الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تعرف على الوزير الشهيد في معركة ميسلون

تعرف على الوزير الشهيد في معركة ميسلون
عدد : 01-2020
بقلم المهندس/ طارق بدراوى


يوسف بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن إسماعيل باشا آل العظمة الشهير بإسم يوسف العظمة قائد عسكري سوري إستشهد في معركة ميسلون والتي وقعت يوم 24 يوليو عام 1920م بين قوات الجيش الفرنسي الذي قدم لإحتلال سوريا ولبنان والجيش العربي السورى.

وميسلون هي منطقة جبلية تقع قرب العاصمة السورية دمشق وتبعد حوالي 30 كيلو مترا من ناحية الشمال الغربي وأقيم فيها نصب تذكارى ومقبرة تخلد شهداء هذه المعركة وكان يوسف العظمة حينذاك وزير الحربية للحكومة العربية في سوريا وقد دافع هذا البطل ومن معه من الأبطال المجاهدين بشجاعة عن وطنهم خلال هذه المعركة إلا أن الجيش الفرنسي كان عدده ثلاثة أضعاف الجيش السورى كما كان متفوقا في تسليحه مما أدى إلي حسم المعركة في النهاية لصالحه وفي كل عام في ذكرى إستشهاده يقام إحتفال في مقبرة الشهداء في ميسلون حيث تحمل إليها أكاليل الزهور من مختلف الديار العربية. ولم يخلف يوسف العظمة من الذرية إلا إبنته الوحيدة ليلى التي رحلت مع أمها إلى تركيا وتزوجت وأنجبت وتوفيت هناك ويذكر أن منزله في سوريا حاليا قد تحول إلى متحف خاص بمقتنياته.

ولد يوسف العظمة في حي الشاغور الصمادية بدمشق في يوم 13 من شهر جمادى الآخرة عام 1301 هـجرية الموافق يوم 9 أبريل عام 1884م لعائلة دمشقية مسلمة وتوفي والده الذي كان موظفا في مالية دمشق عندما كان إبنه يوسف في سن السادسة من عمره فقام شقيقه الأكبر عبد العزيز بتولي شئون تربيته ورعايته وتعليمه والإنفاق عليه ودخل يوسف مدرسة إبتدائية في منطقة الباغوشية بدمشق والتي كانت تقع قرب منزل أسرته وكان سنه حوالي 6 سنوات ثم إنتقل بعدها إلى المدرسة الرشدية العسكرية في جامع يلبغا وهو جامع تاريخي يقع في دمشق على ضفّة نهر بردى ضمن حي البحصة عام 1893م ليتابع بعدها تعليمه العسكري في دمشق في المدرسة الإعدادية العسكرية عام 1897م وكان مقرها في جامع تنكز والذى بناه سيف الدين تنكز الناصري نائب السلطان المملوكي في دمشق في شهر صفر عام 717 هجرية الموافق شهر مايو عام 1317م في منطقة تسمي الشرف الأعلى تقع على ضفاف نهر بانياس بدمشق وإنتقل بعد ذلك في عام 1900م إلى مدرسة قله لي الإعدادية العسكرية الواقعة على شاطئ البوسفور بإسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية ونال الشهادة الإعدادية في ذلك العام وإنتقل بعد ذلك في عام 1901م إلى مدرسة حربية شاهانه في إسطنبول وتخرج منها عام 1903م برتبة ملازم ثان .

