الخميس, 18 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الإسكندرية في 2350 عام
-ج1-

الإسكندرية في 2350 عام 
-ج1-
عدد : 09-2019
بقلم المهندس / طارق بدراوى



مدينة الإسكندَرِية عروس البحر الأبيض المتوسط تعد العاصمة الثانية لمصر والميناء الأول لها وقد كانت عاصمتها قديما منذ عام 331 ق.م عندما تأسست علي يد الإسكندر الأكبر المقدوني وأطلق عليها إسمه وكانت أيضا عاصمة لمصر في عصر البطالمة وفي العصرين الروماني والبيزنطي وحتي قدوم الفتح الإسلامي إلي مصر علي يد القائد عمرو بن العاص في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب عام 21 هجرية الموافق عام 642م حيث تم نقل العاصمة إلي مدينة الفسطاط التي شيدها عمرو بن العاص في الموضع الذى نصب فيه فسطاطه عند دخوله مصر والتي تقع شرق النيل في منطقة مصر القديمة حاليا ومدينة الإسكندرية هي عاصمة المحافظة التي تحمل نفس الإسم وأكبر مدنها وتقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط بطول حوالي 55 كيلو متر شمال غرب دلتا النيل ويحدها من الشمال البحر المتوسط وبحيرة مريوط جنوبًا حتى الكيلو 71 على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي ويحدها من جهة الشرق خليج أبو قير ومدينة إدكو التابعة لمحافظة البحيرة ومن الغرب تحدها منطقة سيدي كرير حتى الكيلو 36.30 على طريق الإسكندرية مطروح السريع ومن الناحية التاريخية ترجع علاقة مصر ببلاد الإغريق قبل مجئ الإسكندر الأكبر إلي مصر بعدة قرون فقد تمكن تجار اليونان والوسطاء من تأسيس محلة لهم فى دلتا النيل هى قرية كوم جعيف بمحافظة البحيرة كما توطدت علاقة المصريين بالإغريق طوال فترة الإستعمار الفارسي لوادى النيل حيث أنه بعد تولي قمبيز الثاني عرش بلاد فارس في عام 530 ق.م عمل على تثبيت دعائم حكمه وتأمين حدوده التي قامت فيها بعض القلاقل وبعد أربعة سنوات بدأ في التفكير في إحتلال مصر وضمها إلى الإمبراطورية الفارسية ووفقاً للمؤرخين اليونانيين وخصوصاً هيرودوت فإن ملك بلاد فارس قمبيز الثاني قد طلب من فرعون مصر حينذاك أحمس الثاني طبيباً للعيون مقابل مردود جيد إلا أن الطبيب كان يكره العمل الشاق الذي يوكله إياه الفرعون كل حين فأقنع قمبيز أن يطلب من أحمس الثاني أن يتزوج إبنته مدركاً أنه سوف يرفض مما سوف يغضب قمبيز ولم يرد أحمس الثاني أن يرسل إبنته كما أنه لم يرد أن ينشأ صراع بينه وبين الفرس فأرسل إليه إبنة الفرعون السابق أبريس والتي إعترفت بإنها ليست ابنة أحمس الثاني فغضب قمبيز الثاني من ذلك وإعتبر أن الأمر يعد إهانة له كما يرجع المؤرخون اليونانيون سببا آخر جعل قمبيز يعجل بغزو مصر وهو أنه كان لفرعون مستشارا يدعى فانيس يعرف كل صغيرة وكبيرة عن مصر وجيشها إلا أنه إختلف مع الفرعون فهرب منه وبالرغم من بعث الفرعون قتلة مأجورين خلفه ليقضوا عليه إلا أنه تمكن من أن يفلت من قبضتهم وان يهرب إلى بلاد فارس ومن هناك ساعد الملك الفارسي قمبيز الثاني في غزو مصر والإستيلاء عليها وإحتلالها .


وكانت مصر في ذلك الوقت وطيلة مدة حكم أحمس الثاني تتمتع بتقدم وإستقرار كبيرين وبالرغم من ذلك كانت هناك بعض أوجه الضعف التي بدا أنها تشكل خطراً علي البلاد منها أن الجيش المصري كان عماده الأساسي كثير من العناصر الأجنبية المرتزقة مما يجعل من ولائهم محل شك وكانت أيضا المنح السخية التي كان يخصهم بها أحمس الثاني سببا لإثارة مشاعر الحسد والحقد من جانب المصريين عليهم وكان من نتيجة تلك الأمور أن فر أحد القادة في الجيش ويدعى فانيس إلى صفوف جيش قمبيز ووشى له بخطط الجيش المصري ومواقعه كما دله على مسالك الصحراء وحاول أحمس الإستعداد للهجوم المتوقع من قبل قمبيز بمحاولة عقد حلف مع بلاد قبرص والطاغية بوليكرات من ساموس الذي كان يملك أسطولاً كبيراً حتى تكون له السيادة البحرية ولكنه فشل حيث خذله وإنضم إلى الفرس وإستطاع قمبيز الثاني تأمين الماء لجيشه من زعماء الأقاليم التي سوف يمر عليها الجيش في صحراء شبه جزيرة سيناء وفي صحراء مصر الشرقية وفي هذه الأثناء توفي أحمس الثاني قبل أن يبدا قمبيز حملته ويصل إلى مصر وتولى إبنه بسماتيك الثالث الحكم خلفاً لوالده وواجه جيش قمبيز الفارسي عند وصوله إلى القلعة الأمامية على حدود بيلوزيوم قرب بورسعيد الحالية وقد هزم بسماتيك في هذه المعركة وإنسحب إلى منف وإستمر قمبيز في تقدمه فوصل إلى عين شمس ثم إلى منف حيث واجهه بسماتيك مرة أخرى ولكنه هزم وأسر في هذه المعركة وبذلك إستولى قمبيز على مدينة منف وبذلك وقعت مصر في يد الفرس وأصبحت ولاية فارسية في عام 525 ق.م وحكمها قمبيز لمدة 3 سنوات حتي عام 522 ق.