الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

يوميات ثورة 1919م
-ج2-

يوميات ثورة 1919م
-ج2-
عدد : 03-2019
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com



وبعد إستقالة اللورد ملنر درست الحكومة البريطانية التقرير الذى كان قد أعده الوزير المستقيل حول القضية المصرية وفي يوم 26 فبراير عام 1921م قررت وأعلنت أن إستمرار فرض الحماية البريطانية علي مصر أمر غير مرضي لمصر ودعت إلى الدخول في مفاوضات رسمية بين الحكومتين المصرية والبريطانية للوصول إلى صيغة مناسبة للعلاقات بين مصر وبريطانيا بشرط ضمان تحقيق المصالح البريطانية ولم ينقض إلا أسبوعين تقريبا وفي يوم 16 مارس عام 1921م قدمت وزارة محمد توفيق نسيم باشا إستقالتها وكلف السلطان فؤاد عدلي يكن باشا بتشكيل الوزارة الجديدة والتي عبن فيها حسين رشدى باشا نائبا له وإحتفظ فيها بأحمد زيوار باشا وزيرا للمواصلات ومحمد شفيق باشا وزيرا للأشغال العمومية وتم تعيين إبراهيم فتحي باشا وزيرا للحربية والبحرية وأحمد مدحت يكن باشا وزيرا للأوقاف وإسماعيل صدقي باشا وزيرا للمالية وجعفر والي باشا وزيرا للمعارف العمومية وعبد الخالق باشا ثروت وزيرا للداخلية وعبد الفتاح باشا يحيى وزيرا للحقانية ونجيب بطرس غالي باشا وزيرا للزراعة ومحمد حسين هيكل باشا وزيرا للثقافة وهي وزارة مستحدثة في هذا التشكيل الوزارى وعاد سعد زغلول باشا إلي مصر يوم 4 أبريل عام 1921م وقوبل بمظاهرات وحفلات تأييد حاشدة وتقابل سعد زغلول باشا زعيم ورئيس الوفد مع عدلي يكن باشا رئيس مجلس الوزراء للإتفاق بشأن تشكيل الوفد الذى سيجرى المفاوضات مع الحكومة الإنجليزية وكانت وجهة نظر عدلي يكن باشا أن يترأس هو وفد المفاوضات طالما هو رئيس الحكومة والمفاوضات بين حكومتين بينما وجهة نظر سعد زغلول باشا أن من حقه هو أن يترأس وفد المفاوضات بصفته وكيلا عن الشعب المصرى ولم يتفق الرجلان في هذه النقطة وبدأ سعد زغلول حملة مناوئة لرئيس الوزراء وألقى خطبة نارية في حي شبرا يوم 25 أبريل عام 1921م شن فيها هجوما ضاريا علي عدلي يكن باشا وأصر على أن يكون هو رئيس وفد المفاوضات وبعد 3 أيام وفي يوم 28 أبريل عام 1921م عرض سعد زغلول الأمر علي أعضاء الوفد فأيده البعض في رأيه علي ضرورة أن يترأس هو وفد المفاوضات بينما رأى البعض الآخر الإشتراك في المفاوضات تحت رئاسة عدلي يكن باشا رئيس مجلس الوزراء وحدث إنشقاق خطير في الوفد خاصة لما نشر المخالفون لسعد ورفاقه أنباء إختلافهم في الرأى على صفحات الصحف وتم علي أثر ذلك فصل كل من محمد محمود باشا وحمد الباسل باشا وأحمد لطفي السيد باشا ومحمد علي علوية باشا وعبد اللطيف المكباتي وقدم علي شعراوى إستقالته من الوفد وتبعهم عبد العزيز فهمي وحافظ عفيفي وعبد الخالق مدكور وبعدهم إستقال جورج بك خياط ولم يعد مؤيدا لسعد زغلول سوى مصطفي النحاس باشا وواصف بطرس غالي باشا وويصا واصف باشا وعلي ماهر باشا وسينوت حنا بك كما تم إعلان عدم الثقة بالحكومة من جانب سعد زغلول باشا ورفاقه .