وفي عام 1905م ترقي لرتبة ملازم أول ومن ثم إنتقل لمدرسة أركان الحرب حيث أتم فيها دراسة العلوم والفنون الحربية العالية وحصل على رتبة يوزباشي أي نقيب أركان حرب عام 1324هجرية الموافق عام 1907م ونال وسام المعارف الذهبي حيث كان الأول بين رفاقه في صفوف المدرسة كلها فكوفئ على نبوغه بهذا الوسام من قبل السلطان العثماني عبد الحميد الأول وخلال فترات تعليمه إستطاع أن يتقن اللغات التركية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإنجليزية إلي جانب اللغة العربية لغته الأم كما أنه كان متدينا متمسكا بإسلامه مؤدياً لصلاته وصائما أيام الصوم ومحافظاً على شعائر الإسلام ومنذ تخرجه وحتي نهاية الحرب العالمية الأولي أواخر عام 1918م تنقل في الأعمال العسكرية بين دمشق ولبنان وفي عام 1908م إنتقل إلي إسطنبول وعيِن مدربا مساعدا لمادة التعبئة في مدرسة أركان الحرب التي تقع في قصر يلدز السلطاني بإسطنبول ثم نقل ليشغل منصب رئيس متفوق ضمن صفوف الجيش العثماني في منطقة الرومللي على البر الأوروبي للبوسفور كما أُرسل إلى المانيا عام 1909م في فترة تدريب عملية على الفنون العسكرية حيث كانت العلاقات قوية بين الدولتين العثمانية والألمانية في تلك الفترة ومكث هناك سنتين أي حتي عام 1911م ثم عاد إلى إسطنبول ومنها إلي مصر حيث تم تعيينه ملحقا عسكريا في المفوضية العثمانية في مصر ومعاونا للمفوض السامي العثماني وفي عام 1912م وكان يعمل ضمن الشعبة الأولى المتفوقة الأركان حرب في إسطنبول لكنه إضطر بعدها إلى التنقل بين قطاعات الجيش العسكرية إبان حرب البلقان الأولي وذلك خلال عام 1913م وهي الحرب التي نشبت بين الدولة العثمانية ودول إتحاد البلقان وهي بلغاريا وصربيا واليونان والجبل الأسود والتي إندلعت في شهر أكتوبر عام 1912م وإنتهت في يوم 30 مايو عام 1913م بتوقيع معاهدة لندن في التاريخ المذكور بين الأطراف المتحاربة بعد أن دعت الدول العظمي آنذاك وهي بريطانيا وروسيا وإيطاليا وإمبراطورية النمسا والمجر إلي مؤتمر يتم عقده في العاصمة البريطانية لندن إنتهي بتوقيع هذه المعاهدة والتي بموجبها خسرت الدولة العثمانية لغالبية أراضيها في قارة أوروبا كما أدت الأحداث التي تلتها إلى قيام دولة البانيا .

وبعد حوالي شهرين من توقيع هذه المعاهدة إندلعت مرة أخرى الحرب فيما عرف بحرب البلقان الثانية ما بين يوم 29 يونيو ويوم 10 أغسطس عام 1913م بين مملكة بلغاريا من جهة وصربيا واليونان ورومانيا والجبل الأسود والدولة العثمانية من جهة أخرى وقد بدأت هذه الحرب حينما أرادت مملكة بلغاريا ضم مقدونيا الشمالية من الصرب ومقدونيا الجنوبية من اليونانيين فقامت بمهاجمة كل من اليونان وصربيا دون إعلان حرب فأعلنت رومانيا الحرب على مملكة بلغاريا يوم 10 يوليو عام 1913م وهاجمت شمال بلغاريا ثم دخلت الدولة العثمانية الحرب في يوم 18 يوليو عام 1913م وإستفادت منها حيث إسترجعت عدد من الأراضي التي فقدتها خلال حرب البلقان الأولي وقد إنتهت هذه الحرب بتوقيع إتفاقية العاصمة الرومانية بوخارست في يوم 10 أغسطس عام 1913م وكانت الدول الموقعة علي هذه المعاهدة هي مملكة بلغاريا ورومانيا وصربيا واليونان والجبل الأسود وعلي الرغم من أن اللدولة العثمانية كانت طرفا في حرب البلقان الثانية إلا أنها لم تكن حاضرة خلال هذا الإتفاق وبالتالي لم توقع عليه وكان أحد نتائج هذه المعاهدة إتجاه مملكة بلغاريا إلى طلب المساعدة من الإمبراطورية النمساوية المجرية في إستعادة جزء من الأراضي التي إحتلتها صربيا في الحرب والتي كانت مملكة بلغاريا ترى أنها من حقها فقامت الإمبراطورية النمساوية المجرية بإجبار صربيا على إرجاع بعض الأراضي إلى مملكة بلغاريا مما أدى إلى تولد حقد وغل كبيرين من الصربيين تجاه الإمبراطورية النمساوية المجرية ووصل هذا الحقد إلى ذروته حينما قام الطالب الصربي جافريلو برينسيب بإغتيال وريث العرش النمساوي المجري الأرشيدوق فرانس فرديناند وزوجته في مدينة ساراييفو عاصمة البوسنة والهرسك يوم 28 يونيو عام 1914م وكان هذا الحدث هو الشرارة الأولي التي تسببت في إشتعال فتيل إندلاع الحرب العالمية الأولي بعد شهر من هذا الحدث وتحديدا في يوم 28 يوليو عام 1914م وإنضمت الدولة العثمانية إلي جانب المانيا وإمبراطورية النمسا والمجر ومملكة بلغاريا ضد الحلفاء بقيادة بريطانيا وفرنسا وروسيا وصربيا وهنا هرع يوسف العظمة إلى إسطنبول وإنضم إلي الجيش العثماني متطوعا وعين رئيسا لأركان حرب الفرقة العشرين ثم الخامسة والعشرين وكان مقر هذه الفرقة في بلغاريا ثم في النمسا ثم في رومانيا حيث عمل على مقربة من قائد الجبهات المارشال ماكترون قائد القوات الألمانية المحاربة في هذه الجبهة والذي ضمه إلى هيئة أركان الحرب الألمانية ممثلاً عن الجيش العثماني ثم عاد إلى إسطنبول ورافق أنور باشا ناظر الحربية العثمانية في رحلاته الخاصة بتفقد القوات العثمانية في الأناضول وسوريا والعراق ثم عين رئيسا لأركان حرب الجيش العثماني المرابط في قفقاسيا وهي المنطقة الجبلية الواقعة بين بحر قزوين والبحر الأسود وتقسمها جبال القوقاز وتتشارك فيها الجمهوريات الجنوبية للإتحاد الروسي وجمهوريات جورجيا وأرمينيا وأذربيجان ثم عين بعد ذلك رئيساً لأركان حرب الجيش الأول التركي بإسطنبول في شهر أكتوبر عام 1918م قبل حوالي شهر واحد فقط من إنتهاء الحرب العالمية الأولي .

