الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

روبسبيير .. سفاح الثورة الفرنسية

روبسبيير .. سفاح الثورة الفرنسية
عدد : 03-2020
بقلم المهندس/ طارق بدراوى


ماكسيمليان فرانسوا ماري إيزدور دي روبسبيير هو محام فرنسي ورجل دولة كان أحد أشهر وأكثر الشخصيات تأثيرًا في الثورة الفرنسية وقاد حملةً من أجل حق الذكور في الإقتراع العام ومن أجل إلغاء كل من تبتل وسطوة رجال الدين والعبودية كما كان مناصرا صريحا للمواطنين الذين لم يكن لهم صوت ولقبولهم غير المقيد في الحرس الوطني والمناصب العامة وحقهم في حمل السلاح دفاعا عن النفس وقد ولد ماكسيمليان روبسبيير في يوم 6 مايو عام 1758م في أسرة فقيرة في مدينة أراس عاصمة مقاطعة باد كاليه شمالي فرنسا والتي كانت تسمي أرتوا ويعود تاريخ نشأة هذه الأسرة إلى القرن الخامس عشر الميلادى في بلدة فاودريكورت باد كاليه بمقاطعة باد كاليه شمالي فرنسا وقد عمِل واحد من أجداده وهو روبيرت دي روبسبيير كاتبَ عدل في بلدة كارفين بنفس المقاطعة المذكورة في أواسط القرن السابع عشر الميلادى وأسس جده من جهة الأب وإسمه أيضًا ماكسيمليان دي روبسبيير لنفسه عملا في أراس كمحامٍ أما والده فرانسوا ماكسيمليان بارتيليمي دي روبسبيير فقد كان محاميًا في مجلس أرتوا والذي تزوج من جاكلين مارجريت كارو إبنة أحد صناع الكحول وكان هو الإبن الأكبر لهما وكان أشقاؤه تشارلوت وهنريت وأوجسطين وتوفيت أمه عن عمر يناهز 29 عاما في منتصف شهر يوليو عام 1764م بعد أن وضعت مولودة ميتة قبل 12 يوم من وفاتها وحزن أبوه إثر وفاة زوجته حزنا شديدا فرحل عن أراس عام 1767م تقريبًا وسافر في أنحاء أوروبا وتولت عماته شقيقات أبيه تربية إبنتيه وآوى جداه من جهة أمه إبنيه ونظرا لأن ماكسميليان كان قد تلقى تعليمه مسبقا في سن الثامنة فقد إلتحق بالمدرسة الإعدادية في أراس في شهر أكتوبر عام 1769م وبناءا على توصية رئيس الأساقفة هيلير دو كونزي حصل على منحة في مدرسة لويس الكبير الثانوية بباريس والتي تعد من أعرق وأقدم المدارس الفرنسية حيث أنشئت عام 1563م تحت إسم كلية كلاجمون ثم تم إعادة تسميتها نسبة إلي الملك لويس الرابع عشر بعد أن مد رعايته المباشرة لها عام 1682م وكان من بين زملاء ماكسميليان روبسبيير بها التلاميذ كامي ديمولان وستانيسلاس فريرون واللذان أصبحا بعد ذلك من رجال السياسة في فرنسا وبدأ إعجابه بالجمهورية الرومانية المثالية وهو الإسم الذى تعرف به حقبةٌ من تاريخ روما القديمة بدأت منذ إنهيار المملكة الرومانية الذي يعتقد أنه وقع في عام 509 ق.م وإستمرت حتى قيام الإمبراطورية الرومانية في عام 27 ق.م وكان من أبرز التغيرات التي شهدها هذا العهد هو توسع سلطة الدولة الرومانية من مدينة روما لتصبح قُوة كبرى حكمت كافَّة حوض البحر الأبيض المتوسط حيث تمكنت الجمهورية الرومانية خلال أول 200 سنة من تاريخها من توسيع نفوذها عبر التحالفات والحروب في آنٍ واحدٍ من وسط إيطاليا حتى بسطت سيطرتها على شبه الجزيرة الإيطالية بأكملها وبعد ذلك بقرنٍ واحد إستولت روما بحروبٍ متكررة على شمال أفريقيا وأسبانيا وما باتَ الآن جنوب فرنسا ومع نهاية القرن الأول قبل الميلاد كانت جمهورية روما قد ضمت باقي فرنسا الحديثة واليونان ومعظم بلدان شرق البحر الأبيض المتوسط .

