الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تعرف على المؤسس الثاني لمصر الحديثة

تعرف على المؤسس الثاني لمصر الحديثة
عدد : 08-2019
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com


الخديوى إسماعيل هو خامس من تولي حكم مصر من أسرة محمد علي باشا وأبوه هو القائد إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا وقد ولد الخديوى إسماعيل يوم 31 ديسمبر عام 1830م بقصر المسافرخانة بحي الجمالية بالقاهرة ووالدته هي خوشيار هانم قادين الزوجة الثالثة لإبراهيم باشا والتي أصبح لقبها هو الوالدة باشا بعد تولي الخديوى إسماعيل العرش وكان هو الأخ الأوسط بين أخين غير شقيقين له من أمين مختلفتين أكبرهما هو الأمير أحمد رفعت وأصغرهما هو الأمير مصطفي فاضل بهجت ومنذ الصغر تعهد إبراهيم باشا إبنه إسماعيل بالتربية والتعليم فتعلم اللغات العربية والفارسية والتركية ونال قدرا لا بأس به من العلوم الطبيعية والرياضيات ثم أرسله أبوه عام 1844م إلى فيينا عاصمة النمسا لكي يعالج من رمد صديدى أصاب عينيه وفي نفس الوقت ليكمل تعليمه وأقام هناك سنتين وفي عام 1846م إرتحل إلى العاصمة الفرنسية باريس لكي يلتحق بالبعثة التعليمية الخامسة والمسماة ببعثة الأنجال والتي أوفدها محمد علي باشا إلى باريس لتحصيل العلم والعودة إلي مصر لنشر ماتعلموه وشغل الوظائف القيادية التي تحتاج الي علمهم الحديث وثقافتهم الحديثة وقد سميت بهذا الإسم نظرا لأنه كان من بين أعضاء البعثة بالإضافة إلي الخديوى إسماعيل شقيقه الأكبر الأمير أحمد رفعت وهما حفيدا محمد علي باشا وأيضا عماهما الأميران عبد الحليم وحسين إبنا محمد علي باشا وفي باريس تعلم الخديوى إسماعيل اللغة الفرنسية وأتقنها تحدثا وكتابة كما نال قدرا أعلى من العلوم الطبيعية والرياضيات التي كان قد درس قدرا لابأس به منها قبل سفره خارج مصر بالإضافة إلي دراسته قدرا من العلوم الهندسية في تلك البعثة وقد تأثر الخديوى إسماعيل تأثرا شديدا بما شاهدته عيناه في باريس من مظاهر المدنية الحديثة ومافيها من جمال وروعة ومن هنا نشأت لديه الميول والنزعة الفرنسية مما جعله يصمم بعد وصوله إلى الحكم علي أن يجعل من القاهرة باريس أخرى في جمالها وروعتها وبهائها وذلك في تخطيطها العام ومرافقها وشوارعها وميادينها ومبانيها العامة وقصورها وحدائقها .


وعاد الخديوى إسماعيل إلى مصر عام 1848م في فترة حكم أبيه إبراهيم باشا ولكن بعد وفاته وتولي عباس باشا الأول الحكم في شهر نوفمبر عام 1848م ثم وفاة جده بعد ذلك بشهور قليلة حدثت خلافات ونزاعات بين أفراد الأسرة العلوية على توزيع تركة محمد علي باشا وكان عباس باشا الأول يكره عمه إبراهيم باشا ويتشكك ويستريب في باقي أفراد الأسرة وتعامل معهم بطريقة خشنة وسيئة فإرتحل العديد من أمراء وأميرات الأسرة العلوية إلي إسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية إتقاءا لشره وخوفا علي حياتهم وكان منهم الخديوى إسماعيل وعمته الأميرة نازلي هانم إبنة محمد علي باشا، وفي إسطنبول رحب به السلطان العثماني وعينه عضوا في مجلس أحكام الدولة العثمانية وخاصة أنه كان يجيد التحدث باللغة التركية ومنحه رتبة الباشوية.

وبعد وفاة عباس باشا الأول وتولي محمد سعيد باشا حكم مصر عاد الخديوى إسماعيل إلى مصر ورحب به محمد سعيد باشا وعينه رئيسا لمجلس الأحكام وكان أعلى هيئة قضائية في البلاد كما شارك الخديوى إسماعيل في حرب القرم والتي نشبت بين الدولة العثمانية وروسيا في شبه جزيرة القرم بأوكرانيا حاليا وطلب السلطان العثماني المساعدة من محمد سعيد باشا فإستجاب له وهي الحرب التي إنتهت بإنتصار العثمانيين وهزيمة الروس. وفي عام 1855م أوفد محمد سعيد باشا الخديوى إسماعيل في مهمة دبلوماسية إلى باريس لكي يوسط نابليون الثالث إمبراطور فرنسا حينذاك في تأييد مطلب مصر في توسيع نطاق إستقلالها عن الدولة العثمانية خلال مؤتمر الصلح الذى سينعقد في باريس بحضور دول التحالف الأوروبي بريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا فضلا عن فرنسا بالطبع من أجل تسوية النزاع بين الدولة العثمانية وروسيا بعد حرب القرم وأخذ الخديوى إسماعيل وعدا من الإمبراطور الفرنسي بذلك ولكنه خلال المؤتمر لم يلتزم بهذا الوعد وفي نفس الرحلة قابل الخديوى إسماعيل البابا بيو التاسع رأس الكنيسة الكاثوليكية في العاصمة الإيطالية روما والذى قابله بحفاوة وترحاب كبيرين وأخيرا إستعان به محمد سعيد باشا بأن أوفده إلي السودان علي رأس قوة عسكرية للتعامل مع حركة عصيان وتمرد حدثت هناك وإستطاع بذكاء وإقتدار وهدوء أن يحتوى الموقف فهدأت الأوضاع وإستقرت الأمور من جديد في بلاد السودان .

