الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

السلطان محمد الفاتح
-ج1-

السلطان محمد الفاتح
-ج1-
عدد : 06-2020
بقلم المهندس: طارق بدراوى


السلطان الغازي محمد خان الثاني الفاتح وباللغة التركية العثمانية فاتح سلطان محمد خان ثانى هو السلطان محمد بن مراد الثاني بن محمد الأول جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل وكان هذا الأخير هو مؤسس الدولة العثمانية بينما كان السلطان محمد الفاتح هو سابع سلاطين الدولة العثمانية والذى إعتلي العرش بعد والده السلطان مراد الثاني سادس سلاطين الدولة العثمانية والذى كان يلقب ب"خير الملوك"، والسلطان الغازي أبي الخيرات ومعز الدين وسياج المسلمين والذى إشتهر بين معاصريه بِلجوئه إلى مسايسة أعدائه وإتباع الأساليب الدبلوماسية معهم كلما كان بِوسعه ذلك كما أنه كان مغرماً بِالفتوحات وكان حريص علي ألا يشن حربا إلَا وهو واثق من النصر وكان ذا حزم وعزم وهو وإن كان لم يضارع أسلافه في الفتوح إلا أنَه كان جديرا بِأن يشترك مع والده السلطان محمد الثاني جلبي خامس السلاطين العثمانيين بِحمل لقب الباني الثاني لِلدولة العثمانية وذلك لِأن كلاهما توصَل بِجهوده الكبيرة إلى إعادة الشأن والإعتبار لِلدولة العثمانية كما كان حالها قبل نكسة معركة أنقرة التي وقعت بين المغول بقيادة الإمبراطور تيمورلنك والعثمانيين بقيادة السلطان بايزيد الأول عام 1402م قرب مدينة أنقرة العاصمة الحالية لتركيا والتي تقع بوسط إقليم الأناضول والتي تعد من كبرى معارك العصور الوسطي والتي إستطاع جيش المغول فيها هزيمة العثمانيين هزيمة مدوية وتم أسر السلطان بايزيد الأول جد السلطان مراد الثاني وكادت الدولة العثمانية أن تزول حينذاك للأبد بسبب ذلك وقد حاصر السلطان مراد الثاني القُسطنطينيَّة بِجيشٍ عظيم وكان علي وشك فتحها إلا أنه قد إضطر لفك الحصار عنها نتيجة الإضطرابات التي حدثت في المناطق الخاضعة للعثمانيين بإقليم الأناضول وإضطر أن يتوجه إلي هناك للسيطرة عليها وكان حصار السلطان مراد الثاني للقسطنطينية عقابا لِلروم على إطلاقهم سراح الشاهزاده مصطفى بن بايزيد عمه المدعي بِالحق في عرش آل عثمان وإثارة الأخير بلبلة وفتن في وجه إبن أخيه كما تمكَن السلطان مراد الثاني من إخضاع جميع الإمارات التركمانيَة في إقليم الأناضول التي كان جده السلطان بايزيد الأول قد ضمها إلى أملاك الدولة العثمانية ثُم فقدتها مجددا عندما إستولي عليها الإمبراطور تيمورلنك لما تغلب على العثمانيين في معركة أنقرة المشار إليها في السطور السابقة وعلاوة علي ذلك فقد أجبر السلطان مراد الثاني الإمبراطور البيزنطي على الخضوع لِنفوذ الدولة العثمانيَة ودفع جزية معلومة سنويا وإستطاع الإستيلاء على كل الحصون والقلاع التي كانت لم تزل تحت تصرف الروم في سواحل الروملي وهي القسم الأوروبي من تركيا حاليا وأيضا في بلاد مقدونيا وتساليا ببلاد اليونان وتمكن من أن يستخلص كل المدن الواقعة وراء برزخ كورنثة بوسط جنوب بلاد اليونان حتي باطن إقليم المورة وهي أيضا كانت من ضمن أقاليم بلاد اليونان .

