الثلاثاء, 23 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

مدينة المومياوات

مدينة المومياوات
عدد : 07-2020
بقلم المهندس/ طارق بدراوى


تونة الجبل ويطلق عليها أيضا مدينة المومياوات والتي إشتق إسمها من الكلمة المصرية القديمة تاحني أي البحيرة إشارة إلى بحيرة كانت تتكون في المنطقة نتيجة لفيضان النيل وأصبحت في اليونانية تاونس وتونة في العربية وأضيفت إليها كلمة الجبل نظرا لوقوعها في منطقة جبلية صحراوية وتمييزا لها عن القرية السكنية الحديثة التي سميت تونة البلد تعد من أهم القرى الأثرية التابعة لمدينة ملوى عاصمة مركز ملوى التي تقع جنوب محافظة المنيا حيث يحدها من الشمال مركز أبو قرقاص ومن الجنوب مركز دير مواس وتبعد عن القاهرة بمسافة 270 كيلو متر جنوبا وعن مدينة المنيا عاصمة الإقليم بمسافة 45 كيلو متر جنوبا ويرجع أصل كلمة ملوي إلى كلمة مرو باللغة الهيروغليفية أو كلمة مري باللغة القبطية وكلاهما يعني مستودع الأشياء ثم حرفت إلى ملوي وقد نالت لمنطقة شهرتها الأثرية العالمية منذ ثلاثينيات القرن العشرين الماضي عندما نجحت بعثة أثرية تابعة لقسم الآثار بكلية الآداب فى جامعة القاهرة وهو القسم الذى تحول لكلية الآثار فيما بعد فى إكتشاف آثار بها تعود لحقبة ما قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام وكان مما تم إكتشافه تباعا بتونة الجبل العديد من المعالم الأثرية والتي تسمي في مجموعها جبانة تونة الجبل وهي تشمل جبانة مدينة هيرموبوليس ومقبرة الكاهن بيتوزيريس الكاهن الأكبر للإله تحوت إلي جانب السراديب ومقبرة إيزادورا والساقية الرومانية ولوحة حدود مدينة إخناتون وهي أحسن وأجمل مافي المدينة حفظا وقد نحتت في أحد صخور المنطقة قبل مدخل جبانة تونة الجبل وصور عليها إخناتون ونفرتيتى وبناتهما يتعبدون للإله آتون إله الشمس وأسفل اللوحة توجد أجزاء من تماثيل مجسمة لكل من إخناتون ونفرتيتى وبناتهما وتمتد منطقة آثار تونة الجبل حوالي 3 كيلو متر وهي ذات أهمية خاصة لأنها تبرز مظاهر التزاوج الفنى بين الفن المصري القديم والفن اليوناني .


ومقبرة بيتوزيريس والتي يرجع تاريخها إلي عام 300 ق.م تقريبا أى إلى عصر البطالمة عبارة عن مقبرة فريدة في عمارتها وفنونها فعمارتها تماثل عمارة المعابد المصرية في الدولة الحديثة وفنونها وقد جمعت بين الفنين المصري واليوناني في بعض الحالات وفى حالات أخرى أبرزت الفن المصري بخصائصه الأصيلة والفن اليوناني بخصائصه المميزة له وكان پيتوزيريس هو الكاهن الأول للإله تحوت سيد الأشمونين وقد أعد لنفسه ولوالده ولشقيقه هذه المقبرة حيث دفنوا فيها جميعا وتزخر المقبرة بالعديد من المناظر الدنيوية مثل الزراعة والحصاد وجمع وعصر العنب ورعى الحيوانات وتربية الطيور والمنظر الشهير لبقرة تلد هذا بالإضافة إلى مناظر الصناعات الحرفية المتعددة والمناظر الدينية مثل الجنازة ومقدمي القرابين وعبادة الآلهة وبعض فصول كتب الموتى وكان بهذه المقبرة تابوت خاص بالكاهن بيتوزيريس تم نقله للمتحف المصرى بميدان التحرير بالقاهرة .

أما السراديب عبارة عن مجموعة ضخمة من الممرات المنقورة في الصخر والتي كانت مخصصة لدفن طيور أبو منجل المقدسة وكذلك القردة بعد تحنيطها وكانت المومياوات توضع في توابيت فخارية أو خشبية أو حجرية وتضمنت السطوح الخارجية لبعضها نصوصا بالخط الديموطيقى وقد تعددت وتنوعت أماكن دفن هذين الرمزين المقدسين للإله تحوت والتي ترجع إلى أواخر التاريخ المصري القديم وإن إنتشرت إلى حد كبير في العصرين اليوناني والروماني وتضم الجبانة بضع ملايين من المومياوات بالإضافة إلى مقبرة أحد كهنة تحوت ويدعى عنخ حور والذي كان يشرف على تقديم القرابين للآلهة وعمليات دفن المومياوات .