م بالحديد والنار وعامل أهلها أسوأ معاملة وفي العام الأخير من حكمه كان الوضع في فارس يتجه نحو الإضرابات والفتن التي إجتاحت الإمبراطورية الفارسية والبلاد المجاورة لها ومن ثم إضطر قمبيز أن يسرع إلى بلده وأن يترك مصر لأن أخبار بلاده السيئة قد وصلته وعندما كان يهم ليركب جواده أصابه نصل سيفه في فخذه وبعد عشرين يوما توفى متأثرا بجرحه بعد أن تلوث وتسمم وبعد حوالي قرنين من الزمان وبعد إستيلاء فيليب المقدوني والد الإسكندر الأكبر علي الحكم في مقدونيا إستطاعت مقدونيا تحت حكمه أن توحد بلاد الإغريق وتخلق منها مملكة قوية ومتماسكة ذات حدود آمنة ومن ثم عزم فيليب المقدوني على القيام بغزو الإمبراطورية الفارسية ولكن لم تمهله الأقدار لإستكمال هذه المهمة فقد تم قتله علي يد زوجته أوليمبياس قبل تنفيذ مشروعه تاركاَ لإبنه وخليفته الإسكندر الأكبر هذه المهمة وبدأ الإسكندر حملته وإنتصر على القوات الفارسية فى قارة اًسيا والتي كانت تحت قيادة داريوس الثالث الذي هزمه وأطاح بملكه وشملت فتوحاته الأناضول و بلاد الرافدين وفارس ووسع حدود إمبراطوريته حتى وصلت بلاد البنجاب والهند ثم سيطر على الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط حيث إحتل كل موانئ ومدن الساحل الشرقي للبحر المتوسط في سوريا وفينيقيا وفلسطين وغزة ومصر .


وتتلخص قصة إستيلاء الإسكندر علي مصر في انه قام بحصار غزة في شهر أكتوبر من عام 332 ق م وكان هناك حصن مبني في غزة على مرتفع وكان ذو تحصينات منيعة ولم يشأ أهل غزة وحلفاؤهم الأنباط أن يخسروا تجارتهم المربحة التي سيطرت عليها غزة لذلك رفض قائد الحصن باتيس أن يسلم الحصن للإسكندر وكان هذا القائد ضخم القوام عديم الرحمة وبعد ثلاث هجمات تمت السيطرة على الحصن عنوة ولكن لم يتم ذلك إلا بعد أن أصيب الإسكندر بجرح غزير في كتفه لقاء سهم أطلق من مقلاع على الأسوار وقُتل باتيس على يد الإسكندر عندما تملكه الغضب بعد أن رفض باتيس الإنحناء أمامه مبديا أمارات الكبر والأنفة عبر إلتزامه الصمت وإزدرائه لفاتح حصنه ومع سقوط غزة سار الإسكندر نحو مصر التي كانت تحت الحكم الفارسي وكان المصريون يكرهون الفرس أشد الكراهية ذلك أن الفرس لم يروا في مصر سوى سلة خبز كبيرة لهم ومن ثم رحبوا بالإسكندر كملك عليهم ونظروا إليه على أنه صديق وحليف يحترم عقائدهم ولذا فقد وضعوه على عروش الفراعنة وتم تتويجه على نهج الفراعنة وتم منحه تاج مصر العليا وتاج مصر الدنيا ولقب بتجلي رع و تجسد أوزوريس كما حمل لقب إبن آمون ووصل الإسكندر بعد ذلك الى الموضع الذى أسس فيه مدينة الإسكندرية فيما بعد فى أواخر عام 332 ق.م فسلم له الوالى الفارسي دون مقاومة وتقدم بعد ذلك إلى مدينة منف بين مظاهر الترحيب الشديد من أبناء مصر الفرحين بخلاصهم من الحكم الفارسي البغيض وكان من أعظم الأعمال التي قام بها هو تأسيس مدينة الإسكندرية التى حملت إسمه فخلدته للأبد وتتلخص قصة بناء هذه المدينة في أن الإسكندر وهو فى الطريق على ساحل البحر المتوسط إسترعى إنتباهه رقعة من اليابسة تفصل البحر المتوسط عن بحيرة مريوط وأخذ يفكر مليا فى تلك الرقعة حيث كان لها مواصفات عجيبة تصلح لإنشاء مدينة عظمى على أحدث الطرز فى ذلك الوقت ومن هذه المواصفات إمكانية وصول مياه الشرب العذبة من النيل عن طريق فرع النيل الكانوبي أحد فروع النيل السبعة التي كانت للنيل في هذه الحقبة الزمنية إلي جانب وجود جزيرة صغيرة فى مواجهة تلك الرقعة لا تبعد عنها أكثر من ميل واحد مما يمكن وصلهما معا وبحيث تعتبر هذه الجزيرة جبهة دفاعية أمامية للمدينة علاوة علي وجود بحيرة مريوط جنوب هذه اليابسة مما يشكل تحصينا دفاعيا من ناحية الجنوب وهذه المواصفات أقنعت الإسكندر بضرورة إنشاء مدينة فى هذا الموقع تحمل إسمه وتخلد ذكراه وتكون عاصمة لمصر وميناء يخدم التجارة الدولية فى هذه المنطقة وكان الطرف الغربي فى هذه المنطقة عبارة عن قرية تسمى راكوتيس أو راقودة كانت مأهولة بالسكان الذين كانوا يعملون بالصيد ولما إختمرت الفكرة فى ذهن الإسكندر عهد الى مهندسه اليونانى دينو قراطيس بتخطيط هذه المدينة الجديدة والذى إرتبط إسمه بتاريخ الإسكندرية منذ أن وضع التخطيط الأول لهذه المدينة في أوائل عام 331 ق.م وقسم أرضها الفضاء الى طرق وميادين وأحياء فكان لعبقريته الهندسية الفضل فى نشوء هذه المدينة وكان دينو قراطيس في الأصل إغريقيا من جزيرة رودس فى البحر المتوسط وقد إصطحبه الإسكندر معه ضمن مستشاريه كما رافقه فى جولته الكشفية التى بدأها من مدينة كانوب أبو قير التي تقع شرق الإسكندرية حتى المنطقة القريبة من قرية راكوتيس أو راقودة وجزيرة فاروس بحثا عن مكان ملائم يشيد فيه مدينة الإسكندرية العاصمة الجديدة لمصر .


