الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

لمحات من حياة ايزنهاور
-ج1-

لمحات من حياة ايزنهاور
-ج1-
عدد : 03-2019
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com


دوايت ديفيد أيزنهاور سياسي أميريكي شغل منصب الرئيس الرابع والثلاثين للولايات المتحدة الأميريكية من عام 1953م حتى عام 1961م وفي عهد سلفيه الرئيسين الثاني والثلاثين والثالث والثلاثين للولايات المتحدة فرانكلين روزفلت وهارى ترومان كان قائدا عاما في جيش الولايات المتحدة الأميريكية خلال الحرب العالمية الثانية وقائدا أعلى لقوات الحلفاء في قارة أوروبا كما تم إختياره مسؤولا عن التخطيط والإشراف على غزو شمال أفريقيا في عملية الشعلة في شهر نوفمبر عام 1942م وغزو الحلفاء الناجح لتحرير فرنسا من الإحتلال النازى ثم غزو المانيا في الجبهة الغربية في قارة أوروبا عام 1944م وعام 1945م وهما العمليتان اللتان كانتا لهما تأثير كبير علي تحويل دفة الإنتصارات في الحرب العالمية الثانية إلي جانب الحلفاء وسنتحدث عنهما بالتفصيل في السطور القادمة بإذن الله تعالي وبعد الحرب العالمية الثانية شغل آيزنهاور منصب رئيس أركان حرب الجيش الأميريكي تحت قيادة الرئيس هاري ترومان ثم قبل منصب الرئيس في جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك وهي جامعة خاصة أهلية في الولايات المتحدة الأميريكية أنشئت في عام 1754م قبل الثورة الأميريكية التي إندلعت مابين عام 1775م وعام 1783م وإشتهرت بأنه قد تخرج منها العديد من الساسة وعلماء الإقتصاد الأميريكيين كما تخرج منها أيضا الكثير من الحائزين على جائزة نوبل في العلوم قياسا بمن تخرجوا من أى جامعة أميريكية أخرى وفي عام 1951م أصبح أول قائد أعلى لحلف الناتو ثم دخل آيزنهاور سباق الرئاسة عام 1952م عن الحزب الجمهوري لمواجهة سياسة عدم التدخل التي نادى بها السناتور روبرت تافت السياسي وعضو مجلس الشيوخ الأميريكي كما نادى بحملة ضد الشيوعية وكوريا والفساد وحقق نصرا ساحقا على المرشح الديمقراطي أدلاي ستيفنسون ويعتبر هو أول رئيس أميريكي خضع للتعديل الدستوري الثاني والعشرين الذي حدد حكم الرئيس بفترتين فقط وفي عام 1956م فاز بفترة رئاسية ثانية بعد أن فاز علي منافسه أدلاى ستيفنسون مجددا والذى حاول الحصول علي ترشيح الحزب الديموقراطي لشغل منصب الرئاسة للمرة الثالثة في إنتخابات عام 1960م إلا أنه قد تم إختيار السيناتور جون كيندى بدلا منه وعينه الرئيس كيندي بعدما تم إنتخابه رئيسا للولايات المتحدة سفيرا لها في منظمة الأمم المتحدة .

وبعد هذه المقدمة تعالوا بنا نستعرض مسيرة حياة دوايت أيزنهاور والذى ولد في يوم 14 أكتوبر عام 1890م لعائلة من أصول هولندية هاجرت من المانيا إلى سويسرا في القرن السابع عشر الميلادى بسبب الإضطهاد الديني وفي القرن الثامن عشر الميلادى وتحديدا في عام 1730م هاجرت إلي الولايات المتحدة الأميريكية وإستقرت العائلة في يورك بولاية بنسلفانيا وفي ثمانينيات القرن التاسع عشر الميلادى إنتقلت إلى كنساس وتزوج أبوه ديفيد ياكوب أيزنهاورمن والدته إليزابث ستوڤر في يوم 23 سبتمبر عام 1885م والتي كانت قد ولدت في ڤرجينيا لعائلة من أصول لوثرية المانية ثم إنتقلت إلى كنساس من ڤرجينيا وكان دوايت ثالث أولاد العائلة السبعة وفي الأصل أسمته والدته ديفيد دوايت لكنها عكست إسمه بعد ميلاده ليصبح دوايت ديفيد لتجنب الخلط بينه وبين أشخاص آخرين ضمن العائلة وكان أبوه يمتلك متجر عام في كنساس لكنه تعثر في عمله لظروف إقتصادية وأصبحت العائلة فقيرة بعدها إنتقلت عائلة أيزنهاور إلى تكساس حيث عاشت من عام 1889م إلى عام 1892م ثم عادت مرة أخرى إلى كنساس حيث كان عائد العائلة 24 دولار شهريا وفي عام 1898م أصبح دخل العائلة كافيا ونجحت في تدبير مكان لائق لمعيشتها وأثناء طفولته وقع للطفل دوايت حادث أسفر عن فقدان شقيقه الأصغر عينه وفيما بعد أشار أيزنهاور للحادث على أنها خبرة علمته وجوب حماية من هم أصغر منه وفي هذه المرحلة من حياته إنصب إهتمام دوايت على الخروج للإستكشاف في الأماكن المفتوحة وكان يحب هواية صيد الأسماك ولعب الورق مع أحد الصبية الأميين كان يدعى بوب ديڤيز وكانا يخيمان على ضفاف نهر سموكي هيل وبالرغم من أن والدته كانت ضد الحرب لكن كانت مجموعة الكتب التاريخية الخاصة بها أول ما لفت إنتباه دوايت أيزنهاور ومن ثم نما إهتمامه بالتاريخ العسكري وإستمر في قراءة كتبها وأصبح قارئ شره للتاريخ العسكري وكانت المواد التعليمية الأخرى المفضلة لديه هي علم الحساب والتهجي وكان أبواه قد خصصا مواعيد محددة للإفطار والعشاء وقراءة العائلة للكتاب المقدس وكان أطفالهما يتناوبون العمل فيما بينهم بإنتظام وكان السلوك الغير منضبط دائما ما يصدر عن دوايت .

