الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الفيلسوف الفريد "جورج باركلي"

الفيلسوف الفريد -جورج باركلي-
عدد : 04-2020
بقلم المهندس: طارق بدراوى


جورج باركلي الشهير بلقب الأسقف باركلي أو أسقف كلوين هو فيلسوف أيرلندي شهير درس علوم الفلسفة ونال درجة الدكتوراة في هذا التخصص وفي اللاهوت وهو يعد واحدا من أكبر فلاسفة العصر الحديث ويعد ظاهرة فريدة في تاريخ الفلسفة حيث إستطاع ببراعة أن يجمع في فكره كل نواحي الميتافيزيقا والدين وذلك عائد على مايبدو الى ميله الثلاثي الى الميتافيزيقا والمعتقدات الدينية وإلى الإدراك الفطري السليم ولذا فهو يعتبر أحد الفلاسفة البريطانيين الثلاث الأكثر شهرة إلى جانب كل من الفيلسوف جون لوك والفيلسوف ديفيد هيوم وقد عرف بفلسفتهِ التجريبية والمثالية حيث تعرف المثالية لديه أنها الإعتقاد بأن كل شيء موجود يعتمد على العقل لوجودها وأن الواقع يتكون من كل ما تدركه الحواس وكان إنجازه الرئيسي تطوير نظرية أطلق عليها إسم اللامادية أشار إليها آخرون فيما بعد بإسم المثالية الذاتية وتنكر هذه النظرية وجود الجوهر المادي إذ تؤكد بدلا من ذلك على أن الموجودات المألوفة مثل الطاولات والكراسي ما هي إلا أفكار في عقول من يدركونها حسيا وبالتالي فليس بإمكانها أن توجد دون أن تدرَك ويعرف باركلي كذلك بنقده للتجريد وكان يتخذ ذلك مقدمةً منطقيةً هامةً في مناقشته لصالح اللامادية وقد ولد باركلي في يوم 12 مارس عام 1685م في مسكن عائلته قلعة ديسارت الواقعة قرب توماستاون في مقاطعة كيلكيني بأيرلندا وكان هو الإبن البكر لوليم باركلي سليل عائلة باركلي النبيلة بروستانتية المذهب وتلقى تعليمه في مدرسة كيلكيني الثانوية في عام 1696م ثم إلتحق في وقتٍ لاحقٍ بكلية ترينتي أو الثالوث في العاصمة الأيرلندية دبلن حيث إختير للحصول على منحة دراسية في عام 1702م فحصل على درجة البكالوريوس في عام 1704 وهو في عمر 19 عاما ثم أتم درجة الماجستير في عام 1707م وبقي في كلية الثالوث بعد حصوله على الشهادة وأصبح زميلا مبتدئا وعمل فيها مدرسا ومحاضرًا في اللغة اليونانية وفي عام 1710م عين جورج باركلي كاهنا انجليكانيا ثم أصبح زميلا كبيرا في عام 1717م بعد الإنتهاء من الحصول علي شهادة الدكتوراة وكان قد بلغ من العمر 32 عاما وكانت أول أعماله تدور حول الرياضيات والذى تلاه بمؤلَفه المعنون مقال نحو نظرية جديدة للإبصار الذي نشر لأول مرة عام 1709م وكان هذا العمل هو أول عمل لفت الأنظار والإنتباه إليه وقد بحث باركلي في هذا العمل المفاهيم البصرية المتعلقة بالمسافة والمدى والموضع ومشاكل الرؤية واللمس وعلي الرغم من أن هذا العمل قد أثار جدلا كبيرا آنذاك إلا أن الإستنتاجات التي توصل إليها قد أصبحت مقبولة اليوم بوصفها جزءا راسخا من نظرية البصريات وكان المؤلَف الثاني الذي قام بنشره في عام 1710م هو بحث في مبادئ المعرفة الإنسانية والذى حاول فيه دحض الإدعاءات المتعلقة بطبيعة الإدراك الإنساني كما فعل الفيلسوف جون لوك كما أنه من خلال هذا المؤلف قام بفحص أهم أسباب الخطأ والصعوبة في فهم العلوم وأسس الشك في وجود الله والإلحاد وعلاوة علي ذلك فقد إشتمل هذا الكتاب علي مذهبه المادى الذى كان قد بدأ يقتنع به منذ أن كان في العشرين من عمره وسجل حينذاك أفكاره وخواطره في مذكرات مابين عام 1701م وعام 1710م وقد لقي هذا المؤلف نجاحا عظيما ومنحه سمعةً ما تزال باقية إلى يومنا هذا علي الرغم من أن قلة من الناس هم من تقبلوا نظريته التي تقول لا شيء يوجد خارج العقل .


