الثلاثاء, 16 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

العدالة في مصر القديمة
( الثواب والعقاب )

العدالة في مصر القديمة 
 ( الثواب والعقاب )
عدد : 08-2019
بقلم الدكتور/ رضا عبد الحليم

وُجدت ( الماعت ) عندما وجدت كمت ( مصر)

نرى هذا النص مكتوب ضمن ( نصوص الأهرام ) التي نقشت منذ عصر الدولة القديمة أي منذ قرابة 3000 سنة ق.م .
في هذا النص الذي يقول ( استبدل الظلم بالعدالة – ماعت - )

فالعدالة في مصر القديمة سميت ( ماعت ) حيث أنها ارتبطت بالمعبودة ذات الوجه الجميل والملامح الهادئة لأنثى مثالية تحمل في وجهها النضر وتقسيمات وجهها بسمة الحق وعلى رأسها ريشة العدالة وهي المكيال في الميزان حيث كان مفهوم فلسفي عميق أعطاه المصري لكل ما هو جميل ودفين في الإنسانية ، "ماعت" هي الثقة التي وضعتها السماء في الإنسان والتي بها ومن خلالها مازال في إمكان الإنسان أن يتواصل مع الاله، وسجل المصريون أناشيدهم في العدل ورب العدالة قائلين :

إلى ( رع ) رب السماء العالية "فلتجعل قلبي سكنا لماعت ...
ابنتك التي تسكن فيها ...
في ركابها فقط...
سأكون في بحيرة روحك"

تعرف "ماعت " في كتب التاريخ بربة العدل والعدالة وبالفعل كان المنهج الماعتى أساس القضاء في مصر القديمة وكان يطلق على كل القضاة لقب "كهنة ماعت"...

جسدها المصرى القديم في صورة امرأة ترتدي تاجا من ريشة نعام ... وهي نفس الريشة التي استخدمها المصري رمزيا في عملية حساب الموتى حيث كان القلب يوزن مقابل الريشة ، فإذا كان وزنه وزن الريشة كان "صادقا" مع نفسه، خلال رحلة حياته علي الأرض ، واستحق أن يظل اسمه حيا في الوجود، أما إذا كان أثقل من الريشة دل هذا على خداع النفس وعدم وئام الفعل والكلمة في حياته ، ولكن ما يعني هو مفهوم "الصدق مع النفس ، والذي كان يعنى للمصري البقاء الروحي رغم الموت الجسدي ومع ذلك لم يترك لنا المصري القديم تعريفا محددا لماعت ، ويمكننا أن نقول أن ماعت هي أسلوب حياة ( ماعت ليست هبة أو عطاء ). لكنها اكتساب ، بل احتراف ناتج عن الصدق والترويض الجيد للنفس والجهاد الشاق فى اعلاء الحق والعدل هنا هي الحكمة التي تتضمنها حروف كلمة ( ماعت ) فالحفاظ عليها يعنى ارتقاء تصاعدي في اتجاه إنسانية أفضل . وتحت مظلة هذا الاصطلاح نجد الكثير من المفردات الأخلاقية مثل (العدل والاعتدال- الأنسجام والتناغم -
التناسب والقياس- الاستقامة والوضوح - وفوق كل شيء الحقيقية....) ومع ذلك لم تكن "ماعت" معيارا ثابتا للأمور ... فكم ذاق المصري القديم نفسه خلال تاريخه الطويل من جراء افتقادها ... ولهذا نراه لايطالب حكامه بشيء إلا الحفاظ على "ماعت قانعا بان أي انجازات للحاكم مهما كان قدره لا يسوى شئ أمام اقامة الماعت/العدل ، ولهذا كان من عادة المصري في هذا الزمن أن يهدى "ماعت" للحاكم في صوره تمثال صغير عند تتويج الحاكم أو عند تجديد ولايته ، وكأنه على يقين بأن ماعت حتما عائدة من خلال تكرار التذكير بها .

وبالتأكيد لا يوجد نصا يشير إلى تذكرة الشعب للحاكم بمسئولية الحفاظ على "ماعت" أكثر بلاغة وقوة من شكاوى "الفلاح الفصيح" الذي يخاطب حاكمه مذكرا إياه بالدور المتوقع منه ومسؤليات الكرسي الذي يجلس عليه قائلاً: "إن كنت أبا لليتيم فأنت حبيب الماعت ...
وإن راعيت الفقير والمريض فأنت حبيب لماعت.. . وإن كنت لسانا للمظلوم وأذنا صاغية لشكواه فأنت حبيب لماعت ... ولن يمزق شراع مركبك يوما موج بحر الحياة إن كنت حبيبا لماعت" .