وكان السلطان محمد الفاتح هو من فتحت في عهده القسطنطينية وبالتالي سقطت الدولة البيزنطية ولذا فهو يعرف بأنه هو من قضى نهائيا على الإمبراطورية البيزنطية بعد أن إستمرت أحد عشر قرنا من الزمان ويعتبر الكثير من المؤرخين هذا الحدث خاتمة العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة وعند الأتراك فهذا الحدث هو فاتحة عصر الملوك ويلقب السلطان محمد الفاتح إلى جانب الفاتح بأبي الفتوح وأبو الخيرات وبعد فتح القسطنطينية أضيف لقب قيصر إلى ألقابه وألقاب باقي السلاطين العثمانيين الذين تلوه . وقد إمتدت فترة حكمه للدولة العثمانية ما يقرب من ثلاثين عاما توسعت ًخلالها توسعا كبيرا وقد ولد السلطان محمد الفاتح فجر يوم 26 رجب عام 833 هجرية الموافق يوم 21 من شهر أبريل عام 1430م في مدينة إدرنه عاصمة الدولة العثمانية حينذاك والتي تقع في إقليم تراقيا أى في القسم الأوروبي من تركيا في أقصى الجهة الشمالية الغربية من هذا الجزء بالقرب من حدود دولتي بلغاريا واليونان حيث تبعد عن حدود اليونان حوالي 7 كيلو متر وعن حدود بلغاريا حوالي 20 كيلو متر وعندما بلغ ربيعه الحادي عشر أرسله والده السلطان مراد الثاني إلى إقليم أماسيا ليكون حاكما عليها وليكتسب شيئاً من الخبرة اللازمة لحكم الدولة كما كانت عليه عادة الحكام العثمانيين قبل ذلك العهد فمارس محمد الأعمال السلطانية في حياة أبيه ومنذ تلك الفترة وهو يعايش صراع الدولة البيزنطية في الظروف المختلفة كما كان على إطلاع تام بالمحاولات العثمانية السابقة لفتح القسطنطينية بل ويعلم بما سبقها من محاولات متكررة في العصور الإسلامية المختلفة وخلال الفترة التي قضاها حاكماً على إقليم أماسيا كان السلطان مراد الثاني قد أرسل إليه عددًا من المعلمين لكنه لم يمتثل لأمرهم ولم يقرأ شيئا حتى أنه لم يختم القرآن الكريم الأمر الذي كان يعد ذا أهمية كبرى فطلب السلطان مراد رجلاً له مهابةٌ وحِدة فذُكر له المولى أحمد بن إسماعيل الكوراني فجعله معلما لولده وأعطاه عصا غليظة يضربه بها إذا خالف أمره فذهب إليه ودخل عليه والعصا في يده وقال له أرسلني والدك للتعليم والضرب إذا خالفت أمري فضحك السلطان محمد الثاني من ذلك الكلام فضربه المولى الكوراني في ذلك المجلس ضربا شديدا حتى خاف منه وأصبح يعمل له ألف حساب وأقبل علي دروسه بهمة ونشاط وختم القرآن الكريم في مدة يسيرة وكان لهذه التربية الإسلامية الأثر الأكبر في تكوين شخصية محمد الفاتح فجعلته مسلما مؤمنا ملتزما بحدود الشريعة الإسلامية مقيدا بالأوامر والنواهي معظما لها ومدافعا عن إجراءات تطبيقها حيث تأثر بالعلماء الربانيين ونشأ محبا للعلم والعلماء وبشكل خاص بمعلمه المولى الكوراني وأق شمس الدين وغيرهما وإنتهج منهجهم وبرز دورهما في تكوين شخصيته ومنذ صغره ترسخ في نفسه أمران هامان هما مضاعفة حركة الجهاد العثمانية من أجل نشر دين الإسلام في قارتي آسيا وأوروبا بصفة خاصة والإيحاء دوما له منذ صغره بأنه الأمير المقصود بالحديث النبوى الشريف لتفتحن القسطنطينية فنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش ولذلك كان محمد الفاتح يطمع أن ينطبق عليه هذا الحديث للنبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم كما كان محمد الفاتح عالي الثقافة وكان يجيد العديد من اللغات إلى جانب اللغة التركية وهي اللغة العربية واللغة الفرنسية واللغة اللاتينية واللغة اليونانية واللغة الصربية واللغة الفارسية واللغة العبرية .