وإلتحق أيزنهاور بثانوية أبيلن وتخرج منها عام 1909م وفي هذه المرحلة من حياته أصيبت ركبته وتطور المرض إلى عدوى من الساق إلى الفخذ وشخصها طبيبه على أنها خطر على حياته وأصر الطبيب على بتر ساقه لكن دوايت رفض السماح له بذلك وتعافى بمعجزة وأراد هو وشقيقه إدجار الإلتحاق بالكلية على الرغم من عدم إمتلاكهم الأموال الكافية وإتفقا على أن يدرس أحدهما سنة في الكلية بينما يعمل الآخر لتغطية نفقات التعليم للآخر ودرس إدجار السنة الأولى بالكلية بينما عمل دوايت كمشرف مسائي في معمل بل سپرينج للقشدة ثم طلب إدجار الدراسة في العام التالي فوافق دوايت وعمل للسنة الثانية وفي ذلك الوقت كان له صديق يسمي هازلت يقدم طلب الإلتحاق بالأكاديمية البحرية وشجع صديقه دوايت على التقدم أيضا لكن كان دوايت لا يملك النفقات المطلوبة إلا أنه في النهاية قدم طلب الإلتحاق بفرع الأكاديمية في أناپوليس أو وست پوينت عام 1911م بتوصية من أحد أعضاء مجلس الشيوخ وإستطاع أن يجتاز إختبار القبول بنجاح وإنتظم في الدراسة بالأكاديمية وأنهى دراسته بها عام 1915م وتخرج من الصف المتوسط الذي سمي فيما بعد فصل النجوم المتساقطة لأن طلابه وكان عددهم 59 طالبا قد أصبحوا جنرالات في الجيش الأميريكي فيما بعد وفي بداية الحرب العالمية الأولي التي إندلعت عام 1914م لم تشارك الولايات المتحدة فيها في البداية وفي عام 1916م تم إنتخاب الرئيس وودرو ويلسون لولاية ثانية والذى كان الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة والذى تركزت دعايته الإنتخابية علي شعار يكفي أنه لم يدخلنا الحرب حيث أنه عندما إندلعت تلك الحرب أعلن ويلسون أن الولايات المتحدة ستبقى محايدة لكن هذا الحياد قد بدأ في التغير في بداية ولايته الثانية بعد إغراق الألمان سفينة لوسيتانيا البريطانية وكان من بين الغارقين 128 أميريكيا وفي شهر يناير عام 1917م سلم البريطانيون الرئيس ويلسون رسالة مشفرة من وزير الخارجية الألماني آرثر زيمرمان تتناول تحالفاً محتملا بين المانيا والمكسيك إذا دخلت الولايات المتحدة الحرب إلى جانب الحلفاء في مقابل دعم الألمان للمكسيكيين في إستعادة الأراضي التي فقدوها في حربهم مع الولايات المتحدة وقد إستغل ويلسون برقية زيمرمان في بث الغضب بين الأميريكيين للحصول على موافقة الكونجرس على إعلان الحرب على المانيا .

وفي يوم 6 أبريل عام 1917م دخلت الولايات المتحدة رسميا إلى ساحة الحرب وكان دخولاً مفتعلا إذ حصدت المكاسب دون أن تتكبد خسائر الحلفاء فمن بين حوالي مليوني جندي أمريكي شارك في الحرب العالمية الأولى توفي منهم حوالي 120 ألفاً فقط وهم أقل نسبة وفيات بين صفوف الحلفاء وكان دوايت أيزنهاور أحد الضباط الصغار الذين شاركوا في هذه الحرب وقد رجح التدخل الأميريكي كفة دول الحلفاء عسكريا وإقتصاديا وماليا إذ كانت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القادرة على تأمين إمدادات الأسلحة والذخيرة والمواد الغذائية للحلفاء والتي زادت بإستمرار الحرب حتى بلغت صادرات الولايات المتحدة عام 1916م حوالي 4.25 مليار دولار في حين أنها لم تتعد 2.25 مليار دولار عام 1914م ومع إستمرار الحرب إزدادت خسائر بريطانيا نظرا لإعتماد الخطة العسكرية الألمانية على مهاجمة بريطانيا بشدة بصفتها قائد جبهة الحلفاء لذا كان لابد من تكبيدها أكبر الخسائر ومن ثَم كان تعويض الخسائر البريطانية أيضا سببا من أسباب دخول الولايات المتحدة الحرب وقد واجهت بريطانيا بعد إنتهاء هذه الحرب مشكلات إقتصادية فادحة بدأت بأزمة العمال الذين قضت الحرب على نسبة كبيرة منهم إلى جانب خسارة الكثير من السفن التجارية وإستهلاك أغلب رؤوس الأموال وإنفاق معظم الأرصدة من الذهب والعملات الأجنبية وبلغت خسائر الحرب في بريطانيا أكثر من 13 مليار جنيه إسترليني مما إضطرها إلى قبول الإقتراض والإعتماد على الأموال الأميريكية التي مكنت الأخيرة من غزو الأسواق البريطانية بالشكل الذي منحها السيطرة وخلق إقتصاد ينافس بل يتفوق على الإقتصاد البريطاني الذي كان مهيمنا حينئذ على الإقتصاديات الأوروبية والعالمية ولذا فقد صارت الولايات المتحدة قوة عظمى عالمية ذات تأثير على النظام الإقتصادي العالمي في الوقت الذي أصبحت بريطانيا مدينة لأمريكا بحوالي 4.4 مليون دولار وعجزت بريطانيا وفرنسا عن سداد قروضهما للولايات المتحدة بسبب إعتمادهما على التعويضات الألمانية التي أقرتها معاهدة فرساي وكانت في شهر يونيو عام 1919م والتي فرضت دول الحلفاء المنتصرة بموجبها العديد من العقوبات والقيود علي المانيا المنهزمة وبصفتها المتسببة في قيام الحرب العالمية الأولي والتي لم تكن المانيا قادرة على تسديدها حتى عام 1924م عندما وافقت الولايات المتحدة على إقراض المانيا لسداد كل التعويضات المطلوبة منها لدول الحلفاء وفي عام 1925م إلتحق أيزنهاور بمدرسة قيادة الأركان وبعد ذلك بسنتين أى في عام 1927م إلتحق بكلية الجيش الحربي وبدأ يكتسب سمعة طيبة كضابط بارز مما أدى إلي حصوله علي عدة ترقيات متتالية وتم تعيينه مساعدا لرئيس هيئة أركان حرب الجيش الأميريكي القائد الشهير دوجلاس ماك أرثر والذى إعتمد عليه بشكل كبير ولما تم نقله إلي الفلبين ليكون مستشارا عسكريا هناك عام 1935م رافقه أيضا كمساعد له .

