الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

مبنى الدواويين

مبنى الدواويين
عدد : 07-2020
بقلم المهندس/ فاروق شرف
استشارى ترميم الاثار


مازال السير بشارع نوبار باشا حتى الوصول لميدان لاظوغلى باشا وكان لابد من التوقف بهذا الميدان أكثر من مرة حيث أن قصر إسماعيل باشا المفتش والدواويين خلفه والذى كان يوجد بها مكتبى من عام 2003م وحتى 2011 م وهو الإدارة المركزية لترميم الآثار – قطاع المشروعات – المجلس الأعلى للآثار – ثم بعد ذلك وزارة الدولة للآثار.

قصة مبنى الدواويين هذا : فقد كان مستخدماً كمخازن لوزارة المالية .. أما المتسع أمام القصر فكان مستخدماً كجراج لسيارات وزارة المالية .. فتم رفع دعوى من الآثار بخطأ إستغلال هذا الأثر ولابد من ترميمه خاصة أن وزارة المالية قد أنشأت مبنى للوزارة بمدينة نصر .. فأخذت الآثار القصر و مبنى الدواويين وقامت بترميم مبنى الدواويين الملئ بالغرف والقاعات ونقلت به موظفيها من مختلف المناطق الأمر الذى جعل المالية ترفع دعوى بذلك .. المالية كسبت القضية ونظراً لتكدس الموظفين كانت نتيجة القضية ( يبقى الوضع كما كانت عليه ) وأصبح المبنى مقراً لقطاعى المشروعات والتمويل وبعض الإدارات الأخرى .

المهم: تم إسناد الدراسات لترميم وتدعيم القصر لإحدى المكاتب الإستشارية وشرفت أن أكون ممثل الترميم للإشراف على هذه الدراسات حتى خرجت للنور وكانت الأعمال بهذا القصر عن طريق المناقصات والتى كانت من نصيب شركة العقاد فقد بدأ تقريبآ من ٢٠٠٩م ومازال العمل جارى إلى الآن.

وإسماعيل صديق باشا المفتش (1830 -1876) هو شقيق بالرضاعة للخديو إسماعيل، وقد عينه الخديو وزيرا للمالية، قبل أن يختلف المفتش معه بخصوص سياسته المالية القائمة على الاستدانة المفرطة من أوروبا وقد اختفى إسماعيل باشا المفتش ولا يعرف له قبر، ويعتقد أن الخديو إسماعيل دبر له ميتة بشعة عقب الخلاف بينهما.

يعد قصر إسماعيل باشا المفتش، تحفة معمارية وأثرية فى وسط القاهرة، وسمى بهذا الاسم نظرًا لصاحبه إسماعيل باشا الذى كان يعمل مفتشا عامًا على أقاليم القطر المصرى عام 1876م، وكان يلقب بالخديو الصغير، والصدر الأعظم المصرى، ومخدوم المعالى، ذو الفخار المستديم.

ولد إسماعيل باشا فى ديسمبر عام 1830م وهو نفس عام ميلاد الخديو إسماعيل.

يتكون القصر من 3 أدوار تضم 18 غرفة رئيسية و42 غرفة صغيرة للحريم وفناءً واسعًا، والقصر عبارة عن جزأين جزء شمالى وجزء جنوبى ويتوسط القصر نافورة جميلة وعليها 8 ضفاضع يخرج منها المياة داخل النافورة الرخامية التى تتوسط طرق مصنوعة نت الآزمالدو والزلط الملون والمتجانس الأحجام

وحتى نعرف أهمية شخصية إسماعيل باشا المفتش فى التاريخ المصرى الحديث سنبدأ بالحديث عن طريقة وفاته المريبة لنتعرف بعدها على الأسباب التى أدت لتلك الواقعة غير المسبوقة فى تاريخنا الحديث والتى ستسهم بلا شك فى تعرفنا على صاحب القصر لعل ذلك يكون سببا فى الاهتمام بكافة أعمال الترميم والتدعيم.