وأعجب ماكسميليان روبسبيير أيضا من خلال دراسته ببلاغة الكاتب الروماني الشهير وخطيب روما المتميز ماركوس توليوس شيشرون والسياسي والفيلسوف الروماني ماركوس كاتو الأصغر ومؤسس الجمهورية الرومانية لوشيوس جونيوس بروتوس ودرس أيضًا أعمال الفيلسوف والأديب والكاتب الجينيفي أي المولود في مدينة جنيف السويسرية جان جاك روسو وإنجذب إلى عدة أفكار طرحت في مؤلفه العقد الاجتماعي والتي أثرت كثيرا في الأحداث السياسية التي أدت إلي قيام الثورة الفرنسية عام 1789م وقد أثارت فكرة الذات الفاضلة إهتمامه ودفعته دراسته للكلاسيكيات إلى التطلع إلى الفضائل الرومانية غير أنه سعى إلى محاكاة روسو على وجه التحديد وجاء تصوره للفضيلة الثورية وبرنامجه لبناء سلطة سياسية من ديموقراطية مباشرة وهي التي يتم فيها التصويت علي القرارات مباشرة بعكس الديموقراطية التمثيلية والتي يختار فيها الناخبون من ينوب عنهم في التصويت علي القرارات وذلك من خلال كتابات وأفكار وآراء الفلاسفة حان جاك روسو ومونتسكيو ومابلي وكانت البداية في عالم السياسة مع روبسبيير عندما تم إنتخابه نائبا لرئيس مجلس الطبقات الذي إجتمع عام 1789م عشية إندلاع الثورة الفرنسية ثم إلتحق بالجمعية التأسيسية الوطنية المكونة من ممثلي الشعب حيث لمع نجمه ولفتت خطبه وأحاديثه البارعة الأنظار إليه وذلك بسبب ما عرف عنه من إلتزامه بالقيم الأخلاقية المنضبطة كما أنه لقب بالرجل طاهر اليد وذلك لعدم قبوله أي رشاوي وفي عام 1790م إنتخب رئيسا لنادي اليعاقبة والذى كان النادي السياسي الأكثر نفوذا خلال الثورة الفرنسية وكانت نشأته على أيدي النواب المعادين للملكية وبعد أن نما تحول إلى حركة جمهورية على الصعيد الوطني قدرت عضويتها بحوالي نصف مليون أو أكثر وقد شمل هذا النادى كلا من الفصائل البرلمانية البارزة في أوائل عام 1790م حزبي الجبل والجيرونديين وفي عام 1792م وعام 1793م كان الجيرونديون هم الأكثر بروزا في قيادة فرنسا وذلك خلال الفترة التي أعلنت فيها الحرب على النمسا وبروسيا وجدير بالذكر أن الجيرونديين كانوا أعضاء حزب سياسي نشأ أثناء الثورة الفرنسية وجاءت تسميته بهذا الإسم لأن معظم القادة المنَظمين له كانوا ينتمون لمقاطعة جيروند التي تقع جنوب غرب فرنسا وكانوا يمثلون الطبقة البرجوازية المتوسطة وكانوا يؤمنون بالملكية الخاصة ويخشون من سيطرة نواب باريس على فرنسا كلها كما كانوا يفضِلون التخلص من الملكية في فرنسا وإنشاء جمهورية فيدرالية وكان من أشهر أعضاء نواب باريس منهم جان بول مارا وجورج دانتون وقد جاء الجيرونديون إلى الحكم بناءا على دستور عام 1791م وفي شهر يونيو من عام 1793م أجبرت مظاهرة من عامة الناس في باريس المؤتمر المحلي على إزاحة وإعتقال الجيرونديين وبسبب الحملة ضدهم هرب العديد من قادتهم إلى نورماندي حيث إعتادو عقد إجتماعات سرية ومن ثم وقعت الحكومة تحت سيطرة أعضاء نادى اليعاقبة الجمهوريون الذين يؤمنون بسيطرة باريس .