تقلد السلطان محمد الفاتح عرش الدولة العثمانية مرتين وكانت المرة الأولي وهو يبلغ من السن حوالي 14 عاما في عام 848 هجرية الموافق عام 1444م وكان ذلك عقب وفاة شقيقه الأكبر وأكبر أولاد والده السلطان مراد الثاني وولي عهده علاء الدين مما تسبب في إصابة والده بصدمة نفسية شديدة وإنتابته حالة حزن شديد ومن ثم سئم الحياة وإتخذ قرارا هو الأول في تاريخ الملوك والسلاطين المسلمين وغير المسلمين حيث تنازل عن الحكم لإبنه محمد البالغ من العمر أربع عشرة عاما وجعل له بطانة من الوزراء والعلماء والناصحين حتى لا ينفرط عقد السلطنة وترك العاصمة حينذاك إدرنه وسافر إلى ولاية إيدين غربي تركيا للإقامة بها بعيدا عن هموم الدنيا وغمومها وتفرغ للصلاة والعبادة والذكر والمناجاة والدعاء في خلوة من خلوات العباد وإنقطع عن الدنيا وأقبل على الآخرة ولبس ملابس الزهاد وكان مما شجعه علي إتخاذ هذه الخطوة أنه كان قد قام بإبرام معاهدة سلام في يوم 26 من شهر ربيع الأول عام 848 هجرية الموافق يوم 13 يوليو عام 1444م مع إمارة قرمان المتمركزة في جنوب وسط الأناضول والتي كانت من أقوى الدول في هذه المنطقة منذ تأسيسها في القرن الثالث عشر الميلادى وحتي سقوطها في أيدى العثمانيين عام 1487م كما كان قد قام سابقا بعقد إتفاقية هدنة لمدة عشر سنوات مع المجر وأقسم ملك المجر على الإنجيل والسلطان مراد الثاني على القرآن الكريم على عدم مخالفتهما شروط هذا الصلح ما داما على قيد الحياة.لكنه لم يمكث في خلوته بضعة أشهر حتى أتاه خبر غدر المجر وعدم إلتزام ملكهم بشروط الهدنة إعتمادا على تغرير الكاردينال سيزاريني مندوب البابا وإفهامه لملك المجر أن عدم رعاية الذمة والعهود مع المسلمين لا تعد حنثا ولا نقضا لليمين والعهد وإقتنع ملك المجر بذلك ومن ثم نقض المجريون والبابا عهد الصلح الذي عقدوه مع العثمانيين بعد أن نفذ العثمانيون شروط العهد من جانبهم وسلموا عدة بلاد ومدن للمجريين بينما حنث ملك المجر باليمين الذي أقسمه على الإنجيل ولم ينفذ بنود معاهدة الصلح وقام بحشد جيشه بدون إعلان حرب علي العثمانيين أو إلغاء للمعاهدة معهم وسار بجيشه قاصدا مدينة ڤارنا الواقعة على ساحل البحر الأسود في بلغاريا بقيادة القائد السياسي والعسكري المحنَك يوحنا هونياد أكبر الولاة والنبلاء في المملكة المجرية والذي كان قائدا لكل القوات المسيحية المشتركة كما إختير ملك بولونيا والمجر ڤلاديسلاڤ الثالث قائدا شرفيا على الجيوش الأوروپية كما شارك في هذه الحملة أيضا ميرچه الثاني حاكم الأفلاق وهي منطقة جغرافية وتاريخية في رومانيا حاليا تقع في الشمال من نهر الدانوب وفي الجنوب من سلسلة جبال الكارابات بجمهورية رومانيا حاليا وقد أطلق عليها إسم الأفلاق في العهد العثمانى وشارك فيها أيضا المندوب البابوي الكاردينال يوليان سيزاريني وأساقفة محاربون آخرون وسارت هذه الحملة وفي طريقها كانت تقوم بذبح المسلمين الآمنين بالصلح في المدن والقرى الواقعة في مسار الجيش لكي تلتقي بسفن أسطولهم عند ڤارنا لتستقلها قوات الحملة وتقوم بمباغتة إدرنة عاصمة الدولة العثمانية حينذاك وكان السلطان محمد الفاتح قد كتب إلى والده حينما وصلته أخبار بداية غدر المجر وعدم الإلتزام بالهدنة يطلب منه العودة إلي إدرنه علي وجه السرعة ليتربع على عرش السلطنة تحسبا لوقوع معركة مرتقبة مع المجر إلا أن السلطان مراد رفض هذا الطلب في البداية فرد محمد الفاتح إن كنت أنت السلطان فتعال وقف على قيادة جيشك ورئاسة دولتك وإن كنت أنا السلطان فإني آمرك بقيادة الجيش وبناءا على هذه الرسالة عاد السلطان مراد الثاني إلي العاصمة إدرنه وأسرع بتعبئة قواته وقاد الجيش العثماني ولحق بالمجريين وحلفاءهم عند مدينة ڤارنا قبل أن يلتقوا بسفنهم وحَاصَرَهم حصارا محكما فلم يستطيعوا الانسحاب ومن ثم وقعت معركة ڤارنا على غير ميعادٍ .