ولما وضعت الحرب أوزارها عاد يوسف العظمة إلى دمشق فإختاره الأمير فيصل قبل أن يصبح ملكا مرافقا له والأمير فيصل هو فيصل الأول أول ملوك المملكة العراقية مابين عام 1921م وحتي عام 1933م وملك سوريا ما بين شهر مارس وشهر يوليو عام 1920م وكان ثالث أبناء الحسين بن علي الهاشمي شريف مكة ومؤسس المملكة الحجازية الهاشمية وأول من نادى بإستقلال العرب من حكم الدولة العثمانية ثم عينه معتمدا عربيا في بيروت وكان يوسف العظمة يلتهب غيرة على الوطن وكان يعتقد أن بإمكان سوريا إذا نظمت دولتها وجيشها أن تكون نواة لدولة عربية موحدة كبرى تجمع حولها جميع الأقطار العربية وكان ينادي ببذل النفس والنفيس لإعلاء شأن الوطن بحيث أصبح مرجعا محترما للقوى الوطنية والقوميين العرب حينذاك وذو نفوذ عظيم في الساحل اللبناني والسورى مما حدا بالفرنسيين لأن يقدموا شكوى ضده لسمو الأمير فيصل خلال إجتماعه بهم في بيروت وطالبوا بإبعاده عنها وبالفعل عاد إلي العاصمة دمشق ليشغل منصب رئيس أركان الحرب العامة بسوريا برتبة قائممقام أي عقيد وفي يوم 8 مارس عام 1920م أعلن البرلمان السورى الذى كان معروفا بإسم المؤتمر السوري العام والذى كان يترأسه السياسي السورى البارز هاشم الأتاسي إستقلال سوريا العربية تحت إسم المملكة السورية العربية وتتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكا عليها بعد سلسلة من المباحثات المكثفة التي أجراها المؤتمر مع أنصاره وكان أخوه زيد بن الحسين أول المبايعين له على عرش سوريا وهنا وضحت نوايا الغدر والأطماع الإستعمارية من الدولتين الإستعماريتين الكبيرتين فرنسا وبريطانيا وبخاصة بعد صدور مقررات مؤتمر سان ريمو بعد اجتماع المجلس الأعلى للحلفاء خلال المدة من 19 وحتي يوم 25 أبريل عام 1920م بمدينة سان ريمو بإيطاليا للبحث في شروط الحلفاء للصلح مع تركيا وبحث إعلان سوريا إستقلالها ومناداتها بالأمير فيصل ملكا عليها في المؤتمر السوري العام الذى إنعقد قي يوم 8 من شهر مارس عام 1920م وكان هذا المؤتمر يعد إمتدادا لمؤتمر لندن الذى كان قد تم عقده في شهر فبراير عام 1920م وقد حددت مقررات سان ريمو مجددا مستقبل مناطق النفوذ البريطانية والفرنسية في منطقة المشرق العربي التي تضم العراق وسوريا بما فيها لبنان والأردن وفلسطين والتقسيمات والإنتدابات حسب مصالح دول الحلفاء بحيث تقسم سوريا الكبرى إلى أربعة أقسام هي سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وتكون سوريا ولبنان تحت الإنتداب الفرنسي والأردن والعراق وفلسطين تحت الإنتداب البريطاني مع الإلتزام بتنفيذ وعد بلفور الصادر في عام 1917م بتمكين اليهود من إقامة وطن قومي لهم في فلسطين وقد تسبب هذا الأمر في إندلاع صدامات دامية واسعة بين اليهود والعرب في العاصمة الفلسطينية مدينة القدس .