لم يكن الخديوى إسماعيل في الأصل هو خليفة محمد سعيد باشا وولي عهده بل كان ولي العهد ووريث العرش هو الأمير أحمد رفعت الأخ الأكبر للخديوى إسماعيل وأكبر أفراد أسرة محمد علي باشا سنا طبقا للنظام المعمول به حينذاك ولكن شاءت الأقدار أن يموت الأمير أحمد رفعت غرقا عام 1858م عندما كان عائدا مع الأمير محمد عبد الحليم عمه وإبن محمد علي باشا الأصغر بالقطار من الإسكندرية هو وحاشيته بعد حفل أقامه محمد سعيد باشا لأفراد الأسرة العلوية وكان مدعوا إليه أيضا الخديوى إسماعيل ولكنه إعتذر نظرا لمروره بوعكة صحية وتشاء الأقدار أن ينقلب القطار في حادثة مأساوية بكل من فيه في النيل عند كفر الزيات ويموت الأمير أحمد رفعت غرقا بينما ينجو عمه الأمير محمد عبد الحليم ويصبح بذلك الخديوى إسماعيل هو ولي العهد ووريث العرش وبوفاة محمد سعيد باشا صباح يوم 18 يناير عام 1863م يصبح هو واليا على مصر ليكون خامس من تولي الحكم من أفراد الأسرة العلوية بعد جده محمد علي باشا وأبيه إبراهيم باشا وإبن عمه عباس باشا الأول وعمه محمد سعيد باشا ولتبدأ صفحة جديدة هامة في تاريخ مصر مليئة بالأحداث والمواقف والأعمال والإنجازات التي كان لها تأثير كبير علي مستقبل مصر حتي يومنا هذا ،وبلا شك كان أكبر تلك الأحداث وأكثرها تأثيرا فتح قناة السويس للملاحة البحرية في شهر نوفمبر عام 1869م.

ولنبدأ الأن مع فترة حكم الخديوى إسماعيل ومع أعماله وإنجازاته وسياساته ولتكن تلك مقدمة نستهل بها فترة حكمه فنجده قد حاول جاهدا وبكل ما أوتي من قوة أن يسير علي نهج جده محمد علي باشا في تحديث وتنمية مصر وجعلها دولة مدنية حديثة ومتقدمة علي النسق والنمط الأوروبي فعمل علي تنمية وتطوير النواحي الإقتصادية والتجارية والعمرانية والإدارية والخاصة بنظام الحكم وليستحق عن جدارة وإستحقاق لقب المؤسس الثاني لمصر الحديثة بعد جده محمد علي باشا كما أنه سعي عن طريق التودد والمكر والدهاء ودفع الرشاوى لذوى النفوذ والقوة والمقربين من السلطان العثماني وأصحاب التأثير عليه في إتخاذ القرار في إسطنبول عاصمة الخلافة وتمكن فعلا يوم 8 يونيو عام 1867م من أن يحصل علي فرمان من السلطان العثماني عبد العزيز بمنحه لقب الخديوى وهو لقب لم يطلق علي أحد من ولاة الدولة العثمانية إلا علي ولاة مصر فقط بداية من الخديوى إسماعيل مرورا بنجله الخديوى توفيق ثاني من حمل اللقب وأخيرا مرورا بحفيده عباس حلمي الثاني وكان ثالث وآخر من حمل اللقب ومعني اللقب الأمير أو السيد وذلك في مقابل زيادة قيمة الجزية التي تدفعها مصر سنويا للدولة العثمانية .

وفي نفس الفرمان تم النص علي تعديل طريقة وراثة العرش وولاية العهد لتكون بالوراثة لأكبر أبناء الخديوى المتواجد في الحكم سنا وبالفعل تولي الحكم بعد الخديوى إسماعيل إبنه الأكبر من زوجته الأولي شفق نور هانم الخديوى توفيق ومن بعده حفيده ونجل الخديوى توفيق الخديوى عباس حلمي الثاني وبعد ذلك وحتي لما فرضت الحماية الإنجليزية علي مصر في شهر ديسمبر عام 1914م وأصبح للإنجليز الكلمة الأولي في إختيار من يحكم مصر لم يحكمها إلا حكام من ذرية ونسل الخديوى إسماعيل فقد وقع الإختيار بعد عزل الخديوى عباس حلمي الثاني حفيد الخديوى إسماعيل علي الإبن الثاني للخديوى إسماعيل حسين كامل من زوجته الثانية نور فلك هانم ومنح لقب السلطان وبعد وفاته في شهر أكتوبر عام 1917م تم إختيار الإبن الثالث للخديوى إسماعيل الملك فؤاد من زوجته الثالثة فريال هانم وأخيرا بعد وفاته في أواخر شهر أبريل عام 1936م تم تنصيب إبنه الذكر الوحيد وحفيد الخديوى إسماعيل الملك فاروق ملكا علي مصر وكان آخر ملوك الأسرة العلوية وبعد ذلك وفي يوم 10 سبتمبر عام 1872م تمكن الخديوى إسماعيل من أن يحصل علي فرمان أخر يعطيه الحق في الإستدانة من الخارج دون أن يحصل علي موافقة من السلطان العثماني ثم أخيرا في يوم 8 يونيو عام 1873م تمكن من الحصول علي الفرمان الشامل الذى حصل بموجبه علي إستقلاله التام بحكم مصر فيما عدا بعض التحفظات وهي حق عقد المعاهدات السياسية وحق التمثيل الدبلوماسي وحق صناعة المدرعات الحربية مع الإستمرار في سداد الجزية السنوية إلي الباب العالي في إسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية .

وبخصوص ما تم من إنجازات في عهد الخديوى إسماعيل ففي مجال نظام الحكم والحياة النيابية والشئون الإدارية قام الخديوى إسماعيل بتحويل الدواوين إلي نظارات وفي أواخر عهده وتحديدا في يوم 28 أغسطس عام 1878م أصدر أمرا عاليا بتأليف أول نظارة تشاركه مسؤولية الحكم وكلف نوبار باشا الأرمني الأصل المسيحي الديانة بتشكيلها لتكون النظارة الأولي في تاريخ النظارات ثم الوزارات بعد ذلك في مصر مما يدل علي أنه قد سار على نهج جده محمد علي باشا ولم يفرق بين معاونيه بسبب دياناتهم وقد تكونت 3 نظارات في عهد الخديوى إسماعيل الأولى كما تقدم نظارة نوبار باشا والثانية نظارة ولي العهد محمد توفيق باشا الإبن الأكبر للخديوى إسماعيل والثالثة نظارة محمد شريف باشا والملقب بأبو الدستور المصرى وبالإضافة إلى ذلك فقد قام بتحويل مجلس المشورة الذى أسسه جده محمد علي باشا إلى ماسماه مجلس شورى النواب وأتاح للشعب إختيار ممثليه وتم عقد أول جلساته في شهر نوفمبر عام 1866م وفي مجال القضاء أصبح للمجالس المحلية في عهد الخديوى إسماعيل حق النظر في الدعاوى والنزاعات المدنية والجنائية وأن تكون مسائل الأحوال الشخصية من إختصاص المحاكم الشرعية كما تم إلغاء المحاكم القنصلية التي كانت تعقد جلساتها في القنصليات الأجنبية وقضاتها أجانب وتختص بقضايا الأجانب فيما كان يسمى بالإمتيازات الأجنبية وتم إستبدالها بالمحاكم المختلطة بأن يكون القضاة من الأجانب والمصريين وقد تم إلغاء هذا النظام بعد ذلك بموجب معاهدة مونتيروه عام 1937م في عهد الملك فاروق علي يد رئيس مجلس وزرائه مصطفي النحاس باشا والتي بموجبها صار النظام القضائي مصريا خالصا وبنسبة مائة في المائة ومستقلا تمام الإستقلال .