وفي عام 1712م صدر مؤلفه الثالث بعنوان الطاعة السلبية والذى تناول فيه قضايا الفلسفة الأخلاقية والسياسية وفي العام التالي 1713م قصد باركلي إلي لندن داعيا لمذهبه وللتعرف علي مشاهير الكتاب والفلاسفة وقام بإصدار مؤلفه الرابع المعنون المحاورات الثلاث بين هيلاس وفيلونوس وفيه قدم لمنظومته الفلسفية التي يقول مبدؤها الأساسي إن العالم كما يتمثل لحواسنا يعتمد من أجل وجوده على أن يدرَك وفيما يتعلق بهذه النظرية فإن مؤلفه الثاني بحث في مبادئ المعرفة الإنسانية يطرح شرحا لها بينما يقدم مؤلفه الرابع المحاورات الثلاث بين هيلاس وفيلونوس دفاعا عنها ويمثل هيلاس في هذا المؤلف المادية بينما يكون فيلونوس هو صديق العقل الناطق بلسان المؤلف وينتهي بينهما الحوار بإقتناع هيلاس باللامادية وكان هذا هو ما يدعو إليه باركلي حيث كان التصدي للمادية السائدة في عصره أحد أهدافه الرئيسية ولقد قوبلت هذه النظرية حينذاك بالسخرية والإستهزاء على نطاق واسع في حين أن أشخاصًا مثل صموئيل كلارك وويليام ويستون قد أقرا بما يمتلكه باركلي من عبقرية إستثنائية ومع ذلك كانوا مقتنعين بخطأ مبادئه الأولى وبعد ذلك بوقت قصير زار باركلي إنجلترا وإستقبل داخل الدوائر الأدبية والثقافية والإجتماعية في الفترة التي إمتدت بين عام 1714م وعام 1720م وقد تخللت مساعيه الأكاديمية حينذاك فترات من التنقل الموسع ضمن دول قارة أوروبا حيث قضي حوالي 10 شهور متنقلا بين فرنسا وإيطاليا ثم عاد مرة أخرى إلي إنجلترا ثم بعد سنتين رحل مرة أخرى إلي إيطاليا وأقام بها 5 سنوات تنقل خلالها في جميع أنحائها وكان مهتما خلال هذه الفترة بدراسة الجيولوجيا والجغرافيا والتاريخ والآثار وفي عام 1721م قرر العودة إلي إنجلترا وفي أثناء عودته توقف في مدينة ليون الفرنسية ليكتب في علة الحركة وهو موضوع إقترحته أكاديمية العلوم بباريس وقام بإنجاز هذه المهمة وخالف فيها طبيعيات العالم الإنجليزى إسحق نيوتن في علوم الحركة وقام بنشرها في لندن فور عودته لبلاده وفي نفس العام 1721م رسِم برتب كهنوتية في كنيسة أيرلندا بعد أن نال درجة الدكتوراة في اللاهوت وإختار مرة أخرى أن يبقى في كلية الثالوث في دبلن محاضرا هذه المرة في اللاهوت واللغة العبرية وفي النصف الثاني من عام 1721م عين كبيرا لكهنة دورمور ثم كبيرا لكهنة ديري فيما بعد في عام 1724م وقبل ذلك بعام واحد وفي عام 1723م آل إليه إرث كبير ومن ثم فكر في أن ينفقه في نشر الديانة المسيحية في المستعمرات البريطانية في قارة أمريكا الشمالية في عام 1724م وفي العام التالي 1725م باشر مشروع تأسيس كلية في جزر برمودا لتأهيل الكهنة والمبشرين في هذه المستعمرة ليكونوا مصلحين في هذه المنطقة وفي العالم كله فيما بعد وتخلى في سبيل متابعته لهذا المشروع عن منصب كبير الكهنة والدخل البالغ 1100 جنيه إسترليني الذي كان يتقاضاه منه والذى كان يعد مبلغا لا بأس به في ذلك الوقت وكانت هذه تضحية كبيرة منه ووعده رئيس وزراء بريطانيا حينذاك بتدعيم هذا المشروع ماليا ومن ثم تزوج في عام 1728م وحمل معه 