وإجتذب سعد زغلول غالبية طوائف الشعب في صفه مما كان له أثر كبير في قيام مظاهرات حاشدة ضد الحكومة والمنشقين من الوفد ومن تلك المظاهرات مظاهرة في طنطا يوم 29 أبريل عام 1921م حاولت الشرطة تفريقها فعجزت لكثرة أعداد المتظاهرين وواصلت المظاهرة طريقها نحو قسم الشرطة وأرادت الشرطة مرة أخرى تفريق المتظاهرين بإستخدام خراطيم المياه فأخذ المتظاهرون يرشقون جنود وقسم الشرطة بالحجارة فأطلق الجنود النار علي المتظاهرين فقتلوا 4 أشخاص وجرحوا 40 شخصا مما أدى إلي زيادة موقف رئيس الوزراء والوزارة بأكملها حرجا وأعلن عدلي يكن باشا أنه لم تكن هناك أوامر بضرب النار على المتظاهرين وأمر بفتح تحقيق في الواقعة من أجل تهدئة الرأى العام كما تواصل مع السلطة العسكرية الإنجليزية من أجل الموافقة على رفع الرقابة من علي الصحف وهو ماوافق عليه اللورد اللنبي المعتمد السامي البريطاني في مصر وتم الإعلان بالفعل عن رفع الرقابة من علي الصحف يوم 15 مايو عام 1921م ومضت وزارة عدلي يكن باشا في طريق المفاوضات غير مكترثة بالمعارضة التي تلقاها من سعد زغلول وأنصاره وفي يوم 19 مايو عام 1921م صدر مرسوم من السلطان فؤاد بتشكيل الوفد الرسمي للمفاوضات مع الجانب الإنجليزى برئاسة عدلي يكن باشا رئيس الوزراء مما زاد من غضب سعد زغلول وأنصاره وتم تنظيم مظاهرات حاشدة في القاهرة والإسكندرية وأخذ الأمر الطابع العدائي لكل من خالف سعد وأنصاره فكان يتعرض للإعتداء عليه وعلى منزله وفي يومي 22 و 23 مايو عام 1921م تواصلت المظاهرات بالذات في الإسكندرية وتم التعدى علي عدد من الأجانب المقيمين بها مما إستدعي تدخل قوات من الجيش المصرى لقمعها خاصة بعدما تم إشعال النار في عدد من المنازل وتم تبادل إطلاق النار بين المصريين والأجانب وهنا صرح المستر ونستون تشرشل بأن الوقت غير مناسب لجلاء الإنجليز عن مصر .


ووصل الوفد الرسمي المصرى برئاسة عدلي يكن باشا رئيس مجلس الوزراء إلي لندن يوم 11 يوليو عام 1921م وبدأت المفاوضات بين وفد الحكومة المصرية وبين اللورد جورج كورزون وزير الخارجية البريطاني حينذاك وفي نفس الوقت في القاهرة إستمرت الإحتجاجات والمظاهرات وفي يوم 19 سبتمبر عام 1921م قررت السلطات العسكرية الإنجليزية القبض على وكيل الحزب الوطني على فهمي كامل ونفيه خارج البلاد وقررت الحكومة إيقاف إصدار جريدة اللواء المصرى الناطقة بإسم الحزب وإستقبل سعد زغلول وفدا من أعضاء البرلمان الإنجليزى عن حزب العمال وشرح لهم الأوضاع في مصر كما قرر أن يزور مديريات الصعيد وبدأ بأسيوط وحدث شجار بين أنصاره وبين خصومه أسفر عن مقتل شخص وجرح 30 آخرين وفي لندن إستمرت المفاوضات الماراثونية بين عدلي يكن باشا ووزير الخارجية البريطانية وفي يوم 10 نوفمبر عام 1921م سلم وزير الخارجية البريطاني عدلي يكن باشا مشروع معاهدة أصرت فيها بريطانيا علي التواجد العسكرى في مصر وتدخلها في شئونها وأعرب عدلي يكن باشا عن إستحالة قبول تلك المعاهدة بهذا الشكل وفي القاهرة ذهب اللورد اللنبي يوم 3 ديسمبر عام 1921م إلي سراى عابدين وقام بإبلاغ السلطان فؤاد بمضمون السياسة البريطانية تجاه مصر وأن بريطانيا لايمكنها تنفيذ بنود المعاهدة المقترحة بين مصر وبريطانيا بدون رضا مصر وفي لندن تم قطع المفاوضات بين عدلي يكن باشا ووزير الخارجية البريطاني أمام إصرار بريطانيا علي شروط المعاهدة المقترحة بينها وبين مصر وعاد وفد الحكومة المصرية يوم 5 ديسمبر عام 1921م وقوبل الوفد بالسخرية والإهانة والتحقير وقدم عدلي يكن باشا تقريرا للسلطان فؤاد شرح فيه سير المفاوضات حتي تم قطعها والعودة إلى مصر وأعرب عن إستحالة البقاء في الوزارة بعدما حدث وقدم إستقالة وزارته في اليوم التالي 6 ديسمبر عام 1921م وتم قبولها من جانب السلطان فؤاد .


