الخميس, 18 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

قصر الأمير طاز مركزا للابداع الفنى

 قصر الأمير طاز مركزا للابداع الفنى
عدد : 01-2019
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com


قصر الأمير طاز أحد القصور التاريخية التي أنشئت خلال العصر المملوكي في مصر وهو يقع بالقاهرة القديمة بمنطقة الخليفة بالقلعة بشارع السيوفية المتفرع من شارع الصليبة وقد أنشأه صاحبه الأمير سيف الدين طاز بن قطغاج أحد الأمراء البارزين في عصر دولة المماليك البحرية ولم يكن الموقع الذي تم إختياره لبناء هذا القصر قد تم إختياره بالمصادفة ولكنه إختير نظرا لقيمته المكانية حيث بنى بشارع من أهم شوارع مصر المملوكية آنذاك وقد تم بناؤه على أنقاض بيوت قام بشرائها الأمير طاز من أهلها أو أخذه عنوة وأشرف أمير من أتباعه يسمي الأمير منجك على عمارة القصر بنفسه كما تشير المصادر التاريخية وكان لهذا الموقع أكبر الأثر في مراقبة الحياة السياسية بمصر والمشاركة في أحداثها آنذاك حيث شهد حادثة لم تحدث من قبل وهى نزول السلطان من مقر حكمه ليفتتح هذا القصر وقد كانت هذه سابقة لم تحدث من قبل كما أنه شاهد تدبير الأحداث التي توالت لإزاحة وتولية السلاطين أبناء الناصر محمد بن قلاوون كما إرتبط قصر الأمير طاز بكونه مقرا ينزل به الولاة من الباشوات المعزولين عن حكم مصر وذلك خلال العصر العثماني ففي عام 1709م نزل به باشا مصر المعزول الوزير خليل كما نزل به أيضا ولي باشا المتولي المعزول أيضا عن حكم مصر عام 1713م .

والأمير طاز صاحب القصر كان مملوكاً للسلطان المملوكي محمد بن قلاوون وكان يعمل ساقياً يتذوق الطعام والشراب والدواء قبل أن يتناوله السلطان وهى مهنة لا تخول إلا لأصحاب الثقة وقد تزوج إبنته بعد ذلك وبدأ يبزغ إسمه بعد ذلك خلال حكم السلطان المملوكي عماد الدين إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون مابين عام 1343م وعام 1345م وقد عرف عنه أنه كان حسن الشكل طويل القامة بطلا شجاعا محباً للعلماء كثير الخيرات عالى الهمة قوي العزم وافر التجمل ظاهر الحشمة وقد أصبح في عهد أخيه الصالح زين الدين حاجى أحد الأمراء ممن بيدهم الحل والعقد في الدولة في ذلك الوقت ثم زادت وجاهته خلال فترتي حكم الناصر حسن بن الناصر محمد الأولى من عام 748 هجرية الموافق عام 1347م إلى عام 752 هجرية الموافق عام 1351م والثانية من عام 755 هجرية الموافق عام 1354م وحتي عام 762 هجرية الموافق عام 1361م ومالبث أن جعله دوادار دولته ثم ولاه نيابة حلب ولكنه خرج على السلطان فثار عليه أمراء حلب حتى هزم وعزل عن نيابتها وأُمر بكحل عينه فعمى وإعتقل بالكرك ثم نقل إلى الإسكندرية فسجن بها فترة ثم أفرج عنه فعاد إلى القدس ومنها إتجه إلي دمشق في أواخر عام 762 هجرية الموافق عام 1361م وظل بها حتى مات في يوم العشرين من شهر ذي الحجة عام 763 هجرية الموافق يوم 9 من شهر أكتوبرعام 1362م .


