الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الزعيم عمر مكرم

الزعيم عمر مكرم
عدد : 02-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

عمر مكرم بن حسين السيوطي والمعروف بإسم عمر مكرم هو زعيم شعبي مصري كانت له مكانة ومنزلة خاصة لدى عامة المصريين وخاصتهم أيضا في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر الميلاديين وقد وصفه المؤرخون وكتاب التاريخ بأنه كان رجلا بحجم أمة ولذا فهو يعد من صناع تاريخ مصر الحديث وعادة فإن صناع التاريخ لا تنتهى سيرتهم بموتهم ولا تطوى صفحاتهم من سجلات الشعوب حيث يبقون فى الذاكرة والوجدان أبد الدهر حيث تميزت حياة عمر مكرم بالجهاد المستمر والنضال الدؤوب ضد إستبداد الولاة العثمانيين وظلمهم وضد الإحتلال الأجنبي لبلاده وكان ينطلق في هذا وذاك من وعي إسلامي عميق وفذ وإيجابي ومن ثم كان قدر هذا الزعيم العظيم أن يقاوم بنفسه وأن يدعو الناس لمقاومة ظلم الولاة العثمانيين ومن بعدهم الغاصب المحتل الفرنسى وأن يعلم المصريين علي مر الزمان ألف باء الديموقراطية فيختارون ولأول مرة فى التاريخ حاكمهم وليسير على نهجه من بعده زعماء آخرون أنجبتهم هذه الأرض الطيبة والذى ما يزال رحمها عامرا بالمزيد وكان ميلاد هذا الزعيم الخالد في أسيوط بصعيد مصر في عام 1750م ثم إنتقل إلى القاهرة للدراسة في الأزهر الشريف وتولي نقابة الأشراف في مصر عام 1793م والمقصود بالأشراف هم من ينتسبون إلي بيت النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم وكان هذا المنصب منصبا حكوميا في مختلف الإمبراطوريات الإسلامية على مدار التاريخ الإسلامي وكان يقوم هؤلاء الأشراف بتنظيم أنفسهم في مجموعات كبيرة في جميع أنحاء الأراضي الإسلامية المختلفة وذلك لضمان مكانتهم الخاصة في المجتمع الإسلامي وبالتالي الحفاظ على إمتيازاتهم الإجتماعية والسياسية ويعود تاريخ هذا المنصب في مصر إلى عهد المماليك وفي عهد الدولة العثمانية من بعدهم منح الأشراف إمتيازات خاصة بما في ذلك الحرمة الشخصية وبعض الإعفاءات الضريبية والحصانة من المقاضاة العادية حيث كان من يمثلون أمامه كقاض هو نقيبهم وذلك بالإضافة إلى الأدوار التقليدية مثل المشاركة في مختلف الإحتفالات ذات الصبغة الدينية مثل موكب كسوة الكعبة قبل مغادرتها مع الحجاج في قافلة الحج إلى مكة المكرمة والإحتفال بالعام الهجرى الجديد وبالمولد النبوى الشريف علاوة علي المساهمة في بناء المؤسسات الدينية مثل المساجد الجديدة أو النزل الصوفية وجدير بالذكر أن عمر مكرم كان ينحدر من عائلة ثرية وشريفة تعود إلى البيت النبوى الشريف وتذكر حفيدته السيدة راجية محمود عمر مكرم والتي يعد الزعيم عمر مكرم جدها الثالث حيث أنها حفيدة عمر مكرم الصغير حفيد الزعيم عمر مكرم إنه قد تم العثور علي نسبه فى إحدى حجج الوقف بتاريخ عام 1210 هجرية الموافق عام 1795م جاء بها ما نصه فرع الشجرة الزكية وطراز العصابة الهاشمية الشيخ الإمام العلامة الهمام أوحد الأفاضل العظام السيد الشريف الطاهر العفيف مولانا سراج الدين عمر أفندى نقيب السادة الأشراف ووالده السيد حسين وتذكر الحفيدة أيضا إن جدها قد عرف عنه أنه شديد الإعتزاز بنفسه ولا يرى أنه كبير بنسبه وبعظمة آبائه بل بما يحسه من العزة والكرامة وأن الفضل يعود في ذلك للدراسة فى الأزهر الشريف وأنه قد ورث أملاكا عديدة فى بلده أسيوط وفى القاهرة وطنطا لكن ذلك لم يمنعه من أن يكون إبن هذا الشعب الذى عانى الظلم والفقر وعانى سنوات من التسلط والظلم فإنحاز إلي هذا الشعب وإنطلق يقود كفاحه ونضاله غير عابئ بما يمكن أن يصيبه من ضرر وأذى وكانت داره مفتوحة للجميع وكان كثيرا ما يدفع عن التجار المتعثرين الضرائب المفروضة عليهم .