وكان من نتيجة فشل تلك المفاوضات أن زاد نشاط الحركة الوطنية في مصر بشكل كبير في ذلك الوقت ونشر سعد زغلول نداء وجهه إلى كافة المصريين بضرورة مواصلة التحرك ضد الإحتلال الإنجليزى ودعا جميع القوى الوطنية إلى عقد إجتماع موسع فأنذرته سلطات الإحتلال من إلقاء أى خطبة يكون من شأنها إثارة أفراد الشعب وأصدرت إليه أمرا بمغادرة القاهرة إلي الريف هو ومجموعة من رفاقه وتم رفض هذا الأمر من جانبه فقامت السلطات البريطانية بإعتقاله هو ورفاقه مصطفي النحاس باشا وعاطف بركات باشا وفتح الله بركات باشا ومكرم عبيد باشا وسينوت بك حنا وأصدر اللورد اللنبي المعتمد السامي البريطاني في مصر أمرا عسكريا إلى البنوك بعدم صرف أى أموال لسعد زغلول أو رفاقه إلا بأمر شخصي منه وهنا إندلعت المظاهرات من جديد في القاهرة والمدن الكبيرة وأصدرت سلطات الإحتلال قرارا بنفي سعد زغلول ورفاقه خارج البلاد وبالفعل غادروها إلي ميناء عدن يوم 21 ديسمبر عام 1921م وفوجيء سعد زغلول وهو في ميناء عدن بأحد ضباط المخابرات الإنجليز يطلب مقابلته ويعرض عليه أن يتولي حكم مصر بعد خلع السلطان فؤاد بشرط أن يوافق على إستمرار الحماية عليها وفصل السودان نهائيا عن مصر وبالطبع رفض سعد زغلول هذا العرض وفي يوم 29 ديسمبر عام 1921م تم تنفيذ أمر النفي لسعد زغلول ورفاقه إلى جزيرة سيشل بالمحيط الهندى بدلا من جزيرة سرنديب وهي سيلان الحالية التي كان من المفترض نفيهم إليها والتي كان قد نفي إليها أحمد عرابي باشا ورفاقه أيضا من قبل في عام 1882م وفي مصر أصدر الوفد قرارا في يوم 23 يناير عام 1922م بضرورة تنظيم مقاومة سلبية في وجه السياسة البريطانية وذلك بعدم التعاون مع الإنجليز وقطع العلاقات الإجتماعية معهم وإمتناع السياسيين المصريين عن تشكيل الوزارة إلى جانب مقاطعة السلع والبضائع والبنوك وشركات التأمين والسفن الإنجليزية وبعد أن نشرت الصحف قرار الوفد موقعا من هيئته العليا قامت سلطات الإحتلال بالقبض على الموقعين عليه وتم تعطيل الصحف التي نشرته فقام أعضاء الوفد الذين لم يتم القبض عليهم بتوجيه نداء إلى كافة المصريين لمواصلة الجهاد الوطني ضد الإنجليز ومن اجل تهدئة الجو قامت سلطات الإحتلال بالإفراج عن المعتقلين من أعضاء الوفد ولكن الأمور لم تهدأ بالقدر الكافي وتميزت تلك الفترة خلال شهرى يناير وفبراير عام 1922م بموجة من العنف وتعرض الكثير من الجنود والموظفين الإنجليز إلى الإغتيال كان منهم المستر براون المفتش بوزارة المعارف .