وفي تخطيطه لمدينة الإسكندرية إختار المهندس دينو قراطيس النمط الهيبو دامى أو ما يطلق عليه في علم تخطيط المدن النظام الشبكي المتعامد لهذه المدينة وهو عبارة عن شارعين رئيسيين متقاطعين بزاوية قائمة ثم تخطيط شوارع أخرى فرعية تتوازى مع كل من الشارعين وهو التخطيط الذى شاع إستخدامه فى العديد من المدن اليونانية منذ القرن الخامس قبل الميلاد وبدأ المهندس دينو قراطيس بمد جسر يربط بين الجزيرة التى سميت فيما بعد بجزيرة فاروس وكان طول هذا الجسر 1300 متر ونتيجة لإنشاء هذا الجسر أصبح هناك ميناءان أحدهما شرقي يسمى بالميناء الكبير والأخر غربي ويسمى ميناء العود الحميد وتم تقسيم المدينة الى خمسة أحياء حملت حروف الأبجدية اليونانية الأولى ومن هذه الأحياء الحى الملكى أو البروكيون والحى الوطنى وحى اليهود وكان الشارع الرئيسي الذى يمتد من الشرق الى الغرب فى وسط المدينة وعرف بإسم شارع كانوب وهو شارع فؤاد حاليا ويحده من الشرق بوابة كانوب ومن الغرب باب سدرة أما الشارع الرئيسي المتعامد معه والذى يمتد من الشمال إلى الجنوب فهو يقابل الأن شارع النبى دانيال وكان يحده من الشمال بوابة القمر ومن الجنوب بوابة الشمس كما كان من ضمن تخطيط المدينة معبد السرابيوم لعبادة الإله سيرابيس وكان يقع بالمنطقة بين باب سدرة وكوم الشقافة وكان بجواره معبد الإله مترا الإغريقي واللذان قد تهدما أيام الرومان وسرعان ما إكتسبت الإسكندرية شهرتها بعدما أصبحت سريعا مركزا ثقافيا وسياسيا وإقتصاديا وكانت تتسم في مطلعها في عهد الإسكندر بالصبغة العسكرية كمدينة للجند الإغريق ثم تحولت أيام خلفائه البطالمة الإغريق إلي مدينة ملكية بحدائقها وأعمدتها الرخامية البيضاء وشوارعها المتسعة ومن الناحية التاريخية فبعد أن إستولى الإسكندر الأكبر على مصر وشرع في إنشاء مدينة الإسكندرية أراد زيارة معبد آمون بواحة سيوة الذي كان قد نال شهره عمت آفاق العالم القديم بأسره في مسألة التنبؤ بالمستقبل وكان ذلك فى شتاء عام 331 ق.م فخرج الإسكندر بموكبه من الإسكندرية يصحبه بعض رفاقه مع وحدات من الجيش متجها إلى ناحية الغرب متوجها إلى باراتونيم قديما مرسى مطروح حاليا ومنها إلى الجنوب في طريق القوافل المعروف بإسم سكة السلطان ويحكى أنه بعد أيام من بدء الرحلة نفذ الماء الذي مع القافلة وإستولى الرعب علي الجميع وإحتاروا فيما يفعلون إلا أن العناية الإلهية حلت بهم إذ هطلت أمطارغزيزة مع أن هذه المنطقة نادرة المطر وبذلك إستطاعوا ملء جرارهم من مياه الأمطار وبعد عدة أيام تالية هبت عاصفة رملية شديدة من الجنوب وضاعت معالم الطريق أمامهم وفجأة ظهر لهم طائران يحلقان في السماء وفى الحال أصدر الإسكندر أوامره بأن تتبعهم القافلة قائلا إن هذين هما رسولان من آمون وعلى هداهم وصلوا إلى واحة سيوة ويبدو أن الإسكندر لم يخبر كهنة آمون بهذه الزيارة المفاجئة من قبل ولذلك ظهر الإندهاش والتعجب على وجوه أهل سيوة وكهنة آمون عند رؤيتهم قافلة الإسكندر القادمة وفى الحال خرج الكهنة لإستقباله عند البوابة وصاحبوه حتى معبد آمون وعلى بابه وجد الإسكندر الكاهن الأكبر يدعوه إلى دخول الصومعة الداخلية للمعبد لكى يستشير آمون بنفسه إكراما لشخصه ومكانته وقدره وعندما خرج بدت عليه السعادة وظهرت عليه علامات الرضا والسرور ولما سأله رفاقه عما حدث في الصومعة رفض أن يبوح بشئ من هذه الأسرار وأعلن انه لن يبوح بها إلا لأمه ولكنه مات بعدها قبل أن يصل إليها ودفن وهو يخبئ في صدره الأسرار التي قالها له آمون .