ومما يذكر أنه أثناء الإنتفاضة التي وقعت في يوم 10 أغسطس عام 1792م وإقتحمت جماهير باريس قصر التويليري وطالبوا بإلغاء الملكية أصدرت الجمعية التشريعية مرسوما يقضي بتعليق حكم الملك لويس السادس عشر بشكل مؤقت ووقف دعوة إنعقاد المؤتمر الوطني الذي من شأنه وضع الدستور الجديد للبلاد وفي نفس الوقت تقرر أن يتم إنتخاب أعضاء المؤتمر من جموع الفرنسيين الذين يبلغون من العمر 25 عامًا أو يزيد والمقيمين لمدة عام في فرنسا والذين يعيشون من نتاج أعمالهم ومن ثم كان المؤتمر الوطني هو أول جمعية فرنسية منتخبة عن طريق الإقتراع العام الذي شارك فيه الذكور بدون تمييز على أساس الطبقة وفيما بعد تم تخفيض الحد الأدنى لسن الناخبين ليصل إلى 21 عاما وتثبيت سن الأهلية على 25 عاما وإنعقدت الجلسة الأولى في يوم 20 سبتمبر عام 1792م وفي اليوم التالي تم إلغاء الملكية الفرنسية وكانت شعبية ماكسميليان روبسبيير قد إزدادت حينذاك نتيجة أنه كان معروفا عنه أنه عدو للملكية ونصير للإصلاحات الديموقراطية ولذا فقد أعقب سقوط الملكية أن إنتخب روبسبيير كأول مندوب لباريس للمؤتمر الوطني وبعد مرور ما يزيد قليلاً عن العام أصبح يوم 22 من شهر سبتمبر التاريخ الأساسي للتقويم الثوري الفرنسي الجديد أي بداية العام الأول من الجمهورية الفرنسية وهو التقويم الذى إبتدعه روبسبيير وأعاد فيه ترتيب الشهور وإستبدل أسماءها التقليدية بأسماء مشتقة من الظواهر الطبيعية المرتبطة بها وقسم السنة إلي عدد من الأقسام كل قسم يشمل 10 أيام جعل أحدها يوم عطلة وبذلك ولدت الجمهورية الفرنسية الأولي وألح روبسبيير حينذاك أيضا على مطلب إعدام الملك لويس السادس عشر وزوجته الملكة مارى أنطوانيت وهو ما تحقق بالفعل في عام 1793م ومما يذكر أنه قبل ذلك كان يطالب بإلغاء حكم الإعدام في فرنسا لكنه في هذا المؤتمر وقف خطيبا مؤيدا لإعدام الملك لويس السادس عشر قائلا يجب علي لويس أن يموت لأن الأمة يجب أن تعيش وسرعان ما إنتخب روبسبيير عضوا في الهيئة التنفيذية العليا وفي لجنة الأمن العام إلا أنه سرعان ما إنتقد لمحاولته تأسيس حكم ثلاثي أو ديكتاتورية وعلى الرغم من أن المؤتمر الوطني كان عبارة عن جمعية تشريعية إلا أنه أخذ لنفسه السلطة التنفيذية وعهد بها إلى أعضائه وعلي رأسهم ماكسميليان روبسبيير وكان هذا الدمج بين السلطات الذي يناقض النظريات الفلسفية وخاصةً نظريات مونتسكيو التي ألهمت الثورة الفرنسية في البداية أحد السمات الأساسية للمؤتمر مما شكل سلسلة من الإجراءات الاستثنائية تسبب فيها هذا الدمج بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ومع نهاية المؤتمر الوطني بعد ذلك في عام 1794م كان أبرز أعضائه قد فارقوا الحياة حيث كان معظمهم ضحايا للإرهاب أو ردة الفعل التي أنهت الإرهاب وفي ربيع عام 1793م عين روبسبيير عضوا في لجنة السلامة العامة القوية في شهر يوليو من العام المذكور والتي كانت قد أنشئت في شهر مارس عام 