الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الحرية تنير العالم

الحرية تنير العالم
عدد : 12-2018
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com


تمثال الحرية وإسمه بالكامل الحرية تنير العالم هو عمل فني نحتي قامت فرنسا بإهدائه إلى الولايات المتحدة الأميريكية في يوم 28 أكتوبر عام 1886م كهدية تذكارية بهدف توثيق عرى الصداقة بين البلدين بمناسبة الذكرى المئوية للثورة الأميريكية ومنذ ذلك الحين إستقر التمثال بموقعه الحالي بجزيرة الحرية وهي جزيرة صغيرة غير مأهولة تقع في خليج نيويورك بالولايات المتحدة الأميريكية وتبعد مسافة 600 مترا عن مدينة جيرسي بولاية نيوجيرسي و2.5 كيلومترا إلي الجنوب الغربي من مانهاتن وتقدر مساحتها بحوالي 49 ألف متر مربع ليكون في إستقبال كل زائري البلاد سواء كانوا سائحين أو مهاجرين.

قام بتصميمه الفنان الفرنسي فريدريك أوجست بارتولدي بينما صمم هيكله الإنشائي المهندس المعمارى الفرنسي الشهير جوستاف إيفل مصمم برج إيفل رمز العاصمة الفرنسية باريس وكوبرى أبو العلا القديم بالقاهرة وهو يمثل الديمقراطية أو الفكر الليبرالي الحر ويرمز إلى سيدة تحررت من قيود الإستبداد التي ألقيت عند إحدى قدميها وتمسك هذه السيدة في يدها اليمنى مشعلا يرمز إلى الحرية بينما تحمل في يدها اليسرى كتابا نقش عليه بأحرف رومانية جملة 4 يوليو 1776 وهو تاريخ إعلان الإستقلال الأميريكي كما ترتدى هذه السيدة علي رأسها تاجا مكونا من 7 أسنة تمثل أشعة ترمز إلى البحار السبع أو القارات السبع الموجودة في العالم ويرتكز التمثال على قاعدة أسمنتية-جرانيتية يبلغ عرضها 47 مترا ويبلغ طوله من القدم إلي أعلى المشعل 46 مترا بينما يبلغ الطول الكلي بالقاعدة 93 مترا وترتكز قاعدة التمثال علي قاعدة أكبر ذات شكل نجمي له 10 رؤوس تم بناؤها في عام 1812م كجزء من حصن وود والذي إستخدم للدفاع عن مدينة نيويورك أثناء الحرب الأهلية الأميريكية مابين عام 1861م وعام 1865م ويتكون التمثال من ألواح نحاسية بسمك 2.5 مم مثبتة على الهيكل الحديدي له ويزن إجماليا 125 طن .

وتعود قصة تصنيع هذا التمثال إلي عام 1855م عندما قررالفنان الفرنسي فريدريك بارتولدى بعد عودته من زيارته الأولى إلى مصر في هذا العام أن يقوم بإنشاء تمثال يمثّل الحضارة المصرية القديمة كجزء من ولع الفرنسيين بتلك الحضارة بعد أن أهدت مصر إلى فرنسا المسلة الشهيرة الموجودة في ميدان الكونكورد في العاصمة الفرنسية باريس فقام بتصميم نموذج مصغر لمنارة علي شكل فلاحة مصرية مسلمة تلبس ثوبا طويلا يغطي كل جسمها ترفع شعلة يخرج منها الضوء لزوم إرشاد السفن وتحمل شعار مصر تحمل الضوء لآسيا وكانت اشعة الشمس على الرأس مستقاة من عملة مصرية تاريخية تظهر بطليموس الثالث الحاكم الثالث من البطالمة في مصر وقد قام فريدريك بارتولدى بعرض هذا النموذج على الخديوي إسماعيل حاكم مصر آنذاك ليتم وضع التمثال في مدخل قناة السويس المفتتحة حديثا في يوم 16 نوفمبر عام 1869م لكن الخديوي إسماعيل إعتذر عن قبول إقتراح بارتولدي نظرا للتكاليف الباهظة التي يتطلبها هذا المشروع حيث لم يكن يتوافر لدى مصر في هذا التوقيت السيولة المالية اللازمة لتمويل مثل هذا المشروع خاصة بعد تكاليف حفر القناة إلي جانب التكاليف الباهظة التي تم إنفاقها علي الحفل الأسطورى الخاص بإفتتاحها وفي هذا الوقت كانت الجمهورية الفرنسية الثالثة تتملكها فكرة إهداء هدايا تذكارية لدول شقيقة عبر البحار من أجل تأصيل أواصر وعرى الصداقة والتعاون معها لذلك تم التفكير في إهداء الولايات المتحدة الأميريكية هذا التمثال في ذكري إحتفالها بالذكري المئوية لإعلان الإستقلال والتي يحين موعدها في يوم 4 يوليو عام 1876م .

