الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الرجل الذي عدّل مسار علم الفلك

الرجل الذي عدّل مسار علم الفلك
عدد : 05-2019
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com

جاليليو دى فينتشنزو بونايوتي دي جاليلي والمعروف بإسم جاليليو جاليلي هو عالِم فلكي وفيلسوف وفيزيائي وعالم رياضيات إيطالي نشر نظرية عالم الفلك البولندى نيقولا كوبرنيكوس الذى ولد في الربع الأخير من القرن الخامس عشر الميلادى وتوفي في منتصف القرن السادس عشر الميلادى وكان أحد أعظم علماء عصره وكان هو أول من صاغ نظرية مركزية الشمس وكون الأرض جرما يدور في فلكها في كتابه حول دوران الأجرام السماوية وهو أيضا مطور نظرية دوران الأرض ويعتبر مؤسس علم الفلك الحديث الذي ينتمي لعصر النهضة الأوروبية وقد دافع عنها جاليليو بقوة على أسس فيزيائية كما قام جاليليو بإثبات خطأ نظرية أرسطو حول الحركة والتي تقول إن الأجسام الثقيلة تسقط بسرعة أكبر من الأجسام الاقل وزنا أي أن سرعة السقوط الحر تتناسب طرديا مع الكتلة وقام بذلك عن طريق الملاحظة والتجربة ومن ثم صاغ نظرية تقول بأنه عند سقوط أجسام من نفس المادة ومن نفس الإرتفاع فستكون سرعة سقوطهم واحدة وتشير الروايات بأنه قام بعمل تجربة عملية لكي يثبت بها هذه النظرية فقام بإسقاط جسمين مختلفين في الكتلة من قمة برج بيزا المائل لإثبات أن زمن السقوط الحر لا يعتمد على الكتلة وبالفعل فقد وصلا إلي الأرض في نفس الوقت وإستنتج من تلك التجربة أن الأجسام مهما كانت كتلتها فإنها تسقط بنفس التسارع هذا وكان لإكتشافات وإبتكارات جاليليو أثرها الكبير في مولد العلم الحديث أكثر من أي شخص آخر كما يقول عالم الفيزياء والفلك الإنجليزى الشهير ستيفن هوكنج كما سماه أيضا العالم الشهير البرت آينشتاين صاحب نظرية النسبية أبا العلم الحديث نظرا لإنجازاته العلمية من جهة ومن جهة أخرى أنه تمسك بإقتناعه العلمي ولم يحد عن هذا الإقتناع ووقف صامدا أمام الإتهامات الموجهة إليه ولم يأبه بمخاطر محاكمته أمام محكمة الفاتيكان كما سنرى في السطور القادمة بإذن الله وقد قادت إكتشافات جاليليو الفلكية وفحصه لنظرية كوبرنيكوس إلى تخليده كإنسان حيث إكتشف أربعة أقمار تتبع لكوكب المشتري وهم القمر إيو والقمر أوروبا والقمر جاناميد والقمر كاليستو وهذه الأربعة أقمار تسمي أقمار جاليليو كما تم تسمية بعض الأجهزة العلمية بإسمه مثل مركبة جاليليو الفضائية وهي أول قمر صناعي يدور حول المشتري كما يوجد نظام أقمار صناعية يسمي جاليليو للملاحة كما أن التحويل الرياضي بين أنظمة القصور الذاتي المختلفة في الميكانيكا التقليدية تسمى تحويلات جاليليو كما توجد وحدة Gal والتي تسمى بالكامل جاليليو لتعبر عن التسارع في علم الميكانيكا إلا أنها لا تنتمي إلى النظام الدولي للوحدات وقد أطلقت الأمم المتحدة عام 2009م العام العالمي للفلك حيث وافق ذلك العام مرور أربعة قرون على الإكتشاف الأول للتليسكوب الذى إخترعه لجاليليو .