وكانت بداية ظهور الزعيم عمر مكرم كقائد شعبي في عام 1795م عندما قاد حركة شعبية ضد ظلم الأميرين الحاكمين المملوكيين إبراهيم بك ومراد بك اللذان كانا في الأصل من أتباع الأمير المملوكي محمد بك أبو الدهب أحد أمراء المماليك الذين سيطروا على زمام الأمور في مصر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي والذى كان فد أصبح الساعد الأيمن لعلي بك الكبير الذى حكم القاهرة كشيخ البلد أيام العثمانيين في منتصف القرن الثامن عشر الميلادى والذى توفي في عام 1775م في مدينة عكا فإقتسم إبراهيم بك حكم مصر مع مراد بك حيث صار إبراهيم بك شيخا للبلد يقوم بالشئون الإدارية بينما كان يقوم مراد بك بشئون الجيش والجند ورفع الزعيم عمر مكرم في وجيهما لواء المطالبة بالشريعة والتحاكم إليها كمطلب أساسي كما طالبهما برفع الضرائب الباهظة عن كاهل الفقراء وإقامة العدل والإنصاف في الرعية ويروي المؤرخ الكبير الجبرتي في يومياته عن ذلك بأن البعض من أمراء المماليك كانوا قد إعتدوا على بعض فلاحي مدينة بلبيس فحضر وفد منهم إلى الشيخ عبد الله الشرقاوي وكان شيخا للأزهر وقتها وقدموا شكواهم له ليرفع عنهم الظلم فغضب الشيخ الشرقاوي وتوجه إلى الجامع الأزهر الشريف وجمع المشايخ وأغلقوا أبواب الجامع وأمروا الناس بترك أعمالهم في الأسواق والمتاجر والوكالات وإحتشدت الجموع الغاضبة من الشعب فأرسل إبراهيم بك شيخ البلد لهم أيوب بك الدفتردار فسألهم عن أمرهم فقالوا نريد العدل ورفع الظلم والجور وإقامة الشرع وإبطال الحوادث والمكوسات أي الضرائب وخشي زعيم الأمراء مغبة الثورة فأرسل إلى علماء الأزهر يبرئ نفسه من تبعة الظلم ويلقيها على كاهل شريكه مراد بك وأرسل في الوقت نفسه إلى مراد بك يحذره من عاقبة الثورة فإستسلم مراد بك ورد ما إغتصبه من أموال وأرضى نفوس المظلومين لكن العلماء طالبوا بوضع نظام يمنع الظلم ويرد العدوان وإجتمع الأمراء مع العلماء وكان من بينهم عمر مكرم والشيخ السادات والشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ الأمير وأعلن الظالمون أنهم تابوا وسيلتزموا بما إشترطه عليهم العلماء وأعلنوا أنهم سيبطلون المظالم والضرائب وسيكفون عن سلب أموال الناس والإلتزام بإرسال صرة مال أوقاف الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة والعوائد المقررة إليهما والتي كانوا ينهبونها وكان قاضي القضاة حاضرا هذا الاجتماع فكتب على الأمراء وثيقة أمضاها الوالي العثماني وإبراهيم بك ومراد بك شيخا البلد .