وفي عام 1941م وخلال فترة الحرب العالمية الثانية التي إندلعت عام 1939م شنت البحرية الإمبراطورية اليابانية غارة جوية مباغتة على الأسطول الأميريكي القابع في المحيط الهادى في قاعدته البحرية في ميناء بيرل هاربور بجزر هاواي في يوم 7 ديسمبر عام 1941م وكانت تلك الضربة بمثابة ضربة وقائية لإبعاد الأسطول الأميريكي في المحيط الهادى عن الحرب التي كانت تخطط اليابان لشنِّها في جنوب شرق آسيا ضد بريطانيا وهولندا والولايات المتحدة وقد غير هذا الحدث مجرى التاريخ وأرغم الولايات المتحدة على دخول الحرب العالمية الثانية وبعد هذه الغارة تم تعيين دوايت أيزنهاور في هيئة الأركان العامة في العاصمة الأميريكية واشنطن حيث خدم في الهيئة حتي شهر يونيو عام 1942م وكان حينها المسؤول عن إنشاء الخطط الحربية الكبرى لهزيمة اليابان والمانيا وذلك بعد دخول الولايات المتحدة الحرب إلي جانب الحلفاء ثم عين نائبا لرئيس دفاعات المحيط الهادى ومسوؤلا في قسم قيادة خطط الحرب تحت قيادة الجنرال ليونارد تي جرو ثم أصبح بعدها رئيس قيادة خطط الحرب خلّفا له وبعد ذلك تم تعيينه مساعدا لرئيس الأركان ومسؤولا عن قسم العمليات الجديدة الذي حل محل قيادة خطط الحرب تحت قيادة رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال جورج كاتليت مارشال الذي إكتشف موهبة أيزنهاور العسكرية وتم ترقيته بناءا على ذلك ومما يذكر أنه في أواخر شهر مايو عام 1942م رافق آيزنهاور الفريق هنري أرنولد القائد العام لقوات الجيش الجوية إلى لندن لتقييم اللواء جيمس إي تشاني قائد مسرح العمليات في إنجلترا وعاد آيزنهاور إلى واشنطن في يوم 3 يونيو في نفس العام حاملًا نظرة سلبية تجاه اللواء جيمس إي تشاني ومساعديه ولذا ففي يوم 23 يونيو عام 1942م عاد إلى لندن كقائد عام لمسرح العمليات الأوروبي في الجيش الأميريكي التي يقع مقرها في العاصمة البريطانية لندن وفي يوم 7 يوليو عام 1942م تمت ترقيته إلى رتبة الفريق وبعد ذلك تم إختياره لكي يقود عملية الشعلة وهي عملية غزو أميريكي بريطاني مشترك لمنطقة شمال أفريقيا الفرنسية بعدما ضغط الإتحاد السوفيتي على كل من بريطانيا والولايات المتحدة من أجل بدء عملية عسكرية ضد المانيا النازية وفتح جبهة ثانية عليهم في أوروبا لتخفيف الضغط علي الجبهة السوفيتية وتشتيت قوى الألمان علي جبهتين وكان من رأى القادة الأميريكيين تنفيذ عملية إنزال عسكرية على الضفة الشرقية من القناة الإنجليزية بأسرع وقت ممكن إلا أن بريطانيا رأت أن النتائج المترتبة على هذه العملية ستكون كارثية في ذلك التوقيت وبناءا على ذلك إقترح مهاجمة شمال أفريقيا الخاضع لحكومة فيشي الفرنسية الموالية للألمان .

