربع سنوات لعائلة محمود سليمان باشا وأصدرتها في كتاب بعنوان "العائلة السليمية" سيرة عائلة من صعيد مصر ضمن مشروع عملاق ترعاه المكتبة تحت عنوان مشروع ذاكرة تاريخ مصر الحديث والمعاصر ،وقد ركز هذا الكتاب على دور العائلة في الحياة السياسية المصرية وشرح دور محمود سليمان باشا وإبنه محمد محمود باشا ودور حفيده محمود محمد محمود في تاريخ مصر والمهندس همام محمد محمود مؤسس علم هندسة الإلكترونيات في مصر والعالم العربي .
 
 
الصور :
قصرمحمود باشا سليمان محمد محمود محمد علي باشا الخديوى إسماعيل