وكانت هذه المعركة معركة طاحنة بين الطرفين وعلي الرغم من قوة العثمانيين في هذه المعركة والتي يقدرها البعض بالضِعف أو أكثر بسبب عدم إكتمال جيوش المجريين وحلفاءهم يومئذ إلا أنها كان من الممكن أن تنتهي لصالح المجريين بحسب المصادر الغربية إلا أن الملك ڤلاديسلاڤ الثالث تهور وقرر قتل السلطان مراد الثاني شخصيا وهرع في كتيبة فرسانه الخاصة إلى الهجوم على المقر السلطاني أثناء المعركة على خلاف الخطة فقتله جنود الإنكشارية العثمانيون وحزوا رأسه ورفعوها على حربة فهرب باقي جنوده ومن ثم تعرض الجيش المجرى لهزيمة كاملة ثقيلة وتحقق النصر الحاسم للعثمانيين بتاريخ يوم 28 رجب عام 848 هجرية الموافق يوم 10 نوفمبر عام 1444م ولم يفلت من هذه المعركة الكبرى سوى شرذمة قليلة من المجريين وحلفاءهم ووقع الآلاف منهم في الأسر وغنم العثمانيون أموالا عظيمة منها مائتان وخمسون عربة مملوءة بِالأموال والأمتعة النفيسة وأواني الذهب والفضة ولما تم الأمر وعاد الهاربون من الجيش العثماني أمر السلطان بِقتل بعضهم والتشهير ببعضهم بجعلهم يرتدون ثياب النساء وزيهن ثمَ شفع فيهم الوزراء والأُمراء المقربون من السلطان فعفا عنهم شكرا لله الذي حقق النصر للعثمانيين وقام بإرسال مبعوثيه لكي يبشروا السلاطين والأمراء المسلمين ويعلمهم بإنتصاره علي المجريين فعمت الإحتفالات أرجاء العالم الإسلامي وكان من نتائج هذه المعركة الفاصلة أن ظلت الدولة العثمانية بعد نصرها الساحق آمنة لعدة عقود من أية محاولات أخرى جادة لطردها من قارة أوروپا حيث كانت تلك المعركة هي آخر محاولة في القرون الوسطى لدفع العثمانيين خارج جنوب شرق أوروپا وقد إمتد الأثر السياسي لتلك المعركة بضعة أعوام بينما إمتد أثرها العسكري لعدة قرون في شبه جزيرة البلقان وكانت هي التي مهدت لفتح القسطنطينية بعدها بتسع سنوات وفي عام 850 هجرية الموافق عام 1446م تنازل السلطان محمد الفاتح لوالده السلطان مراد عن الحكم حيث إستصغر قادة الجيش العثمانيين من الإنكشارية السلطان الصغير وعصوا أمره ونهبوا مدينة إدرنه العاصمة وكانوا يمثلون النخبة من قوات المشاة بالجيش العثماني وكانوا يشكلون الحرس الخاص للسلطان العثماني وقد تأسست هذه القوات في عهد السلطان مراد الأول مابين عام 1362م وعام 1389م وكان لهم تنظيم خاص بهم وكانت لهم ثكنات