وقد وجد الرئيس الأميريكي حينذاك فرانكلين روزفلت ذاته محاصرا بين نصيحة جنرالاته الذين يحثونه على غزو مبكر وهائل لفرنسا التي يحتلها النازيون وتحذير ونستون تشرشل إذ كان يخشى أن بلاده المحاصرة سوف تنهار إذا لحقت بها هزيمة أخرى وأخيرا وقف فرانكلين روزفلت إلى جانب حليفه البريطاني وتبنى فكرة تشرشل البديلة وهي خطة جريئة للإحاطة بقارة أوروبا والبدء في مسيرة طويلة صوب برلين عن طريق غزو إمبراطورية شمال أفريقيا التي كان يحتلها في ذلك الوقت الفرنسيون الفيشيون المتواطئون مع المانيا وعن طريق الشجاعة والحيلة والحظ حققت عملية الشعلة بقيادة الجنرال دوايت أيزنهاور الذي قاد غزو نورماندي بعد ذلك بتسعة عشر شهرا وكانت حينها هي أول قيادة ميدانية له وكانت هذه العملية مفاجأة إستراتيجية إلى حد ما وقد إنخدع الألمان الذين كانوا يتولون مراقبة الأسطول الأنجلو أميريكي إذ ظنوا أن أغلبه متجه نحو جزيرة مالطة التي تسيطر عليها بريطانيا وإستطاع الغزاة في النهاية التغلب على الدفاعات الفرنسية في ثلاثة أيام فقط بعدما تم شن هجوم على الأراضي التابعة لحكومة فيشي في شمال أفريقيا وهي الجزائر وتونس والمغرب بداية من يوم 8 نوفمبر عام 1942م بواسطة ما يقرب من 110 ألف جندي أميريكي وبريطاني بعدما خرجوا في أكثر من 850 سفينة من الموانئ الأميركية والبريطانية وأبحروا لمسافة تصل إلى 4500 ميل عبر مياه المحيط الأطلسي الغادرة التي تمتلئ بغواصات يوبوت النازية وبمجرد وصول السفن إلى وجهتها رست على الشاطئ في ثلاث مناطق إنزال منتشرة على طول الساحل لمسافة تزيد على 900 ميل من جنوب الدار البيضاء بالمغرب إلى شرق الجزائر ومع ذلك لم تكن العملية يسيرة فقد لقي 1100 جندي من قوات الحلفاء حتفهم في القتال وهو نصف العدد الذي قُتل في بيرل هاربور وربع العدد الذي سقط في غزو نورماندي بعد ذلك ولكن في النهاية بفضل تضحياتهم إستطاعت القوات الأميريكية والبريطانية أن تجد موطئ قدم لها في الساحل الجنوبي للبحر المتوسط والذي توسعوا فيه بعد ذلك بإتجاه تونس شرقاً وأخيرا عبروا منه إلى إيطاليا متجهين شمالا عبر ما وصفه تشرشل في عبارة شهيرة بنقطة ضعف أوروبا وجدير بالذكر أنه كان لعملية الشعلة تداعيات هائلة وذلك لأنها ساعدت على تحديد المسار المستقبلي والنتيجة النهائية الناجحة للحرب كما كان لها دورها المهم فيما بعد في وضع شروط للعلاقات الأميريكية طويلة الأجل مع معظم قادة الشرق الأوسط وشعوب المنطقة ومن بينهم اليهود الذين أدوا دورا محوريا في هذه القصة بأكثر من طريقة .

وفي جبهة فرنسا فبحلول عام 1944م تم تعيين دوايت أيزنهاور قائدا لقوات الحلفاء علي هذه الجبهة وكان الألمان قد أدركوا أن هجوم الحلفاء علي قواتهم في فرنسا بات أمرا حتميا ولكنهم لم يتمكنوا من معرفة موعده أو مكان إنطلاقه وكان من المتوقع أن يتم هذا الهجوم من أضيق منطقة في القنال الإنجليزى على ساحل مدينة كاليه الفرنسية ونتيجة لذلك تركزت أقوى قواتهم هناك أما المكان الفعلي لهذا الهجوم فكان من أفضل ماحفظ من أسرار الحرب إذ كانت خطة الهجوم أن يتم على طول 50 ميلا من شاطئ مقاطعة نورماندى ثم يندفع بقوة غرب نهر الأورن إلى شاطئ في شبه جزيرة كوكونتا التي يشرف عليها مرفأ شيربورج الحيوى وفي تلك الفترة وضع الألمان العوائق والتحصينات وزرعوا ملايين الألغام على طول الساحل الفرنسي وقاموا بنشر ثلاثة جيوش على الشاطئ أي ما يقارب 1.5 مليون جندي وكان ثعلب الصحراء الفيلد مارشال إرفين روميل قد عاد من جبهة شمال أفريقيا إلي المانيا دون أن يتمكن من تحقيق أحلام هتلر في شمال أفريقيا وذلك لأسباب خارجة عن إرادته تماما وكان هذا بالطبع له تاثير سلبي عليه حيث جعله أدولف هتلر عاطلا عن القيادة لفترة لابأس بها لكن نظرا لعقليته العسكرية الفذة إضطر هتلر أن يضع الجيوش المذكورة تحت قيادته حيث قام بإنشاء خط الدفاع الساحلي ولم يفته كقائد محنك أن هناك إحتمال لحدوث الإنزال علي شواطئ نورماندى ولكن هتلر لم يقدم له كافة الدعم المطلوب لإستكمال الإستحكامات الدفاعية اللازمة لصد أي هجوم محتمل من هذا الإتجاه كما تراجعت القوة الكبيرة للقوات الجوية النازية المسماة باللوفتواف مما كان له أثر سلبي كبير علي القوات الألمانية التي يقودها روميل ولم يكن الألمان يتوقعون أن الإنزال سبيدأ قبل حلول الصيف لسببين الأول هو أن المنطقة شديدة التجمد ومن ثم كانوا يتوقعون أن الهجوم لن يبدأ قبل شهر يوليو أو أغسطس والسبب الثاني هو أن جبهة الإتحاد السوفيتي التي فتحها هتلر وكانت من أكبر الأخطاء المصيرية التي وقع فيها كانت هادئة نسبيا حيث أفادت المعلومات الإستخباراتية الألمانية أن الإنزال في نورماندي لن يحدث إلا إذا قام السوفييت بهجوم مماثل وكبير من جهة الشرق من أجل الضغط على الجيش الألماني في الجبهتين .