وفي مجال التعليم والثقافة نجد أن الخديوى إسماعيل قد إهتم بإعادة إفتتاح المدارس التي كانت قد أغلقت في عهد عباس باشا الأول وظلت مغلقة في عهد محمد سعيد باشا وأنشأ نظارة المعارف العمومية والتي تحولت بعد ذلك إلى وزارة التربية والتعليم لتكون مسؤوليتها إنشاء المدارس والإشراف عليها ووضع المناهج لكل مرحلة من مراحل التعليم وتكون مسؤولة عن كل شئون ومايخص التعليم بصفة عامة وتم تكليف علي مبارك باشا ليكون ناظرا لها وهو ممن تعلموا في الخارج في أيام محمد علي باشا ونبغ في مجال وشئون التربية والتعليم وكلفه بسن قانون أساسي للتعليم وأقر بزيادة كبيرة في ميزانية تلك النظارة وبأن تتحمل الحكومة نفقات التلاميذ أثناء دراستهم وأوقف مساحات كبيرة من الأراضي ليتم الصرف من ريعها علي التعليم وقام بإنشاء أول مدرسة للفتيات في مصر وهي مدرسة السنية بحي السيدة زينب بالقاهرة وقام أيضا بإنشاء مدرسة دار العلوم لتخريج وتأهيل المعلمين وبإنشاء دار الكتب والجمعية الجغرافية المصرية ودار الآثار المصرية القديمة ببولاق كما ظهرت في عهده الصحف وأهمها الأهرام علي أيدى سليم وبشارة تقلا والوطن ومجلة روضة المدارس كما قام أيضا بإنشاء دار الأوبرا الخديوية بالميدان المعروف حتي الآن بإسم ميدان الأوبرا حتي بعد إحتراقها بالكامل في شهر أكتوبر عام 1971م والتي كانت منارة للفن والثقافة في الشرق الأوسط كله وتقدم بها أشهر العروض الفنية والأوبرالية العالمية وكانت تضارع دور الأوبرا الأوروبية في تصميمها وفخامتها وعظمتها مثل أوبرا باريس وأوبرا فيينا وجاء إفتتاحها متزامنا مع إفتتاح قناة السويس في شهر نوفمبر عام 1869م .


وفي النواحي الإقتصادية نجد أن الخديوى إسماعيل قد إهتم إهتماما بالغا بالعمل على تنمية ثروة مصر الزراعية عن طريق زيادة مساحة الأراضي الزراعية بتوفير مياه الرى اللازمة لها وبذلك تزداد مساحة الأراضي المزروعة وكذلك تزداد إنتاجيتها فقام بشق العديد من الترع وخاصة في الوجه القبلي وبلغ عدد ماشقه من الترع 112 ترعة كان أهمها وأكبرها ترعة الإبراهيمية والتي تعد من أكبر وأعظم مشاريع الرى علي مستوى العالم وقت شقها وهي تبدأ عند أسيوط حيث تتفرع من نهر النيل وتمتد شمالا بطول 267 كيلو متر وتنتهي عند بلدة أشمنت بمحافظة بني سويف وتروي أراضي 3 محافظات هي أسيوط والمنيا وبتي سويف وأيضا قام بشق ترعة الإسماعيلية والتي تبدأ من النيل شمالي القاهرة عند شبرا وتمتد داخل محافظتي القليوبية والشرقية حتي بلدة نفيشة قرب الإسماعيلية بطول 129 كيلو متر ثم تخرج منها ترعة تسمي ترعة السويس تتجه جنوبا نحو السويس بطول 89 كيلو متر بينما تكمل الترعة الأم إتجاهها حتي مدينة الإسماعيلية وهي تروى أراضي محافظتي القليوبية والشرقية كما أنها مصدر المياه العذبة لكل من محافظتي الإسماعيلية والسويس كما قام الخديوى إسماعيل بإصلاح الخلل والتصدع الذى أصاب القناطر الخيرية التي أنشئت في عهد جده محمد علي باشا نتيجة زيادة ضغط المياه علي جسم القناطر وعهد بهذا العمل لفطاحل المهندسين في عهده وهم الفرنسي مسيو موجيل بك والمهندس الإنجليزي المستر فولر والمهندسين المصريين العظيمين مظهر باشا وبهجت باشا والذين تمكنوا من إصلاح هذا الخلل وعالجوا ماحدث بجسم القناطر الخيرية من تصدعات وتشققات وكانت نتيجة هذه الأعمال الكبيرة إيجابية جدا فزادت مساحة الأراضي الزراعية والتي كانت في أواخر عهد محمد علي باشا حوالي 3 مليون و856 ألف فدان لتصبح في عهد الخديوى إسماعيل بعد تلك الأعمال الكبيرة حوالي 4 مليون و810 ألف فدان بزيادة قدرها حوالي مليون فدان بالإضافة إلي أن إنتاجية الأرض الزراعية من المحاصيل قد زادت هي الأخرى نتيجة توافر مياه الرى طول العام وعدم تعرض الأرض الزراعية العطش والجفاف ونقص مياه الرى .