وبعد عودته من واحة سيوة توجه الإسكندر إلي مدينة منف مرة أخرى ثم خرج منها لكي يستكمل فتوحاته في قارة آسيا ولم يحالفه الحظ لرؤية ولو مبنى واحد من المدينة التي أمر ببنائها حيث عاد إليها بعد موته ليدفن جثمانه بها ولهذا الأمر قصة طويلة حيث كان الإسكندر الأكبر المقدونى قد توفى فى بابل ببلاد العراق عام 323 ق.م وتم تحنيط جثمانه فور وفاته وتم وضعه فى تابوت مرصع من الذهب الخالص وهي العادة الفرعونية التي كانت سائدة آنذاك ثم صنعت له عربة خاصة لنقله وإتفق قادته على أن يتم دفنه فى موطنه ببلاد اليونان وكانت العربة تحمل محفة محلاة بالذهب والأحجار الكريمة ويجرها أربعة وستون بغلا برقبة كل منها طوق تحليه الأحجار الكريمة وسار موكب الجنازة من بابل حتى وصل إلي بلاد الشام غير أن بطليموس الأول خليفته في حكم مصر كان حريصا على أن يدفن الإسكندر فى المملكة التي يحكمها وهي مصر إذ كانت هناك نبوءة أو أسطورة شهيرة تقول إن المملكة التى ستحوى قبر الإسكندر ستعيش قوية مزدهرة وعندما علم بطليموس بإقتراب الموكب من حدود مصر سارع على رأس جيشه لإستقبال الجثمان ونجح فى إحضاره إلى مصر ولما وصل الموكب إلى مدينة منف قام بطليموس بدفن الجثمان هناك حسب الطقوس المقدونية ثم رأى بطليموس الثانى من بعده أن ينقل جثمان الإسكندر إلى المدينة التى أنشأها وتحمل إسمه فنقلت رفاته من منف إلى مدينة الإسكندرية القديمة حيث بقي حتى ما قبل بداية العصور الوسطى بقليل وقد أقدم بطليموس التاسع وهو من أواخر خلفاء بطليموس الأول على نقل مومياء الإسكندر من التابوت الذهبي إلى تابوت آخر مصنوع من الزجاج وذلك حتى يتسنى له إذابة الأول وسك العملات من سائله وقد قام كل من القادة الرومان بومبي ويوليوس قيصر وأغسطس قيصر بزيارة ضريح الإسكندر ويقال إن الأخير قد إقتلع الأنف عن طريق الخطأ كما ورد أن يوليوس قيصر بكى عندما بلغ عامه الثالث والثلاثين قائلا إنه على الرغم من كل إنجازاته لم يبلغ ما بلغه الإسكندر من المجد في هذه السن كذلك قيل إن الإمبراطور الروماني كاليجولا إقتلع الصفحية الصدرية من المومياء وإحتفظ بها لنفسه كما أقدم الإمبراطور سپتيموس سيڤيروس على إغلاق ضريح الإسكندر أمام العامة في عام 200م وقام إبنه الإمبراطور كاراكلا وهو من أشد المعجبين بالإسكندر بزيارة قبره خلال فترة حكمه وبعد مضي هذا العهد أخذت الدلائل والنصوص التي تتحدث عن ضريح الإٍسكندر تقل تدريجيا إلى أن أصبح موقعه ومصيره من ضمن الأمور التاريخية التي يكتنفها الغموض والضباب حاليا والخلاصة أنه لا أحد يعرف بالتحديد مكان مقبرة الإسكندر حتي يومنا هذا وأن الموضوع لا يخلو من كونه إجتهادات شخصية من بعض الأثريين حيث هناك رأيان أحدهما يرجح وجود مقبرة الإسكندر الأكبر في حي كوم الدكة بالقرب من المسرح الروماني المواجه لمحطة مصر والآخر يرجح وجود المقبرة فى شارع النبى دانيال وتحديدا عند مثلت تقاطع شارع النبى دانيال مع شارع فؤاد تحت مسجد النبى دانيال على أساس أن هذا المكان هو نقطة تلاقى الشارعين الرئيسيين بمدينة الإسكندرية وقت أن بناها الإسكندر منذ حوالي 2350 سنة وأنه في حالة العثور على مقبرة الإسكندر ستحدث ضجة عالمية تفوق ضجة العثور على مقبرة توت عنخ آمون في وادى الملوك بمدينة الأقصر عام 1922م علي يد المستكشف الإنجليزى هوارد كارتر وسيكون خبر العثور عليها حديث العالم كله وسيفد إلي الإسكندرية حينذاك علماء الآثار والباحثون والصحفيون ومندوبو وكالات الأنباء والمحطات التليفزيونية والسياح العاديين من شتي أنحاء العالم لزيارة هذه المقبرة الشهيرة وما تزال الجهود تبذل حتي يومنا هذا من أجل الكشف عن مكان هذا الضريح وقد تولى الحكم بعده أخيه أريدايوس والذي كان