ولم يجرؤ في هذه الفترة أى من السياسيين المصريين على تشكيل الوزارة وظلت البلاد بلا وزارة لمدة تزيد عن الشهرين وعرض السلطان فؤاد علي عبد الخالق باشا ثروت تشكيل الوزارة فوضع شرطين لقبوله تشكيلها وهما ضرورة رفض مشروع المعاهدة التي عرضت علي الوفد المصرى برئاسة عدلي يكن باشا في لندن أثناء مفاوضاته مع اللورد جورج كروزون وزير الخارجية البريطاني مع إلغاء الحماية عن مصر وهاجم الوفد والحزب الوطني عبد الخالق باشا ثروت نظرا لتمسكهما بضرورة التمسك بجلاء الجيش البريطاني عن مصر بجانب هذين الشرطين وأمام هذا الموقف الشائك إضطر اللورد اللنبي إلى السفر إلى لندن في محاولة لإقناع حكومته بالموافقة على شروط ثروت باشا وأن هذا هو الحد الأدني الذى من الممكن أن يكون فيه ترضية للمصريين ويهدئ من ثورتهم علي الإحتلال الإنجليزى لبلادهم وإستطاع فعلا اللورد اللنبي أن يقنع المستر ديفيد لويد جورج رئيس مجلس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت بقبول شروط ثروت باشا وعليه تم إصدار تصريح 28 فبراير عام 1922م وهذا التصريح تم إصداره من جانب واحد هو الجانب البريطاني بغض النظر عن موافقة أو رفض مصر له فقد عاد اللورد اللنبي إلى مصر قادما من لندن يوم 28 فبراير عام 1922م حاملا هذا التصريح وكان عنوانه تصريح لمصر ويتضمن إنهاء الحماية البريطانية علي مصر وإعلان مصر دولة مستقلة ذات سيادة مع ترك عدد 4 مسائل معلقة لم يتطرق إليها التصريح ولم يشار إليها من قريب أو بعيد في هذا التصريح وتم تجاهلها تماما وهي تأمين طرق مواصلات الإمبراطورية البريطانية والدفاع عن مصر ضد أى تدخل أجنبي وحماية الأقليات والمصالح الأجنبية في مصر وأخيرا مسألة السودان ومستقبله وكان تبرير رئيس مجلس الوزراء البريطاني لذلك أن مصر في ذلك الوقت ليس لديها حكومة رسمية قوية يمكن الإرتباط معها بمعاهدة مع بلاده وتكون قادرة علي الإلتزام بتحقيق كافة الضمانات التي تطلبها بريطانيا فيما يتعلق بتلك المسائل المعلقة وأن يتم التفاوض بشأن هذه المسائل الأربعة فيما بعد .


وبصدور هذا التصريح قبل عبد الخالق باشا ثروت تشكيل الوزارة يوم أول مارس عام 1922م وفي يوم 15 مارس عام 1922م تم الإعلان رسميا عن إستقلال مصر وأصبح إسمها المملكة المصرية ونودى بالملك فؤاد ملكا عليها ولم يعد لقبه السلطان فؤاد بل أصبح الملك فؤاد الأول وقام بإصدار مرسوم ينظم وراثة العرش للأكبر من أولاده الذكور وكان قد أنجب في ذلك الوقت إبنه فاروق فأصبح هو ولي العهد وتم إعتبار هذا اليوم عيدا قوميا وكان رد فعل أفراد الشعب المصرى تجاه هذا التصريح أنهم لم يبتهجوا به نظرا لكون إستقلال مصر بهذا الشكل جاء منقوصا وقوبل بعدم الرضا وحاول عبد الخالق باشا ثروت تأكيد وتحقيق مظاهر الإستقلال فعين وكلاء وزارات مصريين بدلا من البريطانيين وأنشأ وزارة الخارجية التي تولاها بنفسه هي ووزارة الداخلية إلي جانب رئاسته لمجلس الوزراء وجاء باقي التشكيل الوزارى يشمل إبراهيم فتحي باشا وزيرا للحربية والبحرية وإسماعيل صدقي باشا وزيرا للمالية وجعفر وإلي باشا وزيرا للأوقاف وحسين وصفي باشا وزيرا للأشغال العمومية ومحمد شكرى باشا وزيرا للزراعة ومصطفي فتحي باشا وزيرا للحقانية ومصطفي ماهر باشا وزيرا للمعارف العمومية وواصف بك سميكة وزيرا للمواصلات وكانت هذه أول وزارة في مصر بعد إعلان إستقلالها .