وعند مجئ الحملة الفرنسية إلي مصر بقيادة نابليون بونابرت في أوائل شهر يوليو عام 1798م وإحتلالها أولا مدينة الإسكندرية ثم بعد أن إستقرت الأمور بها بدأت القوات الفرنسية في التحرك نحو القاهرة عن طريق دمنهور حيث إستطاع الفرنسيون إحتلال مدينة رشيد أولا في يوم 6 يوليو عام 1798م ووصلوا إلى الرحمانية وهي قرية على النيل وفي تلك الأثناء كان المماليك يعدون جيشا لمقاومة الجيوش الفرنسية بقيادة مراد بك وإلتقى الجيشان بالقرب من شبراخيت في يوم 13 يوليو عام 1798م إلا أن الجيوش المملوكية هُزِمَت وإضطرت إلى التقهقر فرجع مراد بك إلى القاهرة وعن هذه الموقعة يقول الجبرتي إلتقى العسكر المصري مع الفرنسيس فلم تكن إلا ساعة وإنهزم مراد بك ومن معه ولم يقع قتال صحيح وإنما هي مناوشة من طلائع العسكرين بحيث لم يقتل إلا القليل من الفريقين وإحترقت مراكب مراد بك بما فيها من الجبخانة والآلات الحربية وعندما إقترب الفرنسيون من القاهرة قام السيد عمر مكرم بتعبئة الجماهير للمشاركة في القتال إلى جانب جيش المماليك النظامي وفي هذا الصدد يقول الجبرتي وصعد السيد عمر مكرم أفندي نقيب الأشراف إلى القلعة فأنزل منها بيرقا كبيرا سماه العامة البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق وأمامه ألوف من العامة ويعلق الرافعي على ذلك بقوله وهذا هو بعينه إستنفار الشعب إلى التطوع العام بعد هجمات الغازي المغير والسير في طليعة المتطوعين إلى القتال وكان عدد القوات الفرنسية حوالي 25 ألف جندي وضابط ووصلوا إلي منطقة الأهرامات بالجيزة في يوم 21 يوليو عام 1798م وكانت قوات جيش المماليك بقيادة مراد بك تمتد من بشتيل وإمبابة إلى الأهرامات وكان تعداد هذا الجيش يبلغ نحو خمسين ألفا من المماليك وممن إنضم إليهم من الإنكشارية والمقصود بهم المشاة والفرسان العثمانيين وغيرهم هذا عدا العربان الذين تألفت منهم إلى حد كبير ميسرة الجيش غير أن هذا الجيش كان يعاني من سوء النظام والحشد والتدبير وإهمال أمر العدو وعدم وجود خطة مدروسة لتحركاته فضلا عن الجفاء الواضح بين مراد بك وإبراهيم بك بسبب التنافس القديم بينهما على السلطة وإلتقى الجيش الفرنسي مع الجيش المملوكي في موقعة إمبابة أو موقعة الأهرام حيث هزم جيش مراد بك مرة أخرى في هذه المعركة الفاصلة وفر مراد بك وبقايا جيشه إلى الجيزة فصعد إلى قصره وقضى بعض أشغاله في نحو ربع ساعة ثم توجه إلى الصعيد وأما إبراهيم بك الذي كان مرابطا بالبر الشرقي من النيل فحين رأى الهزيمة حلت بجيوش مراد بك أخذ من تبعه من مماليك ومصريين والوالي التركي وإنسحبوا جميعاً قاصدين بلبيس وبذلك خلت القاهرة من أي قوة للدفاع عنها ومن ثم إستطاع نابليون بونابرت دخول القاهرة وإحتلالها في يوم 24 يوليو عام 1798م مصحوباً بضباطه وأركان حربه ونزل بقصر محمد بك الألفي في الأزبكية .