1793م من قبل المؤتمر الوطني الفرنسي ثم أعيد هيكلتها في شهر يوليو من العام نفسه وفي ظل غياب أي مقاومة له حيث تمكن من التخلص من كل منافسيه أصبح هو المسيطر على الحكومة الفرنسية التي تشكلت وأطلق عليها حكومة الأمر الواقع التنفيذية حيث كانت فرنسا وقتذاك تعاني من الإضرابات السياسية والإجتماعية وبهدف إستعادة النظام في البلاد وتقليل خطر الغزو الخارجي بدأ روبسبيير في القضاء على كل من إعتبرهم أعداء الثورة فأعدم معظم زعماء الثورة الفرنسية وهو ما عرف بعهد الإرهاب في فرنسا والذى إمتد ما بين يوم 6 سبتمبر عام 1793م وحتي يوم 28 يوليو عام 1794م وهو يعد أحد مراحل الثورة الفرنسية والذى كان فيه ماكسميليان روبسبيير هو الزعيم الأوحد ببلا منازع في فرنسا وليرتكب من الفظائع والجرائم والأهوال ما لن يمحوه التاريخ أبدا حيث أصبحت المقصلة هي أداته الوحيدة في تأسيس مجتمع المساوة والإخاء والحرية والعدل وبسبب ذلك تم إعتباره واحدا من أبشع السفاحين الذين أنجبتهم البشرية ومع ذلك فقد ظل في حينه يتمتع بتأييد المجتمع الباريسي ولذلك إنتخب رئيسا للمؤتمر الوطني .

وبالعودة إلي الوراء قليلا لكي نتعرف علي كيفية الوصول إلي عهد الإرهاب في فرنسا فبعد بداية الثورة الفرنسية لم تُظهر الأنظمة الملكية المحيطة عداءا كبيرًا تجاه التمرد كما تمكن الملك لويس السادس عشر لاحقًا من الحصول على الدعم من الملك ليوبولد الثاني من النمسا وهو شقيق زوجته مارى أنطوانيت وفريدريك ويليام الثاني من بروسيا وأصدر الزعماء الأجانب في يوم 27 أغسطس عام 1791م إعلان بيلنيتز قائلين إنهم سيعيدون الملك الفرنسي إذا انضم إليهم حكام أوروبيون آخرون وأعلنَت فرنسا الحرب بتاريخ 20 أبريل عام 1792م ردًا على ما إعتبر تدخلًا للقوى الأجنبية في الشئون الداخلية الفرنسية وفي هذه المرحلة كانت الحرب فقط بين بروسيا والنمسا ضد فرنسا وبدأت فرنسا هذه الحرب بسلسلة كبيرة من الهزائم وكان الشعب الفرنسي خائفًا من الغزو قبل الحرب وخلالها حيث أن الإصلاحات الهائلة للمؤسسات العسكرية الفرنسية إضافة إلى المشاكل الأولية للقوات المسلحة قليلة الخبرة وللقادة المشكوك بولائهم السياسي إلي جانب الوقت الذي إستغرقه الضباط لإبراز مهاراتهم وقدراتهم للصعود في التسلسل القيادي كل ذلك تسبب في خسائر حاسمة للفرنسيين في البداية وكان هناك تهديد دائم للعاصمة الفرنسية باريس من قبل القوات النمساوية البروسية التي كانت تتقدم بسهولة نحوها مهددة بتدميرها إذا تعرض الملك لأي أذى وقد دفعَت هذه السلسلة من الهزائم إلى جانب الإنتفاضات والإحتجاجات المعارضة داخل الدولة الفرنسية الحكومة إلى اللجوء إلى تدابير صارمة لضمان ولاء كل مواطن ليس لفرنسا فحسب بل الأهم ولاءه للثورة وفي النهاية تم كسر هذه السلسلة من الخسائر وبدأ هنا يظهر علي السطح تساؤل عن ماذا قد يحدث في فرنسا إذا إستمرت الثورة وبحلول شهر سبتمبر عام 1792م حقق الفرنسيون إنتصارا حاسما في بلدة