وفي عهد الخديوى إسماعيل تم بناء عدد من الفصول بهذا القصر وتم إستغلاله كمدرسة حربية لفنون القتال وتم وضع بعض المعدات الحربية به لهذا الغرض وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادى وعندما بلغ قصر الأمير طاز من العمر خمسمائة عام رأت الحكومة الخديوية حينذاك أن تحيل القصر إلي الإستيداع وقررت تحويله إلي مدرسة للبنات بإيعاز من علي باشا مبارك أحد رواد التنوير في ذلك الوقت ولكن لم تمض سوي عشرات قليلة من السنين إلا وأخلت وزارة التربية والتعليم القصر ليس من أجل ترميمه والحفاظ عليه بعد أن ظهرت عليه آثار الشيخوخة بشكل واضح ولكنها أخلته لتحويله إلي مخزن ولأن القصر كبير ومتسع ويقع في قلب القاهرة فقد كان مؤهلا من وجهة نظر الوزارة أن يكون المخزن الرئيسي لمئات الألوف من الكتب الدراسية وعشرات العربات التي تم تكهينها ومئات الأطنان من الخردة بمختلف أنواعها ولأن الناس علي دين ملوكهم فلم يستشعر سكان المنطقة حرجا في إستعمال فناء القصر كمقبرة للحيوانات النافقة ومقلبا للقمامة فلم يحتمل القصر كل هذا الهوان وهو الذي شهد وشاهد مئات السنين من العز والنعيم فإنطوي علي نفسه بعد أن داهمته الأمراض والعلل وتمايلت الكثير من جدرانه وإنهارت العديد من غرفه وفي شهر أكتوبر عام 1992م تم إدخال القصر الي غرفة العناية المركزة بعد أن عصفت رياح الزلزال الشهير حينذاك بالكثير من أركانه وأعمدته وعلي مدي عشر سنوات ظل الحال علي علي ما هو عليه إلي أن تم إعلان وفاة القصر إكلينيكيا في يوم 10 مارس عام 2002م عندما إنهار جانب كبير من الجدار الخلفي للقصر والمطل علي حارة ضيقة بها عشرات البيوت المتهالكة ويسكنها مئات الآلاف من المواطنين الذين أصبحت حياتهم جميعا مهددة بالخطر المنتظر بين لحظة وأخرى بعد أن أصبح الإنهيار الكامل للقصر مسألة ساعات لا أكثر ولا اقل وهنا قامت وزارة الثقافة ببدء مشروع ترميم القصر بعد إهماله لفترات طويلة ولكن المهمة كانت صعبة للغاية بسبب تلف أجزاء كثيرة منه وقد أفادت بيوت الخبرة العالمية والخبراء الأجانب عندما عرض الأمر عليهم بأن الموضوع قد إنتهي بالفعل وأن أي محاولات للإنقاذ تعتبر مضيعة للوقت ولأن أبرز هوايات المصري في وقت الشدة هي تحدي المستحيل أو ما يبدو لغيرنا مستحيلا فقد هرول الجميع الي موقع القصر شبه المنهار وفي لحظات بدأت أجهزة التنفس الصناعي وتدليك القلب في العمل بسرعة خارقة وتمت عملية الإنقاذ ووقف العالم مبهورا وهو يري الحياة تعود إلي القصر الذي تم ترميمه بكفاءة تامة لا يمكن وصفها ولم يكتف المصريون بالإنقاذ والترميم ولكن المفاجأة الأكبر كانت في الإكتشافات الأثرية المهمة التي واكبت ذلك وأدت إلي إزاحة الستار عن المزيد من خبايا وأسرار القصر العمل الذي تم إنجازه بشكل رائع بكل المقاييس .