ومن ثم بدأت الإستعدادات علي قدم وساق حيث تم الإتفاق على أن يتولى الفرنسيون تصميم التمثال بينما يتولي الأميريكيون تصميم القاعدة التي سوف يستقر عليها ومن أجل تحقيق ذلك بدأت حملة ضخمة في كل من البلدين لإيجاد وتوفير التمويل اللازم لمثل هذا المشروع الضخم ففي فرنسا كانت الضرائب ووسائل الترفيه التي يستخدمها المواطنون وكذلك اليانصيب هي الوسائل التي إستطاعت من خلالها فرنسا توفير مبلغ 2.25 مليون فرنك فرنسي لتمويل التصميم والشحن إلى الولايات المتحدة الأميريكية وعلى الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي كانت المعارض الفنية وسيلة الأميريكيين لتوفير الأموال اللازمة لبناء قاعدة التمثال وكان يقود هذه الحملة السيناتور وعمدة نيويورك آنذاك ويليام إيفارتز الذي أصبح وزير الخارجية الأميريكي فيما بعد غير أن هذا لم يكن كافيا مما جعل جوزيف بوليتزر أحد رواد الصحافة الأميريكية وصاحب جائزة بوليتزر فيما بعد أن يقوم بحملة من خلال الجريدة التي كان يصدرها تحت إسم أخبار العالم للدعوة إلي تمويل هذا المشروع وجدير بالذكر أن جائزة بوليتزر هي مجموعة جوائز ومنح سنوية تقدمها جامعة كولومبيا بنيويورك في مجالات الخدمة العامة والصحافة والآداب والموسيقى وتحظى هذه الجوائز التي تمولها في الأساس منحة من رائد الصحافة الأمريكي جوزيف بوليتزر بتقدير كبير وتمنح في شهر مايو من كل عام منذ عام 1917م .

وقد تم لاحقا إختيار موقع المشروع علي جزيرة الحرية التي كانت تعرف حينها بإسم جزيرة بدلو وذلك حتي عام 1956م كما قامت الشاعرة الأميريكية إيما لازاروس بمجهودات كبيرة في هذا الإتجاه حيث قامت بتأليف قصيدة تسمي قصيدة التمثال الجديد في يوم 2 نوفمبر عام 1883م تدعو فيها إلي المساهمة في تمويل مشروع إقامته على أن هذه القصيدة لم تصبح مشهورة إلا بعد ذلك بسنوات وهكذا تم توفير الأموال اللازمة لتمويل مشروع التمثال وقام المعماري الأميريكي ريتشارد موريس هنت بتصميم قاعدته في شهر أغسطس عام 1885م ليتم وضع حجر الأساس في الشهر نفسه وبعدها بعام تقريبا إكتملت أعمال بنائها في يوم 22 أبريل عام 1886م أما عن الهيكل الإنشائي فكان يعمل عليه المهندس الفرنسي يوجيني لو دوك لكنه توفي قبل الإنتهاء من التصميم فتم تكليف جوستاف إيفل ليقوم بإكمال ذلك العمل وبالفعل قام إيفل بتصميم الهيكل المعدني بحيث يتكون من إطار رئيسي للتمثال يتم تثبيته في إطار ثاني في القاعدة لضمان ثبات التمثال وإنتهت أعمال تصميم التمثال في فرنسا في شهر يوليو عام 1884م ومن ثم تم شحن التمثال على الباخرة الفرنسية إيزري حيث وصلت إلى ميناء نيويورك في يوم 17 يونيو عام 1885م وعند الشحن تم تفكيك التمثال إلي 350 قطعة وضعت في 214 صندوق لتخزينها لحين إنتهاء أعمال بناء القاعدة التي سيوضع عليها والتي إنتهت في وقت لاحق لوصول التمثال وهكذا في يوم 28 أكتوبر عام 1886م أي بعد إنتهاء إكتمال بناء قاعدة التمثال بحوالي 6 أشهر قام الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جروفر كليفلاند بإفتتاح التمثال في إحتفال كبير وقد ألقي فيه السيناتور وعمدة نيويورك الذي قاد حملة التبرعات ويليام إيفارتز كلمة بهذه المناسبة أمام الرئيس الأميريكي .