ذكر مستر ( بلنت ) فى كتابه التاريخ السرى للاحتلال الإنجليزى لمصر حكاية مقتل المفتش كما سمعها من لسير ( ريفرز ولسن ) والقصة كما رواها السير ريفرز ولسن تتلخص فى أن الخديو أمر بقتل المفتش خيفة أن يكشف للمستر غوشن والمسية ( جوبير ) ما ارتكبه الخديو من الغش والتدليس والتلاعب فى الحسابات التى عرضها عليهما .

لكن السير ريفرز ولسن ليس بالرجل الذى تنتظر منه أن يروى الحكاية بلا تحيز، فقد كان رئيس لجنة التحقيق الدولية التى عقدت للبحث عن السر فى إخفاق التسوية، التى وضعها المستر غوشن والمسيو جوبير مع إن السر كان ملموسا لأنه لا يمكن لأى مملكة مهما كانت غنية أن تدفع 66% من دخلها السنوى لسداد ديونها فالقتل كان بإيعاز من الممولين أو على الأقل نتيجة ضغطهم على الخديوى الذى جعله ينفذ عملية القتل بطريقة خسيسة حيث استدعاه إلى سراى عابدين، كعلامة على قصرة علامة على الثقة به، وهدأ روعه، وتلطف فى محادثته، ثم اصطحبه إلى سراى الجزيرة مظهرا أنه رضى عنه، ولكن لم تكد العربة التى أقلتهما تجتاز حدائق السراي، وتقف أمام باب القصر، ومن تلك اللحظة اختفى نبأه عن الجمهور، إذ عهد الخديوى إلى أتباعه بقتله، فقتلوه، وألقوا جثته فى النيل ولم يعلم الناس بادئ الأمر بما حل بالمفتش، واستمرت المحاكمة الصورية ماضية فى سبيلها، وحكم المجلس الخصوصى بنفيه إلى دنقلة وسجنه بها، فى حين أنه لقى حتفه قبل أن تتم المحاكمة.

اعتقد إسماعيل أنه بقتل المفتش قد حقق غرضين، أولهما أن يتخلص من إذاعة أسرار اشتراكه وإياه فى تبديد أموال الدولة، وثانيهما أن ينال عطف المندوبين الأوربيين جوشن وجوبير فى مطالبهما منه، وقد حقق إسماعيل الغرض الأول، فإنه بمقتل المفتش، وإلقاء جثته فى اليم، قد غيبت معه أسرار التلاعب والعبث بأموال الخزانة العامة، أما الغرض الثانى فلم يتحقق، لأن إسماعيل صار تحت رحمة المندوبين الأوربيين وتدخلهما المستمر فى شؤون الحكومة.

وبعد مقتل المفتش ارتفعت الأسهم فى بورصة الإسكندرية بثلاثة بنوط ونصف فى ساعة ونصف كتب مراسل جريدة التايمز إلى صحيفته "بهجة الفرح" يقول إن إبعاد المفتش يعتبرها بمثابة خاتمة نظام عتيق فإن الباشا كان زعيمًا لحزب ينظر بعين السخط إلى ازدياد النفوذ الأوروبى ويعمل على مقاومة كل تقدم للمدنية فى البلاد.

وهكذا أعتبر الإنجليز وحملة الأسهم الإنجليزية والفرنسية إسماعيل المفتش عدوا لهم وعدوا للتدخل الأجنبى فى شؤون مصر ولم يمض أسبوع حتى أرسل الخديوى إلى المستر غوشن والمسيو جوبير بقبول مشروعهما فى 18 نوفمبر 1876.

اختلف المؤرخون حول إسماعيل باشا المفتش فنجد أن عبد الرحمن الرافعى يتناوله كابن لفلاحة مصرية اختارتها خوشيار هانم أم الخديوى إسماعيل لترضعه بعد أن جف لبنها، إن نشأته فى بيئة يحيطها العوز والفقر قد أثر عليه فى نهمه لجمع المال وانتهازيته للوصول للمناصب وفى استعراضه لبناء القصور ومنافسة الخديوى إسماعيل فى البذخ والإسراف أما الزعيم أحم عرابى زعيم الثورة العرابية فيعتبر إسماعيل باشا المفتش رجلا من رجال المقاومة وأحد الذين رفضوا الخضوع لحمل القراطيس من الإنجليز والفرنسيين ورفض التدخل الأجنبى والوصاية على المالية المصرية التى كانت رأس الحربة والذريعة التى تحجج بها الاستعمار ليبسط نفوذه على مصر.