20 ألف مجلد وإنتقل إلي ولاية رود أيلاند بشمال شرق أمريكا الشمالية ولكن لم يتم تدعيم تنفيذ هذا المشروع بالمال اللازم ففتر حماسه تجاه تنفيذ مشروعه وفي نفس الوقت أبلغه رئيس الوزراء أنه يرى أن يعود إلي إنجلترا من ثم إضطر للعودة إلي بلاده مرة أخرى بعد حوالي 3 سنوات أقام فيها في رود أيلاند ومما يذكر أنه لم يضيع وقته هناك سدى حيث درس أفلاطون وغيره من فلاسفة اليونان القدماء وأيضا بعض رجال الفيثاغورثية الجديدة دراسة دقيقة .


وبعد عودته إلي بلاده وفي عام 1732م نشر عمله السيفرون أو الفيلسوف الصغير وكان عبارة عن دفاع تبريري مسيحي في وجه من كانوا يطلقون علي أنفسهم المفكرين الأحرار تم تقديمه على شكلِ حوارٍ فلسفيٍ بين أربعة شخصيات من هؤلاء المفكرين الأحرار وهم الكيفرون وليسيسليس وكريتو وإيفورنور ثم نشر في عام 1734م كتاب المحلل الذي كان بمثابة نقد لأسس حساب التفاضل والتكامل وكان له تأثير كبير في تطور علوم الرياضيات وفي نفس العام تم تعيينه أسقفًا لكوين في أيرلندا وبقي في منصبه هذا حتى تقاعده في عام 1752م وكانت الأغلبية من سكان هذه المنطقة من الفقراء الكاثوليك وقد أبدى باركلي نحوهم تعاطفا كبيرا نظرا لما تبين له حالة البؤس التي يعيشون فيها ومن ثم قام بإنشاء العديد من الجمعيات الخيرية والمدارس وفكر في تأسيس مصرف وطني أيرلندى وكتب بحثا في هذا الشأن عام 1737م وعلاوة علي ذلك فقد عني بالإصلاح الأخلاقي وكتب أيضا عدة رسائل في هذا الموضوع الهام وفي عام 1740م إجتاحت أيرلندا مجاعة تبعها وباء معدى وجرب في علاجه أحد الأدوية التي كان هنود ولاية رود أيلاند يستخدمونه وهو ماء القطران والذى نجح في علاج الكثير من الحالات وفي عام 1944م شرع في كتابة مؤلفه الأخير سيريس ويعني السلسلة وكان سبب إختياره لهذا العنوان أنه قام في هذا الكتاب بشرح سلسلة الإعتبارات والبحوث الفلسقية في مفعول ماء القطران الذى إستخدمه كعلاج وأيضا شرح فيه مجموعة أخرى من الموضوعات المتنوعة المترابطة مع بعضها البعض وعن الحياة الشخصية لجورج باركلي فقد تزوج في عام 1728م من إبنة رئيس قضاة النداء المشترك الأيرلندي آن فورستر وأنجب منها 7 أطفال نجا منهم 3 فقط من مرحلة الطفولة بينما توفي الباقون وهم أطفال صغار وفي عام 1751م فقد أيضا أحد أبنائه وحزن عليه حزنا شديدا وبدأت صحته تعتل فآثر الإعتزال بمدبنة أوكسفورد في منزل إبنه وبعد عدة شهور أصيب بحالة شلل كلي وكانت وفاته في يوم 14 يناير عام 1753م عن عمر يناهز 68 عاما وعن صفاته الشخصية فقد كان معروفا عنه أنه رجل مبتهج وودود ولطيف وكان محبوبا من قبل كل من عرفه وكان حريصا علي المشاركة في العمل الإنساني لمساعدة الأطفال المهجرين في لندن فكان أحد المحافظين الأصليين لمستشفى فاوندلينج الذي أنشأه رويال شارتر في عام 1739م وقد تأثر به العديد من الفلاسفة الذين جاءوا بعد زمانه وكان منهم الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت والفيلسوف الإنجليزى دافيد هيوم وتكريما له تم تسمية مدينة بيركلي في كاليفورنيا على شرفه .