وفي المجالين الصناعي والتجارى فقد أعاد الخديوى إسماعيل فتح العديد من المصانع والورش والمعامل التي تم إغلاقها في عهد عباس باشا الاول وإستمرت أيضا مغلقة في عهد محمد سعيد باشا كما قام بإنشاء مصانع جديدة من بينها عدد 19 مصنعا للسكر وقام أيضا بتطوير وإصلاح وتوسعة مينائى الإسكندرية والسويس وبناء عدد 15 منارة في البحرين الأبيض المتوسط والأحمر لإرشاد السفن وكل ذلك كانت له نتائج إيجابية كبيرة علي إنتعاش حركة التجارة وعودة حركة إنتاج وتصدير السلع والبضائع المختلفة وفي مجال الأمن القومي نجده قد سار على نهج جده محمد علي باشا وعمه محمد سعيد باشا فإهتم بالسودان بصفته يمثل العمق الإستراتيجي لمصر وكذلك إهتم بتأمين منابع النيل حتي لاتتعرض البلاد لأزمة مائية تكون من نتائجها إلحاق ضرر بالغ علي الحياة بمصر حيث النيل هو المصدر الرئيسي لمياه الشرب لسكانها ولمياه الرى اللازمة للزراعة ولذلك إهتم بالحل الفورى لأى مشكلة تحدث بالسودان ومن أجل ذلك كافح تجارة الرقيق التي كانت منتشرة في هذا الإقليم بشكل كبير بكل ما أوتي من قوة وتمكن من القضاء عليها بشكل كبير مما أشاع الأمن والأمان في ربوع تلك البلاد وبالإضافة إلي هذه الإنجازات فقد كانت هناك إنجازات أخرى في مجال التنمية العمرانية والبيئية والتي تأثرت إلي حد كبير بالفترة التي قضاها في باريس أثناء دراسته مابين عام 1846م وحتي عام 1848م حيث أصبحت ميوله فرنسية وإنبهر بما شاهدته عيناه من مظاهر المدنية الحديثة وماشاهده من روعة وجمال ورقي في باريس ومن هنا صمم عندما تولي مقاليد الحكم أن يجعل من القاهرة باريس أخرى في مخططها العام وطرقها وشوارعها وميادينها المتسعة ومبانيها العامة وحدائقها ومتنزهاتها وعلي ذلك فقد توجه وإهتم إهتماما شديدا بمجال التنمية العمرانية والبيئية للمدن وتخطيطها وتجميلها وبصفة خاصة عاصمتي مصر الأولى والثانية أى مدينتي القاهرة والإسكندرية .


وبخصوص مدينة القاهرة كانت بداية وأولي أعماله إزالة ورفع تلال الأتربة التي تحيط بها من كل جانب وهو العمل الذى بدأه جده محمد علي باشا ثم توقف تقريبا في عهد خلفائه وكانت الخطوة التي تلت ذلك البدء في تخطيط وإنشاء شوارع وأحياء وميادين وحدائق جديدة مثل شارع الفجالة الجديد وشارع كلوت بك وشارع عبد العزيز وحي عابدين وحي الإسماعيلية وحي التوفيقية وميدان الأوبرا وميدان العتبة وميدان الإسماعيلية التحرير حاليا وحديقة الأزبكية التي أعاد تنسيقها تنسيقا جميلا وبديعا كما قام بإصلاح وتوسعة ميدان الرميلة الواقع بجوار القلعة وغرس به الأشجار وأوصله بشارع محمد علي وصار من أفسح ميادين القاهرة وبالإضافة إلي ذلك أعاد تنظيم وتخطيط منطقتي الجزيرة والجيزة وخاصة بعد أن شيد فيهما مجموعة من القصور الفخمة وأنشأ حديقة الأورمان وحديقة النبات في الجيزة والتي تم عزله قبل أن يتم إفتتاحها حيث تم إفتتاحها في عام 1891م في عهد الخديوي توفيق إبن الخديوي إسماعيل وقد بدأت بعرض أزهار ونباتات مستوردة غير موجودة في الطبيعة المصرية وكانت تسمي حينذاك حديقة النبات ثم بعد ذلك تحولت إلى حديقة للحيوان ويوجد فيها حاليا قرابة ستة آلاف حيوان من نحو 175 نوع بينها أنواع نادرة من التماسيح والأبقار الوحشية والزواحف والقردة والغزلان والفيلة والدبية وسباع البحر والزراف والأسود والنمور وطيور البشاروش والبلشون والنعام والبجع وأيضا أنشأ الخديوى إسماعيل حديقة الأسماك بجزيرة الزمالك ويطلق عليها أيضا إسم حديقة الجبلاية وذلك بسبب وجود جبلاية رائعة بها وهي تعد من أفضل وأجمل الحدائق التي أنشئت في القاهرة في عهد الخديوى إسماعيل وكذلك فهي تعد من أفضل وأجمل الحدائق علي مستوى العالم ويوجد بها عدد 24 حوض مخصصة لعرض عدد 33 نوع من الأسماك النيلية مثل سمك البلطي بأنواعه المتعددة وسمكة المبروكة بأنواعها المختلفة وسمكة المنفاخ وسمكة الفهقة وسمكة البني وثعابين النيل وقشر البياض والشيلان والرعاد والدقماق والشلباية واللبيس وخشم البنات وكلب النيل والقراميط بأنواعها وخلافه .

وأنشأ أيضا الخديوى إسماعيل بمدينة القاهرة مجموعة من الشوارع المتعامدة وكان لهذا العمل فضل وتأثير كبيرين علي توسيع المدينة وتجميلها وتخفيف الزحام في مناطق وأحياء القاهرة الفديمة وتخفيف حدة التلوث وتوفير الهواء النقي والمسكن الصحي لسكانها وأيضا إرتفاع قيمة الأراضي والمباني وإزدهار الحركة العمرانية بوجه عام وكان أهم الأحياء التي قام بإنشائها الخديوى إسماعيل هو حي الإسماعيلية والمسمى بإسمه لأنه من أمر بإنشائه وهو حي جاردن سيتي حاليا وكان موقعه قبل ذلك عبارة عن أرض خربة تحتوى على كثبان ترابية وبرك مياه وأرض سباخ فأعاد تخطيط الموقع علي أساس مايسمي بالنظام الشبكي المتعامد بمعنى وجود شبكة من الشوارع الطولية والعرضية المتعامدة علي بعضها البعض وتم دك تلك الشوارع بالدقشوم وأقيمت علي جانبيها الأرصفة ومدت أنابيب المياه النقية تحت الأرض وأقيمت في هذه الشوارع أعمدة معلق بها مصابيح لزوم إنارتها بغاز الاستصباح وأصبح هذا الحي سكنا للأمراء والأعيان وكان من المنشآت العامة والهامة التي شيدها الخديوى إسماعيل بالقاهرة دار الأوبرا الخديوية بالميدان المعروف بإسمها حتي الآن وحتي بعد إحتراقها بالكامل في شهر أكتوبر عام 1971م وقد تكلمنا عنها في حديثنا عن أعمال الخديوى إسماعيل في مجال التعليم والثفافة وقام بتصميمها المهندسان المعماريان الإيطاليان الشهيران بيترو أفوسكاني وروتسيي وتم تشييدها بالخشب وكانت تسع 850 متفرج وبلغت تكلفة بنائها حينذاك مليونا وستمائة ألف جنيه مصري وهو مبلغ ضخم بالنسبة لأسعار ذلك الزمن وكانت هذه الدار مكونة من ثلاثة طوابق الأول وفيه غرف مخصصة لفرق الرقص والتدريبات وغرف الممثلين والممثلات وفرق الإنشاد والثاني كان مخزنا للديكورات أما الثالث والأخير فكان مخصصا لحفظ الملابس والأثاث وأدوات العرض المسرحي والأدوات الموسيقية وكانت هناك أيضا ورش لصناعة الديكورات والملابس والأثاث وقد روعي في تصميمها العام الدقة الفنية والروعة المعمارية حيث كان الخديوي إسماعيل مهتما شديد الإهتمام بالزخارف والأبهة الفنية لدار الأوبرا فإستعان بعدد من الرسامين والمثالين والمصورين العالميين المشاهير لتزيين دار الأوبرا وتجميلها ولم يبخل عليها من أجل تحقيق ذلك الهدف وبالإضافة إلي دار الأوبرا الخديوية أنشأ الخديوى إسماعيل ضمن المنشآت التي أسسها بمناسبة حفل إفتتاح قناة السويس للملاحة عام 1869م المسرح القومي المصرى وقد شغل الطرف الجنوبي من حديقة الأزبكية بالقرب من دار الأوبرا الخديوية وقام بتخصيصه للمسرح الكوميدى الفرنسي المعروف بإسم الكوميدى فرانسيز وقد تمت تسميته حينذاك تياترو الخديوى والخديوى المقصود بالطبع هو الخديوى إسماعيل .

