الجمعة, 19 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تعرف على قائد معركة تأميم النفط الايرانى

تعرف على قائد معركة تأميم النفط الايرانى
عدد : 06-2019
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com


محمد مصدق رئيس وزراء إيراني سابق في عهد آخر شاه لإيران محمد رضا بهلوى والذى حكم إيران من عام 1941م وحتي أوائل عام 1979م حين أسقطته الثورة الإسلامية الإيرانية التي كان يتزعمها الزعيم الشيعي الإيراني آية الله الخميني والذى كان قد تولي عرش إيران خلفا لوالده رضا بهلوى مؤسس الدولة البهلوية والذى حكم إيران من عام 1925م وحتي عام 1941م ثم أجبرته بريطانيا والإتحاد السوفيتي علي التنازل عن العرش لإبنه بعد أن أبدى تعاطفه مع الألمان خلال الحرب العالمية الثانية مما أدى إلي غزو مشترك لبريطانيا والإتحاد السوفيتي لإيران وليتم عزله ونفيه إلي مدينة بومباى بالهند ثم إلي جزيرة موريشيوس بالمحيط الهندى ثم إلي جوهانسبرج بجنوب أفريقيا وكان مصدق قد إنتخب مرتين عام 1951م وعام 1953م إلا أن المخابرات الأميريكية السي آي ايه والبريطانية الإم 16 خلعتاه في عملية مشتركة سميت بعملية أجاكس.

وكان مصدق محاميا ومؤلفا وبرلمانيا بارزا قبل أن يصبح رئيسا لوزراء إيران في عام 1951م وكان قد بدأ حياته السياسية عام 1906م حينما أصبح نائبا ببرلمان إيران وخلال الفترة من عام 1920م وحتي عام 1923م تقلد عدة مناصب وزارية حيث أصبح وزيرا للعدل عام 1920م ثم وزيرا للمالية عام 1921م ثم وزيرا للخارجية عام 1923م وفي عام 1944م أسس حزب الجبهة الوطنية وأصبح رئيسا له وفي عام 1950م إختير رئيسا للوزراء وقد أدخلت إدارته إصلاحات إجتماعية وسياسية واسعة مثل الضمان الإجتماعي وتنظيم الإيجارات وإستصلاح الأراضي ولكن يبقى تأميم صناعة النفط الإيرانية هي النقطة الأبرز في سياسة حكومته حيث كان البريطانيون يسيطرون عليها منذ عام 1913م من خلال شركة النفط الأنجلو إيرانية والتي تأسست عام 1908م تحت إسم شركة النفط الأنجلو فارسية وذلك بعد إكتشاف كميات كبيرة من النفط في مدينة مسجد سليمان في إقليم خوزستان في جنوب غرب إيران والتي تم حفر أول بئر نفط بها في عام 1908م وكان في نفس الوقت أول بئر نفط في منطقة الشرق الأوسط ثم تغير إسم الشركة بعد ذلك ليصبح شركة النفط الأنجلو إيرانية عام 1935م ثم تغير مرة أخرى ليصبح إسمها بريتيش بتروليوم عام 1954م وكانت هذه الشركة هي أول شركة نفطية تعمل في الشرق الأوسط .

وقد تسببت قرارات مصدق بتأميم صناعة النفط في إيران في إزاحته عن منصبه في إنقلاب عليه تم في يوم 19 أغسطس عام 1953م بعد إجراء إستفتاء مزور لحل البرلمان حينما طلبت المخابرات البريطانية مساعدة السي آي إيه في تنفيذ الإنقلاب وتم حينذاك إختيار القائد العسكرى الإيراني الجنرال فضل الله زاهدي ليخلف مصدق وبذلك أسقطت الحكومة وسجن مصدق ثلاث سنوات ثم أطلق سراحه إلا أنه إستمر رهن الإقامة الجبرية بقرية أحمد أباد حتى وفاته عام 1967م .

ولد محمد مصدق في محلة سنكلج في العاصمة الإيرانية طهران يوم 16 يونيو عام 1882م وهو ينتمي إلى عائلة مرموقة من أصول بختيارية فوالده ميرزا هداية الله خان بختیاری وكان يعمل جابيا للضرائب وهو منصب يعادل منصب وزير المالية في وقتنا الحاضر في مقاطعة خراسان في عهد الأسرة القاجارية والتي كانت تحكم إيران حتي عام 1925م وقد شغل هذا المنصب لمدة 30 عاما وأمه هي شاهزادي مليكة تاج خانوم حفيدة الإصلاحي القاجارى الأمير عباس ميرزا الذى كان حاكما علي إقليم أذربيجان الذى كان يتبع بلاد فارس وكان وليا لعهد أبيه شاه قاجار فتح علي شاه والذى حكم إيران من عام 1797م وحتي عام 1834م.