وبسقوط القاهرة في أيدي الفرنسيين عرض نابليون علي السيد عمر مكرم عضوية الديوان الأول والذى كان يضم عدد من علماء وشيوخ الأزهر وكانت مهمته الوساطة بين شعب مصر والفرنسيين إلا أنه رفض ذلك وفضل الهروب من مصر كلها حتى لا يظل تحت رحمة الفرنسيين وبعد عدة شهور عاد عمر مكرم إلى القاهرة وتظاهر بالإعتزال في بيته ولكنه كان يعد العدة مع عدد من علماء الأزهر وزعماء الشعب لثورة كبري ضد الإحتلال الفرنسي تلك الثورة التي إندلعت في يوم 20 مارس عام 1800م وإنطلقت هذه الثورة أولا من حي بولاق أبو العلا بقيادة البطل مصطفى البشتيلي وإتجه أهل بولاق وقد حملوا السيوف والرماح والبنادق والعصى ويقول الجبرتي عن ذلك إن أول ما بدأوا به أنهم ذهبوا إلى معسكر للفرنسيين علي شاطئ النيل كان عليه حراس فقتلوا من أدركوه منهم ونهبوا جميع ما فيه من خيام ومتاع وغيره ورجعوا إلى البلد وفتحوا مخازن الغلال والودائع التي للفرنساوية وأخذوا ما أحبوا منها وحاصروا البلد وإستعدوا للحرب والجهاد ثم إتجهوا إلى قلعة كانت تسمي قنطرة الليمون كان الفرنسيون قد إتخذوها قاعدة لهم ولكن حامية القلعة ردت هجومهم وفتحت عليهم نيران مدافعهم فنظم الثوار صفوفهم وعادوا يهاجمون القلعة وإضطر القائد الفرنسي الجنرال فردييه أن يبعث بمدد إلى حامية القلعة وأن يشتت الثوار بعدما تمكن من قتل عدد 300 منهم وكان من نتيجة ذلك أن هب بعض من أهالي الأحياء الأخرى لنجدة ثوار بولاق حيث إنتقلت شرارة الثورة إلي باقي أحياء القاهرة وعمت الثورة أحياء المدينة كافة وشارك فيها العديد من الزعماء والشيوخ مثل السيد عمر مكرم نقيب الأشراف وأحمد المحروقي وكان من كبار التجار والشيخ الجوهري من الأزهر الشريف وفي النهاية إستطاع الجنرال كليبر الذى كان قد حل محل نابليون في قيادة الحملة وكان خارج القاهرة في وقت إندلاع الثورة وعاد إليها بعد حوالي 8 أيام من إندلاعها أن يخمد هذه الثورة والتي إنتهت فعليا في يوم 21 أبريل عام 1800م وبإخمادها إضطر عمر مكرم إلى الهروب مرة أخرى خارج مصر حتى لا يقع في قبضة الفرنسيين الذين عرفوا أنه أحد زعماء هذه الثورة وكان في نيتهم التنكيل به مثلما نكلوا بمصطفي البشتيلي فقاموا بمصادرة أملاكه بعد أن أفلت هو من بين أيديهم وظل خارج مصر حتى رحيل الحملة الفرنسية عنها إلي غير رجعة في شهر سبتمبر عام 1801م .

وبعد جلاء الفرنسيين عن مصر كان لعمر مكرم دوره البارز في تولية محمد علي باشا حكم مصر في شهر مايو عام 1805م والذى كان قد جاء إلي مصر عندما قررت الدولة العثمانية إرسال جيش إليها للتصدى للحملة الفرنسية فكان هو نائب رئيس الكتيبة الألبانية بهذا الجيش وكان قوامها 300 جندى وكان قائدها هو إبن حاكم قولة ببلاد اليونان وحدث أن تورط العثمانيون مع الفرنسيبن في معركة أبو قير البرية في شهر يوليو عام 1798م وذلك من خلال طابية تقع في منطقة أبو قير شرق الإسكندرية تسمي قلعة كوسا باشا وقد تمكن العثمانيون في البداية من تحقيق نصر بسيط مؤقت أمام الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت حينما حاصر قائد