الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تعرف على أبو علم الوراثة المندلية

تعرف على أبو علم الوراثة المندلية
عدد : 01-2020
بقلم المهندس/ طارق بدراوى

جريجور يوهان مندل راهب من أتباع المذهب الأوجاستيني الذى ينسب إلي القديس والفيلسوف والكاتب أوجستينوس والذى يعد أحد أهم الشخصيات المؤثرة في المسيحية الغربية حيث تعده الكنيستان الكاثوليكية والإنجليكانية قديسا وأحد آباء الكنيسة البارزين وإلي جانب كونه راهبا فقد كان أيضا عالم نبات نمساوي وأطلق عليه لقب أبو علم الوراثة حيث أنه يعد بالفعل مؤسس هذا العلم الحديث.

ولد مندل في يوم 20 يونيو عام 1822م في عائلة بسيطة ناطقة باللغة الألمانية في بلدة هينزندورف الريفية والتي تقع حاليا في المنطقة التى كان يطلق عليها المنطقة السيليزية من إمبراطورية النمسا والمجر والتي أصبحت الآن جزءا من جمهورية التشيك حيث كان والداه أنطون وروزين مندل مزارعان يعملان في مزرعةٍ تابعة لعائلة مندل منذ 130 عام وكان لمندل أختان هما فيرونيكا وتيريزيا وأمضى فترة طفولته في بلدته الريفية حتى بلغ سن الحادية عشرة وعمل خلال طفولته كبستانيٍ ودرس تربية النحل وأوصى أحد مدرسيه والذي كان معجبًا بقدرته على التعلم أن ينتقل إلى المدرسة الثانوية لمواصلة تعليمه ثم درس مندل الفلسفة والفيزياء العملية والنظرية في المعهد الفلسفي بجامعة أولوموك لمدة 3 سنوات من عام 1840م وحتي عام 1843م وفي هذه الفترة كان عميد قسم التاريخ الطبيعي والزراعة في هذا المعهد يوهان كارل نستلر ولفت نظر مندل أنه كان يقوم بإجراء أبحاث مكثفة عن الصفات الوراثية للنباتات والحيوانات وخصوصا الأغنام.

وتميز مندل أثناء دراسته في هذا المعهد أكاديميًا ولا سيما في موضوعات الفيزياء والرياضيات وذلك على الرغم من معاناته من نوبات الإكتئاب العميقة والتي بسببها قام بالتخلي عن دراسته مؤقتا لفترة قصيرة ولكن لكونه كان طالبا نجيبا ومتميزا وكان أمله أن يصبح مدرسا ولما كان كثير من المدرسين آنذاك كهنة فقد إلتحق مندل بناءا على توصية من مدرس الفيزياء فريدريك فرانز في عام 1843م بدير القديس توماس في مدينة برون بالنمسا والتي أصبحت الآن أيضا في جمهورية التشيك وكان عمره في ذلك الوقت 21 عاما وذلك علي الرغم من أن والده كان يرغب في أن يقوم مندل بتولي شئون المزرعة التي كانت تمتلكها الأسرة .

وبدأ مندل تدريباته ككاهن كما عمل مدرسا بديلا في المدرسة الثانوية ولكنه لم ينجح في الجزء الشفوى من الإمتحان الذي يخول له القيام بالتدريس كأستاذ مؤهل في تلك المدرسة بشكل رسمي وكان مندل في هذه الفترة من حياته يكافح ماليا لكي يتمكن من دفع تكاليف دراسته وكان أن أعطته أخته تيريزيا مهرها ولذا فقد رد لها الجميل وساعد أبناءها الثلاثة فيما بعد في دراستهم حيث أصبح إثنان منهما أطباء وقد أصبح مندل قسيسا في سلك هذا الدير عام 1847م وكان هذا الدير في ذلك الوقت مركزا علميا بالإضافة إلى كونه مركزاً دينيا ومن ثم فقد إلتقى مندل بالعديد من العلماء البارزين هناك .