وقد توفي والد محمد مصدق عام 1892م فتولى عمه منصب جابي الضرائب لمحافظة خراسان فإستحق لقب مصدق السلطاني من ناصر الدين شاه وقد حمل محمد مصدق نفس اللقب وإستمر معروفا به حتى بعد إلغاء الألقاب لفترة طويلة وفي عام 1901م تزوج مصدق من زهرة خانوم حفيدة ناصر الدين شاه من أمها وأنجب منها خمس أطفال ولدين هما أحمد وغلام حسين وثلاث بنات هن منصورة وضياء أشرف وخديجة وبدأ مصدق حياته السياسية مع الثورة الدستورية الفارسية والتي حدثت مابين عام 1905م وعام 1907م والتي أدت إلى إقامة البرلمان في فارس وكانت الحدث الأول من نوعه في قارة آسيا حيث فتحت الطريق لإحداث تغيير جذرى في بلاد فارس مبشرة بالعصر الحديث ولقد شهدت هذه الثورة فترة من الجدل غير المسبوق في الصحافة المزدهرة حينذاك وخلقت فرصا جديدة وفتحت أفاقًا لا حدود لها لمستقبل بلاد فارس وقد حاربت وناضلت جماعات عديدة مختلفة لتشكيل مسار الثورة هذه وأدى ذلك في نهاية المطاف إلي إحداث تغييرات في كل فصائل المجتمع بما فيها النظام القديم الذي كافح ناصر الدين شاه قاجار الذى كان يحكم إيران مابين عام 1848م وعام 1896م وتصور أنه سيبقي أبد الدهر ثم مات في النهاية ليتم إستبداله هو ونظامه بالمؤسسات الجديدة وبنظام إجتماعي وسياسي جديد ومن ثم إنشاء نظام ملكي دستوري في بلاد فارس نتيجة للثورة الدستورية بمرسوم صادر من مظفر الدين شاه الذى حكم إيران مابين عام 1913م وعام 1924م والذى خلفه إبنه محمد علي شاه لمدة قصيرة وإنتهى الأمر في نهاية المطاف في عام 1925م بحل أسرة قاجار وصعود الشاه رضا بهلوي على العرش وقد إنتخب محمد مصدق عام 1906م نائبا عن دائرة أصفهان في البرلمان الجديد الذي سمي مجلس إيران وهو في سن 24 عاما وشغل خلال تلك الفترة منصب نائب المرشد العام للجمعية الإنسانية بإدارة مستوفی‌ الممالك وفي عام 1909م سافر مصدق لإستكمال تعليمه في باريس حيث درس القانون في معهد الدراسات السياسية هناك وبعد أن إستمر في الدراسة لمدة عامين وفي عام 1911م عاد إلى إيران بسبب مرضه وبعد خمسة أشهر عاد لأوروپا مرة أخرى من أجل الحصول على شهادة الدكتوراة في القانون من جامعة نيوشاتيل في سويسرا وفي شهر يونيو عام 1913م حصل على شهادة الدكتوراة وبذلك أصبح أول إيراني يحصل على شهادة الدكتوراة في القانون من جامعة أوروپية وعاد مصدق إلي بلاده بعد ذلك وكان يقوم بإلقاء محاضرات في كلية العلوم السياسية في طهران عند بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914م قبل أن يبدأ حياته السياسية الفعلية من جديد .

وفي عام 1919م رحل مصدق إلى سويسرا إحتجاجا على المعاهدة الأنجلو فارسية التي كان أهم بنودها منح شركة النفط الأنجلو فارسية حق التنقيب عن البترول في إيران ومنح إيران قرض بمبلغ 2 مليون جنيه إسترليني وقيام إيران بتزويد الجيش البريطاني بإحتياحاته من المؤن والذخيرة إلا أنه عاد في العام التالي 1920م بعد إستلامه دعوة من رئيس وزراء إيران الجديد مشير الدولة حسن بیرنیا لكي يشغل منصب وزير العدل ومن الطريف أنه عند عودته إلى طهران سأله أهالي شيراز إن كان بإمكانه أن يصبح حاكما لمقاطعة فارس أم لا ثم عين وزيرا للمالية في حكومة السياسي الإيراني الملقب بالثعلب العجوز أحمد قوام عام 1921م فوزيرا للخارجية في حكومة مشير الدولة في شهر يونيو عام 1923م وفي نفس السنة صار حاكما لمقاطعة أذربيجان ثم أعيد إنتخابه في البرلمان مرة أخرى عام 1923م وفي عام 1925م إقترح أنصار رئيس الوزراء حينذاك رضا بهلوى بالبرلمان إصدار تشريع يحل به حكم سلالة قاجار وتعيين رضا بهلوى شاها جديدا إلا أن مصدق صوت ضد تلك الخطوة معتبرا أن هذا الفعل هو إنقلاب على دستور عام 1906م وألقى كلمة في البرلمان مشيدا بإنجازات رضا بهلوى كرجل دولة وشجعه على إحترام الدستور كي يستمر رئيسا للوزراء وليس شاها إلا أنه في يوم 12 ديسمبر عام 1925م خلع البرلمان الملك الشاب أحمد شاه قاجار ثم أعلن رضا بهلوى عاهلا جديدا لبلاد فارس فكان أول ملوك الأسرة البهلوية وكان يتمتع بدعم قوي وسط قيادات الجيش الشئ الذي مكنه من أن يقوم بعملية إصلاحات على الطريقة الكمالية نسبة إلي الزعيم التركي مصطفي كمال أتاتورك رغم المعارضة الشعبية له وقد تميز حكمه بالديكتاتورية ودخل في سلسلة صراعات المرجعيات الدينية الشيعية خصوصاً عندما أصدر توجيهات مناهضة لوجود الحجاب في المجال العام مما تسبب في غضب ديني وشعبي ووصل الأمر به إلى إطلاق النار على مظاهرة سلمية مناهضة لفرض الزي الغربي في مدينة مشهد بشمال إيران ومن جانب آخر فقد قام رضا بهلوى بمشروعات تحديثية عديدة منها ما تعلق بالطرق ووسائل النقل ومنها ما تعلق بالتعليم كتأسيسه لجامعة طهران وإبتعاثه الطلاب الإيرانيين لدراسة العلوم في جامعات أوروبا وفي عام 1934م قام بإستبدال إسم البلاد القديم فارس بإيران أي بلاد الآريين بعد أن قام بضم كل الأقاليم التي كانت تتمتع بالإستقلال أو بحكم ذاتي مثل عربستان وبلوشستان ولرستان إلى الدولة الإيرانية الجديدة وفي عام 1941م أجبره البريطانيون على التنحي عن العرش لإبنه محمد رضا بهلوي نتيجة تعاطفه مع الألمان خلال الحرب العالمية الثانية كما ذكرنا في السطور السابقة وتم تنصيبه شاه جديد علي عرش البلاد .