وكانت خطة الفيلد مارشال إرفين روميل قائد جبهة فرنسا حينذاك في مواجهة الإنزال في نورماندي مبنية علي أساس سرعة تحرك خمس فرق مدرعة وقدر أن تكون قادرة على الوصول الي نقطة الإنزال أينما كان مكانها خلال مدة لا تزيد عن 3 ساعات من بدء الإنزال لمواجهة العدو ورميه إلى البحر لكن وبناءا على أوامر هتلر تمركزت هذه الفرق بعيدا عن الشاطئ وتم ربط أمر تحركها به مباشرة مما جعل روميل ساخرا يردد عبارته الشهيرة مع هتلر يكون الحق دائما إلى جانب الذي يقول الكلمة الأخيرة قاصدا أن تدخل هتلر بهذا الشكل في أدق الشئون العسكرية وهو غير مؤهل في هذا المجال كفيل بإفساد أى خطط عسكرية يقترحها القادة المؤهلون وفي الشهر السابق للإنزال في نورماندى إزدادت الهجمات الجوية من جانب قوات الحلفاء في حدتها وأصبحت بصورة دائمة وكانت الأساطيل الجوية بحمولاتها المدمرة تنطلق من القواعد البريطانية لضرب مصانع الإمدادات والوقود والمطارات الألمانية وحشد الحلفاء لهذه العملية ثلاثة ملايين جندي بواقع عدد 1.7 مليون جندي أمريكي وعدد 1.3 مليون جندى بريطاني وفرنسي وقد إشتمل تجهيز هذه القوات على 50 ألف دبابة وشاحنة وسيارات نصف مجنزرة وسيارات جيب بالإضافة إلى مليوني طن من العتاد وسبعة آلاف سفينة وعدد 11 ألف طائرة كما قام الحلفاء ببناء 163 مطار في بريطانيا من أجل دعم هذة العملية وكان من المقرر أن يبدأ هجوم الحلفاء يوم 5 يونيو عام 1944م إلا أنه قد تم تأجيل برنامج العمليات الضخم الذي كان مقررا من جانب قوات الحلفاء في هذا اليوم لمدة يوم واحد ليكون في يوم 6 يونيو عام 1944م وذلك بسبب سوء الأحوال الجوية ومع أن التوقعات الجوية في اليوم التالى كانت أبعد من أن تكون مثالية إلا أن أي تأجيل آخر قد يتطلب إلى ما يقل عن أسبوعين كى تتوفر أفضل الظروف المناخية إلى جانب العواقب المحتملة من تأجيل المهمة مرة أخرى حيث قد يؤدى إلغائها إلي كشف الألمان لأسرارها وجدير بالذكر أنه منذ بداية عام 1944م خاضت خلايا المقاومة الفرنسية حربا أهلية شرسة ضد رجال الجستابو الألمان وميليشيات حكومة فيشي الموالية للألمان وأخيرا بدأ غزو الحلفاء لفرنسا بهدف تحريرها من الإحتلال النازى الألماني ففي صباح يوم 6 يونيو عام 1944م تم إنزال قوات أميريكية وبريطانية على شواطئ نورماندي الواقعة في شمال فرنسا بين مينائي شيربورج والهافر وكان روميل كما ذكرنا يتوقع أن غزو الحلفاء المتوقع سيتم من جهة شواطئ نورماندي لذلك كان دائما ما يطلب من أدولف هتلر ويلح عليه أن يزوده بأربع فرق بانزر مدرعة والتي كانت تعد صفوه الفرق في جيش الدبابات النازي بأجمعه وبين شد وجذب بين إرفين روميل وأدولف هتلر وباقي قادة الجيش الألماني في أن جهة إنزال الحلفاء ستكون نورماندي وليس رأس كاليه إستطاع روميل أن يحصل أخيرا علي موافقة هتلر علي تحريك ثلاث فرق بانزر بالقرب من شواطيء نورماندي حتي يتم وأد هجوم الحلفاء وهو علي الشاطئ لكن لسوء حظ روميل أن يوم حصوله علي الموافقة من هتلر كان يوم 6 يونيو عام 1944م وقت عملية هجوم الحلفاء علي نورماندي والتي شاركت فيها 6900 من السفن الحربية من ضمنها 4100 سفينة إنزال وعدد 12 ألف طائرة حربية ومليون جندي من قوات المظلات ومشاة البحرية كانوا عبارة عن تشكيلات كبيرة من الجنود المدربين .