ولد جاليليو جاليلي في يوم 15 فبراير عام 1564م بمدينة بيزا عاصمة المقاطعة التي تحمل نفس الإسم والتي تقع في إقليم توسكانا شمالي غرب إيطاليا علي مقربة من ساحل البحر الأبيض المتوسط والتي تشتهر بكاتدرائيتها الشهيرة ببرجها المائل وكان هو الطفل الأول لوالده الذي أنجب 6 أطفال وقد إنتقلت الأسرة بعد ذلك للإقامة والمعيشة في مدينة فلورنسا وكان حينذاك قد وصل إلي سن 8 سنوات وبدأ يتلقي تعليمه النظامي هناك وكان أبوه فينتشنزو جاليلي ماهرا في الرياضيات والموسيقى لكنه كان رقيق الحال لذلك إعتزم ألا يعمل إبنه في أي عمل من الأعمال التي لا تكسب صاحبها مالا أما أمه فكانت تسمي جوليا دي كوزيمو أماناتياليا وإتفق الأبوان علي إرسال جاليليو في عام 1583م إلي جامعة بيزا لدراسة الطب وهذه الجامعة كانت قد تاسست في يوم 3 سبتمبر عام 1343م بمرسوم من البابا كليمنت السادس وكانت بذلك الجامعة التاسعة عشرة عالميا في القِدم والجامعة العاشرة بين أقدم الجامعات في إيطاليا وتعد حاليا من الجامعات المرموقة داخل وخارج إيطاليا حيث يقع مركزها عادة بين المراكز الثلاثة الأولى محليا والمراكز الثلاثين الأولى في قارة أوروبا والمراكز الثلاثمائة الأولى في العالم وحاليا هي عضو برابطة الجامعات الأوروبية وبدأ جاليليو فيها دراسة علوم اللاهوت والقانون المدني والقانون الديني والطب وفي مطلع القرن الخامس عشر أدى غزو فلورنسا لمدينة بيزا إلى غلق الجامعة عام 1403م وفي عام 1473م عادت جامعة بيزا إلى نشاطها العلمي الطبيعي بفضل رعاية حاكم فلورنسا لورينزو دي ميديتشي والذى كان أديبا ومحبا للثقافة والفنون وفي جامعة بيزا ظهر نبوغ وحب جاليليو للعلم والمعرفة وهذا ما جعله متميزا في عدة علوم متنوعة فنجده قد وصل وهو ما يزال طالبا لتحقيق أول مكتشفاته عندما أثبت أنه لا علاقة بين حركات البندول وبين المسافة التي يقطعها في تأرجحه سواء طالت هذه المسافة أو قصرت وإهتم أيضا بعد ذلك بدراسة الهندسة إلى جانب الطب وبرع فيها حتى بدأ يلقي المحاضرات على الطلاب بعد ثلاث سنوات بعدما حصل علي إجازة تدريس الرياصيات في جامعة بيزا عام 1589م ولم يكن دخلَه من هذه الوظيفة كبيرا إلا أنه كان يقوم ببناء أجهزة وبيعها كما إخترع ترمومترا ولكنه لم يكن دقيقا كما قام بدراسة حركة البندول وإتضح له أن دورة البندول لا تعتمد على وزنه ولا على مقدار إزاحته عن موقع الإستقرار وإنما تعتمد على طوله وشغلته تلك المسألة طوال حياته حيث كان يفكر طويلا كيف يستغل تلك الحركة البندولية لإختراع ساعة تقيس الزمن ولقد كان جاليليو ممن إتبع الطرق التجريبية في البحوث العلمية وممن بحثوا في الحركة النسبية وقوانين سقوط الأجسام وحركة الجسم على المستوى المائل والحركة عند رمي شئ في زاوية مع الأفق وإستخدام البندول في قياس الزمن .