فالمي مانعين الغزو النمساوي البروسي وبعد مرور هذه الفترة العصيبة في تاريخ فرنسا تحقق الإستقرار للجيش الفرنسي وبدأ عهد الإرهاب رسميا وإتخذت الحكومة القسوة التي إستخدمتها الحكومة لتحقيق النجاح في الحرب الدولية بمثابة مبرر لها من أجل الإستمرار بأفعالها الإستبدادية وإستمر الوضع علي ذلك حتى تم إعدام الملك لويس السادس عشر وضم أراضي الراينلاند والتي تقع غربي المانيا حاليا إلي فرنسا ثم بدأت الممالك الأخرى تشعر بالتهديد فسعت لتشكيل التحالف الأول ضد فرنسا وقد بدأ هذا التحالف المكون من روسيا والنمسا وبروسيا وأسبانيا وهولندا وسردينيا بمهاجمة فرنسا من جميع الإتجاهات من خلال محاصرة الموانئ والإستيلاء عليها وإستعادة الأرض التي خسرتها في السابق أمام فرنسا ومن ثم أصبحت الحكومة الفرنسية تتعرض لتهديدات من جميع الجهات وكان الوضع شبيها بالأيام الاولى لحروب الثورة وأصبح توحيد البلاد له الأولوية القصوى ومع إستمرار الحرب من جديد وبدء عهد الإرهاب في فرنسا رأى القادة علاقة بين إستخدام العنف وتحقيق النصر وقد وصفه البرت سوبول قائلا إن العنف في البداية كان الرد المرتجل على الهزيمة وأصبح بعد تنظيمه أداة للنصر وقد يكون التهديد بالهزيمة والغزو الأجنبي قد ساعد في تحفيز حدة القسوة والعنف ولكن النجاح الذي حققه ذلك في الوقت المناسب مع الإنتصارات الفرنسية أضاف تبريرًا لنموه وإستمراره .

وكان من أهم الأحداث الكبرى في عهد الإرهاب إنشاء المحكمة الثورية في يوم 10 مارس عام 1793م وتم تبرئة نحو نصف من وجهت إليهم المحكمة إتهامات أمامها على الرغم من أن العدد إنخفض إلى نحو الربع بعد إصدار قانون سمي قانون 22 بريريال كما إندلعَ تمرد في بلدة فونديه في شهر مارس عام 1793م ردا علي التجنيد الجماعي والذي تطور إلى حرب أهلية إستمرت حتى بعد عهد الإرهاب وفي يوم 6 ابريل عام 1793م تم إنشاء لجنة السلامة العامة والتي أصبحت تدريجيًا الحكومة الفعلية في وقت الحرب وطالبت مجموعة من الطبقة الفقيرة المؤتمر الوطني في يوم 2 يونيو عام 1793م بحركة تطهير إداري وسياسي في البلاد كما طالبوا بتحديد سعر ثابت ومنخفض للخبز وإستطاعوا بدعم من الحرس الوطني إقناع اعضاء المؤتمر بالقبض على 29 شخصًا من زعماء الحزب الجيروندي ثم قامت مجموعة من الحركات الثورية ضد الإتفاقية الوطنية في باريس كرد فعل على سجن نواب جيرونديين وفي النهاية تم سحق جميع تلك الثورات وفي يوم 24 نوفمبر عام 1793م إعتمد أعضاء المؤتمر أول دستور جمهوري لفرنسا وهو الدستور الفرنسي لعام 1793م والذى تمت المصادقة عليه من خلال إستفتاء عام ولكن لم يوضع محل التنفيذ أبدا والذى كان بديلا لدستور عام 1791م الذى كان يعد آخر دستور ملكي وفي يوم 13 يوليو عام 1793م أدى إغتيال جان بول مارا وهو زعيم وصحفي في نادي اليعاقبة إلى زيادة إضافية في التأثير السياسي لهم وتم طرد جورج دانتون زعيم إنتفاضة شهر أغسطس عام 1792م التي كانت ضد الملك من