وتمكن الحلفاء من إحتلال الشاطئ وإنتزعوا في وقت قصير رقعة من أرض الساحل حيث إتخذوها قاعدة بحرية لهم وكانت بريطانيا قد قامت مسبقا بصنع مرفئين صناعيين هائلين وتم نقلهما عبر القنال الإنجليزي وتم تجميع أجزائهما على هذه الرقعة من الشاطئ الفرنسي وبنجاح عملية الإنزال هذه بدأت قوات الحلفاء تكمل طريقها في إتجاه باريس والعاصمة الألمانية برلين وكانت خلايا المقاومة الفرنسية في ذلك الوقت عاملا ساعد قوات الحلفاء أثناء قيامها بعمليات الإنزال في فرنسا وذلك من خلال تعطيلهم لقنوات الإتصال والنقل بين القوات الألمانية والتي علي الرغم من أنها لم تكن متهيئة لهذا الإنزال ومن ثم أصبحت في وضع لايحسد عليه إلا أنها أبدت شراسة غير معهودة في القتال إلى درجة أن الفيلق الأميريكي السابع ولمدة يوم كامل من القتال المتواصل لم يستطع التقدم أكثر من 1500 متر عن الشاطئ في منطقة ساطئ أوماها والتي كانت إحدى نقاط الإنزال علي الساحل الفرنسي هذا وتعد هذه المعركة بداية الزحف نحو أوروبا وتحريرها من القوات الألمانية وكانت نقطة البدء في فرنسا ثم هولندا وبلجيكا وصولا إلى إحتلال العاصمة الألمانية برلين وصحت تكهنات الفيلد مارشال روميل الذي إعتبر أن خسارة المعركة الأولى قاصدا معركة نورماندى ستفتح القارة الأوروبية أمام الغزو وهذا ما حدث بالفعل فبعد ثلاث ساعات من بدء الهجوم ضمن الحلفاء موقع قدم لهم على الشاطئ وأذيع أول إعلان عن ذلك من لندن ومن ثم تدفقت الإمدادات والجنود والعتاد إلى الشاطئ الفرنسي بكميات كبيرة وخلال 12 يوم تدفق إلى الشاطئ ما يزيد عن 600 ألف جندى وأكثر من 90 ألف مركبة إستعدادا للهجوم العنيف نحو الداخل وبالفعل إتجهت قوات الحلفاء تحت قيادة أيزنهاور نحو نهر الأرون بإتجاه باريس ونحو شمال كونتنتين بإتجاه قلعة شيربورج وكانوا في نفس الوقت يسيطرون على البحر ثم وجهوا إهتمامهم إلى إنتزاع شيربورج وكاين من حوزة القوات الألمانية وتمكن البريطانيون من إنتزاع كاين في يوم 9 يوليو عام 1944م بعد قتال مرير كما إستطاع الأميريكيون في يوم 26 يوليو عام 1944م الإستيلاء على ميناء شيربورج وبذلك إمتلك الحلفاء مرفئين كبيرين على ساحل نورماندى وقد مكنهم ذلك من الإستمرار في إنزال جنودهم وعتادهم بسهولة وبعد ذلك أخذت المدن الفرنسية يتوالى سقوطها في أيدى قوات الحلفاء حيث إستولت القوات الأميريكية على سان لو وسقطت نانت في يوم 10 أغسطس عام 1944م وبعد أسبوع تم تحرير مدينتي سارتر وأورليان وأحرز الجنرال منتجوري إنتصارا حاسما على مقربة من فاليز وعبرت وحدات بريطانية نهر السين في يوم 25 أغسطس عام 1944م وطاردت الألمان إلى نهر السوم كما إستطاع أعضاء حركة المقاومة السرية الفرنسية تحرير باريس العاصمة وبدأت جيوش الحلفاء مطاردة النازيين حتي وصلوا إلي برلين العاصمة من شمالها وفي الوقت نفسه دخلتها القوات السوفيتية من جنوبها وشرقها وتمكنوا من إحتلالها وإنهاء الحرب العالمية الثانية في قارة أوروبا بإستسلام المانيا يوم 8 مايو عام 1945م .

وبإستسلام المانيا إحتلتها جيوش 4 دول هي الإتحاد السوفيتي وقد إحتل الجزء الشرقي منها بينما تم تقسيم الجزء الغربي منها علي 3 دول هي الولايات المتحدة الأميريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وتم تعيين دوايت أيزنهاور حاكما عسكريا لمنطقة الإحتلال الأميريكي وشغل هذا المنصب حتي يوم 10 نوفمبر عام 1945م وبعد ذلك عاد إلي بلاده وتقلد منصب رئيس جامعة كولومبيا كما ذكرنا في صدر هذا المقال وفي عام 1952م دخل المنافسة علي الإنتخابات الرئاسية عن الحزب الجمهورى وإستطاع أن يحسم المعركة الإنتخابية لصالحه وليصبح الرئيس الرابع والثلاثين للولايات المتحدة ومنذ بداية توليه منصبه كانت أهدافه الرئيسية هي الإستمرار بالضغط على الإتحاد السوفيتي وتقليل العجز الفيدرالي ولذلك ففي السنة الأولى من رئاسته خلال عام 1953م هدد بإستخدام الأسلحة النووية في محاولة لإنهاء الحرب الكورية التي إندلعت عام 1950م بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وكان الإتحاد السوفيتي يساند كوريا الشمالية خلالها بالرجال والسلاح والعتاد أما سياسته والتي إتسمت بنظرة جديدة نحو الردع النووي فقد أعطت الأولوية للأسلحة النووية غير المكلفة مع خفض التمويل للقوات العسكرية التقليدية وفي نفس العام 1953م دبرت المخابرات المركزية الأميريكية بالإشتراك مع المخابرات البريطانية إنقلابا على حكومة الزعيم الإيراني الدكتور محمد مصدق والذى كان قد جاء رئيسا للحكومة الإيرانية بإنتخابات حرة ديموقراطية وقد تم تنفيذ هذا الإنقلاب يوم 19 من شهر أغسطس عام 1953م بعد أن إحتدم الخلاف بشدة ومن ثم تحول إلي صراع بين الشاه محمد رضا بهلوى ومصدق في بداية الشهر المذكور والذى كان من أهم أسبابه أن مصدق كان يستهدف تأميم النفط الإيراني وتحديدا شركة النفط الأنجلو إيرانية مما أدى إلي هروب الشاه إلى إيطاليا عبر العراق وقبل أن يغادر بلاده وقع قرارين الأول يعزل مصدق والثاني تعيين الجنرال فضل الله زاهدي محله وقام زاهدي في التاسع عشر من شهر أغسطس عام 1953م بقصف منزل الدكتور مصدق وسط العاصمة الإيرانية مدينة طهران في حين قام كرميت روزفلت ضابط الإستخبارات الأميريكي والقائد الفعلي للإنقلاب والذي أطلقت المخابرات المركزية الأميركية عليه إسما سريا هو عملية أجاكس بإخراج تظاهرات معادية لمصدق في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية كما أوعز روزفلت إلى شعبان جعفرى وكان يعد من الشخصيات الأكثر شعبية في الشارع الإيراني كما كان بطلا رياضيا بالسيطرة على الشارع وإطلاق الهتافات التي تحط من هيبة مصدق بالتوازي مع إغتيال القيادات التاريخية للجبهة الوطنية التي شكلها مثل الدكتور حسين فاطمي أحد قادة الجبهة الوطنية الذي إغتيل في الشارع في وضح النهار وقد تم القبض علي مصدق وحوكم أمام محكمة صورية إستفاض بعدها محاميه جليل بزركمهر في كشف أنها لم تكن تتمتع بالحد الأدنى من شروط الحيادية والعدالة وحكم نظام الشاه على الدكتور مصدق بالإعدام ثم خفف الحكم لاحقاً إلى سجن إنفرادي لمدة ثلاث سنوات ومن ثم إقامة جبرية لمدى الحياة في قرية أحمد آباد الواقعة في شمالي إيران ليترك الدكتور مصدق نهبا لذكرياته .