وكان من أهم ما قام به جاليليو جاليلي من أبحاث وتجارب أنه بدأ في دراسة حركة السقوط الحر من على برج بيزا المائل فقد كان في ذلك الوقت يظن العلماء طبقا لنظرية أرسطو حول حركة الأجسام أنه لو تم إلقاء جسمين مختلفي الوزن من إرتفاع ما فإن الجسم الأثقل وزنا يصل إلى الأرض قبل الآخر لكن جاليليو أثبت بالنظرية الرياضية خطأ هذا الإعتقاد وأجرى تجربة عملية في عام 1589م بأن إعتلى برج بيزا المائل وألقى بجسمين مختلفي الوزن فإصطدما بالأرض معا في نفس اللحظة كما ذكرنا في صدر هذا المقال ومن ثم أثبت خطأ نظرية أرسطو كما قام جاليليو بعمل تجارب لمعرفة سرعة إنزلاق كرات من مواد مختلفة وقد أوصلته تلك التجارب العملية ونتائجها والملاحظات التي تبدو له إلى تعيين سرعات تلك الكرات المنحدرة ببطء على منضدة وتوصل بالتالي إلى دراسة التسارع وتبين له أن التسارع والسرعة شيئان مختلفان وصاغ السرعة وعجلتها صياغة رياضية لأول مرة وقد قام جاليليو بتسجيل نتائج إختباراته في كتاب بخط يده يسمى De motu antiquiora الذي طبع بعد ذلك عام 1890م وكان فيه هجوماً حادا على أرسطو بعد أن أثبت خطأ نظريته عن الحركة الأمر الذي أزعج زملاءه المتحفظين في هيئة التدريس بجامعة بيزا مما أدى إلى إخلاء طرفه من الجامعة عام 1592م ومن ثم إشتدت حالته المالية سوءا وعلى الأخص أن والده توفي في نفس العام 1592م وإنتقل جاليليو بعد ذلك إلى مدينة بادوا شمالي إيطاليا والتي تزخر بالعديد من الشواهد التي تنم عن ماض ثقافي وفني عريق مما جعلها حاليا مقصدا للسياح من جميع أنحاء العالم كما أنها اليوم تعد مركزا إقتصاديا هاما وأحد أهم وأكبر مراكز تبادل النقل بما فيه النقل النهري على مستوى إيطاليا وقارة أوروبا بوجه عام وتعد حاليا أكبر محطة في شمال إيطاليا وكانت مدينة بادوا تتبع في ذلك الوقت جمهورية البندقية وهي الدولة التي ظلت قائمة لما يزيد عن الألف عام من أواخر القرن السابع الميلادى وحتي عام 1797م وكانت تضم معظم أنحاء شمال شرق إيطاليا وسواحل وجزر البحر الأدرياتيكي كما أنها توسعت حتى شرق البحر الأبيض المتوسط كانت عاصمتها هي مدينة فينيسيا أو البندقية وكانت هذه الجمهورية تعد القوة الإقتصادية والتجارية الأوروبية الرائدة خلال العصور الوسطى وعصر النهضة وبدأ جاليليو يلقي محاضراته في الهندسة والرياضيات والميكانيكا والفلك في جامعة بادوا وهي أيضا جامعة مرموقة تأسست عام 1222م وإستطاع أن يحشد خلفه الكثير من الأتباع الذين إقتنعوا بأفكاره وعلمه وأعماله ومكتشفاته وكان هذا سببا رئيسيا في ذلك الوقت في أنه إستطاع أن ينال نصيبه من الصيت والشهرة وفي هذه المدينة إخترع جاليليو أول ترمومتر هندسي وفي عام 1604م كشف جاليليو عن مهاراته مع التجارب والتطبيقات التكنولوجية العملية وعمل علي بناء التوازن الهيدروستاتيكي لقياس الأجسام الصغيرة وبدون شك جلبت هذه التطورات له دخل إضافي ومزيد من الشهرة وفي نفس العام أطلق جاليليو نظرياته عن الحركة والأجسام الساقطة وقام أيضا بتطوير قانون عالمي عن التسارع والذي يشمل كل شئ في الكون فبدأ جاليليو في التعبير عن دعمه علانية لنظرية نيقولا كوبرنيكوس وهي تنص علي أن الأرض والكواكب تدور حول الشمس فتحدى بهذا مذهب أرسطو والنظام العلمي القائم الذي وضعته الكنيسة الكاثوليكية وفي شهر يوليو عام 1609م وبينما جاليليو قد قارب سن الخمسين من عمره حدث تغير وتطور كبير في حياته العلمية والعملية حينما سمع أن أحد المخترعين الهولنديين قد إخترع آلة لتقريب الأجسام البعيدة لعين الناظر وتمكن من الحصول على أحد هذه الآلات وبعد محاولات عديدة من الفك وإعادة التركيب تمكن جاليليو من إستيعاب طريقة عمل هذه الآلات وبدأ في تطوير ما أطلق عليه التليسكوب وذلك بعد أن علم نفسه كيفية صقل العدسات الزجاجية وفي شهر أغسطس من نفس العام 1609م كان جاليليو يعرض أمام مجلس الحكم في جمهورية البندقية الإيطالية والتي تتبعها جامعة بادوا التي كان يدرس فيها تليسكوبا قادرا على التكبير ثمانية مرات وحظي هذا الإبتكار برضا وإعجاب أعضاء المجلس فمنحوا جاليليو تثبيتا مدى الحياة في وظيفته بالجامعة وضاعفوا راتبه الشهري فأصبح من أعلى رواتب العلماء في المدن الإيطالية وهكذا تفرغ جاليليو جاليلي أكثر وأكثر لشغفه الجديد بالتليسكوبات وقام أيضا بعض تجار مدينة البندقية بإعطاء جاليليو ثمنا لا بأس به لكي يقوم بتصنيع العديد من هذا التليسكوب فقد رأوا أنه إكتشاف هام وعظيم .