اللجنة الوطنية وأصبح روبسبيير عضوا في لجنة السلامة العامة في 27 يوليو عام 1793م وبعد مرور حوالي شهر وفي يوم 23 أغسطس عام 1793م أصدر المؤتمر الوطني مرسوما جماعيا مفاده أنه يجب على الشباب ان يحاربوا كما يجب على الرجال المتزوجون أن يصنعوا الأسلحة وينقلوا المؤن وأنه يجب على النساء أن يصنعن خياما وملابس وأن يعملن في المستشفيات وأنه يجب على الأطفال أن يصنعوا قماش الكتان من الخيوط وأنه يجب على الرجال المسنين الخروج إلى الميادين العامة من أجل إثارة شجاعة المحاربين وتحفيزهم وبيان كراهيتهم للملوك والملكية وللتأكيد على وحدة الجمهورية الفرنسية وفي يوم 9 سبتمبر عام 1793م أنشأ المؤتمر قوات شبه عسكرية تحت إسم الجيوش الثورية لإجبار المزارعين على تسليم الحبوب المطلوبة من قبل الحكومة كما تم اقرار قانون المشتبه بهم في يوم 17 سبتمبر عام 1793م والذي سمح بسجن أشخاص محددين مشتبه بهم بشكل غامض وبدون تهمة محددة ومن ثم إمتلأت السجون بالمتهمين من الرجال والنساء علي حد السواء وكانت أحكام البراءة نادرة والعقوبة المنتظرة كانت دائما الإعدام بالمقصلة ومن ثم أصبح سيل المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام لا ينقطع وفي خلال تسعة شهور فقط وصل عددهم إلي حوالي 16 ألف شخص .

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد حيث إخترع روبسبيير قائمة مبتكرة من التهم يكون عقوبتها الإعدام مثل التعرض للوطنية بالسب والقذف وبث روح اليأس لدى المواطنين ونشر الأخبار وترويج الشائعات الكاذبة وإنتهاك الأخلاقيات وإفساد الضمير العام وتعكير الطهارة والبراءة الثورية ومن أجل الإسراع بمحاكمة من يتم إتهامه بإحدى تلك التهم صدرت قوانين بمنع حضور محامين للدفاع عنهم أو إستدعاء أي شهود وليكون الحكم دائما بالإعدام وقد أدى ذلك إلى حدوث إحتجاج جماهيري ضد أنظمة السجون وقام أعضاء المؤتمر في يوم 29 سبتمبر عام 1793م بتوسيع عملية تحديد الأسعار من الحبوب والخبز لتشمل السلع الأساسية الأخرى وكذلك تحديد الأجور وفي يوم 10 أكتوبر عام 1793م أصدر أعضاء المؤتمر مرسوما ينص على أن تكون الحكومة المؤقتة حكومة ثورية حتى إحلال السلام وتم إصدار التقويم الجمهوري الفرنسي في يوم 24 أكتوبر عام 1793م وبدأت محاكمة أعضاء الحزب الجيروندي في نفس اليوم وتم إعدامهم بالمقصلة بعد أسبوع واحد في يوم 31 أكتوبر عام 1793م وبالتالي لم يعودوا يمثلون قوة ولم يعد لهم من هذا اليوم وجود يذكر في فرنسا وفي يوم 6 نوفمبر عام 1793م تم إعدام فيليب دوق أورليان علي الرغم من أنه كان من كبار مؤيدى الثورة كما كان من ضمن من صوتوا بالموافقة علي إعدام الملك لويس السادس عشر وبعد 4 أيام وفي يوم 10 نوفمبر عام 1793م أعدمت مدام رولان التي كان يجتمع في بيتها أعضاء حزب الجيروند وفي اليوم التالي 11 نوفمبر تم إعدام عدد 32 ضحية جديدة كما تم إعدام العالم الفلكي باتي أول رئيس للجمعية الوطنية في اليوم التالي 