عسكرية وشارات ورتب وإمتيازات خاصة وبالتالي فقد كانوا أقوى فرق الجيش العثماني وأكثرها نفوذا وكان أغلبهم من أسرى الحروب من الغلمان الذين يتم فصلهم عن ذويهم وأصولهم ويتم تربيتهم تربية إسلامية على أن يكون السلطان هو والدهم الروحي ويكون ولاؤهم له وأن تكون الحرب صنعتهم الوحيدة وبعودة السلطان مراد الثاني إلي العرش مرة أخرى تم تأديب قادتهم ومابين عام 1446م وعام 1451م إنتقل السلطان محمد الفاتح إلى مانيسا الواقعة بغرب الأناضول وكان والده قد جمع الإنكشارية وإنتقل لخوض حروبه في قارة أوروبا ولا توجد معلومات كثيرة عن هذه الفترة من حياة السلطان محمد الفاتح غير أنه في خلال هذه الفترة تزوج بوالدة ولي العهد كما كان يطلق على زوجات السلاطين أمينة جلبهار ذات الجذور النبيلة حيث كانت تنتمي إلي قرية دوفيرا في إقليم طرابزون الذى يقع علي البحر الأسود بمنطقة شمال الأناضول والتي توفيت بعد ذلك عام 1492م بعد أن أنجبت السلطان بايزيد الثاني وفي هذه الفترة أيضا وخوفًا من رجوع الإنكشارية إلى إقلاق راحة الدولة أراد السلطان مراد أن يشغلهم بالحرب فأغار على بلاد اليونان والصرب علي مدار حوالي 5 سنوات وفتح عددًا من المدن والإمارات وضمها إلى الدولة العثمانية وتزوج السلطان محمد الفاتح في هذه الفترة أيضًا بزوجته الثانية ستي مكرم خاتون وكانت أميرة من سلالة ذي القدر التركمانية وقام محمد الفاتح خلال المدة التي قضاها في مانيسا بضرب النقود السلجوقية بإسمه وفي شهر أغسطس أو سبتمبر من عام 1449م توفيت والدته وبعد ذلك بعام أي في عام 1450م أبرم والده صلحا مع إسكندر بك أحد أولاد جورج كستريو أمير البانيا الشمالية الذين كان السلطان مراد الثاني قد أخذهم رهائن وضم بلاد أبيهم إليه بعد موته وكان إسكندر بك قد أسلم أو بالأحرى تظاهر بالإسلام لنوال ما يكنه صدره وأظهر الإخلاص للسلطان حتى قربه إليه ثم إنقلب عليه أثناء إنشغاله بمحاربة الصرب والمجر وبعد عدد من المعارك لم يستطع الجيش العثماني المنهك إسترجاع أكثر من مدينتين ألبانيتين فرأى السلطان مراد الثاني مصالحة البك ريثما يعود ليستجمع جيشه قوته ويعيد حشده من جديد ثم يعود لفتح باقي مدن البانيا وبالفعل عاد السلطان مراد الثاني إلى إدرنه عاصمة ممالكه ليجهز جيوشا جديدة كافية لقمع إسكندر بك الثائر على الدولة العثمانية .