قاصرا في العقل بمشاركة إبن الإسكندر من زوجته روكسانا والذي ولد بعد موت أبيه ومنح إسم الإسكندر الرابع لذا تم الاتفاق على تعيين أحد قواد الإسكندر وهو برديكاس وصيا وقيما على كليهما ثم بعد فترة طويلة من الإضطرابات والصراع علي الحكم بين قادة الإسكندر تم تجزئة إمبراطورية الإسكندر بين ثلاث من قواد جيشه وكانت مصر من نصيب أمهرهم وهو بطليموس الأول والملقب بسوتير والذي حكمت أسرته مصر طيلة الثلاث قرون التالية ورغم كونه غير مصري حيث كان مقدونى المولد إلا أنه شهد ميلاد المدينة الجديدة والتي أرادها أن تصبح عاصمة ثقافية وفكرية للعالم أجمع وفي عهده مابين عام 305 ق.م وحتي عام 283 ق.م إتسعت مملكته لتشمل ليبيا وفلسطين وقبرص بجانب مصر وفي عهده إنتعشت الإسكندرية وتم البدء في تأسيس مكتبة الإسكندرية القديمة الشهيرة في منطقة الشاطبي الحالية بالقرب من كلية سان مارك المعروفة ومبنى إدارة جامعة الإسكندرية التي يظن أن الإسكندر الأكبر قد وضعها ضمن تخطيطه للمدينة عند تأسيسها ولكنها لم تبن في عهده ومما يذكر أن مدينة الإسكندرية قد إزدادت إنتعاشا وبلغت أوج مجدها مع حلول عام 250 ق.م في عهد سلفه بطليموس الثاني الذى حكم مصر من عام 284 ق.م حتي عام 246 ق.م والذي عمل علي تحويل الإسكندرية إلى عاصمة جديدة للحضارة الإغريقية بدلا من أثينا وكان شغوفاً بالعلم والمعرفة ولذلك فقد إهتم بإستكمال بناء المكتبة التي تم البدء في بنائها أيام سلفه خلال النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد وكان يشرف عليها وقام بتنظيمها ووضع مخططها المعمارى ديمتريوس الفاليرى اليوناني وكان مستشارا لبطليموس الأول وهو الذى جمع الكتب التي كانت تحتويها المكتبة حيث كانت تضم أكبر مجموعة من الكتب والمخطوطات في العالم القديم والتي وصل عددها آنذاك إلى 700 ألف مجلد بما في ذلك أعمال هوميروس ومكتبة أرسطو وجدير بالذكر أن بطليموس الثاني قام بتوسعتها وإضافة ملحقات لها مما جعلها تتسع لهذا العدد الهائل من الكتب والمخطوطات وللأسف حدث حريق ضخم عام 48 ق.م وذلك عندما أحرق يوليوس قيصر عدد 101 سفينة كانت موجودة علي شاطئ البحر المتوسط أمام مكتبة الإسكندرية بعدما حاصره بطليموس الصغير شقيق كليوباترا بعدما شعر أن يوليوس قيصر يناصر كليوباترا عليه وإمتدت نيران حرق السفن إلي مكتبة الإسكندرية فأحرقتها حيث يعتقد بعض المؤرخون أنها دمرت تماما وأن هذا الحريق قد أنهي حياة المكتبة ومحاها من الوجود بشكل كامل وهناك رواية أخرى في شأن دمار المكتبة ومحوها من الوجود نهائيا وهو أنه قد لحق بالمكتبة أضرارا فادحة أدت إلي تدميرها في عام 391م عندما أمر الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس بتدميرها وكان من أهم أعمال بطليموس الثاني أيضا البدء في تشييد الموسيون أو دار ربات الحكمة كما كان يطلق عليها قديماً أو جامعة الإسكندرية وحرص على دعوة الكثيرين من علماء الإغريق وأدبائهم وفلاسفتهم وفنانيهم وكانت النتيجة أن إزدهرت فى المدينة الكثير من العلوم منها الدراسات الجغرافية والتاريخية ودراسات علوم الفلك ودراسات العلوم الهندسية والعلوم الطبية وعلوم الصيدلة والدراسات اللغوية والأدبية والدراسات الفلسفية وكان من بين هؤلاء العلماء والأدباء والفلاسفة إقليدس عالم الهندسة الذي تتلمذ على يديه أعظم الرياضيين مثل أرشميدس وأبولونيوس وكان منهم أيضا عالم الطب والتشريح هيروفيلوس وعالم الصيدلة جالينوس وعالم الجراحة إراسيستراتوس وعالم الفلك إريستاكوس وعالم الجغرافيا إراتوستينس وعالم النبات ثيوفراستوس علاوة علي الشاعرين كليماكوس وثيوكريتوس والأديب فيلون السكندرى وعشرات غيرهم ممن أثروا الفكر الإنساني بالعالم القديم .