هكذا ظل المصري القديم يحلم بماعت ويتطلع يوما لتحقيقها، ويطالب حكامه باقامتها ، فماعت فلسفة أخلاقيه قابلة للتحقيق ، مبنية على الاعتدالية والوسطية، فلسفه تدرك فقط بالممارسة يستطيع الإنسان من خلالها أن يتخذ أسلوب حياة يحترم إنسانيته ويعرف أيضا قدراته المحدودة بضعفه البشرى ،وكما أشار الفلاح الفصيح لمضمون العدل في ماعت ، نراه ايضا يشير لوسطيتها واعتدالها فيقول:"لاتبخل على نفسك بماعت ولاتزيد على النفس فتطفو وتفيض" .. ، ويقول أبو الحكماء "بتاح حوتب" أيضا: "حافظ على ماعت ... وإياك أن تفرط فيها أو تضيعها" .

لقد أرسى المصري القديم كل أنظمته الاجتماعية على هذا المبدأ الماعتى الذي أعطى قيمة كبيره للمسئولية العامة ،لقد آمن المصري القديم بماعت ، وعرف أن بقائها من بقاء مصر نفسها، وكان إيمانه مستمدا من حقيقة واحدة وهى إذا ماتت ماعت.. ماتت مصر"

كلمات من ذهب، قالها المصري القديم وروحه تدرك تماما أن ماعت باقية لأن مصر الوجود
ببساطة لاتموت ولن تموت...
"لن يقدر الزمن يوما أن يميتها ... أنها قائمه هناك بسكونها... الموت لا يقدر أن يميت مثلها ... الموت يقدر فقط أن يبعثر هذا الزمن بعوالمه المرتجفة أما هي، ستظل دائما هي.
"
مفهوم العدالة (ماعت)

يقول العالم الألماني ( يان أسمان ) في دراسته ماعت مصر الفرعونية وفكرة العدالة الإجتماعية ، عن الإصدار الفرنسي ( الصادر لمحاضرات "كوليج دو فرانس ) إنه يجب على الإنسان الاتحاد بماعت حيث إنه من الضروري أن يكون ملتزما بالماعت ويمتليء قلبه بالماعت،، بل ويصبح نفسه ماعت لكي ينتصر على الفشل في حياته الدنيوية وعلى كل ما هو شائن، هكذا يكمن سر الدوام شبه الإعجازي للحضارة المصرية الذي استمر آلاف السنين.

وتقول العالمة الفرنسية ( كلير لالويت ) في دراستها ( الفراعنة في زمن الملوك الآلهة )
إن ماعت هي "رمز الحقيقة والعدالة، وهما فضيلتان لا تنفصمان وضروريتان إلى حد كبير
لحسن تدبير أمور المجتمع والعالم اللذين ألّههما المصري القديم .

وقد سلطت النصوص المصرية القديمة الضوء على مكانة الأخلاق، ومكافحة الجريمة بعقوبات مختلفة كعنصرين أساسيين في جوهر حياة المصريين قديما، وشغلت مكارم الأخلاق حيزا كبيرا استند إلى خبرات وعادات اجتماعية متنوعة وممتدة عبر تاريخهم، في الوقت الذي نهض فيه الدين بدور بارز في تنظيم حياتهم، في محيط الأسرة والمجتمع وتباينت تصورات المصري القديم تجاه انتهاك الحقوق، واعتبره بمثابة خرق للأعراف الأخلاقية فاستمد على الأرجح من محكمة العالم الآخر الدينية، التي يحاكم أمامها المتوفى عما اقترفه من أعمال في دنياه نموذجا لمحكمة مدنية لتحقيق الانضباط في المجتمع، وارتبطت الجريمة والعقوبة في مصر القديمة بعوامل أخلاقية وعرفية ودينية، استندت جميعها إلى مفهوم ماعت الذي يشير إلى "الحقيقة والعدالة" في المجتمع، الأشبه على سبيل التقريب بالضمير .
 
 
الصور :