وبعد العودة إلي إدرنه مرض السلطان مراد الثاني مرضا قصيرا قيل إنه كان لمدة 3 أيام ثم توفي علي الأغلب في يوم 5 من شهر المحرم عام 855 هجرية الموافق يوم 7 فبراير عام 1451م حيث هناك خلاف علي تحديد التاريخ الصحيح للوفاة وكان قد كتب وصيةً إلى ولده وهو على فراش الموت وجمع الوزراء لِيكونوا شهداء عليها وأوصاهم بِحسن الإنقياد لِوليِ عهده محمَد وكان من أبرز بنود هذه الوصية تعيين خليل باشا الجندرلي وصيا ومرشدا لِلسلطان الجديد وأن يسعى الأخير لِفتح القسطنطينية وأن هذا الهدف هو أهم هدف ينبغي العمل على تحقيقه كما طلب ألا تسدد نفقات جنازته ودفنه من خزينة الدولة وأن يتم بيع خاتمه المرصَع بِحجر الياقوت الأحمر المثقب بِوزن مثقال بِالإضافة لِخاتمه الماسي أو رهنهما إذا لم يباعا لِتسديد نفقات الجنازة كما طلب ألا تعلو تربته قبة وقال في هذا الشأن لَا تَبنوا لِي ضَرِيحا كَمَا يبنَى لِلسَلاطِين العظَمَاء ولَا تَبنوا سِوَى جِدَار عَلَى أَربَعَةِ أَطرَافِ قَبرِي ولَا تَسقِفُوا فَوقِي لِكَي يَهطِلَ المَطَر علي تربتي رَحمَةُ الله فَوقِي وبِموجب وصيَته تركت تربته بدون قبة فوقها وما أن وصلت أنباء وفاة السلطان إلى إبنه محمد حتى ركب فورا عائدا إلى العاصمة إدرنه وكان الوزراء قد أخفوا نبأ موت السلطان مراد الثاني عن الجيش تحسبا لما قد يسببه الإعلان عن موته من إضطرابات قبل وصول السلطان الجديد محمد الفاتح إلي عاصمة ملكه لذلك جرى التكتم على هذا الأمر قرابة الأسبوعين إلى حين وصول السلطان محمد إلى إدرنه حيث توج سلطانا للمرة الثانية في يوم 19 فبراير عام 1451م وكان قد بلغ من العمر 21 عاما وكانت هذه هي المرة الثانية التي يتم فيها إخفاء نبأ وفاة السلطان عن الجيش حيث كانت المرة الأولي عندما توفي السلطان محمد الأول جلبي والد السلطان مراد الأول وأقام السلطان محمد الفاتح جنازة لوالده الراحل وأمر بنقل الجثمان إلى مدينة بورصة العاصمة السابقة للدولة العثمانية والتي تقع في شمال غرب البلاد في منطقة مرمرة بالجزء الآسيوى من تركيا بين مدينتي إسطنبول وأنقرة العاصمة التركية الحالية لدفنه في التربة المعدَة لِأجله والتي عرفت فيما بعد بالكليَة المراديَة وكان هو آخر السلاطين العثمانيين الذين يتم دفنهم في بورصة حيث تم دفن معظم السلاطين العثمانيين فيما بعد في إسطنبول بعد أن تم فتح القسطنطينية ونقل العاصمة إليها وتغيير إسمها إلي إسطنبول ولم يكن خارجا عن أملاك الدولة العثمانية حينئذ إلا جزء من إمارة القرمان ومملكة طرابزون الرومية ومدينة سينوپ والتي تقع في أقصى شمال تركيا من جهة البحر الأسود أيضا فيما يعرف تاريخيا بمنطقة بافلاجونيا وكان إقليم المورة ببلاد اليونان مجزءاً بين البنادقة وعدة إمارات صغيرة يحكمها بعض أعيان الروم أو الإفرنج الذين تخلفوا عن إخوانهم بعد إنتهاء الحروب الصليبية كما كانت بلاد الأرناؤوط وهي البانيا حاليا وإيبيروس وهي منطقة جغرافية تاريخية تقع في جنوب شرق قارة أوروبا وتمتد في المنطقة الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة البلقانية وهي منقسمة حاليا بين اليونان والبانيا في حمى إسكندر بك الذى جاء ذكره في السطور السابقة وبلاد البشناق أي البوسنة والهرسك المستقلة بينما كانت بلاد الصرب تابعة للدولة العثمانية تبعية سيادية وما بقي من شبه جزيرة البلقان كان داخلا أيضا تحت سلطة الدولة العثمانية وبذلك تقلصت أملاك الإمبراطورية البيزنطيةّ وأصبحت قاصرةً فقط على مدينة القسطنطينية العاصمة وضواحيها وبعض المناطق المتناثرة في منطقة الأناضول فبدا واضحا أن أيامها قد أصبحت معدودة وأن الثمرة قد نضجت وقاربت علي السقوط في أيدى العثمانيين .