وفي عام 1851م إبتعثه الدير علي نفقته لدراسة العلوم والرياضيات في جامعة فيينا الشهيرة وفي أثناء وجوده هناك درس مندل الرياضيات والفيزياء على يد كريستيان دوبلر الذي سميت نظريته تأثير دوبلر لتكرار الموجة على إسمه ودرس علم النبات على يد فرانز أنجر والذي كان قد بدأ في إستخدام جهاز الميكروسكوب في دراساته كما كان أيضا مؤيدا لنظرية التطور وفي عام 1853م عاد مندل إلى الدير ليبدأ العمل في تدريس الفيزياء مرة أخرى وتقدم للإمتحان مرة ثانية في نفس العام لكنه لم ينجح به أيضا ولكنه قام بتدريس علم الأحياء والفيزياء في مدرسة عليا محلية لمدة 14 سنة وفي عام 1868م إنتخب مندل رئيسا للدير ومنذ ذلك الحين قيدت مسؤولياته الإدارية من فرصه في الإستمرار في المزيد من البحوث وخصوصًا النزاع الذى نشب في عام 1874م مع الحكومة المدنية حول محاولتها لفرض ضرائب خاصة على المؤسسات الدينية .

وقد جاءت شهرة مندل العالمية من بحوثه الصغيرة في حديقة دير القديس توماس على نباتات البازلاء وزهورها وبذورها التي أجراها بين عام 1856م وعام 1863م أي لمدة حوالي 7 سنوات وعموما فقد وضعت تجارب مندل على نبات البازلاء العديد من قواعد علم الوراثة ويشار إليها الآن بإسم قوانين علم الوراثة المندلية .

وقد إستخدم مندل نبات البازلاء لأن أزهاره تميل إلى التلقيح الذاتي بواسطة القليل جدا من حبوب اللقاح الذي ينتقل من زهرة إلى أخرى وقد وجد أن للبازلاء العديد من الصفات المنفصلة حيث تعامل مندل مع سبع صفاتٍ لنباتات البازلاء وهي طول النبات قصير أو طويل وشكل البذور مجعدة أو ملساء ولونها خضراء أو صفراء وشكل الثمرة متخصر أو منتفخ ولونها أصفر أو أخضر وموقع الزهرة طرفي أو محورى ولونها أبيض أو بنفسجي و قد لاحظ مندل أنه إذا ترك النبات دون تدخل فإن النباتات الطويلة دائماً تنتج نباتات طويلة وتنتج البذور الخضراء بذورا خضراء ومن باب التجربة قام مندل بمنع بعض الأزهار من التلقيح الذاتي ونقل حبوب اللقاح بعناية من نبات طويل القامة إلى آخر قصير القامة وقد فعل نفس الشيء بالنسبة لكل الصفات المنفصلة التي ذكرناها ولنا أن نتخيل الدهشة التي أصابته عندما إكتشف أن بعض الصفات قد إختفت فقد كانت كل الذرية الناتجة من هذه العمليات التهجينية طويلة القامة وقد كانت كل الأزهار بنفسجية اللون وكل البذور خضراء اللون وذلك عندما زاوج مندل النباتات التي تتميز بصفات متقابلة حيث وجد أن كل الذرية من الجيل الأول أظهرت صفة واحدة طويلة القامة بينما إختفت الصفة المقابلة قصيرة القامة .