وتبلغ مساحة القصر الإجمالية أكثر من ثمانية آلاف متر مربع والقصر الأصلي كان عبارة عن فناء كبير في الوسط خصص كحديقة تتوزع حولها من الجهات الأربع مباني القصر الرئيسية والفرعية وأهمها جناح الحرملك والمقعد أو المبني الرئيسي المخصص للإستقبال والملحقات والتوابع والإسطبل الذى كان يتميز بأنه أكبر إسطبل في البلاد وكان يستوعب أكثر من 200 حصان من الأنواع الأصيلة كما أنها كانت من سلالات نادرة بعينها أما الآن فلم يتبق من هذه المباني سوي الواجهتين الرئيسية المطلة علي شارع السيوفية والخلفية المطلة علي حارة الشيخ خليل وهي التي بدأ منها الإنهيار والمقعد الذي تم تجديده في عهد علي أغا دار السعادة صاحب السبيل والكتاب الملحقين بالقصر وجزء صغير من قاعات الحرملك فضلا عن القاعات المستحدثة التي إستخدمت كمخازن أو قاعات دراسية في الوقت الذى شغلت فيه وزارة التربية والتعليم القصر والمدخل الرئيسي للقصر عبارة عن كتلة واحدة متماسكة تبدأ بممر مستطيل له باب من خلفه وفي نهايته قبو علي جانبيه مدخلان يفتح كل منهما علي فناء مستطيل هو صحن القصر وهذا المدخل الكامل يطل علي شارع السيوفية كما يوجد للقصر مدخل فرعي يطل علي حارة الشيخ خليل وصفته الكتابات والوثائق القديمة بأنه باب سر القصر وللقصر قاعة سفلية رئيسية تم ترميمها بالكامل وجدرانها مغطاة بطبقة من الجص الذي يناسب الحجارة التي بنيت بها القاعة في الأصل أما الجزء الخاص بالحرملك فهو يطل علي الفناء أو الحديقة بمجموعة من الشبابيك المصنوعة من الخشب البغدادلي والتي تعد تحفة فنية فريدة وتعلوها ثلاثة شبابيك مستديرة وهي التي تعرف بالقمريات وبالقصر إيوانان أحدهما في الجهة الشمالية والآخر في الجهة الجنوبية والإيوان الشمالي مربع يغطيه سقف ذو زخارف هندسية ونباتية كما أن به شريطا كتابيا تبقي منه النص التالي بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإنشاء هذا المكان المبارك السعيد من فضل الله الكريم وكل عطائه العميم المقر الأشرف العالي المولوي المخدومي الغازي المجاهدي المرابطي وهي كلها ألقاب خاصة بالأمير طاز كما يتوسط هذه الكتابات رسم لكأس يرمز الي وظيفة الساقي إحدي الوظائف التي تقلدها الأمير طاز كما يوجد المقعد أو صالة الإستقبال الرئيسية وهو من مستويين يسمي أحدهما المقعد الأرضي والثاني يسمي المقعد الديواني ويربط بينهما سلم والمقعد الأرضي مقسم إلى حاصلين أما المقعد الديواني فيؤدى إليه السلم المذكور الذى يتميز بأن له مدخل عبارة عن عقد مدائني بسيط تكتنفه من أسفل مكسلتان حجريتان بينهما فتحة باب ذات عتب حجري تزينه أطباق نجمية ويعلوه مستطيل تتخلله مستطيلات ومربعات مزينة بزخارف نباتية وهندسية وكتابية والمقعد عبارة عن مساحة مستطيلة تطل على الفناء ببائكة من أربعة أعمدة رخامية ذات زخارف بديعة وقد غشيت هذه البائكة بحجاب بديع من خشب الخرط عبارة عن فروع وأوراق نباتية متشابكة بينما يمتد بطول هذا المستوى العلوي للمقعد رفرف خشبي مائل يرتكز على خمسة كوابيل من الخشب وسقف المقعد يتكون من براطيم خشبية تحصر بينها مساحات غائرة على هيئة مربعات ومستطيلات مجلدة بالتذهيب وملونة باللون الأزرق وتشتمل على زخارف هندسية وأطباق نجمية وزخارف نباتية تتألف من زهور ووريدات مفصصة وأوراق نباتية ثلاثية ويوجد أسفل السقف إزار خشبي يحتوي على كتابات نسخية بآيات من سورة الفتح الآية رقم 1 وحتي الآية رقم 5 بينما نجد في إزار الناحية الغربية بقايا كتابات نسخية نصها على أغا خازندار دار السعادة كان الله له سنة 1089م هجرية مطموسة الآن وفي جوانب الإزار ووسط كل جانب أيضا توجد مقرنصات زخرفية من الخشب وبوجع عام فالمقعد في كل من مستوييه عبارة عن مساحة مستطيلة تطل علي الفناء بما يشبه التراس هذا وملحق بهذا المقعد ثلاث قاعات مليئة بالزخارف الهندسية وهذه القاعات الثلاثة لكل منها باب علي المقعد وقد إستحدثت هذه القاعات أثناء فترة إستخدام القصر كمدرسة وأحد هذه الأبواب يؤدى إلي القاعة الرئيسية بالقصر وهي قاعة ذات مساحة مستطيلة وبها شباكان مستطيلان بالجدار الشمالي الغربي المطل على شارع السيوفية أما الجدار الشرقي ففيه فتحة باب مستطيلة تؤدي إلى درج سلم ينتهي الى فتحة باب مسدودة الآن كانت تؤدي الى قاعة الحريم الخاصة بالقصر لتمكنهم من المشاركة في الإحتفالات المقامة داخل المقعد من خلال شبابيك خرط أو مشربيات هذا بالإضافة الى شباك بالجدار الشرقي من القاعة الجنوبية الغربية التي تطل على شارع السيوفية يجاور فتحة الباب المؤدية للسلم السابقة الذكر وهذا الشباك من الخشب الخرط ويمثل الحد الغربي لقاعة الحريم التي نبع تصميمها من منطلق ديني بحت وهذا ما يميز البيت الإسلامي حيث الخصوصية لحريم القصر و يزخرف سقف القاعة الرئيسية زخارف هندسية عبارة عن مستطيل كبير في الوسط بداخله ثلاثة مربعات وبإزار السقف شريط كتابي عبارة عن بحور تحمل كتابات الخط الفارسي من بردة البوصيري باللون الأبيض .