القلعة والمسماة بإسمه مصطفي كوسا باشا الحامية الفرنسية في هذه القلعة إلي أن إستسلم قائدها الكابتن يناش وعندما علم نابليون بهذا الحدث أعد خطة سريعة لإنقاذ الموقف وتدارك الأمر وبالفعل بدأ في تعبئة وتحريك جيوشه ومن ثم تحول النصر المؤقت الذى حققه العثمانيون إلي هزيمة وذلك نظرا لعدم سرعتهم في وضع خطة حربية والقيام بتجميع جنودهم وحشدهم لمواجهة الجيش الفرنسي بل كانت جنودهم تتواجد علي هيئة جماعات متفرقة علي شاطئ الإسكندرية ولم يفكر مصطفي كوسا باشا في إستغلال مدينة الإسكندرية أو مدينة رشيد ليتخذ منها قاعدة يجمع فيها جنوده ويعيد حشدهم ورفع كفاءتهم القتالية بل ظل في مكانه منعزلا في شبه جزيرة أبو قير فهاجمت قوات القائد الفرنسي لان معسكر مصطفي كوسا باشا وأسرته وظلت الطابية تقاوم الهجمات الفرنسية بقيادة إبنه ولكن سرعان ما نفذت الذخائر العثمانية وخارت قوى الجنود فإحتل الفرنسيون الطابية وأمر نابليون بقتل مصطفي كوسا باشا ومن ثم إنهزم العثمانيون شر هزيمة وهرب الكثير منهم إلي البحر وغرق منهم الكثير وكاد محمد علي ان يكون من ضمن الغرقي إلا أنه نجا بمعجزة ومالبث أن عاد قائد الكتيبة إبن حاكم قولة إلي بلاده هاربا فتولي محمد علي قيادة الكتيبة بدلا منه ولكي نتعرف علي الدور الذى لعبه عمر مكرم في تولية محمد علي باشا حكم مصر سنبدأ القصة من أولها حيث أنه بخروج الحملة الفرنسية من مصر عاد التنافس بين المماليك وخاصة بعد وفاة مراد بك أحد زعمائهم الكبار في عام 1801م وبذلك إنحصرت المنافسة علي الفوز بحكم مصر بين إثنين من كبار زعماء المماليك حينذاك هما عثمان بك البرديسي ومحمد بك الألفي ولكن العثمانيين كان لهم رأى آخر فقاموا بتعيين محمد خسرو باشا واليا علي مصر في شهر يناير عام 1802م إلا أن الصراع لم يهدأ بين المماليك كما ثارت علي خسرو باشا طائفة الألبانيين بقيادة طاهر باشا أرناؤوط وعمت الفوضى وساد الإضطراب البلاد وإضطربت أحوالها وكان المماليك مسؤولين عن الوجه القبلي من الديار المصرية وعلى معظم الوجه البحري فوجه إليهم خسرو باشا فرقتين من الجند إحداهما بقيادة يوسف بك والثانية بقيادة محمد علي ونازل المماليك فرقة يوسف بك وهزموها شر هزيمة قبل أن يصل محمد علي بفرقته إلى ساحة القتال وقد تم توجيه الإتهام لمحمد علي بأنه كان السبب في إنكسار فرقة يوسف بك وهزيمتها أمام المماليك وذلك نظرا لتعمده التأخر في نجدتها فإستدعاه خسرو باشا لكي يحضر ليلا إلى مقره في القلعة زاعما أنه يرغب في مفاوضته في أمر هام بينما كان في نيته الإيقاع به والتخلص منه وقد أدرك محمد علي بفطنته قصد خسرو باشا ونيته في الإيقاغ به ولذا فقد رد عليه بأنه سيحضر لمقابلته نهارا على رأس فرقته وفي وسط جنوده وعلى أثر ذلك ثار الجنود على الوالي طالبين مرتباتهم المتأخرة ولم يستطع الوالي دفع المتأخر لهم فرغب طاهر باشا أرناؤوط كبير قواد الجيش التوسط بينه وبين الجنود الثائرين فرفض خسرو باشا مفاوضته فإنحاز طاهر باشا إلى الجند وسار بهم إلى مقر الحكم بالقلعة مما أجبر خسرو باشا إلى الفرار منها .