وفي عام 1944م أعيد إنتخاب محمد مصدق مرة أخرى لعضوية البرلمان وفي هذه المرة تسلم قيادة الجبهة الوطنية والتي تسمي جبهة ملي إيران وهي منظمة أسسها مع تسعة عشر عضوا آخرين منهم حسين فاطمي وأحمد زراكزاده وعلي شاكان وكريم سنجابي وكانت تهدف إلى إرساء الديموقراطية وانهاء الوجود الأجنبي في السياسة الإيرانية وتخصيص النفط الإيراني المتمثل في شركة النفط الأنجلو إيرانية التي كانت تستخرجه من منطقة الخليج العربي وتقوم بتصديره إلي بريطانيا وهو الهدف الذى أصبح هدفا مهما وشعبيا وحلما كبيرا لشريحة واسعة من الشعب الإيراني لعدة أسباب مثل ظهور وعي متزايد في كيفية نيل إيران القليل من نفطها بالإضافة إلي أن الشركة كانت ترفض تقديم 50٪ أرباح للصفقات المتبادلة مع إيران كما كانت تفعل شركة أرامكو في المملكة العربية السعودية وأيضا زاد الغضب علي البريطانيين وعلي كل ما هو بريطاني نتيجة هزيمة إيران أمام قوات الحلفاء وإحتلالهم لها وخلعهم للشاه رضا بهلوى عام 1941م وفي شهر يونيو عام 1950م نال الجنرال حاجی علی رزمارا الذي إختاره الشاه رئيسا للوزراء موافقة البرلمان وفي يوم 3 مارس عام 1951م مثل أمام البرلمان في محاولة لإقناع النواب ضد التأميم الكامل على أساس أن إيران لا يمكن أن تتجاوز إلتزاماتها الدولية وقلة قدرتها على تشغيل صناعة النفط من تلقاء نفسها إلا أنه إغتيل بعدها بأربعة أيام أثناء صلاته في المسجد وتم توجيه تهمة القتل إلي شخص يسمي خليل طهماسبی كان عضوا بجماعة فدائیان إسلام المتشددة والمناوئة لحكم الشاه والتي كانت تدعو لنبذ الطائفية بين المسلمين كما كانت تدعو إلى العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد وكانت قد تأسست علي يد رجل الدين الشيعي السيد مجتبي نواب صفوى في عام 1956م وجدير بالذكر أنه كانت هناك تقارير تفيد بأنه قد تكهن العديد من أعضاء سفارة الولايات المتحدة مبكرا بأن رزمارا قد يتعرض لإغتيال أو ينخرط في صراع على السلطة مع الشاه كما ظهرت أدلة تشير إلى أن الرصاصة القاتلة لم تنطلق من مسدس طهماسبي ولكنها إنطلقت من أحد مسدسات جنود الشاه أو أحد أفراد حاشيته والذى كان موجودا في مكان يمكنه من قتل رئيس الوزراء وقد ذكر عقيد إيراني متقاعد في مذكراته بعد ذلك بسنوات أن الرصاصة القاتلة أتت من مسدس كولت وهذا النوع من المسدسات يوجد لدى الجنود فقط وقد إختير رقيب بالجيش لتلك الفعلة مرتديا الزي المدني وتم تكليفه بأن يقتل رزمارا بسلاح الكولت في اللحظة التي يبدأ طهماسبي في إطلاق النار وقد شكك الطب الشرعي الذي فحص أثر الإصابة في رزمارا في أنه قتل برصاصة بندقية ضعيفة بل من مسدس كولت وقد أيدت عدة دراسات هذا التقرير إلا أنها لا تزال نقطة خلافية عند الكثير من المؤرخين .

وبعد فشل مفاوضات لرفع سقف الحقوق النفطية التي تمت في يومي 15 و 20 مارس عام 1951م صوت كل من مجلس الشورى الوطني ومجلس شيوخ الإمبراطورية الإيرانية بتأميم شركة النفط المملوكة لبريطانيا مما يمكنهم من السيطرة على صناعة النفط الإيراني وعلاوة علي ذلك فقد كان حزب توده الإيراني قوة ضغط أخرى لمشروع التأميم وهو حزب أسسته جماعة من السياسيين في إيران في عام 1941م عقب عزل الشاه رضا بهلوي وقد أقام الحزب بمساعدة الإتحاد السوفيتي جمهورية مستقلة في أذربيجان التي كانت تابعة لإيران في عام 1945م وإستطاعت الحكومة الإيرانية أن تقضي على هذه الجمهورية بعد عام واحد فقط أى في عام 1946م وإستمر الحزب يعمل بعد ذلك سرا رغم حظر نشاطه قانونيا وفي أوائل شهر أبريل عام 1951م نظم الحزب إضرابات وأعمال شغب في أنحاء البلاد إحتجاجا على التأخير في إتخاذ قرار تأميم صناعة النفط بالإضافة إلى الشكوى من إنخفاض الأجور وسوء ظروف السكن لعمال النفط وكان لهذه الأحداث إضافة إلى الفرحة العامة نتيجة إغتيال رزمارا تأثير كبير على نواب البرلمان الذى إنتخب في يوم 28 أبريل عام 1951م محمد مصدق رئيساً للوزراء بأغلبية 79 صوتا مقابل 12 فقط بعد أن عينه الشاه الشاب لهذا المنصب بعد إرتفاع شعبيته وقوته السياسية وفور إستلام مصدق لمنصبه نفذ بالإشتراك مع إدارته الجديدة مجموعة واسعة من الإصلاحات الإجتماعية فقد بدأ في توزيع بدلات بطالة وأمر أصحاب المصانع بدفع مساعدات للعمال المرضى والمصابين وإلغاء نظام السخرة في المزارع ووضع 20% من أموال إيجارات الأراضي لتمويل مشروعات التنمية مثل بناء حمامات عامة وإسكان الريف ومكافحة الأمراض وفي يوم 1 مايو عام 1951م أي بعد يومين من إستلامه السلطة قام مصدق بتأميم النفط الإيراني وألغى الامتياز الممنوح لشركة النفط البريطانية الإيرانية الذي كان ينتهي عام 1993م وقام بمصادرة أصولها وفي الشهر التالي ذهبت لجنة من خمس أعضاء من البرلمان إلى إقليم خوزستان الذى تتركز فيه حقول النفط والذى يقع جنوب غرب إيران ويطل علي الخليج العربي وذلك بهدف فرض وتثبيت عملية التأميم وجعلها أمرا واقعا وحاول مصدق تبرير سياسة التأميم بزعمه بأن حكومته كانت المالك الشرعي لكل النفط في إيران وأشار أيضا إلى أن إيران قد تستخدم عائدات النفط في مشاريع التنمية في البلاد وفي خطاب ألقاه في يوم 21 يونيو عام 1951م أشار إلي أن إيرادات النفط يمكن أن تفي بميزانية البلاد بالكامل ومن ثم فمن الممكن للحكومة أن تحارب الفقر والجهل والمرض والتخلف في البلاد وأن من الإعتبارات الهامة الأخرى أنه من خلال القضاء على سلطة الشركة البريطانية سيتم أيضا القضاء علي الفساد والمكائد والتي من خلالها تأثرت بالسلب المرافق والأحوال والشؤون الداخلية للبلاد ومن ثم تستطيع إيران تحقيق إستقلالها الإقتصادي والسياسي .