وقام الخديوى إسماعيل أيضا بإنشاء كوبرى قصر النيل القديم ليربط بين وسط القاهرة وجزيرة الزمالك النيلية ومن أهم معالمه تماثيل الأسود الأربعة بواقع تمثالين في كل جانب من جانبي الكوبرى والتي تم الإحتفاظ بها عند إعادة تشييد الكوبرى عام 1935م في عهد إبنه الملك فؤاد ولذلك يكني من يسمي بإسم إسماعيل بأبو السباع نسبة إلى سباع قصر النيل وقد نفذت الكوبرى شركة فرنسية تسمي فيف ليل عام 1872م وكانت تكلفته 108 ألف جنيه حينذاك وعلي إمتداده تم تشييد الكوبرى المسمى بالكوبرى الإنجليزي أو الكوبرى الأعمى ليربط جزيرة الزمالك بالجيزة ونفذته شركة إنجليزية عام 1872م أيضا وتكلف وقتها 40 ألف جنيه وهو مايطلق عليه حاليا كوبرى الجلاء كما قام بتعبيد الطريق المؤدى إلى أهرامات الجيزة عام 1869م وهو شارع الهرم حاليا ورصفه بالحجارة وقام أيضا بمد أنابيب المياه في أحياء القاهرة والجيزة لتحمل مياه النيل العذبة إلي المنازل والدور بعد أن كانت توزع في قرب يحملها السقاءون وإهتم أيضا الخديوى إسماعيل بتعميم نظافة وكنس ورش شوارع القاهرة وأقام بأغلبها أعمدة معلق بها مصابيح تضاء بغاز الإستصباح فإكتسبت كل من القاهرة والجيزة بهجة وجمالا وبهاءا في الليل ومما ساعد علي حفظ الأمن ليلا وكذلك كان الخديوى إسماعيل أول من قام بوضع تماثيل العظماء في الميادين العامة تخليدا لذكراهم فأمر يصنع تمثالين كبيرين أحدهما لجده محمد علي باشا وتم وضعه في ميدان المنشية بالإسكندرية وثانيهما لأبيه إبراهيم باشا وتم وضعه في ميدان الأوبرا أمام دار الأوبرا الخديوية بالقاهرة وكان ذلك عام 1873م كما قام الخديوى إسماعيل بإصلاح وتوسعة المسجد الحسيني بالقاهرة وأمر ببناء حمامات حلوان لما تبين له مزايا مياهها المعدنية الكبريتية في علاج الأمراض الروماتيزمية وقام بتعمير ضاحية حلوان وشيد بها قصرا عرف بإسم قصر الوالدة علي النيل ومهد طريقا للوصول إليها من القاهرة وكذلك بدأ في عهده في إنشاء خط السكة الحديد الذى يربطها بالقاهرة مما رغب الكثير من الكبراء والأغنياء والأعيان في السكن بها خاصة وأنها تتميز بجوها الدافئ في فصل الشتاء وقد بلغ سكان العاصمة في ذلك الوقت 350 ألف نسمة .


بخصوص مدينة الإسكندرية فقد أعاد الخديوى إسماعيل تنظيم شوارعها فأنشأ بها شوارع جديدة لم تكن موجودة من قبل مثل شارع إبراهيم الممتد من مدرسة السبع بنات المشهورة وحتي ترعة المحمودية التي تم حفرها في عهد جده محمد علي باشا وشارع الجمرك وشارع المحمودية وفتح كذلك عدد 6 شوارع تمتد من منطقة باب شرق وحتي الطريق الحربي الذى كان يحيط بالمدينة من جهة الجنوب وتم تبليط الكثير من تلك الطرق والشوارع كما تم إنارة شوارعها مثل شوارع القاهرة وتم إنشاء بلدية تكون مهمتها نظافة وكنس ورش الشوارع وصيانتها والإعتناء بها وبنظام إنارتها وتم مد أنابيب تحت الأرض لتصريف مياه الأمطار وكذلك مد خطوط مياه عذبة من ترعة المحمودية إلي المنازل والدور مثلما فعل في القاهرة وأيضا قام الخديوى إسماعيل بتعمير منطقة الرمل وتم ربطها بباقي المدينة بخط سكة حديد وأقام بها عدة قصور له ولذويه للإقامة بها صيفا ويعود إليه الفضل في جعلها المصيف المفضل لدى كثير من المصريين وأقام شارعا كبيرا يمتد من أقصى شرق المدينة وحتي ترعة المحمودية في غربها وأقام حديقة النزهة علي ترعة المحمودية وجعلها متنزه عام لسكان الإسكندرية وأقام سراى الحقانية التي أنشئت بها المحكمة المختلطة وقام بإصلاح وتوسعة ميناء الإسكندرية كما وضحنا في حديثنا عن إصلاحاته لزوم خدمة حركة التجارة وقد بلغ سكان المدينة في عهده 212 ألف نسمة وإلي جانب ماسبق ففي عهد الخديوى إسماعيل تم تشييد وبناء عدد كبير من القصور التي لاتقل بل تزيد عن مستوى روعة وجمال وبهاء القصور الملكية في أوروبا ومنها علي سبيل المثال لا الحصر سراى عابدين وجعلها المقر الرئيسي للحكم بدلا من سراى القلعة التي بناها جده محمد علي باشا وقصر القبة وقصر الجزيرة الذى أصبح فندق الماريوت حاليا وقصر حلوان وقصر الزعفران بالعباسية وقصر المسافرخانة وقصر النزهة بشبرا وقصر الإسماعيلية وقصر النيل وسراى الرمل بالإسكندرية كما لاننسي أنه في عهده توسع في تطوير خدمة البرق والتلغراف والبريد وأخيرا تم في عهده إستكمال حفر قناة السويس وفتحها للملاحة في شهر نوفمبر عام 1869م وأقام من أجل ذلك حفلا أسطوريا دعا إليه العديد من الملوك والأمراء الذين جاءوا إلى مصر لحضور هذه المناسبة التي لا تتكرر وذلك إلي جانب البدء في تشييد مدينة الإسماعيلية والتي سميت بإسمه والتي تقع عند إلتقاء قناة السويس ببحيرة التمساح .