وفي النهاية يمكننا القول بأن جورج باركلي كان ينظر إليه علي أنه أبو الفلسفة المثالية وكتب عنه الفيلسوف البريطاني الفريد وايتهد إنه قد جعل فلسفة كل من إيمانويل كانت ودافيد هيوم ممكنة وعلينا أن ندرك أن محور إنشغال باركلي ومعظم أعماله الفلسفية كانت تنصب حول إثبات وجود الله وقدرته المطلقة وهو ما دفعه في المقابل إلي إنكار الوجود المطلق للمادة وهو الموقف الذى كان يدافع عنه بإصرار وبإستمرار من خلال كتاباته الفلسفية وعلي الرغم من أن باركلي كان يمارس العمل الفلسفي علي نطاق واسع إلا أنه كان يمقت حذلقة الفلاسفة والإشكالات التي كان يعتقد أنهم يخلقونها لأنفسهم فتكون النتيجة أنها تؤدى بهم إلي الشك والإلحاد ومن ثم لم تكن الفلسفة لدى باركلي مشروعة إلا إذا كانت تسلم بوجود الله وتؤكد علي الإيمان به فكان يجعل من يسمع حديثه الدائم عن الشك والإلحاد كنتيجة طبيعية للتيارات الفلسفية التي كانت شائعة في عصره يعتقد أنه أي باركلي كان مضطرا إلي الإتجاه إلي الفلسفة لمجاراة التيار العام ولكي يتمكن من التعبير عن أفكاره بشكل يحظى بإحترام الجمهور وحتي لا يكون حديثه مجرد عظات من قس مسيحي وكان يقول عن هذا إنه لما إعتزم إقناع الشكاكين والمارقين بالحجة والعقل فقد أصبح لزاما عليه أن يراعـي قوانين العقل الصارمة مراعاة تامة وهو كله أمل في إقناع القارئ المحايد بأن الفكرة العلوية التي تقول بوجود إله وبأن الأمل العذب في الخلود ينبعان حقا من العقل ومن تطبيق قوانينه تطبيقا أمينا أما عن هذا النوع من التفكر المهلهل الهائم الذي يطلق عليه بغير قليل من الإنصاف إسم التفكر الحر والذي يمارسه من يدعون بالمفكرين الأحرار أولئك الذين يشفقون علي أنفسهم من تحمل قيود التفكر المنطقي فضلا عن قيود الدين والدولة فلندعه جانبا غير حافلين به وبشكل أكثر صراحة كان باركلي يعبر عن مرجعياته في جميع مواقفه الفلسفية التي كان يقتنع بها وينحاز إليها بما ورد في الكتاب المقدس وكان يتفق دائما مع الرأي الشائع في كل شيء وكان يقف دائما بجانب العامة وهو يعلم تمام العلم أن هناك عددا كبيرا من الناس لن يعجبهم هذا الموقف ومع ذلك فإنه كان يتوقع أن تسانده جميع العقول التي لم يرهقها العلم ويفسدها جنون البحث وكان من أهم أقوال جورج باركلي المأثورة الحقيقة هي صرخة الجميع لكنها لعبة القلة وكل جوقة السماء وأثاث الأرض يمكننا أن نقول عنها بكلمة واحدة إن كل تلك الهيئات التي تشكل إطار هذا العالم ليس لها عيش بدون عقل .