وعن عملية ترميم القصر نقول إنه عندما بدأ الانهيار في الجدار الخلفي للقصر والمطل علي حارة الشيخ خليل هرول فريق الطواريء إلي هناك حيث وجدوا أن هذا الحائط إرتفاعه خمسة وعشرين مترا وهو إرتفاع عمارة مكونة من تسعة طوابق تقريبا وأنه قد إنهار جزء منه ومال بقية الجدار بصورة واضحة تجاه منازل الحارة ووصل الميل الي نصف متر فكانت الخطة المبدئية لإيقاف التدهور ذات شقين متتالين الأول عمل دعامات لإيقاف أي زيادة جديدة في ميل الجدار قد تؤدى إلي إنهياره إزالة أكوام الردم الموجودة أعلي السقف والتي تمثل حملا ثقيلا قد يساعد علي أي إنهيار قادم كذلك شمل هذا الشق بناء قمصان أو حوائط من الطوب حول الجدار لتثبيته ومنعه من السقوط وقد كانت هذه المرحلة شديدة الخطورة علي العاملين إذ أن جدار بإرتفاع خمسة وعشرين مترا ويشكل واجهة شديدة الطول ومهددة بالإنهيار فوق رؤوسهم في أي لحظة أمر بالغ الخطورة ولكن هؤلاء العاملين خاطروا بأنفسهم وواجهوا هذا الخطر ووافقوا عليه تحت مسئوليتهم الخاصة أما الشق الثاني فتمثل في تقسيم القصر الي أجزاء ثم فك كل جزء علي حدة بحرص شديد تماما مثلما سبق لهيئة الآثار فك العديد من المعابد الفرعونية التي كان أشهرها وأضخمها معبدا أبوسمبل مع ملاحظة أن المعابد علي فخامتها كانت في النهاية كتلا حجرية متماسكة غير مهددة بالإنهيار عكس القصر الذي كان يترنح ويتراقص فضلا عن أنه مكون إما من كتل بل قطع حجرية شديدة الصغر مقارنة بالمعابد أو من أخشاب وقد صاحب هذه المرحلة عملية مراقبة مكثفة خوفا من حدوث إنهيار مفاجيء يهدد حياة سكان المنطقة والعاملين في المشروع وعندما تمت العملية بنجاح وإكتشف فريق العمل أن الميل قد تراجع بفعل الدعامات وأن حركة المباني بشكل عام قد توقفت تم تعديل خطة فك القصر بأكمله وتم تعديلها ليقتصر هذا الفك علي الأجزاء المتهالكة فقط وكان أكبر وأهم ما تم فكه هو دور علوي كامل كان جزءا رئيسيا من الحرملك وكذلك كان من أهم مناطق القصر التي تم إستكمالها منطقة الحمامات في الدورين الأرضي والعلوي وهي ذات أسقف جبسية تعلوها قباب صغيرة كانت مليئة بالعناصر الزخرفية .