ولايفوتنا هنا أن نلقي الضوء علي أهمية مكتبة الإسكندرية القديمة فقد كانت أقدم مكتبة عامة حكومية يستطيع أى فرد زيارتها ومطالعة الكتب بها فالمكتبات المثيلة لها في عهد الفراعنة كانت خاصة بالكهنة كما تعود أهميتها أيضا إلي أنها قد حوت كتب وعلوم الحضارتين الفرعونية والإغريقية وبها حدث المزج العلمي والإلتقاء الثقافي الفكري مابين علوم الشرق وعلوم الغرب فهي إذن نموذج للعولمة الثقافية في العصر القديم والتي أفرزت الحضارة الهلينيستية حيث تزاوجت الحضارتان الفرعونية والإغريقية وترجع عظمة المكتبة أيضا إلي النظام الذى وضعه القائمون عليها حيث فرضوا على كل عالم يدرس بها أن يدع بها نسخة من مؤلفاته ولأنها أيضا كانت في معقل العلم ومعقل البردى وأدوات الكتابة المصرية القديمة حيث جمع بها ما كان في مكتبات المعابد المصرية القديمة وما حوت من علم جامعة أون الفرعونية وأخيرا وليس آخرا تحرر علماؤها من قيود السياسة والدين والجنس والعرق والتفرقة فالعلم فيها كان من أجل البشرية فالعالم الزائر لها أو الدارس بها لا يسئل إلا عن علمه لا عن دينه ولاعن قوميته وعلاوة علي ذلك فقد قام بطليموس الثاني بجمع كل الكتب من اليونان وسوريا وبابل وبلاد فارس والهند والتي قام بشرائها بماله الخاص ووضعها في المكتبة لكي يأتي الطلبة إليها من جميع أنحاء العالم ليتعلموا أمور علوم الرياضيات والفيزياء والطب والفلسفة والأدب كذلك قرر أن تتم ترجمة التوراة إلى اليونانية وبناءا على طلبه إختار الكاهن الأكبر لمعبد القدس 72 من كبار اليهود وأرسلهم إلى الإسكندرية ليقوموا بشرح التوراة للمترجمين فأتموا ترجمة الكتب الخمسة المنسوبة إلى نبي الله موسى وأصبحت هذه الترجمة للتوراة معروفة بالنص السبعيني و لم تكن الإسكندرية في ذلك العصر معروفة فقط بأنها عاصمة العلم والمعرفة بل كانت أيضاً معروفة بأنها أكبر مكان لتجمع اليهود على مستوى العالم حيث كان لإنتعاش ونمو المدينة أثر في زيادة الهجرات اليهودية للمدينة وكان جيش البطالمة يضم بعض الجنود المرتزقة الذين كان منهم اليهود والذين سكنوا مصر وبالتحديد في الإسكندرية كذلك فقد إشترى بطليموس الثاني الكثير من العبيد اليهود ثم أطلق سراحهم وسمح لهم بالسكن في الإسكندرية والحقيقة أن يهود الإسكندرية في ذلك العصر قد شاركوا في نمو المدينة فكرياً فظهر منهم الكثير من الفلاسفة والعلماء .

وبالإضافة إلي مكتبة الإسكندرية القديمة فقد تم بناء منارة الإسكندرية أحد عجائب الدنيا السبع القديمة في عهد بطليموس الثاني أيضا عام 280 ق.م وذلك علي يد المهندس المعمارى اﻹغريقي سوستراتوس فوق شبه جزيرة فاروس بشاطئ اﻹسكندرية الغربي والتي بنيت مكانها بعد إنهيارها قلعة قايتباى بعد ذلك في عهد السلطان المملوكي اﻷشرف قايتباى عام 1477م والتي مازالت قائمة حتي اﻵن وتعد من أهم معالم الإسكندرية ومزاراتها السياحية حيث دمرت المنارة بسبب زلزال تعرضت له اﻹسكندرية عام 1323م في عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون ويظن أن الحجارة التي بنيت بها قلعة قايتباى من بقايا الحجارة التي كانت مبنية بها المنارة وكانت قاعدة المنارة مربعة الشكل بها حوالي 300 غرفة لزوم سكن الفنيين الفائمين علي تشغيل المنارة وأسرهم يعلوها دور أول مثمن اﻷضلاع فدور ثاني دائرى الشكل ثم تأتي قمة المنارة ويستقر عليها الفانوس الذى كان يعد مصدر اﻹضاءة ﻹرشاد السفن يعلوه تمثال ﻹيزيس ربة المنارة وكان إرتفاع المنارة بالكامل 120 مترا ويظن أن الصعود للمنارة كان يتم عبر منحدر حلزوني وأن الوقود اللازم لتشغيل فانوس المنارة كان يتم رفعه بواسطة نظام هيدروليكي إبتكره علماء هذا العصر وعلاوة علي ذلك فقد تم أيضا في عهد بطليموس الثاني إعادة حفر وتشغيل قناة سيزوستريس التي كانت تربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر والتي كان قد تم حفرها في عهد الملك سنوسرت الثاني عام 1874 ق.م وسميت قناة بطليموس الثاني .