وفي حقيقة الأمر كانت قناة السويس من أوائل الأمور التي واجهت الخديوى إسماعيل منذ أول يوم له في حكم مصر فمن المعلوم أن حفر قناة السويس قد بدأ قبل توليه الحكم بحوالي 4 سنوات في عهد سلفه محمد سعيد باشا في عام 1859م والذى كان قد منح المهندس الفرنسي مسيو فرديناند ديليسبس إمتياز حفرها وإستثمارها لمدة 99 عاما تبدأ من تاريخ فتحها للملاحة ولذلك فقد توجهت أنظار كل دول أوروبا إلى مصر والخديوى إسماعيل متطلعة إلي ماسوف يؤول إليه مصير القناة بعد وفاة محمد سعيد باشا والذى كان معلوما عنه تأييده للمشروع ومساندته له وإهتمامه البالغ به وكذلك أحس ديليسبس بالقلق علي مصير مشروعه الحلم الذى ظل يلهث وراءه حوالي 23 عاما حتي أقنع به محمد سعيد باشا ولكن الخديوى إسماعيل سارع وبدبلوماسية بارعة بإعلان عزمه علي إستكمال المشروع مما بث الطمأنينة في نفوس ديليسبس وحكام دول أوروبا وكان حفر القناة في ذلك الوقت قد تم بنسبة النصف تقريبا وتم وصول مياه البحر المتوسط إلى بحيرة التمساح أى عند الإسماعيلية حاليا تقريبا وتبقي الجزء مابين الإسماعيلية إلى البحيرات المرة جنوبا ثم منها إلي السويس وقد إندهش الخديوى إسماعيل من ضخامة وفداحة المزايا التي نالتها شركة قناة السويس المنفذة للمشروع بموجب عقد الإمتياز الممنوح لها من محمد سعيد باشا فسعي جاهدا إلي تخفيف تلك المزايا وإستطاع بعد مجهود جبار أن يقلل عدد العمال المصريين الذين يعملون في حفر القناة وأن يسترد بعض الأراضي التي تم تخصيصها لشركة قناة السويس كما أنه إتفق مع ديليسبس على أن تقوم الشركة بحفر جزء من ترعة الإسماعيلية التي توصل الماء العذب لكل من الإسماعيلية والسويس ومن أقواله الشهيرة في هذا المجال أنه يريد أن تكون القناة لمصر لا أن تكون مصر للقناة حتي أنه فكر يوما ما أن يتولى إستكمال تنفيذ المشروع بنفسه ولكنه عدل عن هذه الفكرة وعمل حسابا لدول أوروبا بصفة عامة وفرنسا بصفة خاصة التي كانت ستعارضه في هذا الأمر لكون أن هناك عقد ملزم لمصر ونستطيع هنا أن نقول إن الخديوى إسماعيل كان في هذا الأمر أكثر حرصا على مصلحة مصر أكثر من عمه محمد سعيد باشا .

وأخيرا وبعد جهد جبار ومعاناة شديدة تم الإنتهاء من حفر القناة بالكامل في منتصف شهر نوفمبر عام 1869م وتم إتصال مياه البحر المتوسط بالبحر الأحمر وذلك بعد 10 سنوات من العمل الدؤوب والجهد المتواصل وفي ظروف عمل غاية في الصعوبة والشدة وبإجمالي طول قدره 164 كيلو متر هذا وقد تسببت القناة في ظهور مدينتين جديدتين إلي الوجود تم بناؤهما أولهما عند المدخل الشمالي للقناة وبدأ بناؤها في عهد محمد سعيد باشا في الموقع الذى ضرب فيه ديليسبس ومن كان يرافقه أول معول في حفر القناة قبل 10 سنوات علي الضفة الغربية لمدخل القناة الشمالي وتم إستكمالها في عهد الخديوى إسماعيل وتعد حاليا من أهم الموانئ شرقي البحر المتوسط والميناء الثاني في مصر بعد الإسكندرية وثانيهما مدينة الإسماعيلية التي تم بناؤها في عهد الخديوى إسماعيل وسميت بإسمه علي الضفة الغربية للقناة عند إلتقائها ببحيرة التمساح وعند منتصف طول القناة تقريبا وقد تميزت المدينتان بالتخطيط الجيد لشوارعهما وبنظافتهما وبالطراز الفرنسي لمعظم أبنيتهما مع إستخدام طراز البواكي التي يسير تحتها المشاة أسفل المباني للوقاية من الشمس صيفا ومن المطر شتاءا وبوجود المسطحات الخضراء والحدائق والمتنزهات في العديد من أحيائهما وليتم إفتتاح القناة رسميا للملاحة يوم 17 نوفمبر عام 1869م وبهذه المناسبة التي لا تتكرر أقام الخديوى إسماعيل حفلا أسطوريا ضخما بمدينة بورسعيد لم يشهد التاريخ مثله في التبذير والإسراف فقد بلغت تكلفته حوالي مليون وأربعمائة ألف جنيه وهو مبلغ ضخم جدا في ذلك الوقت ودعا الخديوى إسماعيل في هذا الحفل العديد من أباطرة وملوك العالم وقريناتهم علي رأسهم إمبراطور فرنسا نابليون الثالث وزوجته الإمبراطورة أوجيني والذى تم إطلاق إسمها علي أحد شوارع بور سعيد بالإضافة إلي إمبراطور النمسا فرانسوا جوزيف وملك المجر وولي عهد بروسيا وشقيق ملك هولندا الأمير هنرى وزوجته وسفيرى إنجلترا وروسيا بإسطنبول وتم إقامة عدد 3 منصات بالحفل الأولي خصصت للخديوى إسماعيل ومعه ديليسبس والأباطرة والملوك والأمراء الذين ذكرناهم وسائر كبار المدعوين وكان منهم بالطبع الأمير محمد توفيق نجل الخديوى إسماعيل وولى العهد والأمير طوسون نجل محمد سعيد باشا والأمير عبد القادر الجزائرى ونوبار باشا ومحمد شريف باشا رئيسي مجلس النظار فيما بعد والثانية خاصة برجال الدين الإسلامي والثالثة خاصة برجال الدين المسيحي وكان الحفل يوم 16 نوفمبر عام 1869م وحضره حوالي 6000 مدعو .