وكنتيجة لقرار تأميم النفط الذى أصدره مصدق تصاعدت حدة المواجهة بين إيران وبريطانيا بعد رفض حكومة مصدق السماح للبريطانيين بأي تدخل في صناعة النفط الإيرانية وكانت بريطانيا متأكدة من أن إيران في الغالب لن تستطيع أن تبيع نفطها وفي شهر يوليو عام 1951م قطع مصدق مفاوضاته مع شركة النفط البريطانية بعد أن هددت بسحب موظفيها وقالت لأصحاب ناقلات النفط إن فواتير الحكومة الإيرانية لن تكون مقبولة في السوق العالمية وبعدها بشهرين أجلت الشركة جميع فنييها وأغلقت منشآتها النفطية فواجهت إدارة التأميم إفتقار العديد من المصافي إلى فنيين مدربين وذلك في الوقت الذى كانت فيه حاجة ماسة لمواصلة الإنتاج فأعلنت الحكومة البريطانية حصارا بحكم الواقع وعززت قوتها البحرية في الخليج العربي ثم لجأت إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي متهمة محمد مصدق بأنه إنتهك حقوقها النفطية وطار مصدق إلي مقر منظمة الأمم المتحدة بجنيف بسويسرا في منتصف شهر نوفمبر عام 1951م وهناك وقف يدافع عن نفسه وعن بلاده مؤكدا أن النفط نفط إيران وأن بريطانيا دولة إمبريالية تسرق إحتياجات الإيرانيين المحتاجين ومن ثم فشلت مساعي إنجلترا بالحصول على حكم ضد مصدق وعاد مصدق إلى بلاده مارا في طريق عودته بالقاهرة فوصلها يوم 19 نوفمبر عام 1951م وإستقبله مصطفى النحاس باشا رئيس حزب الوفد ورئيس الوزراء المصري آنذاك بالزينات وأقواس النصر ورحبت به الجماهير المصرية ترحيباً حارا على طول الطريق الممتد من المطار إلى فندق شبرد القديم بشارع إبراهيم باشا سابقا الجمهورية حاليا في وسط العاصمة حيث أقام مدة زيارته للقاهرة ولم تستسلم بريطانيا حيث قامت الحكومة البريطانية بالتهديد بإتخاذ إجراءات قانونية ضد من يقوم بشراء النفط المنتج في المصافي التي تسيطر عليها بريطانيا سابقا وبالفعل إستطاعت أن تتفق مع شركات النفط العالمية علي مقاطعة إيران عمليا ومن ثم فقد إنخفض إنتاج قطاع النفط الإيراني إنخفاضا حادا حيث إنخفض إنتاج النفط الذى كان قد بلغ 241.4 مليون برميل عام 1950م إلى 10.6 مليون برميل في عام 1952م كما قلصت أزمة عبادان إيرادات النفط الإيراني إلى الصفر تقريبا وذلك عندما رفضت سلطات الموانئ العراقية تحت الضغط القيام باعمال دلالة ناقلات النفط اليابانية والإيطالية المتجهة إلى عبادان لشحن كميات من النفط المؤمم مما دعم الموقف البريطاني وشكل ضغطا شديدا على تنفيذ مصدق لإصلاحاته الداخلية الموعودة داخل بلاده وفي نفس الوقت ضاعفت شركة النفط البريطانية وشركة أرامكو الأميريكية إنتاجهما من النفط في المملكة العربية السعودية ودولتي الكويت والعراق لتعويض نقص الإنتاج الإيراني وعلي الرغم من ذلك لم تنخفض شعبية مصدق الجارفة ففي أواخر عام 1951م دعا مصدق إلى الإنتخابات وكانت قاعدته من الدعم تكمن في المدن وليس في الأقاليم وتلك الحقيقة إنعكست في رفض الكتلة المحافظة مشروع قانون مصدق للإصلاح الانتخابي الذي لن يمنع الأميين من المشاركة الإنتخابية وعن هذه الإنتخابات التي دعا إليها مصدق يقول ستيفن كينزر إنه في بداية أوائل الخمسينيات من القرن العشرين الماضي وبتوجيه من وودهاوس مدير المخابرات البريطانية في محطة طهران رصدت شبكة العمليات السرية البريطانية حوالي 10 آلاف جنيه إسترليني شهريا للإخوة راشديان وهما إثنان من أشد الملكيين الإيرانين نفوذا في الشارع الإيراني على أمل شرائهما وأيضا لقادة بالقوات المسلحة ولأعضاء بالبرلمان الإيراني والزعماء الدينيين وبعض الصحفيين وعصابات الشوارع والسياسيين والشخصيات المؤثرة الأخرى المعارضة لمصدق وسياساته وذلك حسب تقديرات الإستخبارات الأميريكية وبالتالي فقد أصدر مصدق بيانا ذكر فيه إن هناك تلاعبا إنتخابيا يديره عملاء أجانب وعليه فقد قام بتعليق الإنتخابات ولم يعترض أحد على هذا البيان ومن ثم فقد تأجلت الإنتخابات إلى أجل غير مسمى وسرعان ما بدأ التوتر في البرلمان بالتصاعد حيث رفضت المعارضة المحافظة منح صلاحيات خاصة لمصدق في التعامل مع الأزمة الإقتصادية الناجمة عن إنخفاض الإيرادات الحاد والشكاوي الإقليمية المسموعة ضد العاصمة طهران في حين شنت الجبهة الوطنية حرب دعائية ضد الطبقة العليا المالكة للأراضي الزراعية .