وبعد أن إنتهت أول وأخطر المراحل وهي الخاصة بعزل الأجزاء الحساسة المهددة بالسقوط إما بالفك الكامل أو ببناء حوائط جديدة حولها لتكون بمثابة قمصان واقية تحميها بدأت عمليات الترميم وإعادة التركيب للقصر بأكمله وكانت الخطوة الأولي هي إزالة المخلفات والردم الناتج عن تراكم الأتربة علي مدار عشرات السنين من الإهمال وهي مخلفات كانت من الضخامة بحيث أنها سدت الكثير من الفراغات المعمارية وفتحات ومداخل السراديب والقباب بالقصر ثم أعقب ذلك فرز المكونات الأصلية للقصر التي إختلطت بهذه المخلفات عند وقوع زلزال شهر أكتوبر عام 1992م أو عند الإنهيار الأخير في شهر مارس عام 2002م وقد أسفرت هذه العملية عن العثور علي كمية هائلة من العناصر الخشبية والمعدنية والحجرية التي كان لها أكبر الأثر في عودة القصر إلي رونقه القديم بنفس مكوناته الأصلية علي قدر المستطاع ومن أهم العناصر الأثرية للقصر التي خضعت لعمليات المعالجة والترميم الأخشاب الزخرفية أو الصماء والعناصر الرخامية والمعدنية والطبقة الجيرية التي تكسو الحوائط وكذلك الطوب والأحجار التي تم بناء الجدران بها فضلا عن الكتابات والرسوم التي كانت تعلو القطع والشرائط الخشبية والكتل الحجرية وكل عنصر من هذه العناصر له خبراؤه المتخصصون وبالمناسبة فجمعيهم مصريون ومعظمهم من خريجي قسم الترميم بكلية الآثار وعملية الترميم عادة تكون عملية شديدة التعقيد والدقة ولها خطوات متتالية ومحسوبة فمثلا عند عمليات الترميم الخاصة بالألوان تم إجراء تصوير ميكروسكوبي إليكتروني ماسح لمعرفة مدي التدهور الذي تعاني منه طبقات الألوان ثم تمت عملية شفط الأتربة بحذر شديد ثم تم إستخدام فرش تنظيف يدوية مختلفة المقاسات لإزالة ما تبقي من أتربة ورمال كما تم إستخدام التنظيف الميكانيكي لكشف مواضع الخوابير الخشبية والمسامير المعدنية أما الأسقف فتمت معالجتها بيولوجيا ورشها بمواد كيميائية معينة أقرتها من قبل بيوت الخبرة العالمية المتخصصة في معالجة وترميم الآثار العالمية ثم أعقب ذلك إستكمال الأجزاء الخشبية المفقودة إما عن طريق ما تم العثور عليه بين أكوام المخلفات أو باستخدام نفس نوع الخشب المستخدم في السقف مع مراعاة اللجوء إلي الرتوش اللونية للزخارف والكتابات في أضيق الحدود لعدم الإخلال بالنسيج المتكامل والمتماسك للوحدات الزخرفية والكتابية وأخيرا تم إجراء عملية عزل وحماية للزخارف ضد أي مؤثرات خارجية عن طريق الرش بمواد عزل تم إختيارها عن طريق المتخصصين بعناية فائقة تفاديا لتكوين طبقة سميكة أخرى من الأتربة وخلافه وإذا كانت كل هذه المراحل وكل هذه الدقة من أجل جزء من التكوين الخشبي في بعض أجزاء القصر فلنا أن نتخيل حجم العمل الذي تم في عشرات التفاصيل الأخرى من أرضيات وجدران وأعمدة وسلالم وأجزاء معدنية وغيرها من المكونات وفي الحقيقة كانت عملية ترميم قصر الأمير طاز بمثابة ملحمة متكاملة وليست مجرد عملية إنقاذ أثر ومما يؤكد أنها ملحمة هذا الكم الهام والمثير من الإكتشافات التي صاحبت عمليات الإنقاذ والترميم والتي كان أهمها وأكثرها إثارة حوض ضخم لأسماك الزينة تم إستخدامه من أجل إضفاء لمسة جمالية لللقصر وان كان هناك رأي بأن هذا الحوض ربما قد تم إستخدامه كحمام سباحة لجواري القصر ومما تم الكشف عنه بالقصر نافورة بالمقعد الأرضي وساقية تعلو بئر ماء كانت مخصصة لسقاية الدواب وري الحديقة وكذلك عمود رخامي له تاج كورنثي يعود للعصر البيزنطي وصهريج مياه كان مصدرا لتغذية سبيل علي أغا الملحق بالقصر ومجموعة من المجارير الفخارية وهي تماثل تقريبا أنابيب الصرف في عصرنا الحديث وأحواض للدواب بعضها بجوار المدخل المؤدي الي المقعد الأرضي وبعضها علي طرف القصر في الجهة المطلة علي شارع السيوفية وعدد آخر من الإكتشافات الهامة أما القطاع الثاني الذي إمتدت إليه يد الإصلاح والترميم في القصر فهو سبيل وكتاب علي أغا دار السعادة وهذا الأثر بأكمله جزء من قصر الأمير طاز إستقطعه الأمير علي أغا من القصر حوالي عام 1715م وشيد عليه سبيل مياه لسقاية الحارة يعلوه كتاب لتحفيظ القرآن وهو من طراز الأسبلة ذات الشباك الواحد وقد عاني هذا المبني من سوء الإستخدام لفترات طويلة مما أدي الي طمس بعض أجزاء من أرضياته وطلاء حوائطه كما ملأته التشققات والشروخ وكذلك كان السلم الحجري الذي يربط بين السبيل والكتاب في حالة سيئة للغاية وقد تم علاج كل هذه العيوب خلال عمليات الترميم التي قامت بإعادة البياض بمون متوافقة مع مواد المون الأصلية وإستبدال الأرضيات غير الأثرية وفقا للأصل الأثري كما تم حقن شروخ السلم وتأمينها .