وفي يوم 3 أبريل عام 1922م شكل عبد الخالق باشا ثروت لجنة لوضع دستور وقانون إنتخابات لمصر تتكون من 30 عضوا بخلاف رئيسها ونائبه وتم إختيار حسين رشدى باشا رئيسا لتلك اللجنة وأحمد حشمت باشا نائبا له وروعى في تشكيل تلك اللجنة أن يكون بها رجال سياسة وعلماء ومفكرين وأدباء ورجال دين إسلامي ومسيحي ويهودى ورجال قانون ورجال مال وأعمال وأعيان وتجار ولم تضم أى أعضاء من الوفد والحزب الوطني نظرا لإعتراضهم علي تشكيل اللجنة بهذا الشكل حيث طالبوا بتأسيس جمعية وطنية تأسيسية تمثل الأمة تتولى وضع الدستور لا لجنة حكومية يتم تشكيلها بقرار من رئيس مجلس الوزراء وأطلقوا عليها إسم لجنة الأشقياء وكان من أعضاء تلك اللجنة من السياسيين عبد الفتاح باشا يحيى ومحمد علي علوبة بك وعبد اللطيف بك المكباتيك وعبد العزيز بك فهمي ومن رجال الدين الإسلامي الشيخ محمد نجيب وعبد الحميد البكرى ومن رجال الدين المسيحي الأنبا يؤانس وعن اليهود يوسف أصلان قطاوى ومن الأعيان صالح لملوم باشا وعلي الرغم من معارضات الوفد والحزب الوطني أنهت تلك اللجنة مهمتها علي أكمل وجه ووضعت الدستور والذى كان بحق وبشهادة كل المحايدين وحتي يومنا هذا دستورا من أفضل وأرقى الدساتير في التاريخ المعاصر ولا يعيبه إلا التعديلات التي أدخلت عليه ومنحت للملك سلطة حل البرلمان وإقالة الوزارة وقامت اللجنة برفع مشروع الدستور إلي رئيس الوزراء يوم 21 أكتوبر عام 1922م وخلال الفترة من شهر مارس عام 1922م ومابعدها إستمرت عمليات إغتيال الأجانب والإعتداء عليهم ولجأت وزارة ثروت باشا إلى بعض الإجراءات التعسفية تجاه المعارضة منها منع الإجتماعات المعارضة للحكومة وكذلك قامت الحكومة بتعطيل صحف الأهرام والأمة والأهالي وزاد الغضب والسخط علي الحكومة وزاد موقفها حرجا قيام السلطات البريطانية بإعتقال بعض أعضاء من الوفد ومحاكمتهم بتهمة توزيع منشورات تحرض علي الحكومة والملك ولم تأخذ الحكومة موقفا بخصوص تلك الإعتقالات .