وبتاريخ 16 يوليو عام 1952م وأثناء الموافقة الملكية على وزارة مصدق أصر هذا الأخير علي منح رئيس الوزراء حقه الدستوري في تسمية وزير الحربية ورئيس الأركان وهو أمر كان الشاه يستخدمه حتى ذلك الوقت فرفض الشاه ذلك مما دفع مصدق للإستقالة وتوجه إلى الشعب قائلا إن الصراع الذي بدأه الشعب الإيراني لم يمكن تتويجه بالنصر وتم تعيين السياسي المخضرم أحمد قوام لمنصب رئيس الوزراء والذى أعلن في يوم تعيينه عزمه على إستئناف المفاوضات مع البريطانيين لإنهاء النزاع النفطي على عكس سياسة مصدق فردت عليه الجبهة الوطنية مع مختلف الجماعات والأحزاب الوطنية والإسلامية والإشنراكية بما فيها حزب توده بمظاهرات حاشدة وإحتجاجات وإضرابات مؤيدة لمصدق وكانت الإحتجاجات الكبرى قد تركزت في مدن إيران الرئيسية وعلي رأسها العاصمة طهران ومدن همدان والأهواز وأصفهان وكرمنشاه وتم إغلاق سوق البازار في طهران وقتل جراء تلك المظاهرات أكثر من 250 شخص وتعرض الكثيرون لإصابات خطيرة وبعد خمسة أيام من المظاهرات الحاشدة أمر القادة العسكريون جنودهم أن يعودوا إلى ثكناتهم خشية من تغيير ولائهم وخوفا من سقوط طهران في أيدي المحتجين مما أجبر الشاه أن يعزل قوام ويعيد تعيين مصدق مع منحه كامل الصلاحيات التي طلبها بالسيطرة علي الجيش وهو ما كان قد طالب به مسبقا ومن جانب آخر إضطر البرلمان إلى منح مصدق السلطات التي يتيحها له قانون الطوارئ وذلك بعد بروز شعبيته الجارفة في الشارع حيث إقتنع البرلمان إلى حاجته إلى مراسيم بقوانين للحصول ليس إلى ملاءة مالية فقط ولكن إلى إصلاح برلماني وتعديل قوانين الإنتخابات والقضاء والتعليم فعين مصدق المرجع الشيعي والسياسي آية الله أبوالقاسم الكاشاني رئيسا لمجلس النواب دعما لقوته وأثبت علماء كاشاني المسلمين وحزب توده أنهما أهم حلفاء مصدق السياسيين على الرغم من علاقاتهما المتوترة مع بعضهما البعض وحاول مصدق بسلطة قانون الطوارئ الممنوحة له من تعزيز مؤسسات الدولة السياسية عن طريق تقليص صلاحيات الأسرة المالكة فقطع ميزانية الشاه الشخصية ومنعه من التواصل المباشر مع الدبلوماسيين الأجانب وتم نفي شقيقة الشاه التوأم الأميرة أشرف بهلوى إلى فرنسا بسبب نشاطها السياسي وتدخلها فى السياسة ودعمها للمعارضين لحكومته ونقل إلى الدولة الأراضي التي كانت تمتلكها العائلة المالكة .