وفي يوم 6 مايو عام 1803م أعلن العلماء والمشايخ وكان علي رأسهم عمر مكرم عزل خسرو باشا وتولية طاهر باشا أرناؤوط إلا أنه لم يلبث طويلا وتم إغتياله وكان في مصر حينئذ أحد وزراء الدولة العثمانية المدعو أحمد باشا قاصدا إلى المدينة المنورة التي عين واليا عليها فأراد الإنكشارية إجلاسه على كرسي ولاية مصر غير أن محمد علي لم يوافقهم على ذلك وبالإتفاق مع المماليك طردوا أحمد باشا من القاهرة ثم بطش الألبانيون بالجنود الإنكشارية بتشجيع ودعم من محمد علي ولم يبق في مصر من الرجال المنتمين إلى حكومة الآستانة الذي يخشى محمد علي شرهم سوى خسرو باشا الوالي السابق الذي كان مقيما في دمياط فهاجمه محمد علي وعثمان بك البرديسي برجالهما وأحضراه إلى القاهرة وهكذا لم يبق لمحمد علي خصم ظاهر من رجال الآستانة كما أن عثمان بك البرديسي صارت إليه السلطة العليا بين المماليك لأن نظيره محمد بك الألفي كان قد ذهب إلى إنجلترا طامعا في الإستقلال بالحكم في مصر بمساعدة إنجلترا وفي عام 1804م جاء علي الجزايرلي واليا على مصر وبعد عدة مناورات إعترضه الجنود الألبان وهو في طريقه من الإسكندرية إلى القاهرة ففتكت بجنوده وقادته أسيرا إلى القاهرة ثم وجهوه إلى سوريا لكنهم قتلوه في الطريق ومن بعده جاء أحمد باشا والذى تحالف ضده محمد علي مع عثمان بك البرديسي وتمكنا فعلا من التخلص منه وفي أوائل عام 1804م عاد محمد بك الألفي من إنجلترا حاملا الكثير من التحف والهدايا والأموال وتوجه نحو القاهرة في النيل ولما كان وجوده في مصر يهدد محمد علي وعثمان بك البرديسي على حد السواء فمن ثم إتفقا على مقاومته فإعترضه رجالهما في نهر النيل ونهبوا الأموال والتحف والهدايا التي جاء بها أما هو فبادر إلى النزول إلى البر وفر هاربا ونجا بنفسه وإختبأ عند أحد قبائل العرب في صعيد مصر وهنا بدأت سلطة محمد علي في الظهور وبدأت تظهر شخصيته القيادية وذكاؤه الحاد ومالبث بعد فترة وجيزة أن دب الخلاف بينه وبين حليفه عثمان بك البرديسي والذى كان قد قام بفرض ضرائب باهظة علي أفراد الشعب لكي يتمكن من دفع مرتبات الجنود المتأخرة حيث كان قد ثار عليه الألبانيون وطالبوه بها فأغضب ذلك الأهالي فتدخل محمد علي في الأمر وإنتهز الفرصة لمصلحته وأظهر عطفا شديدا عليهم ووعدهم بالمساعدة من أجل رفع هذه المظلمة عنهم وإنضم إلى المشايخ والعلماء وإكتسب بذلك عطف الشعب ووده وكان المماليك قد أخذوا يشعرون أن محمد علي يبطن لهم العداء والحقيقة أنه كان حينئذ في غنى عنهم بل صار إضعافهم خيرا له وذلك لحين التخلص منهم نهائيا ومن ثم بدأت المشادات والمناوشات بين الفريقين وأمر جنوده بمهاجمة المماليك ففروا إلي الصعيد .

وبفرار المماليك إلي الصعيد تم تعيين خورشيد باشا واليا على مصر وكان خامس من تولى ولاية مصر في خلال فترة قصيرة لا تتعدى السنتين وذلك بعد أن إتفق العلماء والأعيان وزعماء الجند ومنهم عمر مكرم على تعيينه واليا وتعيين محمد علي قائم مقام له ووافق الباب العالي على ذلك في عام 1804م وكان الجميع يأمل أن تستقر الأمور في البلاد إلا أن الصراع إستمر بين المماليك من ناحية وبين محمد علي وجنود الوالي خورشيد باشا من ناحية أخرى وتجددت الثورة من جديد في القاهرة على المماليك بإتفاق الأهالي والألبان وحدث قتال عنيف بين الفريقين وبرز محمد علي نفسه إلى ميدان القتال فتغلب على المماليك وألجأ جميع أمرائهم إلى الفرار من القاهرة مرة أخرى إلي الصعيد وحينذاك أصبح محمد علي صاحب العقد والحل في القاهرة لأن زمام الجند والشعب كان في يده غير أنه لم يتسرع في طلب الولاية لنفسه ولعله حاول في ذلك الوقت إثبات إخلاصه للدولة العثمانية حتى لا تناوئه متى آن أوان ترشيحه أما خورشيد باشا فقد لقى ما لقيه أسلافه من الولاة العثمانيين من الصعوبات في الحصول على الأموال وفي دفع مرتبات الجنود ففرض ضرائب طائلة على أهل القاهرة وإبتز كثيرا منها من بعض الأفراد وخصوصا من المنتسبين إلى المماليك فشمل الإستياء منه جميع الطبقات وكان في الوقت نفسه يشعر بعدم إخلاص محمد علي وبشدة وطأته وظن أنه يستطيع أن يتخلص منه بإشغاله بمحاربة المماليك غير أن الإنتصارات التي حققها محمد علي عليهم وشدة عطفه على الأهالي والجند زاده رفعة في عيون الجميع ووطدت مكانته في البلاد لدى العلماء والأعيان ومن هنا بدأ يدب الخلاف بينه وبين خورشيد باشا وعمل محمد علي حينذاك علي توطيد صلاته بشكل أكبر بالمشايخ والعلماء وكسب ودهم وتأييدهم خاصة نقيب الأشراف السيد عمر مكرم وما أن علموا بوصول فرمان عثماني يقضي بعودة الألبانيين وقوادهم إلى بلادهم حتي طلبوا من محمد علي البقاء في مصر وعدم مغادرتها لما عهدوه فيه من العدل والإستقامة والذكاء ومواهب القيادة .