وبالرغم من كل ذلك فإن طموح جاليليو دفعه إلى أبعد من ذلك ففي خريف عام 1609م قرر تحويل منظاره نحو السماء وفي أواخر عام 1609م كان جاليليو قد تمكن من تطوير تليسكوبه وإستطاع أن يصنع تليسكوب تصل قوة تكبيره إلى 20 ضعفًا ووجهه في نهم إلى السماء محلقا بعينيه في رحابه البديعة الغامضة لتبدأ جولة مهمة من بصمات جاليليو في تاريخ العلم كانت من نصيب علم الفلك وفي البداية وفي شهر مارس عام 1610م أكدت مشاهدات جاليليو أن سطح القمر ملئ بالندوب والنتوءات والحفر وأنه ليس ناعما ا كما كان التصور القديم كذلك بواسطة تليسكوبه الجديد إكتشف أن السماء تحتوى قدرا هائلا من النجوم أكبر بكثير مما تراه العين المجردة على صفحة السماء القريبة كما تمكن من إكتشاف أربعة من أقمار كوكب المشتري وقام بتسميتها حينذاك نجوم ميديتشي وذلك تقديرا للدوق الأكبر لإقليم توسكانا الإيطالي والذي كان من عائلة ميديتشي العريقة في تاريخ السياسة الإيطالية في عصر النهضة كذلك عندما ألف جاليليو كتابه الذي ضمنه مشاهداته الفلكية وأسماه الرسول الفلكي فإنه أهداه إلى الدوق دي ميديتشي والذي رد له صاع الكرم صاعين فعينه مستشارا علميا في بلاطه براتب سخي ومن أهم الإكتشافات الفلكية لجاليليو في تلك الفترة أنه اثبت أن كوكب الزهرة يمر بأطوار تشبه أطوار القمر أثناء دورانه الشهري حول الأرض وهذا عزز ودعم كثيرا لديه قناعته بأن كوكب الزهرة يدور حول الشمس وأنه من الأرجح أنها هي مركز الدوران في الكون كما سبق إلى ذلك العالم البولندى نيقولا كوبرنيكوس قبل عشرات السنين وسرعان ما بدأ جاليليو في نشر مجموعة من الأدلة التي تدعم نظرية كوبرنيكوس وتتناقض تماما مع أرسطو والعقيدة الكنائسية وفي عام 1612م شكك في تفسير أرسطو في طفو الأجسام في المياه قائلا إنه لم يكن بسبب شكلها المسطح بل يرجع السبب الي وزن الجسم بالنسبة إلى الماء وبسبب تأييده لنظرية كوبرنيكوس تعرض جاليليو لهجوم كاسح من كنيسة روما التي تعتبر أن الأرض مركز الكون وأن الأجرام السماوية بما فيها الشمس تدور حولها وكانت تعتقد أن الفضاء يحوي 7 كواكب فقط مستشهدة بعدد أيام الأسبوع وعدد فتحات رأس الإنسان وكانت تعاقب كل من يعارض تلك الأفكار بالعقاب الشديد بدون رحمة وكان ذلك من أسس العقيدة التي لا يسمح بالمساس بها وفي الوقت نفسه أصر جاليليو علي رأيه وبدأ يجاهر بتأييد نظرية كوبرنيكوس في دروسه وفي خطاباته إلى أصدقائه ومنهم الدوقة كريستينا أم دوق توسكانا مما سبب الكثير من العواصف والزوابع العاتية التي تعرض لها وأرسل بعض خصومه إلى البابا في روما شاكين من هرطقة أو زندقة جاليليو بمعني إحداثه تغير في العقيدة أو منظومة المعتقدات المستقرة الخاصة بالكنيسة الكاثوليكية وقيامه بإدخال معتقدات جديدة عليها وإنكار أجزاء أساسية منها بما يجعلها بعد هذا التغير غير متوافقة مع المعتقد المبدئي الذي نشأت فيه هذه الهرطقة وكان الموضوع الأساسي لهذه الشكاوى هو أن بعض بيانات جاليليو تتعارض مع أفكار وتقارير الكتاب المقدس وذهب جاليليو إلى روما للدفاع عن نفسه بأنه يمكن تأويل آيات الإنجيل بما لا يتعارض مع المكتشفات العلمية الحديثة والنظريات الجديدة كنظرية كوبرنيكوس وتمكن بمهارته من الإفلات من العقاب لكنه إنصاع لأمر الكنيسة بعدم العودة إلى كتابة هذه الأفكار مرة أخرى وظل ملتزما بوعده إلى حين .