12 نوفمبر عام 1793م وعلاوة علي ذلك فقد تم إعدام عدد من القادة الثوريين مثل كوستين وبيرون بتهمة الخيانة العظمي أو التواني عن مطاردة العدو وقد علق روبسبيير علي ذلك متباهيا ومتفاخرا بقوله إنه سوف يجعل خط الحدود بينه وبين أعداء فرنسا نهرا من الدماء وبالإضافة إلي ماسبق فقد زادت المشاعر المعادية لأتباع الكنيسة خلال عام 1793م وأُطلقت حملة لإستئصال نفوذ الكنائس من الدولة وتم تنظيم مهرجان التفكير العقلاني في يوم 10 نوفمبر عام 1793م وهو ما يوافق يوم 20 برومير من السنة الثانية حسب التقويم الجمهوري الفرنسي وفي يوم 5 يناير عام 1794م صدر قانون فريمير والذي أعطى الحكومة المركزية المزيد من السيطرة على تصرفات الممثلين الفرعيين لها وفي يوم 4 فبراير عام 1794م أصدر المؤتمر الوطني مرسوما بإلغاء العبودية في كل من فرنسا والمستعمرات الفرنسية كما قدم سان جست إقتراحا لإصدار مراسيم لمصادرة ممتلكات المنفيين والمعارضين للثورة خلال يوم 26 فبراير ويوم 3 مارس عام 1794م ومما يذكر أيضا من أحداث عهد الإرهاب أنه مع نهاية عام 1793م ظهرت إثنتان من الفصائل الرئيسية هددتا الحكومة الثورية هما الهيبرتيون نسبة إلي قائدهم هيبرت والدانتونيون نسبة لقائدهم جورج دانتون الذين طالبوا بالإعتدال والتسامح وإتخذت لجنة السلامة العامة إجراءات عنيفة ضدهما وتمت محاكمة القائد هيبرت أمام محكمة الثورة وأُعدم في يوم 24 مارس عام 1794م كما تم إعتقال الدانتونيين في يوم 30 مارس عام 1794م وحوكموا مابين يوم 3 ويوم 5 أبريل عام 1794م وأعدموا في يوم 5 أبريل عام 1794م وفي يوم 8 يونيو عام 1794م تم الإحتفال في جميع أنحاء البلاد بمهرجان الإله وهذا الإحتفال كان جزءا من عبادة الإله وفقًا للديانة الربوبية الوطنية أو الديانة العقلية التي إبتدعها روبسبيير وقدر عدد الكنائس التي تحولت إلي هذه الديانة المستجدة بحوالي 2400 كنيسة .

وفي يوم 10 يونيو عام 1794م أقر المؤتمر الوطني قانونًا سهل الإجراءات القضائية وسرع إلى حد كبير عمل المحكمة الثورية وبالتالي زاد عدد احكام الإعدام بشكل كبير مع سن ذلك القانون وفي يوم 26 يونيو عام 1794م إنتصر الجيش الفرنسي في معركة فلوروس والتي وقعت في الأراضي الواطئة النمساوية وهي بلجيكا الحالية وإستخدمت فيها بالونات المراقبة التي كان لها الفضل في تجميع المعلومات اللازمة عن جيوش التحالف الأول التي كانت تحارب فرنسا ومن ثم لعبت دورا كبيرا في تحقيق الإنتصار الفرنسي وبالتالي كانت نقطة تحول في الحملة العسكرية الفرنسية حيث أبطلت مبرر ضرورة إتخاذ تدابير الحرب وأضعفت شرعية الحكومة الثورية وفي غضون ذلك ومع زيادة عدد أحكام الإعدام حتى وصل عدد الذين أعدموا إلى ستة آلاف شخص في ستة أسابيع علاوة علي أن خطب روبسبيير النارية قد أدت إلى خوف عدد من كبار أعضاء المؤتمر الوطني على سلامتهم الشخصية فلذلك دبرت مؤامرة ضد روبسبيير وأعوانه وإتفق كل من باراس ودتاليان متزعمي المؤامرة