وإفترض مندل من هذه التجربة أننا نرث صفة واحدة فقط من أحد الوالدين وإن أكثر الأشياء إثارة للإنتباه والدهشة في عمل مندل أنه وضع القوانين الأساسية للوراثة قبل أن يتم التوصل إلى أي معلومات حول الكروموسومات أو الجينات أو الحمض النووي المعروف حاليا باسم الدى إن إيه وإستمر مندل في تجاربه وقد كانت تجربته التالية هي إنبات البذور التي حصل عليها من نباتات الجيل الأول ومعرفة أي أنواع النباتات ستنتج وقد كانت نتائج هذه الخطوات مدهشة للغاية فقد ظهرت في الجيل الثاني تلك الصفات التي إختفت في الجيل الأول لكن ظهورها كان بنسب مختلفة فقد وجد أن الصفات تظهر بمعدل 75% للصفة التي ظهرت في الجيل الأول و25% للصفة التي لم تظهر في الجيل الأول وقد أطلق مندل على الصفة التي ظهرت في أفراد الجيل الأول بـالصفة السائدة كما أطلق علي الصفة التي إختفت في الجيل الأول ثم عادت للظهور في الجيل الثاني بـالصفة المتنحية وقد إستطاع مندل بعد إجرائه العديد من التجارب والحصول على النتائج نفسها أن يصوغ أسس علم الوراثة والتي عرفت بقوانين مندل للوراثة وما زالت هذه الأفكار التي توصل إليها مندل صحيحة على الرغم من التفسيرات المختلفة التي نتناولها اليوم حول الجينات وكانت أسس الوراثة التي بنيت على النتائج التي توصل إليها مندل من تجاربه هي أنه تنتج صفات الكائن الحي من جينين واحد من كلا الوالدين وفي كل زوج من الجينات نجد أن أحدها يسود على الآخر بحيث تظهر صفة الجين الذي يسود وتختفي صفة الجين الذي لا يسود وفي أثناء الإنقسام تنفصل جينات الصفة الواحدة وينتقل جين واحد فقط إلى الذرية وتنفصل جينات الصفات المختلفة بصورة مستقلة عن بعضها بعضا ولما كان مندل يعلم أن نباتات البازلاء مثل جميع الكائنات الحية تنتج نسلها عن طريق إتحاد خلايا جنسية خاصة تدعى الأمشاج ففي نباتات البازلاء كمثال ونموذج للكائنات الحية يتحد مشيج ذكري أو خلية ذكرية مع مشيج أُنثوي أو خلية أنثوية لتكوين البذرة وإستنتج مندل أن السمات المميزة تنتقل خلال عناصر وراثية في الأمشاج وتسمى هذه العناصر اليوم الجينات وإكتشف أن كل نبتة تتلقى زوجا من الجينات لكل سمة بمعدل جين واحد من كل من الأبوين كما إستنتج إستنادا على تجاربه أنه إذا ورثت نبتة جينين مختلفين لسمة ما فسيكون أحد الجينين سائدا بينما يكون الثاني متنحِياً وتظهر سمة الجين السائد في النبتة فمثلا إذا كان جين البذور المستديرة سائدا وجين البذور المتجعدة متنحِياً فإن النبتة التي ترث كلا الجينين ستكون لها بذور مستديرة وعلاوة علي ذلك إستنتج مندل أن أزواج الجينات تنفصل بأسلوب عشوائي عند تكون أمشاج النبتة وعليه فإن النبتة الأم تعطي جينا واحدا من كل زوج إلى نسلها كما إعتقد أن النبتة ترث كلا من سماتها مستقلة عن السمات الأخرى ويعرف هذان الإستنتاجان بقانون الفصل وقانون الإتساق المستقل ومنذ عهد مندل إكتشف العلماء بعض الإستثناءات لهذين الإستنتاجين إلا أن نظريات مندل بصورة عامة قد أثبتت صحتها .