ونتيجة هذه الأحداث تأزمت الأوضاع بين الحكومة السورية والحكومة الفرنسية مما دعا إلى تأليف وزارة حرب في البلاد برئاسة هاشم الأتاسي رئيس البرلمان يوم 2 مايو عام 1920م وتم إختيار يوسف العظمة وزيرا للحربية فيها والذى قام خلال مدة وجيزة بتنظيم جيش وطني يناهز عدده عشرة آلاف جندي يشبه في نواته وتنظيماته وتدريباته الجيوش الألمانية المنظمة وبلا شك كان إختياره لهذا المنصب الخطير في هذه الفترة الحرجة من تاريخ سوريا يدل على تقدير كبير من المسؤولين يومئذ لماضيه العسكري المجيد ولمواهبه الخاصة ولخبراته الواسعة إضافة إلى حماسته الوطنية وغيرته على إستقلال البلاد فكان خير من يتقلد المنصب الأول في مهمة الدفاع عن البلاد في تلك الظروف الخطيرة حيث كان المستعمر الفرنسي قد كشر عن أنيابه ونزلت قواته علي الساحل اللبناني وفي يوم 5 يوليو عام 1920م أوفد الملك فيصل مستشاره السياسي نوري السعيد إلي العاصمة اللبنانية بيروت للقاء القائد العام للقوات الفرنسية الجنرال هنرى جوزيف جورو والذى عاد إلي دمشق يوم 14 يوليو عام 1920م محملا بإنذار من قائد القوات الفرنسية عرف بإسم إنذار جورو للحكومة السورية كان أول شروطه تسريح الجيش الوطني السورى وإيقاف التجنيد الإجباري وقبول الإنتداب الفرنسي وتسليم خطوط السكك الحديدية وقبول تداول ورق النقد التي أصدرها مصرف سوريا ولبنان في باريس وتنفيذ ذلك خلال أربعة أيام وكان ذلك يعني القضاء على إستقلال البلاد وثرواتها وبلا أدني شك كان هذا الإنذار مستفزا للقوى الوطنية السورية ومثيرا لمشاعرها والتي تملكها الغضب الشديد وقامت بتنظيم مظاهرات صاخبة منددة بالفرنسيين وإنذارهم وتردد الملك فيصل هو ووزراؤه بين قبول الإنذار أو رفضه ثم إتفق أكثرهم على القبول وأرسلوا برقية إلى الجنرال جورو بالموافقة على بنود الإنذار وأوعز فيصل بحل الجيش وهنا برز الموقف الرجولي الشجاع للبطل يوسف العظمة وعارض بشدة قبول الإنذار وحاول بكل الوسائل ثني الملك فيصل عن الإستجابة لتهديدات وشروط الفرنسيين وبعد أن يئس من تغيير الملك لرأيه أنشد عليه بيت الشعر الشهير للمتنبي لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم .

ومع ذلك وعلي الرغم من قبول الحكومة السورية للإنذار والعدول عن فكرة المقاومة وقبول مطالب الجنرال جورو والأمر بتسريح الجيش السوري وسحب الجنود من منطقة الحدود اللبنانية السورية بالمخالفة لقرار المؤتمر السوري العام ورأي الشعب المتمثل في المظاهرات الصاخبة المنددة بالإنذار وبمن يقبل به وبينما كان الجيش العربي السورى المرابط على الحدود بين سوريا ولبنان يتراجع منفضا حسب الإنذار كان الجيش الفرنسي يتقدم نحو العاصمة السورية دمشق وعلم فيصل بأن القوات الفرنسية تزحف بإتجاه دمشق فقام بإستدعاء ضابط الإتصال الفرنسي الكولونيل كوس ليستفسر منه الأمر والذى وعده بالسفر حالا للتحقيق في الأمر ثم وفي عصر ذلك اليوم عاد كوس ليقول إن سبب زحف القوات الفرنسية هو أن برقية قبول الإنذار التي أرسلها الملك بالأمس لم تصل إلى الجنرال جورو في الوقت المحدد بل تأخرت نصف ساعة من جراء قطع العصابات خطوط التلغراف ولما سمع الملك فيصل هذا الرد ألغى قرار حل الجيش واعلن عن تأليف جيش أهلي وعندئذ لم يكن أمام أصحاب الغيرة والوطنية إلا المقاومة حتى الموت وكان على رأس هذا الرأي وزير الحربية يوسف العظمة والذى كان يعمل بنشاط ويظهر تفاؤلا كبيرا وقام بعمل الترتيبات العسكرية اللازمة ووضع الخطة العسكرية المحكمة للدفاع وعَين القواد الذين عهد إليهم بإدارة التحركات وتنفيذ الخطة في مختلف الجبهات وأهمها جبهة مجدل عنجر في منطقة سهل البقاع وكانت كلمة يوسف العظمة في الإجتماع العسكري الذي عقد في ساعات الخطر برئاسة الأمير زيد أمام تخوف عدد من كبار الضباط من خوض المعركة حيث قال معاذ الله أن نستسلم لليأس والقنوط وبدأ في إتخاذ التدابير العسكرية السريعة ومنها وقف أعمال تسريح أفراد الجيش والعمل على جمع ما تبقى من جنوده والإتصال ببعض العلماء أصحاب التأثير على الشعب لدعوة أفراده القادرين علي حمل السلاح إلى التطوع والسير نحو الجبهة من أمثال المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني والشيخ كامل القصاب ونتيجة لذلك توجه المئات من المتطوعين إلى الجهاد وعلى رأسهم بعض علماء الدين الذين إختاروا هذا القرار وإتجهوا لمقاومة القوات الغازية الفرنسية الزاحفة بإتجاه دمشق وقد أراد العظمة بتصديه للقوات الفرنسية أن يحفظ لتاريخ سوريا العسكري هيبته ووقاره فقد كان يخشى أن يسجل في كتب التاريخ أن الجيش السوري قعد عن القتال ودخل المحتل عاصمته دون مقاومة كما أراد أن يسجل موقفاً أمام الشعب السوري نفسه بأن جيشه حمل لواء المقاومة ضد الإحتلال الفرنسي منذ اللحظة الأولى وإن ذلك سيكون نبراسا للشعب السوري في مقاومته للمحتل الغاشم فقد كان يدرك أن من يهن يسهل الهوان عليه وهوان الجيش قد تكون له عواقب وخيمة على البلاد ومستقبل المقاومة .