وخلف بطليموس الثاني إبنه الأكبر بطليموس الثالث ليصبح الحاكم الثالث من البطالمة في مصر وقد جاء إلى الحكم عام 246 ق.م بعد موت أبيه وقد لقبه المصريون بالمحسن وقد تمكن من السيطرة علي سوريا وآسيا الصغرى في عام 246 ق.م وقد نتج عن هذين الفتحين الكبيرين مجد عسكري ومنفعة مادية وإنعكس ذلك على حب المصريين له وإستحق لقبه المحسن وقد توفى عام 222 ق.م وبعد وفاته بدأت مصر تسقط كقوة عظمى في العالم حيث منذ عصر سلفه بطليموس الرابع ما بين عام 221 ق.م وحتي عام 204 ق.م بدأت تحدث بعض الإضطرابات كما انه خاض حروباً في فلسطين أدت في النهاية لضياع الشام من قبضة مصر مما كان له أثر سلبي على يهود الإسكندرية الذين أظهروا كثيرا من التمرد والعنف طيلة الثلاثين عاما التالية ومن وقت لآخر حتى سقوط البطالمة و بصفة عامة كان للبطالمة الجانب المضئ والجانب السلبي أمرهم كأمر أي شيء في العالم فالنهضة العلمية والفكرية وتأسيس المكتبة والمنارة والمعابد وعلى رأسها معبد سيرابيس إلي جانب توصيل جزيرة فاروس بالشاطئ الرئيسي للمدينة وإنشاء المنطقة المعروفة بإسم المنشية حاليا الأمر الذى لم يتح فقط سهولة الإنتقال للجزيرة بل سمح كذلك بوجود مينائين للمدينة ميناء شرقي وميناء غربي كذلك إلتزام البطالمة بالتقاليد والعقائد المصرية حيث مزجوا بين المعبودات المصرية القديمة واليونانية وإعتمدوا بصفة عامة على ولاء الشعب المصري وإعتبروا نفسهم كمصريين وعلى الجانب الآخر كانت معاناة المصري البسيط من سوء الأحوال الإقتصادية بسبب الضرائب المرتفعة كذلك كان اليونانيون يمثلون الطبقة العليا في مصر رغم أن الجهاز الإداري ظل في أيدي المصريين فضلا عن أن القصر الملكى عاني من فضائح عائلية من قتل وسرقة للعرش وغيرها ونستطيع أن نقول إن العصر الذهبي للإسكندرية كان وبحق من نصيب أول ثلاث حكام ولذلك فبسبب كثير من الصراعات على الحكم داخل الأسرة البطلمية في أواخر عهدها بدأت روما القوة الصاعدة الجديدة في ذلك الوقت في السيطرة على مصر حتى أصبحت مصر في النهاية تحت الوصاية الرومانية منذ عام 80 ق.م وفى عام 48 ق.م إستعانت كليوباترا السابعة بالقائد الروماني يوليوس قيصر للتخلص من أخيها بطليموس الثالث عشر بسبب صراعهما على الحكم فدخل بجيشه الإسكندرية للقضاء على أخيها وبعد عدة معارك إنتصر قيصر وتم قتل أخيها وبذلك إستطاعت كليوباترا الانفراد بحكم مصر وطبقا لآراء بعض المؤرخين فقد تم حرق مكتبة الإسكندرية الشهيرة في ذلك الوقت في صراع يوليوس قيصر مع شقيق كليوباترا كما دخلت كليوباترا في علاقة حب أولا مع يوليوس قيصر والذى تزوجها وأنجب منها طفل إسمه قيصرون ولكن لم يستمر الزواج طويلا حيث قتل يوليوس قيصر في عام 44 ق.م ثم دخلت بعد ذلك في علاقة حب أخرى مع القائد الروماني الشهير مارك أنتونى الذي بسببه أقحمت كليوباترا مصر في معركة اكتيوم البحرية مع منافسه أوكتافيوس تلك المعركة التي قامت يوم 2 سبتمبر عام 31 ق.م وإنتهت بهزيمة الأسطول المصري أمام سواحل الإسكندرية ومقتل مارك انتونى ثم إنتحار كليوباترا وإنتهي الأمر بسقوط مصر في يد الإمبراطورية الرومانية في عام 30 ق م .

وفي هذه الحقبة الزمنية من تاريخ مصر حولها الرومان من دولة مستقلة ذات سيادة إلى مجرد ولاية تابعة للإمبراطورية الرومانية الوليدة والتي إتخذت روما عاصمة لها ولم يقدم الرومان الكثير ليحظوا بإحترام أو تقدير المصريين مثلما فعل البطالمة وإتسم عهدهم بكثير من الأحداث والصراعات وبدأوا حكمهم بإلغاء مجلس المدينة في الإسكندرية العاصمة وهو ما يعرف بالبرلمان حالياً مما أثار الإحتجاج والغضب كذلك تم نزع جميع القوى عن الأسرة البطلمية مما أدى إلى ظهور طبقة من الأثرياء النبلاء بلا عمل كما زادت الضرائب وكأنها نوع من العقاب الجماعي للمصريين كما إعتبر الرومان أن مصر هي سلة الطعام لروما حيث كان القمح يزرع في مصر ويشحن من الإسكندرية إلى روما ليطعم أهلها مما جعل لمصر أهمية خاصة لدى الرومان وخوفاً من الطبيعة المتمردة الثائرة التي وصف بها أهل الإسكندرية في تلك الحقبة وكذلك ذكرى نهاية كليوباترا ومارك أنتونى في المدينة وسقوط مصر في يد الرومان وما صاحب تلك الفترة من توتر فقد فكر الإمبراطور الروماني أغسطس في بناء مدينة جديدة شرق الإسكندرية مباشرة والتي عرفت فيما بعد بنيكوبوليس والتي أصبحت مع الوقت جزء من المدينة الأم الإسكندرية وكان موقعها بالتحديد ما بين البحر وحتي خط السكة الحديد بمنطقتي ثكنات مصطفي كامل باشا ورشدي ثم تم فيما بعد بناء مكتبة كبيرة بها سميت الكازيروم وقد حاول الرومان بها جذب العلماء والمفكرين إلي