وفي شهر يناير عام 1953م نجح مصدق في الضغط على البرلمان وإستطاع ان يحصل علي موافقته من أجل تمديد قانون الطوارئ لمدة 12 شهرا أخرى ومن ثم تمكن من إصدار مرسوم قانون الإصلاح الزراعي الذي أنشأ المجالس القروية وأقر زيادة حصة الفلاحين من الإنتاج مما أضعف قوة الطبقة الأرستقراطية في البلاد حيث أنه بهذا القانون ألغى نظام الزراعة الإقطاعية السارية في إيران منذ قرون وإستعاض بها نظام الزراعة الجماعية وملكية الأراضي الحكومية وكانت هذه الإصلاحات وسيلة للتحقق من قوة حزب توده ومع ذلك فقد إزداد الوضع الداخلي والإقتصادي سوءا حيث إنهارت العملة الإيرانية وإنتشرت البطالة وبدأ الإيرانيون يزدادون فقرا وتعاسة يوما بعد يوم بسبب المقاطعة البريطانية وبدأ مع الوقت إئتلاف مصدق السياسي بالتفكك وإزداد خصومه وإنسحب عدد من حلفائه وذلك بسبب جهود بعض الإيرانيين الذين كانوا عملاء بريطانيون وإنقلبوا ضده وكان من بينهم مظفر بقائي رئيس حزب العمال الكادحين وحسين مكي الذي ساعد في الإستيلاء على مصفاة عبادان عندما تم تأميم النفط الإيراني وإعتبر في وقت ما أنه وريث مصدق وخليفته المنتظر ولكن الطامة الكبرى كانت في فتوى مجموعة من رجال الدين الإيرانيين بأن مصدق معاد للإسلام والشريعة بسبب تحالفه مع كتل اليسار والليبراليين فإنسحب رئيس البرلمان آية الله أبو القاسم الكاشاني من التحالف مع مصدق وكان كاشاني قد رشح نفسه مرة أخرى في ذلك الوقت رئيسا للمجلس النيابي وإتهم كتلة مصدق بأنها تقف ضد توليه المنصب في حين إتهمه أنصار مصدق بتهمة بيع القضية الوطنية لمصلحة الشاه وبعد ذلك ومع نجاح مؤامرة الإنقلاب علي مصدق الذى سنتناوله في السطور القادمة بإذن الله كان محمود ابن آية الله أبي القاسم الكاشاني ثاني الخطباء في الراديو الإيراني لتأييد ومباركة هذا الإنقلاب وفي هذه الفترة إزداد تعثر الحكومة البريطانية أمام سياسات مصدق المتصلبة خاصة بعد مرارة فقدان سيطرتها على صناعة النفط الإيرانية وفشل محاولاتها المتكررة للتوصل إلى تسوية معه وفي شهر أكتوبر عام 1952م أعلن مصدق أن بريطانيا هي عدو لإيران وقطع جميع العلاقات الدبلوماسية معها وكانت بريطانيا في ذلك الوقت منغمسة في مشاكل عديدة بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية ولم تكن قادرة على حل تلك القضية بمفردها فإتجهت نحو الولايات المتحدة لمساعدتها ولم تكن الولايات المتحدة الأميريكية في ذلك الوقت متوافقة مع سياسات بريطانيا وحاول البريطانيون عبرعدة وساطات إقناع الأمريكان بالوقوف إلي جانبهم إلا أن وزير الخارجية الأميريكي حينذاك دين أتشيسون كان مقتنعا بأن سياسة الحكم أو الخراب البريطانية كانت مدمرة ومحتومة النتائج في إيران إلا أن الموقف الأميريكي تبدل في أواخر عام 1952م بعد إنتهاء فترة ولاية الرئيس الأميريكي هارى ترومان وإنتخاب دوايت أيزنهاور رئيسا لأمريكا ففي شهري نوفمبر وديسمبر عام 1952م إقترح مسؤولون في المخابرات البريطانية على المخابرات الأميريكية خلع مصدق ثم أشار رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل لإدارة دوايت أيزنهاور الجديدة أن مصدق مع أنه شديد الإشمئزاز من الإشتراكية إلا أنه إعتمد إلي حد كبير على حزب توده الموالي للسوفييت وأن المد الشيوعي في إيران قد يؤدي إلي أن تتجه إيران بسرعة نحو فلك الشيوعية والسوفييت في وقت تزداد فيه مخاوف الحرب الباردة لذا فبعد دخول إدارة أيزنهاور البيت الأبيض الأميريكي بداية من يوم 20 يناير عام 1953م إتفقت مع المملكة المتحدة على العمل سويا لإزاحة مصدق ووجهتا إليه علنا إتهاما بأن سياسته تضر ببلاده إلا أنه في ذات الوقت بدأ التحالف الهش بين مصدق وكاشاني بالإنهيار في شهر يناير عام 1953م عندما عارض كاشاني طلب مصدق بتمديد صلاحياته الإضافية سنة أخرى .

وفي شهر مارس عام 1953م بدأ وزير الخارجية الأمريكي الجديد جون فوستر دالاس بتوجيه الأوامر لوكالة الإستخبارات المركزية التي كان يرأسها حينذاك شقيقه الأصغر آلان دالاس بالتخطيط للإطاحة بمصدق وفي يوم 4 أبريل عام 1953م صادق آلان دالاس على إعتماد مليون دولار لإستخدامها في إسقاط مصدق بأي شكل من الأشكال فبدأ مكتب السي آي ايه في طهران بإطلاق حملة دعائية ضد مصدق ثم ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في أوائل شهر يونيو عام 1953م أن مسؤولي الإستخبارات الأميريكية والبريطانية إجتمعوا في بيروت من أجل وضع اللمسات الأخيرة لخطة إسقاط مصدق وبعدها بفترة قصيرة ذكرت تقارير نشرت لاحقا أن رئيس الإستخبارات المركزية فرع الشرق الأدنى وأفريقيا كيرميت روزفلت حفيد الرئيس تيودور روزفلت قد وصل إلي طهران لإدارة الخطة وقد نشرت نيويورك تايمز عام 2000م بعض الأجزاء من وثيقة سربت لوكالة المخابرات المركزية معنونة بإسم سجل الدائرة السري الإطاحة بمصدق رئيس وزراء إيران شهر نوفمبر عام 1952م إلى شهر أغسطس عام 1953م وقد تركزت تلك المؤامرة والمعروفة بإسم عملية أجاكس وهو الإسم السرى الذى أطلقته المخابرات المركزية الأميريكية بالإضافة إلى دونالد ويلبر مهندس وكالة المخابرات المركزية علي مخطط عملية الإطاحة بمصدق في إقناع الشاه كي يصدر مرسوم بإقالة مصدق كما حاول ذلك قبل بضعة أشهر ولكن الشاه كان مرعوبا في السعي لمثل هذه الخطوة الخطيرة التي لا تحظى بشعبية ومشكوك فيها قانونا وقد تستغرق الكثير من الوقت لإقناع أصحاب النفوذ وتحتاج إلى إجتماعات كثيرة وتحركات كبيرة تمولها الولايات المتحدة والتي كان من ضمنها رشوة شقيقته التوأم أشرف بهلوى ببعض المال ومعطف من فرو المنك كي يتمكنوا من التأثير علي الشاه وتغيير رأيه وقد وقع الإنقلاب على مصدق يوم 19 أغسطس عام 1953م حيث كان قد إحتدم الصراع بين الشاه ومصدق بداية من أوائل شهر أغسطس عام 1953م فتدهور الوضع السياسي تدهورا لم يعرف من قبل وأخيرا وافق الشاه في النهاية على الإطاحة بمصدق وقام بإصدار قرار إقالته بعد أن قال كيرميت روزفلت له بكل صراحة إن الولايات المتحدة ستمضي قدما في تنفيذ مخطط الإطاحة بمصدق سواء وافق أم لم يوافق وقد رفض مصدق قرار إقالته رسميا في مرسوم مكتوب وإلتجأ الشاه إلى بغداد يوم 16 أغسطس عام 1953م وبصحبته زوجته الملكة ثريا ومرافقه الخاص بطائرته الخاصة وإستقبل بحفاوة بالغة بالرغم من إستنكار حكومة مصدق ثم توجه بعدها إلى إيطاليا وقبل أن يغادر طهران وقع قرارين الأول بعزل مصدق والثاني بتعيين الجنرال فضل الله زاهدي محله .