وفي عام 1954م وفي عهد الرئيس أيزنهاور أيضا دبرت المخابرات المركزية الأميريكية إنقلابا آخر في جواتيمالا وهي إحدى جمهوريات أمريكا الوسطي والتي تحدها المكسيك من الشمال والغرب والمحيط الهادى من الجنوب الغربي ونبدأ هذه الحكاية من عام 1944م حين قامت الثورة في جواتيمالا ضد الديكتاتورية العسكرية التي لم تقتصر آثارها على قمع الحريات وإحتكار الحياة السياسية فقط بل إمتدت إلى السياسات الإقتصادية والتي ساهمت في إفقار البلاد وتجريف ثرواتها وبيع الأراضي الزراعية للشركات العالمية وأبرزها شركة يونايتد فروتس المملوكة وقتها لسياسيين أميريكيين بارزين منهم السفير وقتها جورج بوش الأب الذى أصبح بعد ذلك مديرا لوكالة المخابرات المركزية ثم رئيسا للولايات المتحدة بين عام 1988م وعام 1992م وكانت الشركة وقتها تمتلك أكثر من 42% من أراضي جواتيمالا كما تمتعت الشركة بتسهيلات كبيرة ومارست عملها في ظل إعفاء ضريبي وجمركي كامل وإشترت مرفق السكك الحديدية ثم إمتلكت شركة الكهرباء والتليفون والتلغراف وبإختصار صارت الشركة المتحدة للفواكه تحتكر جواتيمالا بالكامل تقريبا بينما يعمل الشعب عبيدا عندها وإنتهي الأمر بقيام ثورة عارمة فإضطر الدكتاتور خورخي أوبيكو كاستانيدا إلى الإستقالة من منصبه إستجابة لموجة من الإحتجاجات كما أُجبِر الجنرال البديل خوان فريدريكو بونسي فايدس الذى تسلم السلطة الإنتقالية من خورخي في وقت لاحق على التنحي من منصبه في يوم 20 أكتوبر عام 1944م وفي أول إنتخابات شعبية فاز أستاذ الجامعة المحافظ أرفللو برميجو بالرئاسة وقد أعطى برميجو الأولوية لبناء نظام للرعاية الصحية وآخر للضمان الإجتماعي ثم تولى بعده في إنتخابات حرة عام 1950م الرئيس جاكوبو أربينز الذي فتح باب الحريات على نطاق أوسع فشمل حرية تشكيل الأحزاب بما فيها الحزب الشيوعي ولكن إنجازه الأكبر كان شروعه في التحرر من قبضة يونايتد فروتس بإقرار قانون للإصلاح الزراعي أصدره في عام 1952م وزع بموجبه الأراضي الزراعية علي الفلاحين الأمر الذي هدد مصالح شركة يونايتد فروتس وحلفاءها من العسكريين ورجال الأعمال وهو ما جعلها تضغط بشدة على الحكومة الأميريكية للتدخل لإسقاط النظام والحقيقة أن محاولات الإنقلاب على الثورة بدأت منذ عهد برميجو وهي المحاولات التي لم تتوقف إلى أن نجحت فعلا في الإطاحة بالرئيس أربينز وتولي قوى الثورة المضادة الحكم عام 1954م بعد أن قاد حلفاء المخابرات المركزية الأميريكية حملة منظمة لنشر سلسلة من الشائعات في إطار حرب نفسية لإرباك المواطنين وترويعهم من الإختراق الأحمر أي الشيوعي للبلاد وإتهم الرئيس المنتخب أربينز بأنه يسعى لتسليم البلاد للسوفييت خصوصا بعد حصوله على صفقة أسلحة روسية عن طريق دولة تشيكوسلوفاكيا وقام الجنرال سوموزا أحد ديكتاتوري جواتيمالا التاريخيين بعدة زيارات للولايات المتحدة ورشح للإدارة الأميريكية للقيام بالمهمة الجنرال كاستللو أرماس الذي يعرفونه جيدا فالرجل عمل معهم في السابق في هجوم فاشل على قاعدة في جواتيمالا أدى لسجنه ثم هروبه خارج البلاد وبالفعل بدأت خطة دعم كاستللو الذي كان يعيش في المنفى وتهيئة المسرح في جواتيمالا عبر إحتجاجات وإنتفاضات مستمرة لمدة 3 سنوات إنتهت بإنقلاب وإستيلاء كاستيلو على السلطة وقد تضمنت التفاصيل السرية لتورط المخابرات المركزية الأميريكية في الإنقلاب على الزعيم الجواتيمالي التي تم كشف وثائقها السرية عام 1999م في عهد الرئيس بيل كلينتون تسليح المتمردين والقوات شبه العسكرية وفرض البحرية الأمريكية حصارا على الساحل الجواتيمالي بل وإستخدام الطائرات في القصف الجوي .