الإسكندرية والتي ظلت محتفظة بمكانتها كأكبر مدينة في الإمبراطورية الرومانية الواسعة بعد روما العاصمة كذلك تم تجديد وإعادة حفر قناة سيزوستريس القديمة التي كانت تربط نهر النيل والبحر الأحمر لخدمة التجارة وذلك عام 117م في أواخر عهد الإمبراطور تراجان الذى كان يشغل منصب الإمبراطور الروماني بين عام 98م وعام 117م والتي كان قد أعيد تشغيلها في عهد بطليموس الثاني ثم طمرت بعد ذلك وكذلك فقد أعطى الرومان لليهود في الإسكندرية والذين كانوا يمثلون جزءا أساسيا من التركيبة السكانية للمدينة منذ عهد البطالمة حريات كثيرة وسمح لهم بإدارة شئونهم الخاصة غير أن كل ذلك لم يوقف حركات التمرد والتوتر في المدينة والتي وصف أحد الكتاب القدماء أهلها بأنهم الأكثر رغبة في الثورة والقتال من أي قوم آخرين فمن تمرد اليهود في عام 116م والتوتر المتواصل بين اليهود واليونانين على مسائل قديمة فضلاً عن إحتجاج السكندريين بصفة عامة على الحكم الروماني ومظالمه والذي أدى في عام 215م وعلى إثر زيارة الإمبراطور الروماني كاراكلا إلى الإسكندرية إلى قتل ما يزيد عن عشرين ألف سكندري بسبب قصيدة هجاء قيلت في الرجل كما كان من أهم أسباب الإضطراب هو أن العالم قد شهد أحد أهم الأحداث في التاريخ وهو ميلاد الديانة الجديدة وهي الديانة المسيحية والتي تزامنت مع بداية الحكم الروماني في مصر وحيث أن الديانة الجديدة قد بدأت تجذب الكثير من المصريين نظراً لما تدعو إليه من خير للبشرية جمعاء وتدعوهم إلى نبذ الوثنية وعبادة الله الواحد الأحد فقد بدأ عصر جديد من الإضطهاد حيث كانت روما تريد فرض عبادة الإمبراطور وكذلك العبادات الوثنية على المصريين وقتل القديس مرقص في الإسكندرية عام 62م وهو الذي أدخل الديانة الجديدة إلى مصر وكان كلما زاد عدد المؤمنين زاد الإضطهاد حيث كانت روما تريد فرض عبادة الإمبراطور وكذلك العبادات الوثنية على المصريين ومن الصعب أن نقدر على وجه التحقيق أعداد أولئك الذين إستشهدوا من جراء موقفهم المناوئ للرومان في سبيل دينهم ولا شك أن أعدادهم كانت بالآلاف ويقول بعض المؤرخين إن عدد الشهداء وصل إلى 144 الف شهيد خلال تسعة أعوام حتى أن الكنيسة القبطية أطلقت على هذا العصر عصر الشهداء وإتخذته بداية للتقويم القبطي المعروف بتقويم الشهداء تخليداً لذكراهم وجهادهم في سبيل إيمانهم وقد بدأ هذا التقويم في عام 284م وبسبب هذا الإضطهاد الديني المريع والظلم البين لجأ البعض إلى الفرار بدينهم إلى الصحراء بقصد التعبد والتنسك ومن هنا قام نظام الرهبنة الذي هو في الأصل مصري صميم تعلمه العالم من مصر ومع الوقت تغيرت الدنيا وبدلت ثوبها القديم وتحولت ديانة الإمبراطورية الرومانية من الوثنية إلى الديانة المسيحية على يد الإمبراطور قنسطنطين الكبير حينما أصدر مرسوم ميلان عام 313م الذي إعترف فيه بالمسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية والذي أضاف للإسكندرية أهمية جديدة وفريدة حيث أصبحت الإسكندرية مركزا لعلم اللاهوت المسيحي وأصبحت كنيستها تمتلك قوة دينية وروحانية عالية وبذلك إكتسبت الديانة المسيحية قوة كبيرة رغم كل النزاعات وذلك في مواجهة ديانة باقي المصريين الذين لم يعتنقوا الديانة الجديدة وخاصة في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير مابين عام 385م وعام 412م الذي أصدر مرسوماً ببطلان العبادات الوثنية وهنا عقد بطريرك الإسكندرية ثيوفيلوس عزمه على تنفيذ المرسوم الإمبراطوري بدقة وحزم وقد عاونه اتباعه وقوات الإمبراطور فتم تدمير عدد من المعابد الوثنية وتحويل بعضها الآخر إلى كنائس مثل معبد السرابيوم المقام للإله سيرابيس وذلك في عام 391م حيث شيدت على أطلاله كنيستان و أيا كان فعلى الرغم من المرسوم الخاص ببطلان العبادات الوثنية وما صاحبه من أعمال هدم لرموز الوثنية إلا أن الوثنية لم تلفظ أنفاسها وإستمر أنصارها في ممارسة عباداتهم في سرية تامة وفي شهر مارس عام 415م تم القبض على الفيلسوفة هيباتيا التي لم تكن معروفة في الإسكندرية فحسب بل كانت لها شهرة واسعة في الشرق كله حيث درست الرياضيات والفلسفة وإتهمها الرهبان الثائرون بالسحر والوثنية وتم قتلها وبنهاية القرن الخامس الميلادي تم القضاء على الوثنية تماماً حيث كانت جزيرة فيلة في أقاصي الجنوب هي آخر معقل لهم حيث تم إرسال قوة من الجيش وتم تحطيم معبدهم الخاص بإيزيس وجدير بالذكر أنه علي الرغم من إعتناق الرومان للديانة المسيحية التي كان قد إعتنقها الكثير من المصريين إلا أنه قد ظلت معاملة الرومان للمصريين تتسم بالظلم والجور والتعسف .
 
 
الصور :
الإسكندر الأكبر المقدوني