وعند هذه النقطة بدأت عجلة مخطط الإطاحة بمصدق في الدوران السريع حيث قام كيرميت روزڤلت ضابط الإستخبارات الأميريكي والقائد الفعلي للإنقلاب بتنظيم إخراج تظاهرات معادية لمصدق والإعلان عنها في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية وبعد إحتجاجات واسعة النطاق تم تدبيرها من قبل فريق روزفلت وإطلاق الهتافات الرخيصة التي تحط من هيبة مصدق وحدوث إشتباكات شابتها أحداث عنف وشغب في الشوارع حيث تم نهب وحرق العديد من المساجد والصحف مما أدى إلي سقوط حوالي 300 قتيل كما تم البدء في إطلاق القيادات الموالية لنظام الشاه من قبل فريق وكالة الإستخبارات المركزية والتي شملت بخلاف قائد الجيش فضل الله زاهدي وشخصيات أخرى مثل الإخوة راشدين وشعبان جعفري والذى كان أحد أشهر رجال الفتوة في طهران كما كان أيضا أحد الممارسين لرياضة الزورخانة التقليدية في إيران وهي رياضة شبيهة برياضة المصارعة وعلاوة علي ذلك فقد كان من المؤيدين لنظام الشاه وكان يتلقى الدعم المادي من وكالة الإستخبارات الأميريكية ووكالة الإستخبارات البريطانية نظير ذلك وبعد إندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979م إنتقل شعبان إلى الولايات المتحدة للعيش فيها لأنه كان من بين المطلوبين من قبل الحكومة الثورية الجديدة لكونه أحد مؤيدى ومساعدي نظام الشاه وفي يوم 19 أغسطس عام 1953م وكمحاولة لكسب اليد العليا إنضم الجيش بأكمله للأحداث وإنتشرت الدبابات بالعاصمة طهران وتم قصف مقر الإقامة الرسمي لرئيس مجلس الوزراء ووفقا لكتابات كيرميت روزفلت تمكن مصدق من الفرار من الغوغائيين الذين هاجموا منزله ونهبوه وفي اليوم التالي سلم نفسه للجنرال زاهدي الذي كان قد إتخذ مع وكالة الإستخبارات المركزية مقرا لقيادة المؤامرة علي مصدق بنادي الضباط وبعد إعتقال مصدق نقل إلى سجن عسكري كما تم إصدار حكم بالإعدام علي وزير الشئون الخارجية ونائب مصدق حسين فاطمي بأمر من محكمة عسكرية شكلت من قبل الشاه وتم تنفيذ هذا الحكم رميا بالرصاص بالفعل في يوم 29 أكتوبر عام 1953م وبعد إعتقال مصدق ونجاح مخطط الإطاحة به وفي يوم 22 أغسطس عام 1953م عاد الشاه من روما وسرعان ما وصلت حكومة فضل الله زاهدي الجديدة إلى إتفاق مع شركات نفط أجنبية لتشكيل كونسورتيوم وإستعادة تدفق النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية بكميات كبيرة وإعطاء الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى حصة الأسد من النفط الإيراني وفي المقابل فإن الولايات المتحدة قد قامت من يومها بتمويل مؤسسات عديدة في إيران لضمان خضوعها لسياستها وتدعيما للنفوذ الأميريكي في منطقة تقع علي مقربة من الإتحاد السوفيتي في مرحلة الحرب الباردة وكان من أهم تلك المؤسسات الجيش وقوات الشرطة السرية المعروفة بإسم السافاك والتي تم إنشاؤها عام 1957م بمساعدة ودعم وكالة الإستخبارات المركزية الأميريكية وكانت مهمة هذا الجهاز هو قمع المعارضين لشاه إيران ووضعهم تحت المراقبة وإستخدم في ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة حيث كان هذا الجهاز يمارس كافة أنواع التعذيب والتجويع داخل السجون بالإضافة إلى التصفية الجسدية لقادة المعارضة وقد تم حل هذا الجهاز فيما بعد في شهر فبراير عام 1979م بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران وقد ظل أمر هذا التمويل مستمرا حتى الإطاحة بالشاه بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979م هذا وبعد نجاح الإنقلاب حوكم العديد من حلفاء ومؤيدي مصدق السابقين وتم سجنهم وتعذيبهم كما حكم على بعضهم بالإعدام .

وفي يوم 21 سبتمبر عام 1953م حوكم مصدق أمام محكمة صورية هزلية إستفاض بعدها محاميه جليل بزركمهر في كشف أنها لم تكن تتمتع بالحد الأدنى من شروط الحيادية وتم الحكم علي مصدق بالإعدام ثم خفف الحكم لاحقاً بعد طلب من النيابة العامة إلى سجن إنفرادي لمدة ثلاث سنوات وقال مصدق ردا علي هذه الأحكام إن حكم هذه المحكمة قد زاد أمجاد بلدي التاريخية وأنا ممتن للغاية لإدانتها لي وستعرف الليلة الأمة الإيرانية معنى الدستورية وقد ظل تحت الإقامة الجبرية في مقر إقامته في مدينة أحمد آباد شمالي إيران حتى وفاته في يوم 5 مارس عام 1967م عن عمر يناهز 85 عاما .