وهما من رجال الثورة الذين كانوا خائفين من ما يفعله روبسبيير ومن معه لذلك عزما على التخلص منه و جهزا قوة عسكرية وإقتحما بها دار البلدية التي تمترس بها روبسبيير ونجحت إحدى الرصاصات التي أطلقت عليه في أن تصيب فكه ومن ثم تم القبض عليه وتقييده وسيق إلي نفس الزنزانة التي سجنت فيها الملكة السابقة مارى أنطوانيت ليمكث بها عدة ساعات وعندما تم توجيه تهمة الخيانة العظمي له إنفض من حوله أنصاره وتركوه لمصيره المحتوم حيث سيق إلي المقصلة مع مائة من أتباعه ولتنزل المقصلة علي رقبتهم في مشهد وقف الآلاف يشاهدونه في يوم 28 يوليو عام 1794م وكانت هذه هي نهاية عهد الإرهاب وهكذا إنتهي هذا الكابوس المخيف الطويل وزالت حمي التذبيح الممقوتة التي كلفت باريس وحدها 2600 ضحية وبقية أنحاء فرنسا أكثر من 30 ألف قتيل وإنتهي هوان الشعب الفرنسي بتخلصه من حكم الطاغية وبدت روح الأمل تدب من جديد لإقامة مجتمع الحرية والإخاء والمساواة الذي إفتقدته الجماهير بعد ظلام ليل طويل وبذلك إنتهت هذه الصفحة القاتمة التي ألقت ظلالها الكثيفة علي فترة من أحلك فترات التاريخ الفرنسي وثبت لمختلف شعوب العالم علي أن الطغيان لا يدوم وأن السلطة التي تتخذ منه وسيلة لقمع الحريات وترهيب الناس ستكون لها نهاية سيئة لأن الحق ينبثق دائما مهما كانت عتمة الطريق وكلمة أخيرة نقولها في ختام هذا المقال حيث تبقى مسؤولية روبسبيير الشخصية عن تجاوزات عهد الإرهاب موضع جدال حاد بين مؤرخي الثورة الفرنسية حيث كان بالنسبة للبعض رمزَ عهد الإرهاب في فرنسا غير أنه كان بالنسبة للبعض الآخر المنظّرَ الأبرز للثورة وقام بتجسيد التجربة الديموقراطية الأولى للبلاد التي مثلها الدستور الفرنسي لعام 1793م والذى تم تعطيله ولم يتم تنفيذ بنوده أبدا وكمعلومة أخيرة في هذا المقال عن آلة المقصلة التي حصدت أرواح الآلاف من الفرنسيين إبان قيام الثورة الفرنسية حيث إخترعها طبيب فرنسي إسمه جيلوتين ولذلك فقد سميت بإسمه وهي تتكون من إطار طويل من الخشب يوضع فى وضع رأسى ويعلق فى أعلاه نصل معدنى ثقيل وحاد يزن 40 كيلو جرام وهناك مكان يسند عليه المحكوم عليه رقبته أسفل هذا النصل وعندها يطلق الجلاد سراح النصل ليهوى من مسافة 2.3 مترا قاطعا رأس الضحية ويعتبر وزن النصل وإرتفاعه من المواصفات القياسية الثابتة للمقصلة والتى وضعها الفرنسيون وكان أول من نفذ عليه حكم الإعدام بالمقصلة قاطع الطريق الفرنسى نيكولا جاك بيليتييه وليدخل التاريخ كأول شخص يعدم بهذه الآلة وكانت في البداية تتم عملية الإعدام بها فى الميادين العامة أمام الجمهور والذى كان يعتبرها إحدى وسائل التسلية وكانت آخر عملية إعدام تمت فى مكان عام في فرنسا في يوم 10 سبتمبر عام 1939م بعدها تم إلغاء هذا الأمر لكن المقصلة كوسيلة للإعدام ظل مسموحا بإستخدامها حتى عام 1981م وكانت آخر عملية إعدام تمت فى فرنسا بها في يوم 10 سبتمبر عام 1977م .
 
 
الصور :
مشهد إعدام روبسبيير