وفي هذه الفترة الزمنية أيضا قدم آيزنهاور مساعدات كبيرة للفرنسيين في حرب الهند الصينية الأولى والتي كانت قد إندلعت منذ أواخر عام 1946م وإستمرت حتي عام 1954م م وكانت عبارة عن نزاع مسلح في الهند الصينية بين قوات الإحتلال الفرنسية والمجموعات العسكرية الموالية لها من جهة مع إتحاد إستقلال فيتنام برئاسة هو تشي منه من جهة أخرى وكانت معظم الأحداث الرئيسية لهذا الصراع تدور في الثلث الشمالي لفيتنام وهي المنطقة التي سماها الفرنسيون بإسم تونكين وذلك علي الرغم من أن النزاع شمل كامل البلاد وإمتد أيضا إلى البلدان الهندية الصينية المجاورة مثل لاوس وكمبوديا وبعد هزيمة الفرنسيين قدم الدعم المالي القوي لدولة فيتنام الجنوبية الجديدة كما وافق الكونجرس على طلبه بتنفيذ قرار فورموزا عام 1955م والذي قدمت الولايات المتحدة بموجبه الدعم العسكري لدولة تايوان ودخلت الولايات المتحدة مرارا للدفاع عن الجزيرة ومواصلة عزل جمهورية الصين الشعبية وجدير بالذكر أنه كان قد تم في السابق توقيع إتفاقية الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة وحكومة جمهورية الصين في تايوان في الثاني من شهر ديسمبر عام 1945م ثم بعد حوالي 9 سنوات تم توقيع إتفاقية فورموزا بينهما أيضا في يوم التاسع والعشرين من شهر يناير عام 1955م وفي العام التالي 1956م أدان أيزنهاور الغزو السوفيتي خلال الثورة المجرية لكنه لم يتخذ أي إجراء بشأنه وكانت هذه الثورة ثورة معادية للسوفييت قامت في المجر من يوم 23 أكتوبر حتي يوم 4 نوفمبر عام 1956م حيث كانت قد هيأت التغيرات السياسية بعد ستالين في الإتحاد السوفيتي والحركات القومية للأحزاب الإشتراكية في أوروبا الشرقية والإضطراب الاجتماعي بسبب الأحوال الاقتصادية السيئة لعامة المجريين الظروف المواتية لقيام هذه الثورة والإنتفاضة الشعبية ولكن النهاية كانت لصالح السوفييت حيث تم سحق هذه الثورة وفي نفس العام 1956م وخلال أزمة السويس وعلي الرغم من الإعتراضات الأميريكية على نهج السياسة المصرية إلا أن الولايات المتحدة لم تكن تؤيد العمل العسكري ضد مصر وأدان آيزنهاور الغزو الإسرائيلي والبريطاني والفرنسي لمصر والذى بدأ يوم 29 أكتوبر عام 1956م بإنزال جوى بريطاني فرنسي علي سواحل مدينة بور سعيد ورأت أن من الأنسب إستخدام الضغوطات الإقتصادية وفرض العقوبات وعقب إعلان الإنذار الأنجلو فرنسي لمصر وإسرائيل بعث أيزنهاور رسالتين حادتي اللهجة إلى رئيسي الوزراء البريطاني والفرنسي وكذلك بعث برسالة إلى إسرائيل ينهرها ويهددها بموقف مضاد في الأمم المتحدة ومن ثم صدر قرار بتاريخ 2 نوفمبر عام 1956م من الأمم المتحدة بمساعي أميريكية بأغلبية 64 صوت ضد خمس أصوات هي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وأستراليا ونيوزيلندا وإمتناع ست دول عن التصويت وقد نص هذا القرار أنه علي جميع الأطراف المتشابكة قبول وقف إطلاق النار والكف عن نقل القوات العسكرية والأسلحة إلى منطقة القناة وسيناء مع سحب القوات إلى ما وراء خطوط الهدنة والكف عن القيام بغارات عبر خطوط الهدنة على الأراضي المجاورة ومراعاة نصوص إتفاقيات الهدنة بدون تردد والعمل علي إعادة فتح قناة السويس أمام الملاحة الدولية في أسرع وقت وقد ابلغت مصر الأمين العام للأمم المتحدة في نفس اليوم قبولها القرار وأعلن الأمين العام ذلك في يوم 3 نوفمبر عام 1956م مع إحتفاظ مصر لنفسها بالحق في عدم تنفيذ أحكامه إذا ظلت القوات المهاجمة توالي عدوانها وشكلت لجنة ثلاثية لمراقبة التنفيذ وصرح أيزنهاور بأن واشنطن عارضت منذ البداية اللجوء لإستخدام القوة وأنها لم تستشر من قبل المعتدين وستسعى لإنهاء الصراع بالطرق السلمية وقد أدى هذا الضغط الدولي إلى وقف التغلغل الإنجليزي الفرنسي وقبول الدولتين وقف إطلاق النار بداية من يوم 7 نوفمبر عام 1956م تلاها دخول قوات طوارئ دولية تابعة للأمم المتحدة وفي يوم 19 ديسمبر عام 1956م أُنزل العلم البريطاني من فوق مبنى هيئة قناة السويس ببورسعيد وتلا ذلك إنسحاب القوات الفرنسية والإنجليزية من بورسعيد في يوم 22 ديسمبر عام 1956م وفي اليوم التالي 23 ديسمبر عام 1956م تسلمت السلطات المصرية مدينة بورسعيد وإستردت قناة السويس وهو التاريخ الذي إتخذته محافظة بورسعيد عيدا قوميا لها وأطلق عليه عيد النصر وفي يوم 16 مارس عام 1957م أتمت القوات الإسرائيلية إنسحابها من شبه جزيرة سيناء وجدير بالذكر أن موقف الرئيس دوايت أيزنهاور من العدوان الثلاثي علي مصر كان له أكبر الأثر في وضع نهاية وختام للوجود الإستعماري الأنجلو فرنسي في منطقة الشرق الأوسط كما كان من نتيجة فشل هذه العدوان سقوط رئيس وزراء بريطانيا أنتوني إيدن ورئيس وزراء فرنسا جي موليه .

يمكنك متابعة الجزء الثانى من المقال عبر الرابط التالى
http://www.abou-alhool.com/arabic1/details.php?id=41203
 
 
الصور :
أيزنهاور أقصى اليمين مع ثلاثة أصدقاء غير معروفين في عام 1919م بعد أربع سنوات من التخرج من وست پوينت أيزنهاور وقادة الحلفاء أيزنهاور مع المظليين الأميريكيين عام 1944م أيزنهاور في المنتصف مع قادة الحلفاء ببرلين يوم 5 يونيو عام 1945م