وفي الوقت الحالي يقام في القصر العديد من الحفلات للإحتفاء بالموسيقى العربية ويقام به أيضا العديد من ورش العمل للأطفال كالرسم والغناء والنحت وبعض الندوات واللقاءات السياسية بعد ثورة 25 يناير عام 2011م كما يقام به العديد من الأنشطة الفنية والثقافية كالمعارض والحفلات الموسيقية والمسرحيات والتي تعنى بإبراز المواهب هواة ومحترفين كذلك يستضيف القصر العديد من الفرق الأجنبية من خلال التعاون مع المراكز الثقافية الأجنبية المختلفة ويطلق عليه حاليا مركز الإبداع الفني ويسعي هذا المركز إلى :-

1ـ تقديم خدمة ثقافية تؤثر على الوسط المحيط والذىي يتمثلفيأحياء الخليفة والسيدة زينب والحلمية والسيدة عائشة والتعامل مع قاطني هذه الأحياء من العائلات بمختلف أفرادها أطفال وشباب وآباء وامهات وذلك لرفع مستوى الذوق العام بالتعامل المباشر معهم وفقا لمخطط سنوى .

2- رعاية أطفال وشباب الحى من خلال التواصل مع إدارتى الخليفة والمقطم التعليمية وإستضافة مجموعة من الفصول المدرسية إبتدائى وإعدادى وثانوى طوال السنه الدراسية وعرض الأنشطة التى يقدمها المركز عليهم وإستقطاب العناصر الراغبة فى الإستفادة مما يقدمه ويقوم بذلك مجموعة من المشرفين المؤهلين للقيام بهذه المهمة .

3- تنظيم الحفلات والأنشطة الفنية التى تقدم على مدار العام وتتنوع من موسيقى شرقية وغربية بالإضافة إلى تقديم عروض فرق الفنون الشعبية والإستعراضية وعروض سينمائية وحفلات للأطفال وندوات توعية وفرق غنائية وحفلات خاصة بجانب الصالون الثقافى الذى يقام مرتين شهريا لمناقشة أهم القضايا السياسية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية المطروحة على الساحة ويستضيف كبار المسئولين من سياسيين وإقتصاديين وإجتماعيين وإعلاميين .

4- المعارض الدولية والمحلية التى يتم إستضافتها بالمركز سواء فى مجال الفن التشكيلى بأفرعه المختلفة أو معارض الآثار التى يتم إستضافتها والتى يتم من خلالها عرض مقتنيات أثرية يتم إستجلابها من متاحف محلية وعالمية لزيادة الوعى الفنى والحضارى لرواد المركز .