وبعد ذلك إستمر الجدل حتى إنتهى إلى أن تلقي جاليليو إنذارا عام 1616 م بالتوقف عن أي شكل من أشكال دعم نظرية كوبرنيكوس علنا وفي نفس الوقت إستمر وصف آراء جاليليو بالهرطقة ومن ثم إستدعاه البابا المعتدل بولس الخامس ونصحه بأن يكتفي بنسب أفكاره لكوبرنيكوس دون تأييد صحتها ووعده بعدم التعرض له فوافق جاليليو علي ذلك وبعدها سافر جاليليو إلى مدينة فلورنسا الإيطالية عام 1621م لحاكمها كوزيمو الذي أعجب بآرائه ونظرياته وهنا بدأ جاليليو يعلن عن أفكاره تحت مظلة الحرية والأمان وفي عام 1623م كان الكاردينال مافيو بربريني والبابا أوربان الثامن اصدقاء لجاليليو وسمحوا له بمتابعة عمله في علم الفلك وشجعوه على نشره بشرط أن يكون موضوعيا وليس مدعيا نظرية كوبرنيكوس وعلاوة علي كل ماسبق تفتح عقل جاليليو جاليلي على الفيزياء وكان من رأيه أن الطبيعة تجري طبقا لقوانين يمكن صياغتها رياضيا وكتب في كتابه المسمى ساجياتوري عام 1623م قائلا توجد الفلسفة في هذا الكتاب الكبير كتاب الكون وهو مفتوح لنا بإستمرار ولكن لا يمكننا فهم الكتاب إذا لم نعرف اللغة التي كتب بها ولم نحاول تعلم الحروف المستخدمة في كتابته إنه مكتوب بلغة الرياضيات ولغتها هي الدوائر والمثلثات وأشكال هندسية أخرى وبدونها فلا يستطيع الإنسان فهم حتى كلمة واحدة من الطبيعة والكون وبدونها يضل الإنسان في دهليز كبير مظلم ولكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن فقد توفي حاكم فلورنسا لتصبح الدولة تحت سيطرة الكنيسة فعاد لحذره مرة أخرى وبعد 10 سنوات وفي عام 1632م قام جاليليو بنشر كتابه الشهير حوار حول النظامين الرئيسيين في العالم المعروف بإسم المحاورة وكان مجرد نقاش مما إستثار غضب الكنيسة وإتخذت من هذا الكتاب سببا لكي توجه إتهاماتها لجاليليو وفي يوم 2 يونيو عام 1633م مثل جاليليو أمام محكمة التفتيش الرومانية وإتهم بالهرطقة وأجبر على الإعتراف وسط مخاوف بأن يصيبه ما أصاب الفلكي البولندى نيقولا كوبرنيكوس الذي أحرق حتى الموت وحكم على جاليليو في نهاية المطاف بالسجن ثم خفف الحكم عليه ليكون الإقامة الجبرية في منزله رأفة بصحته ولكن جاليليو لم ييأس قط فعلى الرغم من أنه كان لا يستقبل أي زائر أو تنشر أعماله المطبوعة خارج إيطاليا فقد تجاهل كل هذا وفي عام 1634م تم نشر الترجمة الفرنسية لدراسته عن القوى وآثارها كما عمل علي تلخيص أعماله وركز كثيرا علي علم الحركة وقوة المواد كما قام بإصدار كتاب بعنوان علمان جديدان وكتب فيه عن الكينماتيكا وفسر فيه الكثير من الحقائق عن علم حركة الغازات وصلابة المادة والذي حقق نجاحا كبيرا وبحلول عام 1638م كانت صحة جاليليو قد إزدادت سوءا وفقد بصره إلى أن توفي في يوم 8 يناير عام 1642م مكبوتا ومقهورا عن عمر يناهز 78 عاما وتم دفنه في مدينة فلورنسا .