وفي النهاية لا يفوتنا أن نذكر أن الإنقلاب الذى تم تنفيذه علي مصدق تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية الأميريكية ظل راسخا في أذهان القوى الثورية الإيرانية وكان هو أحد المحركات الأساسية والشرارة الملهمة لقيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979م ضد الشاه والتي نجحت في إسقاط نظامه إلي الأبد وكانت هذه الحادثة بمثابة نقطة تجمع في الإحتجاجات المناهضة للولايات المتحدة خلال الثورة الإيرانية وحتى يومنا هذا مما جعل مصدق واحدا من أكثر الشخصيات شعبية في التاريخ الإيراني وجدير بالذكر أن هذه الثورة قد إندلعت في إيران بمشاركة فئات مختلفة من الناس وحولت إيران من نظام ملكي ديكتاتورى تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان مدعوما من الولايات المتحدة وإستبدلته في نهاية المطاف بالجمهورية الإسلامية عن طريق الإستفتاء في ظل المرجع الديني الراحل آية الله روح الله الخميني قائد الثورة بدعم من العديد من المنظمات اليسارية والإسلامية والحركات الطلابية الإيرانية وكانت أحداث هذه الثورة قد بدأت بإحتجاجات وبمظاهرات ضد الشاه ونظامه في شهر أكتوبر عام 1977م وتطورت لكي تصبح حملة مقاومة مدنية شملت كلا من العناصر العلمانية والدينية وإشتدت في شهر يناير عام 1978م وإستمرت الإضرابات والمظاهرات إلي أن شلت البلاد بين شهري أغسطس وديسمبر من عام 1978م وإنتهي الأمر بمغادرة الشاه إيران نهائيا إلى المنفى يوم 16 يناير عام 1979م وسقوط نظامه إلي الأبد حيث توفي بالقاهرة بمستشفي القوات المسلحة بالمعادى في يوم 27 من شهر يوليو عام 1980م أثناء علاجه من مرض سرطان الغدد الليمفاوية بعد أن إستضافته مصر في عهد الرئيس المصرى الراحل أنور السادات وشيعت جنازته عسكريا من قصر عابدين وتم عزف السلام الإمبراطوري الإيراني وحمل النعش ملفوفا بعلم إيران فوق عربة مدفع تجرها ثمانية من الخيول العربية ودفن بالمقابر الملكية بمسجد الرفاعي .

هذا ولم تعترف الولايات المتحدة بدورها في الإطاحة بمصدق رسميا لسنوات عديدة على الرغم من أن إدارة الرئيس دوايت أيزنهاور عارضت بشدة سياسات مصدق والذى كان قد كتب بغضب حول مصدق في مذكراته واصفا إياه بأنه غير عملي وساذج ومع ذلك لم يعترف إيزنهاور بأي تورط في الإنقلاب وفي نهاية المطاف تم كشف تورط وكالة الإستخبارات المركزية في هذا الإنقلاب وذلك بعد خلاف سار داخل الوكالة وعرض في جلسات الإستماع في الكونجرس والتي بدأت عام 1970م وقد برر المسؤولون بوكالة الإستخبارات المركزية تدخلها في تنفيذ هذا الأمر بأن تأييد الإنقلاب كان ضروريا من الناحية الإستراتيجية وأثنوا على كفاءة الذين قاموا بالمهمة في حين وصف منتقدو العملية بأنها عملية تتسم بالإستقواء وأنها غير قانونية وغير أخلاقية وإقترح لاحقا إطلاق إسم النكسة عليها ومن المثير للإنتباه أنه مع مرور الوقت ومرور عدد من السنين أن وكالة الإستخبارات المركزية وعلي الرغم من تواجدها المكثف في طهران ظلت علي قناعة بإستقرار نظام الشاه ولم يكن لديها صورة دقيقة وتقدير دقيق لأبعاد الإضطرابات والإحتجاجات العنيفة علي نظام الشاه والتي لم تستطع ان تقلل خلالها من مدى السخط الشعبي عليه حتي فوجئت بأحداث الثورة الإيرانية عام 1979م والتي إنطلقت على حين غرة وأسفرت عن الإطاحة بالشاه نفسه ونفيه خارج البلاد من قبل حركة أصولية يرأسها آية الله الخميني وعموما فقد كان الإنقلاب علي مصدق والمدعوم من الولايات المتحدة نهاية للحقبة الديموقراطية في إيران بالكامل ورسخت الحكم الديكتاتورى للشاه وهي الحقبة التي إستمرت حتي عزل الشاه وبعد مرور سنين طويلة من هذه الأحداث وفي شهر مارس عام 2000م وفي عهد الرئيس الأميريكي الأسبق بيل كلينتون صرحت وزيرة الخارجية الأميريكية مادلين أولبرايت بأن إدارة أيزنهاور بررت أفعالها بخصوص الإطاحة بمصدق نظرا لأسباب إستراتيجية ولكن من جانب آخر فقد كان هذا الإنقلاب بوضوح نكسة للتنمية السياسية في إيران وأنه من السهل علينا أن نرى حتي الآن هذا العدد الكبير من الإيرانيين ما زالوا يشعرون بالسخط والإستياء الشديد من هذا التدخل من قبل أمريكا وعلاوة علي ذلك ففي العام نفسه نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا مفصلا حول الإنقلاب ودور وكالة الإستخبارات المركزية خلاله إستنادا إلى وثائق تم رفع السرية عنها في ذلك الوقت .