5- التواصل الثقافى مع الجاليات الأجنبية المقيمة بمصر من خلال تنظيم أنشطة ثقافية مع السفارات الأجنبية وذلك لمعرفة الثقافات الأخرى والتعرف عليها والإستفادة منها .

وفي أوائل عام 2011م قام وزير الثقافة الأسبق عماد الدين أبو غازى بإفتتاح متحف الفنانة إنجي أفلاطون الدائم في قصر الأمير طاز وذلك بعد تعيينه وزيرا للثقافة بعد قيام ثورة 25 يناير عام 2011م في حكومة الدكتور عصام شرف وقد كله هذا الحدث بحفاوة شديدة لأن مكانة الفنانة إنجي أفلاطون عند كل من له علاقة بالفن التشكيلي كبيرة جدا وبالرغم من مكانة الفنانة إنجي أفلاطون الفنية ودورها في مجال الفن التشكيلي يعد هذا المتحف أول شئ يتحدث عنها والفنانة إنجب افلاطون ولدت يوم 16 أبريل عام 1924م وتلقت تعليمها الإبتدائي بمدرسة القلب المقدس الفرنسية الداخلية ثم إنتقلت إلي مدرسة الليسيه وحصلت منها علي شهادة البكالوريا وقد بدأت طريق الإبداع الفني تلقائياً قبل أن تدرس فن الرسم دراسة أكاديمية فقد إستقدم لها والدها معلماً حين لمس نزوعها نحو الفن وبعد فترة إلتقت بأحد الفنانين الذين أثروا في الحركة الفنية آنذاك وهو كامل التلمساني الذي أخذ يشرح لها أساسيات وأصول الفن ويوجهها نحو تاريخ الفنون وفلسفة الجمال وقدم لها فنون التراث وإتجاهات الفن الحديث من خلال المراجع والصور فإنفتحت أمامها نافذة أطلت منها على عالم الفنون الحافل بالجمال وكان ذلك من مابين عام 1942م وعام 1945م وكانت الفنانة إنجي افلاطون سيدة أرستقراطية لكنها كانت شديدة الإهتمام بالفقراء والبسطاء في المجتمع المصري كله وخاصة الموجودين في الريف المصري وفي السجون ومن مفارقات القدر أنه قد تم إعتقالها وأنتجت خلال فترة الإعتقال أعمال رائعة تصور الحياة البائسة التي تحياها الفقراء من الفلاحات والعاملات بالحقول وهذه اللوحات كانت هي السبب في شهرتها وساهمت في تعريف المتخصصين وعامة الناس بها فقد كان لها طابع مميز في إستخدام الألوان الساخنة جدا مما أعطاها طابع مميز وفريد جدا وشخصية فنية مستقلة ويضم هذا المتحف عدد 60 لوحة من أعمالها يتم تغييرهم كل فترة بالإضافة لمجموعة من المقتنيات الشخصية القيمة مثل حامل الرسم الخاص بها وأدوات الرسم وبواقي ألوان وبعض الإكسسوارات الخاصة بها ويوجد بالمتحف أيضا شاشة عرض تعرض فيلم وثائقي عن حياتها لزوار المتحف .