أدت محاكمة جاليليو جاليلي أمام محكمة الفاتيكان إلى مناقشات طويلة عبر التاريخ وفي عام 1741م وبعد وفاته بحوالي 99 عاما صدر تصريح من البابا بنديكت الرابع عشر بطباعة كل كتب جاليليو وفي عام 1758م رفعت الكنيسة الحظر المفروض على معظم أعمال دعم نظرية كوبرنيكوس الخاصة بجاليليو وفي عهد البابا بيوس السابع عام 1822م أصدر تصريح بطباعة كتاب عن النظام الشمسي لكوبرنيكوس وأنه يمثل الواقع الطبيعي وبحلول عام 1835م تخلت الكنيسة عن معارضتها لمركزية الشمس الذي كان يتكلم عنها جاليليو تماما وبحلول القرن العشرين الماضي إعترف العديد من الباباوات بأعمال جاليليو العظيمة ففي عام 1939م قام البابا بيوس الثاني عشر بعد أشهر قليلة من رسامته لمنصب البابوية بوصف جاليليو بأنه أكثر أبطال البحوث شجاعة فهو لم يخش من العقبات والمخاطر ولا حتى من الموت وفي يوم 15 أكتوبر من العام نفسه قام الكاردينال راتزنجر والذي أصبح لاحقا البابا بندكتيوس السادس عشر في خطاب لجامعة لا سابينزا والتي تسمى أيضا جامعة روما وهي من أكبر جامعات قارة أوروبا وتعد أقدم جامعة في مدينة روما حيث تأسست عام 1303م وحاليا هي مصنفة كأول جامعة في إيطاليا وأيضا من بين أول 30 جامعة أوروبية ويوجد من بين خريجيها من حصل علي جائزة نوبل منهم إنريكو فيرمي وإميليو سيجري الحاصلان على جائزة نوبل في الفيزياء بوصف جاليليو بحالة عرضية سمحت لنا أن نرى مدى عمق الشك بالذات في علوم وتكنولوجيا العصر الحديث وفي يوم 31 أكتوبر عام 1992م قدمت الهيئة العلمية تقريرها إلى البابا يوحنا بولس الثاني الذي قام على أساسه بإلقاء خطبة وفيها قدم إعتذار من الفاتيكان على ما جري لجاليليو جاليلي أثناء محاكمته أمام الفاتيكان عام 1633م وحاول البابا إزالة سوء التفاهم المتبادل بين العلم والكنيسة وأعاد الفاتيكان في يوم 2 نوفمبر عام 1992م لجاليليو كرامته وبراءته رسميا وتقرر عمل تمثال له فيها وفي شهر مارس عام 2008م قام الفاتيكان بإتمام تصحيح أخطائه تجاه جاليليو بوضع تمثال له داخل جدران الفاتيكان وفي ديسمبر من العام نفسه أشاد البابا بندكتيوس السادس عشر بمساهماته في علم الفلك أثناء إحتفالات مرور 400 عام علي إختراع جاليليو لأول تليسكوب وفي شهر نوفمبر من العام نفسه 2008م تراجع الفاتيكان من جديد عن الحكم الذي كان قد صدر ضد جاليليو من محكمة البابا عام 1633م على الرغم من أن البابا أوربان الثامن كان لم يوقع على الحكم الصادر من محكمة التفتيش آنذاك ضد جاليليو حيث لم يكن البابا والكرادلة مؤيدين جميعا للحكم وأخيرا فقد كان لجاليليو العديد من الأقوال المأثورة نذكر منها :-
-- لقد عشقت النجوم لدرجة أنني لم أعد أخاف الليل . -- الرياضيات هي اللغة التي كتب الله الكون بها . – لا يمكنك تعليم الرجل كل شيء يمكنك أن تساعده فقط في العثور عليه بداخله . -- الحقائق سهلة الفهم في حال إكتشفناها والمهم هو إكتشافها بسرعة . -- عندما تخذلنا مشاعرنا وحواسنا فعلى عقولنا الإهتمام بالباقي لدفعنا إلى الأمام . -- لم ألق أبدا إنسانا جاهلا إلى حد أني لم أستطع أن أتعلم منه شيئا . -- أنا لم ألتق أي رجل جاهل بحيث لم يكن لديه شيء يعلمنيه . -- سلطة رجل واحد يعطي أسباب وجيهة وأدلة دامغة أفضل من إجماع أولئك الذين لا يفهمون شيئا . -- الرياضيات علم خطير لأنه يكشف عن المغالطات والأخطاء الحسابية في اللغة التي كتب الله بها الكون . -- لا أعتقد أن هناك ما يجبرني على تصديق أن الإله الذي حبانا بالعقل والتفكير يريدنا ألا نستعمله .
 
 
الصور :
محاكمة جاليليو بتهمة الكفر