أما مقبرة إيزادورا فتعد ضمن عشرات المزارات الجنائزية المتصلة بالمقابر والتى كان يستخدمها زوار الجبانة في المناسبات الدينية والتي يرجع أقدمها للأسرات المتأخرة من التاريخ المصري وأكثرها للعصر البطلمي ومن أهم تلك المقابر تلك المقبرة مقبرة إيزادورا وإيزادورا صاحبة هذه المقبرة فتاة عاشت فيما يبدو في القرن الثانى قبل الميلاد في عصر الإمبراطور الروماني هادريان وكانت قد غرقت وهى تعبر نهر النيل للقاء حبيبها وقد رثاها والدها بمرثية شعرية كتبت باليونانية القديمة وسجلت على جدران المقبرة وتضم تلك المقبرة مومياء يظن أنها مومياء إيزادورا .

والساقية الرومانية هي صهريج أو خزان مياه شيد تحت سطح الأرض بالطوب الأحمر وهي تبدو في شكل بئر أسطوانى يصل عمقه إلى حوالى 40 مترا وهى أضخم خزان مياه من نوعه في مصر وقد شيد في العصر الروماني ولابد أنه كانت هناك خزانات أخرى من عصور سابقة لتخزين المياه الضرورية لإستخدام العاملين في الجبانة والزوار ولمتطلبات التحنيط والقرابين والطقوس الجنائزية ولكنه لم يكشف عنها بعد وتعد هذه الساقية نموذجًا رائعا للعمارة في هذا العصر حيث حاول القدماء التغلب على كل الصعاب التي تعوق رفع المياه الموجودة على عمق كبير أسفل باطن رمال الصحراء في تونة الجبل ويتكون بناء الساقية من طابقين علوى وسفلي والعلوى منهما يصل قطره إلى 20 مترا تقريبا وعمقه حوالى 15 مترا تقريبا وهذا الطابق محاط بقوالب من الطوب الأحمر الشائع في ذلك الحين ويليه الطابق السفلي ويمكن النزول إليه بواسطة درج سلمي دائري هابط محفور في صخر الأرض وقد تمت إضاءة هذا السلم بواسطة فتحات ضيقة على يمين النازل تستمد نورها من البئر الكبيرة ويبلغ عمق الطابق السفلي عشرون مترا تقريبا وقطره حوالي 10 متر تقريبا وهناك نظريتان لرفع المياه من البئر السفلى الأولي أنه يتم رفع الماء الجوفي بواسطة دلو مربوط بحبل طويل ومثبت في قادوس خشبى بواسطة ثور يدور بشكل دائري فى الجزء السفلي والثانية هي أنه يتم رفع الماء بواسطة قرب من جلد الماعز بأسلوب يدوي وهذا مستبعد إلي حد كبير والنظرية الأولي هي الأقرب للتصور وبعد رفع الماء يتم صبه بأسلوب يدوي في خزان مربع الشكل ليس له سقف بل يمتد من أعلاه إلى الساقية المثبتة بأعلى هذا البناء ويرجح أنه كان لهذا الخزان باب مثبت من أعلاه ومتحرك بأسلوب الفتح في إتجاه واحد حتى لا يرتد منه الماء ويضيع وهو أشبه بالصمام الذى يوضع حاليا في ماسورة دخول المياه إلي السخان الكهربائي حيث يسمح بمرور الماء في إتجاه واحد فقط ويستمر العمال المشرفون على إستخراج المياه الجوفية برفع المياه ودفعها في أسفل هذا الباب المروحي الشكل حيث تم كشف وجود ميل في الأرضية حتى لا يرتد الماء وبهذا الأسلوب يمتلىء الخزان ثم يرتفع منسوب مياهه حتى يصل إلى حافته العليا بإرتفاع ستة عشر مترا تقريبا ليصل إلى أطراف جنبات الساقية الموجودة بأعلى والتي تدار بواسطة ثور أو خلافه للحصول على المياه من عمق يزيد عن أربعين مترا تقريبا بعد ثلاث مراحل من الجهد المستمر والخلاصة هي أن المصري القديم قد تغلب وإنتصر على بداوة الطبيعة والجفاف في مثل هذه المنطقة الصحراوية كما عودنا دائما وإخترع لنا أقدم دليل أثري لساقية من هذا النوع وتركنا فى حيرة مجتهدين لشرح كيف كانت تعمل في هذا المكان وفي مثل هذه الظروف غير التقليدية وجدير بالذكر أنه مؤخرا وافقت اللجنة الدائمة للآثار المصرية علي إدراج مشروع ترميم هذه الساقية الأثرية ضمن المشاريع المطلوب ترميمها علي وجه السرعة نظرا لوجودها في مكان مفتوح للزيارة ويعد مقصدا سياحيا هاما ويتضمن المشروع تفكيك السور العلوى للساقية والمشيد من الطوب اللبن وإعادة بنائه مرة أخرى مع إعادة عمل سقف لبئر الساقية من الأخشاب المعالجة علاوة علي عمل سور حديدى دائرى يحيط ببئر الساقية السفلي .