وكانت الفنانة إنجي أفلاطون متبعة المنهج السريالي في أعمالها الفنية ومن خلال هذا المنهج قدمت من خلال لوحاتها المعروضة بمتحفها أعمال تصور من خلالها الأحلام والكوابيس بطريقة روائية واضحة مثل لوحة الوحش الطائر وقد رسمتها عام 1941م ولوحة الحديقة السوداء وقد رسمتها في العام التالي 1942م ولوحة إنتقام شجرة والتي رسمتها عام 1943م وفي نفس الوقت تقريبا بدأت إنجي أفلاطون مشوارها الفني مع جماعة الفن والحرية التي ضمت بين أعضائها الفنانين الكبيرين محمود سعيد وفؤاد كامل ومن خلال المتحف أيضا يظهر التدرج الذى مرت به الفنانة إنجي افلاطون في حياتها الفنية والذى بدأته من خلال السيريالية لكن مع مرور الوقت وإرتحالها في مصر وزيارتها للأماكن الأثرية وإختلاطها بالفقراء وإنخراطها في العمل السياسي كل ذلك أدى إلي تغيير توجهها الفني وبعد دخولها سجن القناطر كمعتقلة سياسية عام 1959م وخروجها منه بعد 4 سنوات في عام 1963م بدأت مرحلة جديدة في حياتها الفنية أطلقوا عليها المرحلة الواقعية حيث أنتجت لوحات ترصد صفحات من تاريخ مصر الحديث مثل لوحة لن ننسي والتي عبرت فيها عن شهداء الفدائيين في معارك قناة السويس كما عبرت عن الريف المصرى في العديد من لوحاتها الرائعة مثل لوحة جمع الذرة ولوحة حاملة شجرة ولوحة الموز ولوحة جمع البرتقال ولوحة الشجرة الحمراء ولوحة سوق الجمال ولوحة صياد بلطيم وقد حظيت الفنانة إنجي أفلاطون بتقدير عال شرقا وغربا عبر مشوارها الطويل في طريق فن الرسم التصويري وشاركت في العديد من المعارض الخاصة والعامة داخل وخارج مصر وقال عنها النقاد إنها تضفي قدرا هائلا من الحيوية على تفسيرها للطبيعة وتدرك قيمة العمل كجزء لا يتجزأ من المنظر الطبيعي وفي العاصمة الإيطالية روما قالوا عنها إنها خرجت من قلب الحركة التشكيلية المصرية المعاصرة التي ترتبط بالواقع تصور العظمة القاسية للطبيعة المصرية في لحظات من الحياة اليومية وتكمن قوتها في قدرتها على القبض على شعور ما وقد نالت الفنانة إنجي أفلاطون جوائز محلية ودولية منها جائزتان من صالون القاهرة عام 1956م وعام 1957م والجائزة الأولى في مسابقة المناظر الطبيعية التي نظمتها وزارة الثقافة عام 1959م ووسام فارس للفنون والآداب عام 1986م من وزارة الثقافة الفرنسية كما أنها قامت بنشر بعض المؤلفات منها كتاب بعنوان 80 مليون إمرأة معنا وأصدرته عام 1947م وكتاب بعنوان نحن النساء المصريات وأصدرته عام 1949م وكتاب بعنوان السلام والجلاء وأصدرته عام 1951م وقد توفيت الفنانة إنجي أفلاطون في يوم 16 أبريل عام 1989م عن عمر يناهز 65 عاما بعد حياة حافلة أثرت خلالها الحياة الفنية وتركت رصيد كبير جدا من اللوحات الفنية المتميزة .


وعلي الرغم من أن قطاع الفنون التشكيلية هو الذى طالب بإنشاء متحف دائم مستقل يضم أعمال الفنانة إنجي افلاطون مع أن أعمالها كانت معروضة قبل ذلك في مجمع 15 مايو للفنون المعاصرة بالزمالك وكان هذا القطاع هو الذى طالب قبل ذلك بتخصيص أحد المواقع غير الأثرية الموجودة في حرم قصر الأمير طاز بهدف إنشاء معرض دائم لها إلا أنه بعد الإستجابة لهذا الطلب فإن هناك شكوى من زوار المتحف والمترددين عليه من المهتمين بالفن التشكيلي حيث أن المندوب الذى عينه القطاع كأمين لهذا المتحف لا يتواجد بإستمرار به ولا يقوم بفتحه في الوقت الذى لا يستطيع أحد أن يفتحه سواه لأنه هو الوحيد الذى بحوزته الكارت الذى تسمح عن طريقه أجهزة أمن المتحف بفتح أبوابه ولذلك فإنه يذهب زوار كثيرون من داخل ومن خارج مصر إلي المتحف ولا يجدونه مفتوحا مما يثير إستياءهم ويسبب ضيقا شديدا لهم كما أنه في حالة وجود هذا الأمين فإنه يقوم بفتح المتحف لمدة قصيرة في حدود ساعتين فقط خلال اليوم ثم ينصرف علما بأن مواعيد المتحف الرسمية من الساعة العاشرة صباحا وحتي الساعة الرابعة عصرا .
 
 
الصور :