وبحلول القرن العشرين مر هذا التمثال بالعديد من المحطات ففي عام 1903م تم وضع لوحة تذكارية من البرونز علي حائط قاعدة البرج الداخلية مكتوبا عليها كلمات الشاعرة الأميريكية إيما لازاروس المشار إليها في السطور السابقة وذلك بعد 20 عاما من كتابتها في عام 1883م وفي عام 1916م في إطار الحرب العالمية الأولى وقع إنفجار في مدينة نيو جيرسي ألحق أضرارا بالتمثال بلغت قيمتها 100 ألف دولار أميريكي مما أدي إلي تحديد حجم الزائرين حتي تم الإصلاح كما تم تعديل الشعلة لكي تعمل بالطاقة الكهربائية وفي يوم 15 أكتوبر عام 1924م تم إعلان التمثال والجزيرة كأثر قومي علي أن تقوم بإدارتها إدارة الحدائق الوطنية وهي تعتبر الجهة الفيدرالية المنوط بها إدارة المناطق الآثرية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميريكية وفي يوم 28 أكتوبر عام 1936م كان موعد اليوبيل الذهبي لإنشاء التمثال لذلك قام الرئيس الأمريكي حينذاك فرانكلين روزفلت بتوجيه كلمة في هذه المناسبة والإعتراف بفضل هذا التمثال علي الأمة الأميريكية كرمز من رموز الحرية والديموقراطية وفي عام 1984م إنضم التمثال إلي قائمة مواقع التراث العالمي التي تقوم بتصنيفها منظمة اليونيسكو وبعدها بسنتين في عام 1986م وإستعدادا للإحتفال بمئوية التمثال تم عمل ترميم شامل له علي يد عمال فرنسيين وأمريكيين وتم تركيب طبقة ذهبية جديدة للشعلة تتلألأ عليها أضواء مدينة نيويورك ليلا ويذكر أن الشعلة الأصلية للتمثال توجد في المتحف الخاص بتمثال الحرية والذى يوجد في قاعدته .


وأخيرا وبعد حلول القرن الحادى والعشرين وبعد أحداث الحادي عشر من شهر سبتمبر عام 2001م وتدمير برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك قامت السلطات الأميريكية بإغلاق منطقة جزيرة الحرية والتمثال والمتحف الخاص به أمام الجمهور لمراجعة الإجراءات الأمنية وتطويرها وبذلك لم يعد متاحا للزوار تسلق الدرج داخل التمثال وصولا إلى أعلى التاج للحصول على منظر خلاب لمدينة نيويورك من أعلي التمثال وقد أعيد إفتتاح الجزء الخارجي من الجزيرة بعد حوالي 3 شهور من هذه الأحداث في يوم 20 ديسمبر عام 2001م ولكن ظلت منطقة التمثال والمتحف مغلقة حتي تم إفتتاحها مرة أخرى للجمهور في يوم 3 أغسطس عام 2004م أي بعد 3 سنوات من الإغلاق لكن لم يتم السماح بعد بالدخول إليه كما يتعرض الزائرين لتفتيش أمني مشابه لذلك المعمول به في المطارات ضمن الإجراءات الأمنية الجديدة هذا ويبلغ عدد الزوار للتمثال والجزيرة حوالي 3 مليون زائر سنويا .وجدير بالذكر أنه قد اقيمت تماثيل مشابهة لتمثال الحرية في بعض الدول خارج الولايات المتحدة الأميريكية أشهرها تلك الموجودة في فرنسا والنمسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والصين وفيتنام .

ونظرا لأن الترتيبات الأمنية الصارمة التي إتخذت بعد هجمات الحادي عشر من شهر سبتمبر عام 2001م قد تسببت في تقليص قدرة الإستقبال في المتحف الواقع داخل التمثال بحيث أصبح يستطيع 20 % فقط من زوار جزيرة الحرية أو ليبرتي أيلاند الدخول إليه لذا فقد قررت هيئة إدارة الحدائق الوطنية أو ناشيونال بارك سيرفيس الأميريكية التي تدير الموقع بناء مبنى متحف جديد يتمتع بواجهات زجاجية كبيرة ستبلغ تكلفته 70 مليون دولار أميريكي وسوف يتيح هذا المتحف منظرا رائعا على مانهاتن وخلافا للمتحف الحالي المقام في قاعدة التمثال سيبنى المتحف الجديد في الجهة المقابلة من الجزيرة الصغيرة والذى من المخطط له إفتتاحه في عام 2019م وتأمل مدينة نيويورك التي تستقبل نحو 60 مليون زائر سنويا أن يعزز هذا المتحف الجديد السياحة على جزيرتي ليبرتي أيلاند وإيليس أيلاند القريبة منها واللتين يمكن الوصول إليهما من خلال بطاقة واحدة لإستقلال عبارة من جنوب مانهاتن وقد ساهمت أسماء كبيرة جدا في نيويورك بصفة خاصة وفي الولايات المتحدة الأميريكية بصفة عامة في تمويل تكاليف هذا المتحف من بينهم مصممة الأزياء العالمية ديان فون فورستنبرج وجيف بيزوس مؤسس موقع الأمازون ومايكل بلومبرج رئيس بلدية نيويورك سابقا .
 
 
الصور :