وبالمثل فهناك في جسم الإنسان بعض الصفات التي هي دائماً سائدة مثل لون البشرة الأسود والقامة الطويلة ولون العين الأسود فإذا كان أحد الأبوين أسود اللون وطويل القامة فإن نسبة هذه الصفات في الأطفال القادمين ستكون عالية لأنها صفات غالبة أما إذا كان الأبوان من الصفات الغالبة نفسها فسيكون كل الأبناء بالصفات نفسها هذا وقد أعلن مندل عن إستنتاجاته وأفكاره وأبحاثه في عام 1865م حيث قام بإلقاء محاضرتين حول إكتشافاته في جمعية العلوم الطبيعية في برون وقام بنشر نتائج دراسته في مجلتها في العام التالي 1866م تحت عنوان تجارب على نبات هجين وحتي هذا الوقت كان مندل قد أجرى أكثر من 10 آلاف تجربة على نبات البازلاء وإكتفي مندل بذلك ولم يقم بعد ذلك بالكثير لنشر عمله ويمكن الإشارة إلى أنه من الممكن في ذلك الوقت أن تكون هذه النتائج في البداية قد أُسئ فهمها ولذا فقد تم رفضها حيث كان معظم علماء الأحياء مهتمين بنظرية العالم الإنجليزى تشارلز داروين الخلق التلقائي التي نشرها قبل نشر مندل لأبحاثه بحوالي 6 سنوات والتي لم تكلل بالنجاح ومن ثم تم تجاهل مندل وأفكاره في زمنه على الرغم من أنه قدم إجابات عن أكثر الأسئلة إلحاحا في علوم الأحياء وكانت وفاته في يوم 6 يناير عام 1884م عن عمر يناهز 62 عاما وذلك بعد أن أصيب بإلتهاب حاد في الكلي أدى إلي إصابته بالفشل الكلوى وتمت الصلاة عليه ودفن في الدير الذى كان رئيسا له بعد أن عاش خيبة أمل كبيرة من دون أن يحقق فرصة للإعتراف به وبأبحاثه ونظرياته ولكن تشاء الأقدار بعد مرور 35 عاما وفي مطلع القرن العشرين الماضي وتحديدا منذ عام 1900م وذلك بعد أكثر من ثلاثة عقود من وقت ظهورها أن يتم خروجها إلي النور لتخلد إسمه فيما بعد ضمن أهم أسماء العلماء في مجال علم الأحياء وليتم إعتباره من أبرز وأهم رواد علم الوراثة الحديث بعد أن ثبتت نظرياته وأصبحت أحد المبادئ والقواعد الأساسية في علم الأحياء كما انها أصبحت مقبولة على نطاق واسع وما زالت تدرس حتي الآن وبداية من العام المذكور ومع إعادة إكتشاف قوانينه ونظرياته تحقق ثلاثة من علماء النبات وهم العالم النمساوى إريك فون تشيرماك والعالم الهولندي جو دي فريس والعالم الألماني كارل كورينس من صحة أبحاث مندل وصحة الإستنتاجات والأبحاث والنظريات التي توصل إليها علي الرغم من أن الثلاثة أجروا أبحاثهم منفصلين وبشكل مستقل عن بعضهم البعض إلا أنهم إتفقوا في النهاية علي صحة العديد من النتائج التجريبية لمندل ومن بعدها بدأت مبادئ علم الوراثة في الظهور والتطور حتي وصلت إلي ثورة علمية كبري تعيشها الإنسانية حاليا تعرف بالهندسة الوراثية والتي قلبت موازين الكون رأسا علي عقب وما بين عام 1930م وعام 1940م تم توليف افكار مندل مع نظرية داروين ومما يذكر أن مندل بعد الإنتهاء من تجارب البازلاء تحولت حياة وتجارب مندل نحو النحل لتوسيع عمله وأنتج سلالة هجينة من النحل مفرغة بحيث يتم تدميرها لكنها فشلت بسبب صعوبة تفسير سلوكيات تزاوج النحل كما قام مندل أيضا بوصف انواع نباتية جديدة وفي رواية مسلية وفيها قدر وافر من المعرفة العلمية تتبع إدوارد إيدلسون حياة مندل من أصوله المتواضعة إلى شهرته بعد وفاته ما يوفر لنا مقدمة موجزة لعلم الوراثة ورصيداً ملهما لما يمكن أن يحققه رجل متواضع بإخلاص وإبداع وتجمع هذه السيرة الذاتية المصورة بين المادة العلمية الرصينة والقصص الشخصية الجذابة لعالم شكلت أبحاثه آفاق فهمنا للعالم الطبيعي .

 
 
الصور :