وفي الوقت نفسه كان خورشيد باشا يسعي جاهدا ويعمل علي إبعاد محمد علي عن مصر بأى وسيلة وفي يوم الإثنين 13 مايو عام 1805م أجمع المشايخ والعلماء والوجهاء علي عزل الوالي خورشيد باشا وتعيين محمد علي واليا على مصر بدلا منه فتمنع محمد علي في البداية حتي لا يتهم بأنه وراء الثورة علي خورشيد باشا وأنه يعمل لمصلحته الشخصية طامعا أن يكون واليا على مصر ولكن المشايخ والعلماء والوجهاء وعلي رأسهم عمر مكرم نقيب الأشراف قلدوه خلعة الولاية فقبل محمد علي أن يكون الوالي كما قبل أن يتشاور مع هؤلاء المشايخ والعلماء قبل إتخاذ أى قرار يتصل بشئون الحكم وبذلك أصبح محمد علي نزولا علي رغبة زعماء الشعب واليا علي مصر يوم الإثنين 13 مايو عام 1805م وبعد 3 أيام وفي يوم 16 مايو عام 1805م صدرت فتاوى شرعية من المحكمة على صورة سؤال وجوابه بشرعية عزل الوالي خورشيد باشا وبذلك إنتهي الأمر بنجاح الثورة الشعبية وصدور الفرمان السلطاني من الآستانة عاصمة الدولة العثمانية بالموافقة علي تعيين محمد علي واليا علي مصر وكان السيد عمر مكرم هو زعيم هذه الحركة الشعبية ومحركها الأساسي وفي ذلك يقول الرافعي كان للشعب زعماء عديدون يجتمعون ويتشاورون ويشتركون في تدبير الأمور ولكل منهم نصيبه ومنزلته ولكن من الإنصاف أن يعرف للسيد عمر مكرم فضله في هذه الحركة فقد كان بلا جدال روحها وعمادها وقد إستمرت هذه الحركة بقيادته 4 أشهر إلي أن إنتهت بإعلان حق الشعب في تقرير مصيره وإختيار حكامه وفق مبادئ أشبه بالدستور تضع العدل والرفق بالرعية في قمة أولوياتها وبتولي محمد علي حكم مصر بدأت صفحة جديدة في تاريخها الحديث مع حكم أسرة محمد علي والتي حكمت مصر لمدة 147 عاما تعاقب خلالها علي عرش مصر عدد 10 حكام من هذه الأسرة وكانت أكبر فترة لواحد منهم هي فترة حكم رأس الأسرة ومؤسسها محمد علي باشا والتي إستمرت 43 عاما بينما كانت أقصر فترة حكم لإبنه وخليفته القائد إبراهيم باشا والتي إستمرت حوالي 8 شهور .