وكان قد تم عمل تجهيزات وإستعدادات عديدة لزوم الحفل منها عمل أزياء جديدة فاخرة للعاملين بالجوازات والصحة وعساكر الأمن لأنهم أول من سيستقبل المدعوين وتم كنس ورش ونظافة شوارع المدينة بالكامل وتوريد كميات ضخمة من اللحوم والخضروات والفواكه لها وإستدعاء عدد 500 طباخ من مرسيليا وجنوة وتريستا لإعداد الولائم كما خصصت سفن لنقل المدعوين من ميناء الإسكندرية إلي بورسعيد وإصطف الجنود عند رصيف النزول بالميناء لحفظ الأمن ومنع الإزدحام وإصطفت السفن في ميناء بور سعيد علي هيئة قوس في منظر بديع رائع وتوجه الجميع لتناول طعام الغذاء وبعده صدحت الموسيقي بالنشيد الوطني المصرى وألقى ممثل عن رجال الدين الإسلامي والمسيحي كلمة بمناسبة إفتتاح القناة دعوا فيها لمصر والخديوى وفي المساء مدت موائد العشاء وعليها مالذ وطاب من الطعام والشراب وإزدانت بورسعيد بالزينات وإنطلقت الألعاب النارية التي تم إستيرادها من الخارج خصيصا لهذه المناسبة فتلألأت سماؤها بالأنوار والأضواء وإنطلقت فرق الموسيقي تعزف موسيقاها في الشوارع ومن المناظر الجميلة في هذا الحفل الأسطورى إصطفاف جنود الجيش والأسطول المصرى في ميناء بورسعيد وعلي طول ضفتي القناة وكذلك إصطفاف عدد من الأهالي من كل المحافظات بنسائهم وأطفالهم وملابسهم الوطنية علي طول ضفتي القناة وكان الخديوى إسماعيل قد طلب من مديرى الأقاليم حضورهم فجاء وفد من النوبة ووفد من قبائل الصحراء الغربية ووفد من قبائل الصعيد ووفد من الوجه البحرى بما شكل بانوراما بديعة ورائعة لجميع طوائف الشعب المصرى وكان الخديوى إسماعيل يستهدف من تلك المناسبة إظهار حضارة وتقدم وعظمة مصر وشعبها وماوصلت إليه من تقدم ونهضة ورقي في عهده وماوصلت إليه من إستقلالية عن الدولة العثمانية .


وعند هذه النقطة نكون قد وصلنا إلى نهاية المطاف مع الخديوى إسماعيل ويتبقى لنا ذكر أمر عزله ونفيه خارج مصر ثم وفاته وهنا نقول إن المشاريع التي قام بها الخديوى إسماعيل ومابناه من قصور علاوة على الحفل الأسطورى بمناسبة إفتتاح قناة السويس قد أرهقت ميزانية البلاد فلجأ إلي الإستدانة من الدول الأجنبية علي أن يسدد تلك الديون من عائد بيع محصول القطن ولكن للأسف تعرض القطن للآفات ونقص المحصول ولم يحقق الإيراد المطلوب وعجز عن سداد الديون وفوائدها والتي بلغت 91 مليون جنيه فتحالفت ضده الدول المدينة ومارست ضغوط شديد علي السلطان العثماني عبد الحميد الثاني الذى أصدر فرمانا بعزله يوم 26 يونيو عام 1879م وتولية إبنه الأكبر الأمير محمد توفيق الحكم ليكون سادس من تولي الحكم من الأسرة العلوية وبعد أن ظل حاكما لمصر لمدة 16 سنة ونصف السنة تقريبا
وقد تلقي الخديوى إسماعيل نبأ عزله بأعصاب هادئة ومكث 3 أيام يستعد للسفر وجمع مايمكنه جمعه من المال والمجوهرات والتحف الثمينة ونقلها إلى اليخت المحروسة ونظرا لأن السلطان العثماني رفض وجوده في إسطنبول فقد توجه إلى نابولي في إيطاليا يوم 30 يونيو عام 1879م وهو نفس الميناء الذى سيستقبل حفيده الملك فاروق وعلى نفس اليخت بعد مرور 73 عاما بعد قيام ثورة يوليو عام 1952م وإصطحب معه زوجاته وأنجاله وحاشيته ومن هناك أخذ يرسل إلتماسا تلو إلتماس لكي يسمح له السلطان العثماني بالإقامة في إسطنبول وكان يمتلك بها قصرا يقع على ضفاف البوسفور كان قد إشتراه كمقر له في إسطنبول عام 1865م وجهزه وأثثه بأفخم الأثاث ويسمي قصر إميرجان وظل هكذا حتي تعطف عليه السلطان العثماني عبد الحميد الثاني وسمح له بالإقامة في إسطنبول عام 1888م فإنتقل للإقامة بها في قصره المشار إليه وظل مقيما به ماتبقي من حياته ولم يعد إلى مصر إلى أن وافته المنية يوم 2 مارس عام 1895م في عهد حفيده الخديوى عباس حلمي الثاني إبن الخديوى توفيق وبعد 16 عاما من عزله فعاد إليها ميتا لكي يدفن في مسجد الرفاعي قرب ميدان الرميلة بالقلعة ولا يسعنا هنا إلا أن نقول رحم الله الخديوى إسماعيل رحمة واسعة فقد قدم لمصر الكثير والكثير أثناء فترة حكمه علي الرغم من أخطائه بالإفراط في الإستدانة من الخارج الأمر الذى جلب الكثير من الأذى والضرر لمصر مما أدى في النهاية إلي وقوع مصر تحت الإحتلال البريطاني في عام 1882م وعموما فلن ينسي له التاريخ ماقام به من أعمال خالدة ولنترك الحكم له أو عليه لمحكمة التاريخ العادلة .