وبالإضافة إلى ذلك ففي خلال تلك الفترة تم تأسيس حزب الأحرار الدستوريين برئاسة عدلي يكن باشا وبتدعيم وتشجيع من وزارة ثروت باشا وكان معظم المؤسسين له من العناصر المناوئة للوفد ولذلك إتخذ خطا عدائيا منذ أول يوم في تأسيسه ضد الوفد وتبني هذا الحزب سياسة المهادنة والمرونة مع الإنجليز للوصول إلى حلول للمسائل المعلقة معهم والتي لم يحسمها تصريح 28 فبراير عام 1922م وفي يوم 29 نوفمبر عام 1922م قدم ثروت باشا إستقالة وزارته إلى الملك فؤاد دون إبداء الأسباب والذى قبلها وكلف محمد توفيق نسيم باشا رئيس الوزراء الأسبق والذى كان يشعل في هذا الوقت منصب رئيس الديوان الملكي بتشكيل الوزارة الجديدة في اليوم التالي فشكلها في نفس اليوم وفي تلك الوزارة إحتفظ محمد توفيق نسيم باشا بوزارة الداخلية إلي جانب رئاسة الوزراء وجاء تشكيل باقي الوزارة يشمل محمد توفيق رفعت باشا وزيرا للمواصلات وأحمد ذو الفقار باشا وزيرا للحقانية ومحمد إبراهيم باشا وزيرا للأوقاف وإسماعيل سرى باشا وزيرا للأشغال العمومية ومحمود عزمي باشا وزيرا للحربية والبحرية ويحيي إبراهيم باشا وزيرا للمعارف العمومية ويوسف سليمان باشا وزيرا للمالية وأحمد علي باشا وزيرا للزراعة ومحمود فخرى باشا وزيرا للخارجية وكان لعدم إهتمام هذه الوزارة بمطلب الإفراج عن سعد زغلول باشا ورفاقه المنفيين في جزيرة سيشل سببا في تجدد حوادث العنف ضد الأجانب كما أدخلت تلك الوزارة بعض التعديلات علي مشروع الدستور الذى تم إعداده خلال الوزارة السابقة ومنحت الملك صلاحيات حل البرلمان وإقالة الوزارة كما طالب الإنجليز بتعديل المواد المتعلقة بالسودان وفصلها عن القطر المصرى وتغيير لقب الملك من ملك مصر والسودان إلى لقب ملك مصر فقط وقبلت الحكومة تلك التعديلات مما زاد من حالة الغضب والسخط عليها فقدمت إستقالتها يوم 5 فبراير عام 1923م ومع إستقالة الحكومة تصاعدت أحداث العنف والإعتداءات على الأجانب ففي يوم 7 فبراير عام 1923م وقع إعتداء على أحد الموظفين الإنجليز العاملين بمصلحة السكة الحديد مما جعل اللورد اللنبي يصدر أمرا عسكريا بتعيين الكولونيل كوك كوكس حاكما عسكريا للقاهرة والجيزة وبعد 5 أيام وفي يوم 12 فبراير عام 1923م ألقيت قنبلة علي المعسكر البريطاني في جزيرة بدران بشبرا أدت لمقتل أحد الجنود وإصابة جنديين بجراح وفي يوم 20 فبراير عام 1923م قامت السلطات البريطانية بتفتيش منزل سعد زغلول وجمعت وتحفظت علي ماكان به من أوراق وأغلفته وعينت عليه حراسة لمنع الدخول إليه وفي ليلة 5/6 مارس عام 1923م إعتقلت السلطات البريطانية بعض أعضاء الوفد وقامت بتعطيل جريدة اللواء المصرى التابعة للحزب الوطني .