وجدير بالذكر أنه كان قد تكرر إنشاء متحف في مدينة ملوى في شهر يونيو عام 1962م في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لكي يشتمل على الآثار التي تمثل العصور المختلفة التي تم العثور عليها في المنطقة حيث تعد منطقة ملوي إحدى المناطق الأثرية الهامة فى مصر حيث كانت مسرحا للحضارات الفرعونية والإغريقية والرومانية ففى منطقتى الأشمونين وتونا الجبل ترك آباؤنا وأجدادنا آثار باقية على مر العصور وإعتزازا بالماضى وأمجاده وحفاظا على هذا التراث الخالد وتم إفتتاح هذا المتحف الإقليمى فى يوم 23 يوليو عام 1963 ضمن إحتفالات عيد ثورة يوليو الحادى عشر في هذا العام وضم الآثار المستخرجة من مناطق تونا الجبل والأشمونين بمحافظة المنيا ومن قرية مير التابعة لمركز القوصية بمحافظة أسيوط وليعتبر مرآة صادقة تعكس صورة ما كانت عليه هذه المنطقة فى العصرين اليونانى والرومانى وكذلك ضم ضمن معروضاته بعض القطع الأثرية من عصر الدولة القديمة وعصر الملك إخناتون وعاصمته أخيتاتون في تل العمارنة ويتكون هذا المتحف من طابقين بهما أربع قاعات عرضت بها الآثار الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية وآثار تونا الجبل والأشمونين وتل العمارنة وآثار مصر الوسطى وللأسف الشديد فقد تعرض هذا المتحف لحادث إقتحام وتخريب له وتمت سرقة ونهب بعض مقتنياته التي وصل عددها إلي حوالي 1090 قطعة يوم 14 أغسطس عام 2013م عقب فض إعتصامي رابعة العدوية والنهضة من جانب الجماعات المؤيدة للرئيس الأسبق محمد مرسي وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة المعروفة بإسم اليونيسكو والمجلس الدولي للمتاحف المعروف بإسم آيكوم قد أدانا هذا التخريب والتدمير من جانب الجماعات المتطرفة لمتاحف وكنائس ومتحف ملوي في محافظة المنيا والتي كانت مقرا لعاصمة مصر في عصر الملك إخناتون الملقب بفرعون التوحيد وقد تم إستعادة الكثير من هذه القطع الأثرية بعد ذلك تباعا وقد تم إغلاق هذا المتحف بعد هذا الحادث المؤسف وتم بعد ذلك البدء في ترميمه وتطويره مع إتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمينه الأمر الذى إستغرق حوالي 3 سنوات بتكلفة قدرها حوالي 10 ملايين جنيه شاركت فيها وزارة الآثار ومحافظة المنيا والحكومة الإيطالية وشملت عملية الترميم والتطوير ترميم المتحف من الداخل والخارج وتغيير منظومتي الإضاءة والتأمين وتغيير فتارين العرض المتحفي وقد تم إفتتاحه مرة أخرى في شهر سبتمبر عام 2016م وحضر الإفتتاح السيد وزير الآثار ومحافظ المنيا والعديد من سفراء الدول الأجنبية ولفيف من المستشارين ورؤساء المعاهد الأثرية الأجنبية وأعضاء مجلس النواب والأثريين المصرين والأجانب ويعد إفتتاح هذا المتحف من جديد رسالة واضحة للعالم أجمع بأن مصر ستظل شامخة لمواجهة الإرهاب ولن ينجح أحد في النيل من تاريخها وحضارتها كما أن هذه الخطوة تأتي في إطار إهتمام الدولة ممثلة في وزارة الآثار بإفتتاح العديد من المتاحف الإقليمية لتقوم بدورها التثقيفي الهام في محيطها وخاصة في المناطق الأثرية وجدير بالذكر أنه قد تم إضافة تفاصيل جديدة يتم عرضها بالمتحف لأول مرة تشمل سرد تفاصيل الحياة اليومية لأهالي المنيا وعاداتهم وتقاليدهم وحرفهم وصناعاتهم الموروثة بالإضافة إلى تخصيص ورش لإحياء الحرف التراثية داخل المتحف لتعليم صناعة النسيج والسجاد لكي تخدم أهالي المنطقة المحيطة به كما تم الإتفاق مع أحد المصانع المتخصصة للمساعدة في عمليات التعليم والتسويق أيضا لهذه المنتجات .

ومما يذكر أنه مؤخرا وفى يوم 13 مايو عام 2017م تم إكتشاف 18 مومياء فى إحدى مقابر تونة الجبل وهى بمثابة إضافة مهمة لتاريخ القرية الكبير وفي يوم 2 فبراير عام 2019م تم الإعلان عن إكتشاف 3 أبار تحوى 3 مقابر دفن وكان ذلك نتاج أعمال البعثة الأثرية المصرية المشتركة بين وزارة الآثار وجامعة المنيا وهذه المقابر تحوى أكثر من 40 مومياء بالإضافة لتوابيت حجرية وفخار وجدت بحالة جيدة وهي تعود لبداية العصر البطلمى مرورا بالعصر الرومانى البيزنطى ومازالت الحفائر مستمرة في المنطقة ومن الواضح أنه ما يزال هناك الكثير والكثير من الآثار التي لم تكتشف بعد بمنطقة تونة الجبل .
 
 
الصور :