وبالفعل كان السلطان محمد الفاتح يحلم بفتح القسطنطينية ويفكر في ذلك علي الدوام ويخطط لما يمكن عمله من أجل تحقيق هذا الهدف العظيم وتحقيق هذا الحلم الكبير الذى حاول غيره من حكام المسلمين تحقيقه علي مدى 8 قرون ومن ثم فقد سيطرت فكرة الفتح على عقله وكل جوارحه فلا يتحدث إلا في أمر الفتح ولا يأذن لأحد من جلسائه بالحديث في غير أمر الفتح الذي ملك قلبه وعقله وأرقه وحرمه من النوم الهادئ ومن جهة أُخرى نجده كان قد ورث دولةً كانت لا تزال منقسمةً إلى قسمين قسم آسيوى وهو الأناضول الذي أضحى بلادا إسلامية إندمجت في حضارة الإسلام منذ زمن بعيد وقسم أوروبي يطلق عليه الروملي الذي كان قد فُتح حديثًا ولا يزال منطقة ثغور وغير متصل بالكامل بالقسم الآسيوى كما أنه قد تأثر تأثرا عميقا بنظريات وعادات وتقاليد مجاهدي الثُغور الذين إستوطنوه كما تأثر بمعتقدات وطُرق الدراويش الصوفية الذين صحبوا هؤلاء المجاهدين فكان الوضع يتطلب بالضرورة إيجاد صلة أو حلقة وصل بين القسمين وتحديدا بين العاصمة القديمة للدولة وهي مدينة بورصة في منطقة الأناضول والعاصمة الجديدة لها وهي مدينة إدرنه في القسم الأوروبي وكانت القسطنطينية تشكل هذه الصلة أو حلقة الوصل وذلك بالإضافة إلى جانب المغزى الديني الكبير للفتح حيث إعتبر السلاطين العثمانيون الذين تولوا الحكم قبل السلطان محمد الفاتح أنه يجب أن تكون القسطنطينية هي العاصمة الطبيعية لدولتهم لما في ذلك من ضرورات إستراتيجية ملحة إذ أن بقائها في أيدي البيزنطيين من شأنه أن يهدد خطوط مواصلات العثمانيين وطرق تجارتهم وعمليات نقل القوات العسكرية ما بين أملاكهم الآسيوية والأوروپية ولذا فإن فتح القسطنطينية والسيطرة عليها كفيل بتشديد قبضتهم على الأراضي التي يحكمونها ويخلع عليهم المهابة والعظمة والمجد في العالمين الإسلامي والمسيحي علي حد السواء وبدأ السلطان محمد الفاتح يفكر في كيفية تنفيذ حلمه وهو علي علم تام بالمحاولات السابقة التي لم تنجح جميعها في فتح مدينة القسطنطينية حيث أنها تحتل موقعا منيعا حبته الطبيعة بأبدع ما تحبو به المدن العظيمة فنجد أنه تحدها من الشرق مياه مضيق البوسفور ويحدها من الغرب والجنوب بحر مرمرة ويمتد على طول هذه الجهات الثلاثة سور واحد أما الجانب الغربي فهو الذي يتصل بالقارة الأوروبية ويحميه سوران طولهما أربعة أميال يمتدان من شاطئ بحر مرمرة إلى شاطئ خليج القرن الذهبي المتفرع من البوسفور ويبلغ إرتفاع السور الداخلي منهما نحو أربعين قدما ومدعم بأبراج يبلغ إرتفاعها ستين قدما وتبلغ المسافة بين كل برج وآخر نحو مائة وثمانين قدما أما السور الخارجي فيبلغ إرتفاعه خمسة وعشرين قدما وهو محصن أيضا بأبراج شبيهة بأبراج السور الأول وبين السورين يوجد فضاء يبلغ عرضه ما بين خمسين وستين قدما وكانت مياه القرن الذهبي الذي يحمي ضلع المدينة الشمالي الشرقي تغلق بسلسلة حديدية هائلة يمتد طرفاها عند مدخله بين سور القسطنطينية وسور جالاتا أحد الأحياء الكبيرة بها .

يمكنك متابعة الجزء الثانى من المقال عبر الرابط التالى
http://www.abou-alhool.com/arabic1/details.php?id=44990

الجزء الثالث
http://www.abou-alhool.com/arabic1/details.php?id=44991

الجزء الرابع
http://www.abou-alhool.com/arabic1/details.php?id=44992