وفي يوم 15 مارس عام 1923م كلف الملك فؤاد يحيى إبراهيم باشا بتشكيل الوزارة الجديدة وكانت وزارة إدارية بدون برنامج وإحتفظ فيها يحيي إبراهيم باشا بمنصب وزير الداخلية إلي جانب رئاسة الوزراء وشملت الوزارة أحمد حشمت باشا وزيرا للمالية وأحمد زكي أبو السعود باشا وزيرا للمعارف العمومية وأحمد زيوار باشا وزيرا للمواصلات وأحمد علي باشا وزيرا للأوقاف وأحمد ذو الفقار باشا وزيرا للأوقاف وحافظ حسن باشا وزيرا للأشغال العمومية وفوزى بك جورجي المطيعي وزيرا للزراعة ومحمد توفيق رفعت باشا وزيرا للخارجية ومحمود عزمي باشا وزيرا للحربية والبحرية وبتشكيل الوزارة رأت السلطات البريطانية تهدئة للرأى العام أن تقوم بالإفراج عن سعد زغلول دون رفاقه وتم ذلك يوم 30 مارس عام 1923م وسافر إلى فرنسا للعلاج كما أفرجت أيضا عن المعتقلين من أعضاء الوفد الذين سبق القبض عليهم ليلة 5/6 مارس عام 1923م كما قام اللورد اللنبي بإلغاء قراره السابق الخاص بتعيين الحاكم العسكرى للقاهرة والجيزة وفي يوم 19 أبريل عام 1923م وقد أطلق على وزارة يحيي إبراهيم باشا إسم وزارة القوانين نظرا لكثرة ما أصدرته من قوانين ونظرا لحنكته القانونية أطلق عليه لقب شيخ القضاة حيث صدر في عهد هذه الوزارة الأمر الملكي الخاص بدستور عام 1923م علي الرغم من إحتجاج لجنة الثلاثين التي وضعت مواد الدستور علي التعديلات التي أجرتها وزارة محمد توفيق نسيم باشا علي بعض مواده بإعطاء الملك صلاحيات حل البرلمان وإقالة الوزارة وأيضا التعديلات التي طلبتها السلطات البريطانية بحذف المواد الخاصة بالسودان كما أنه في يوم 30 أبريل عام 1923م تم صدور قانون الإنتخابات في ظل الدستور الجديد وبعد شهر وفي يوم 30 مايو عام 1923م تم إصدار القانون رقم 14 لعام 1923م المسمى بقانون الإجتماعات العامة والمظاهرات في الطرق العمومية والذى قيدت فيه الحكومة الإجتماعات والمظاهرات بقيود شتي وفي اليوم التالي 31 من شهر مايو عام 1923م تم الإفراج عن رفاق سعد زغلول باشا من أعضاء الوفد المنفيين في جزيرة سيشل والسماح لهم بالعودة إلى مصر .


وبالإضافة إلى ماسبق أصدرت الوزارة قانونا يوم 26 يونيو عام 1923م يقضي بجواز تطبيق الأحكام العرفية في حالة تعرض أمن القطر المصرى للخطر سواء بسبب إعتداء أجنبي خارجي أو حدوث إضطرابات داخلية مع زيادة سلطات وصلاحيات الحاكم العسكرى وفي يوم 5 يوليو عام 1923م جرت مفاوضات بين الحكومة واللورد اللنبي حول ضرورة إلغاء الأحكام العرفية فوافق علي ذلك مقابل إصدار قانون يحصن ويجيز كل الإجراءات التي قامت بها السلطات البريطانية في مصر طوال الفترة التي تم فيها تطبيق الأحكام العرفية وعدم أحقية مصر في طلب أى تعويضات عن ماترتب علي تطبيقها كما صدر عفو عن بعض المحكوم عليهم أمام المحاكم العسكرية بعقوبات أقصاها 15 عاما وفي يوم 17 سبتمبر عام 1923م عاد سعد زغلول إلى مصر قادما من فرنسا التي كان قد سافر إليها لتلقي العلاج بعد الإفراج عنه من جزيرة سيشل يوم 30 مارس عام 1923م وأعلنت الحكومة عن بدء إنتخابات مجلس النواب طبقا لدستور عام 1923م وقانون الإنتخابات الصادر في يوم 30 أبريل عام 1923م وكان هذا القانون ينص على أن تكون الإنتخابات علي درجتين حيث تحدد يوم 27 سبتمبر عام 1923م لإجراء إنتخابات الدرجة الأولى من أجل إنتخاب المندوبين الثلاثينيين حيث كل 30 شخص يختارون من بينهم مندوب عنهم وهؤلاء المندوبون الذين سوف يتم إختيارهم هم من سيقومون بإنتخاب أعضاء مجلس النواب في الدرجة الثانية من الإنتخابات والتي تم إجراؤها يوم 12 يناير عام 1924م .