ورغم البذخ الواضح فى دعوة الخديو إسماعيل الذى كان يحاول التشبه بنابليون الثالث لكل ملوك أوروبا لحضور افتتاح قناة السويس والذى تكلف مبالغ طائلة إلا أن كل النهضة الحضارية فى عهدة والتى كانت فى فترة قصيرة حيث تم حفر قناة السويس وحفرت 112 ترعة للرى بلغ طولها 8400 ميل وأمتدت السكة الحديدية من 275 ميلا إلى 1185 ميلا وتم مد الأسلاك التلغرافية فيما يبلغ طوله 5000 ميل وأنشأ من الجسور 430 بما فيها كوبرى قصر النيل الذى ظل أمدا طويلا من خير جسور العالم وأسست ميناء الإسكندرية وأنشئت فيها وفى مصر وابورات المياه لسقاية الأهالى وبنيت أحواض السويس ونصب 15 فنارا و64 طاحونة لصناعة السكر وتكريره وأدخلت إصلاحات عظيمة فى الطرق العامة فى القاهرة وغيرها وأنشئت دار الأوبرا وتم إضافة مليون وربع فدان من الأراضي البور للأراضى الزراعية.

كل هذا يحتاج إلى وزير مالية عظيم يعرف كل كبيرة وصغيرة عن واردات مصر وإيراداتها كما يحسب لإسماعيل باشا المفتش أنه أدمج البدو والعربان فى نسيج المجتمع المصرى فقد كانوا يغيرون على الفلاحين وتوسع فى سياسية محمد على بإعطائهم الأراضى الزراعية المستصلحة فى أطراف القرى وصحاريها بما يوازى 120 ألف فدان حتى تلين بداوتهم ويصبحوا ملاك أراض ويندمجوا فى المجتمع الزراعى وتم التوسع فى التعليم ونلاحظ أن كل تلك الإصلاحات تكلفت ما يقارب من 44 مليون جنيه.

وكانت خزانة مصر الخاوية وقت إفلاسها مدينة ب91 مليون جنيه ونلاحظ أن فوائد الديون السائرة والثابتة كانت تقريبا 24 مليون جنيه بما يعنى أن الخديوى إسماعيل تم السماح له بالاقتراض بفوائد ربوية فاحشة كان الهدف منها هو احتلال مصر بتلك الطريقة من وجهه النظر الفرنسية وكانت مدخلا فقط للاحتلال الكامل من وجهه النظر الانجليزية ناهيك بالطبع عن الديون التى ورثها الخديوى إسماعيل من سلفه سعيد باشا والتى كانت تقدر بمبلغ ثلاثة ملايين من الجنيهات كما أن الخديوى إسماعيل استرد الكثير من الأراضى التى كانت تملكها شركة قناة السويس بلا حق وهى الأراضى المحيطة بالمشروع ودفع تعويضات كبيرة للشركة نظير استرداد تلك الأراضي.

كان الخديوى إسماعيل مسرفا وميالا للبذخ وساعده إسماعيل المفتش فى ذلك ولكن كانت هناك خطة مسبقة من إنجلترا وفرنسا لاستغلال ذلك واستغلال ميله للتحديث بإقراضه قروضا بفوائد ضخمة خارج الإطار البنكى يمده بها سماسرة وتجار وانتهازيون ومقامرون أتوا لمصر فى ثوب ناصحين للخديوى ورغم كل ذلك أعد إسماعيل باشا المفتش خطة لسداد كل تلك الديون بشرط تخفيض الفوائد من سبعة فى المئة إلى خمسة فى المئة أن تحول الديون السائرة والثابتة إلى دين واحد ثابت يخلص مصر من الوقوع تحت رحمة حاملى الأسهم من الأوربيين وهو ما اغضب الاستعمار وأعوانه وأحسوا بقرب فشل كل ما خططوه لاحتلال مصر فكان لزاما عليهم أن يتخلصوا منه.
 
 
الصور :