وسار يوسف العظمة إلى جبهة ميسلون كقائد للمجاهدين لا كوزير حربية وأوصي الملك فيصل برعاية إبنته الوحيدة إذا إستشهد في المعركة وبالفعل خاض معركة إستشهادية لم يكن منصبه يلزمه على خوضها حيث إلتقي جيش المتطوعين السورى مع القوات الفرنسية في الساعة التاسعة من صباح يوم 24 يوليو عام 1924م وكان مجموع القوات الفرنسية تسعة آلاف جندي يدعمها طائرات ودبابات ومدفعية وأسلحة عديدة بينما لم يتجاوز عدد أفراد الجيش السوري الثلاثة آلاف جندي غالبيتهم من المتطوعين وبدأت المعركة وإستطاعت المدفعية الفرنسية التغلب على المدفعية العربية وبدأت الدبابات الفرنسية بالتقدم بإتجاه الخط الأمامي العربي ثم أخذ جنود السنغال الفرنسيين يحملون على ميسرة الجيش السوري وهاجم عدد من الخونة ميسرة الجيش السوري من الخلف وقضى على الكثير من الجنود وسلب منهم أسلحتهم ولم يعبأ العظمة بهذه المصائب وبقي بهمته وثباته وعزيمته وكان قد بث الألغام على رؤوس وادي القرن وهو ممر توقع أن يتقدم الجيش الفرنسي من خلاله آملا بأنه عند دخول الدبابات إليه سوف تنفجر الألغام ويتعطل تقدمها إلا أن الخونة قد سبقوا وقطعوا أسلاك الألغام وتم القبض على بعضهم وهم ينفذون خيانتهم ولكن كان قد سبق السيف العذل فلما إقتربت الدبابات أمر يوسف العظمة بإشعال الألغام فلم تشتعل وتقدم ففحصها بنفسه فرأى أكثرها معطلة تماما ثم سمع ضجة من خلفه فإلتفت فرأى أن الكثيرين من الجيش والمتطوعين قد ولوا الأدبار على أثر إنفجار قنبلة سقطت من إحدى الطائرات فلم يسعه إلا أن عمد إلى بندقيته وهي آخر ما لديه من قوة فلم يزل يطلق نيرانه على العدو حتى إستشهد وإنتقلت روحه الطاهرة إلى عالم الخلود بعد أن روى بدمه الطاهر أرض ميسلون ليكون بذلك أول وزير دفاع عربي يقتل في معركة وكان عمره يناهز 36 عاما فقط حينذاك وقد دفن في مقبرة الشهداء في ميسلون التي ضمت شهداء هذه المعركة وكان عددهم حوالي 400 شهيد والتي تبعد حوالي 28 كيلو متراً شمال غرب دمشق وأقامت له أسرته ضريحا على شكل القبور الإسلامية وهنا يجدر بنا الإشارة إلي أن يوسف العظمة قد نال خلال دراسته في الدولة العثمانية وخدماته في جيشها عدة أوسمة وميداليات تقديرا لنبوغه ومواهبه العسكرية الخاصة والمتميزة ومما يذكر أنه قد قام خلال فترة خدمته في الجيش العثماني بإعداد برامج متقدمة للتدريب العسكري وأنظمة الإعداد وأسلوب التعامل مع الجند وترجم كتابا عن روكر من اللغة الألمانية إلى اللغة التركية بعنوان بيادة عجمي نفري نصل تيشدرلر أي كيفية إعداد الجندي المبتدئ من الناحيتين الجسدية والمعنوية للحياة العسكرية وهو محفوظ حتي يومنا هذا بمكتبة المتحف الحربي بإسطنبول . .

وفي الختام فقد قيل الكثير من الشعر في معركة ميسلون حيث بقيت مرسومة بصفاء في نفوس الشعراء الذين عايشوها عن قرب فالشاعر والكاتب والمؤرخ السورى الكبير خير الدين الزركلي قال في ذاك اليوم البغيض الذي حلَ على الشعب السورى الغاضب الثائر أبياتا قال فيها :-
الله للحدثان كيف تكيد بردى يغيض وقاسيون يميد تفد الخطوب على الشعوب مغيرة لا الزجر يدفعها ولا التنديد بَلَد تبوأه الشقاء فكلَما قدم إستقام له به تجديد لهفي على وطن يجوس خلاله شذاذ آفاقٍ شراذم سود

وعلاوة علي ذلك نظم العديد من الشعراء الكبار الكثير من القصائد التي خلدت ذكرى البطل يوسف العظمة ومنها قصيدة الشاعر المصري الكبير علي محمود طه التي قال فيها :-
في موكب الفادين مجد أمية بجوانح مشبوبةٍ وجوارحِ لو قستَهم بعدوهم وسلاحِهِ أيقنتَ أنهمو فريسةُ جارحِ يا ميسلونُ شهدتِ أيَ روايةٍ دمويَة ورأيتِ أي مذابحِ ووقفتِ مثخنةَ الجراحِ بحومة ماجت بباغ في دمائكِ سابحِ يا يوسف العظمات غرسكَ لم يضع وجناه أخلَد من نتاج قرائح