وخاض تلك الإنتخابات جميع الأحزاب القائمة في ذلك الوقت وهي حزب الوفد وحزب الأحرار الدستوريين والحزب الوطني وأسفرت الإنتخابات عن مفاجأة كبرى مدوية وهي فشل وزير الداخلية ورئيس الحكومة يحيى إبراهيم باشا ورسوبه أمام مرشح حزب الوفد المواطن أحمد افندى مرعي في بلدته ودائرته منيا القمح بمحافظة الشرقية المرشح وكان هذا دليلا دامغا ومؤكدا على أن تلك الإنتخابات كانت نزيهة تماما وفي الحقيقة فقد كانت إنتخابات عام 1924م هي الأولي في كل شيء فهي الأولي بالدستور وهي الأولي في المفاجآت وهي الأولي في النزاهة كذلك كانت هي الأولي في نسبة الحضور حيث تجاوز الحضور علي ما أثبت ذلك المؤرخ المصري الكبير الدكتور يونان لبيب رزق الله حيث كانت نسبة الحضور 58.4% وهي أكبر نسبة في الحضور الجماهيري تحدث في تاريخ الإنتخابات التشريعية إلي الآن ولقي الباشا والبك هزيمة ساحقة علي يد الفلاح والأفندي برعاية مباشرة من وزارة يترأسها يحيي إبراهيم باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية وجاءت النتيجة النهائية لها بحصول حزب الوفد المصرى بزعامة سعد زغلول باشا علي أغلبية كاسحة من مقاعد البرلمان فقد حصل علي حوالي 90 في المائة منها والبالغ عددها 264 مقعدا والنسبة الباقية حصل عليها حزب الأحرار الدستوريين وبإجراء تلك الإنتخابات بدأت الحياة البرلمانية في مصر والفترة الليبرالية التي إمتدت حتي قيام ثورة 23 يوليو عام 1952م وقدم يحيي إبراهيم باشا إستقالة وزارته إلي الملك فؤاد يوم 17 يناير عام 1924م بعد أن كتب إسمه بحروف من نور لإشراف وزارته علي أول إنتخابات برلمانية في مصر وبكل حيدة ونزاهة ومايزال يضرب بها المثل حتي يومنا هذا ويتم تكليف سعد زغلول باشا بصفته زعيم الأغلببية بتشكيل أول وزارة نيابية في مصر والتي يكون من حق البرلمان حق سؤالها ومحاسبتها والرقابة عليها وإستجوابها وسحب الثقة منها وإسقاطها إن لزم الأمر والتي سميت وزارة الشعب وفى يوم 23 فبراير عام 1924م أجريت إنتخابات مجلس الشيوخ وكان عدد دوائرها 71 دائرة ولم تتدخل الوزارة فى الإنتخابات وفاز المرشحون الوفديون فى معظم الدوائر وتم إفتتاح البرلمان يوم السبت 15 مارس عام 1924م وكان يوما مشهودا فى تاريخ مصر الحديث ولتبدأ بذلك مرحلة جديدة في حياة مصر إستمرت كما ذكرنا حتي قيام ثورة يوليو عام 1952م تم خلالها خوض العديد من جولات المفاوضات مع الإنجليز لحسم النقاط المعلقة بين مصر وبريطانيا والتي لم يتضمنها تصريح 28 فبراير عام 1922م والذى تم حصول مصر علي إستقلالها بمقتضاه كما تم خلالها تحقيق العديد من الإنجازات والأعمال الكبيرة والإصلاحات والتشريعات والتي تمت في عهد الملك فؤاد ومن بعده إبنه وخليفته الملك فاروق وذلك علي الرغم من الكثير من الإضطرابات وإرتباك المشهد السياسي في عهديهما حيث ناصب كل منهما العداء لحزب الوفد برئاسة مصطفي النحاس باشا والذي كان يتمتع بشعبية جارفة في عهد كل منهما إلي جانب لجوء كل منهما إلي حل البرلمان وإقالة الوزارة القائمة أكثر من مرة ولكن هذه الظروف لم تمنع أن تكون هناك أعمال كبيرة تم إنجازها في تلك الفترة .

يمكنكم متابعة الجزء الاول من المقال عبر الرابط التالى

http://www.abou-alhool.com/arabic1/details.php?id=40965