وكنوع من التكريم لمصر فقد أقامت الجالية الإيطالية بالإسكندرية تمثال من البرونز للخديوى إسماعيل كنوع من التكريم له نظرا لدوره الكبير في تحقيق نهضة تنموية وعمرانية في مصر خلال فترة حكمه مابين شهر يناير عام 1863م وشهر يونيو عام 1879م ولكونه إستعان بالكثير من الإيطاليين من أجل تنفيذ مشاريعه العمرانية في مصر فضلا عن النحاتين والفنانين ومن بينهم فيردي الذى تنسب له أوبرا عايدة كما كانت هي مقصده ووجهته عند نفيه من مصر حيث توجه إلي ميناء نابولي وأقام فيها عددا من السنين عقب الضغط الفرنسي والبريطاني بعزله وأعد له الملك إمبرتو قصرا ليسكنه هو وأسرته وقد نشأت فكرة إقامة هذا التمثال خلال أحد زيارات الملك فؤاد الأول لإيطاليا خلال عام 1927م حيث إقترحت حينذاك الجالية الإيطالية في مصر إقامة هذا التمثال وقامت الجالية بجمع 13 ألف جنيه من أجل تحقيق هذا الغرض وقابل القنصل الإيطالي الكونت لاجروسي المهندس فيروتشي مهندس القصور الملكية في مصر لإبلاغه برغبة الجالية بإقامة هذا التمثال وتم عرض الأمر علي الملك فؤاد الذى رحب بالفكرة خاصة وأنه لا يوجد تمثال للخديوى إسماعيل في أحد الميادين في القاهرة أو في الإسكندرية ولا يوجد له إلا تماثيل نصفية في قصر عابدين ومن ثم تم الإعلان عن البدء في تنفيذ بناء التمثال في إحتفالية أقمتها الجالية الإيطالية في مصر تزامنت مع زيارة الملك إيمانويل وملكة إيطاليا إلى مصر في أوائل عام 1933م وقام بتصميم التمثال الفنان والنحات الإيطالي بيترو كانونيكا وقد تمت صناعة التمثال من البرونز بطول 3 أمتار ونصف وتم صبه بأحد المسابك بضواحى العاصمة الإيطالية روما وصور النحات الخديوى إسماعيل يقف شامخا مستندا على مقبض سيفه ويشير بإصبعه ويتسم التمثال بالجمود والسلطوية وهى أحد مظاهر الحقبة الفاشية فى إيطاليا وينتصب التمثال أعلي نصب تذكارى مصنوع من الرخام الأبيض صنع فى محاجر كرارة بإيطاليا وجاءت قاعدته الرخامية كقطعة فنية كما تزين محيط التمثال بأعمدة ونقوش وتيجان وحلى برونزية فضلا عن الدرج الأمامى للنصب التذكارى للتمثال وتم إختيار مكان التمثال بمنصة الجندى المجهول بميدان المنشية حاليا لوضع التمثال في وسطه من الداخل ودفعت البلدية بمدينة الإسكندرية 5400 جنيه مصرى لتزيين المنصة بالأعمدة المزخرفة وتركيب الرصيف والمصابيح وتطوع عدد من المهندسين والبنائين الإيطاليين بالقيام بأعمال البناء والتركيب .

ووضع التمثال على منصته فى شهر أكتوبر عام 1935م وتمت إزاحة الستار عن التمثال فى يوم 4 ديسمبرعام 1938م بحضور الملك فاروق ورئيس الوزراء آنذاك محمد محمود باشا والأمير محمد على توفيق ولي العهد آنذاك وعلى ماهر باشا رئيس الديوان الملكي آنذاك وأحمد محمد حسنين باشا رائد الملك ومعلمه ورئيس ديوانه فيما بعد وغيرهم من رجال الدولة كما شارك في الإحتفال كافاليرى لويجى فيدريزونى ممثل حكومة ملك إيطاليا وإمبراطور أثيوبيا والكونت سيرافينو ماتسولينى الوزير المفوض من الحكومة الإيطالية الملكية فى مصر وقنصل الحكومة الإيطالية الملكية بمصر حينذاك سيلفيو كامراني وظل التمثال فى مكانه حتى عام 1964م حينما أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرارا بتحويل موقع التمثال لنصب تذكارى للجندى المجهول وتسليم التمثال للقوات البحرية وإزالة الكتابات الخاصة بالجالية الإيطالية الموجودة بالمكان وبعدها قرر المحافظ الأسبق للإسكندرية محمد حمدى عاشور نقل التمثال إلي حديقة متحف الفنون الجميلة ومن الغريب أن التمثال قد تعرض للتلف فى مكانه بمتحف الفنون الجميلة وهو ما دفع مصلحة سك العملات بالتقدم بطلب لهيئة تنشيط السياحة لصهر التمثال وتحويله إلى عملات معدنية وهو ما سبب موجة غضب كبرى من الإيطاليين الذين عرضوا شراء التمثال وتقدم عدد من نواب البرلمان بإستجواب لوزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسنى لسؤاله عن وضع التمثال والمطالبة بعودة التمثال لمكانه وبعد دراسة تلك الإمكانية مع المجلس الأعلى للثقافة ومع مسئول المعارض آنذاك عصمت داوستاشى لكن مع إستقالة الأخير توقف مشروع نقل التمثال لمكانه الأصلى وبعد ذلك تقدم اللواء محمد عبد السلام المحجوب محافظ الإسكندرية الأسبق بمشروع لنقل تمثال الخديوى إسماعيل مرة أخرى ووضعه في ميدان كوم الدكة خلف المسرح الرومانى قرب محطة مصر بعد تجديده وعمل ساحة عامة به وتشجيرها وهو ماتم بالفعل وهو المكان الحالى والأخير للتمثال
 
 
الصور :
قصر عابدين  القناطر الخيرية فيلا ديليسبس بالإسماعيلية حديقة الأسماك بالزمالك كوبرى قصر النيل القديم حديقة الحيوان بالجيزة قصر القية ميدان التحرير