وفي إطار جهاد عمر مكرم ضد الإحتلال الأجنبي نجد أنه قاد المقاومة الشعبية ضد حملة فريزر الإنجليزية تلك المقاومة التي نجحت في هزيمة فريزر في الحماد ورشيد بعد أن دافع الأهالي وحاميتها في كل منهما عنهما ببسالة منقطعة النظير وكانت هذه الحملة قد قدمت إلي مصر بقيادة الجنرال الكسندر ماكنزى فريزر وتم إنزال جنودها علي شاطئ العجمي يوم 17 مارس عام 1807م ثم زحفت الحملة نحو الإسكندرية للإستيلاء عليها وقام محافظ الإسكندرية آمين اغا بتسليمها للإنجليز دون أى مقاومة تذكر فدخلها الجنرال فريزر وجنوده يوم 21 مارس عام 1807م وإحتلوها وبعد 10 أيام وفي يوم 31 مارس عام 1807م أرسل فريزر قوة قوامها 1500 جندى تحت قيادة أحد معاونيه ويدعي باتريك ويشوب لإحتلال رشيد حتي يتم قطع طريق الإمدادات والمؤن التي تصل إليها عبر نهر النيل ومنها إلى الإسكندرية فإتفقت حامية المدينة وكانت تحت قيادة علي بك السلانكلي مع الأهالي علي نصب كمين لهذه القوة بإستدراجها للدخول إلي المدينة دون مقاومة فإذا ما إنتشروا فيها ودخلوا شوارعها الضيقة حتي تنهال عليهم النار من أسطح وشبابيك المنازل وبالفعل نفذت تلك الخطة ونجحت نجاحا باهرا وإضطر الإنجليز إلي الإنسحاب إلي الإسكندرية بعد أن خسروا حوالي 185 قتيل وحوالي 300 جريح إلى جانب وقوع عدد آخر في الأسر وتم إرسال رؤوس القتلى مع الأسرى إلى القاهرة مما كان له وقع طيب جدا في رفع الروح المعنوية وقوبل موكب الأسرى ورؤوس القتلى بإحتفال كبير عند وصوله إلي القاهرة ونظرا لأهمية إحتلال مدينة رشيد بالنسبة للإنجليز قام فريزر مجددا بإرسال قوة أخرى قوامها 2500 جندى بقيادة معاون آخر من معاونيه يدعي ويليام ستيوارت يوم 3 أبريل عام 1807م فوصل إليها يوم 7 أبريل عام 1807م وضرب حصارا حولها وضربها بالمدافع وأرسل قوة لإحتلال قرية الحماد جنوبي رشيد لكي يقطع الإمدادات والمؤن عنها ويحكم الحصار حولها وفي يوم 12 أبريل عام 1807م وصل محمد علي إلي القاهرة قادما من الصعيد بعد أن طرد المماليك من أسيوط وقرر إرسال جيش بقيادة نائبه طبور أوغلي قوامه 4000 من المشاة وعدد 1500 من الفرسان وأخذ محمد علي يدبر المال اللازم لنفقات هذا الجيش وعاونه السيد عمر مكرم وعلماء وشيوخ الأزهر في جمع ما يستطاع تدبيره من المال ووصل الجيش بالفعل إلى رشيد يوم 20 أبريل عام 1807م وكانت المدينة قد مر عليها 13 يوما تحت الحصار وهي صامدة وهاجم الجيش المصرى القوة الإنجليزية بضراوة مما أجبر القائد ستيوارت علي فك الحصار عن مدينة رشيد وتراجع نحو الإسكندرية مرة أخرى كما أرسل مندوبا عنه إلي قائد القوة التي توجد بقرية الحماد وكان إسمه ماكلويد يأمره بالإنسحاب هو الآخر والإنضمام إليه إلا أن المندوب لم يستطع الوصول إلي ماكلويد وفي اليوم التالي هاجم الجيش المصرى ماكلويد وجنوده وكان عددهم 733 جنديا فتراجع ماكلويد بالجنود هو الآخر وبدأ الإنسحاب نحو الاسكندرية وتكبدت قواته وقوات قائده خسائر فادحة قدرت بحوالي 1000 جندى مابين قتبل وجريح وأسير مما أجبر فريزر إلي التراجع نحو الإسكندرية وبعد هذه الأحداث واصل الجيش المصرى الزحف نحو الإسكندرية وحاصرها حصارا محكما وفي يوم 14 سبتمبر عام 1807م تم عقد صلح بين الطرفين المتحاريين يتم بمقتضاه إيقاف القتال خلال 10 أيام والإفراج عن أسرى الإنجليز ورحيلهم عن الإسكندرية وبالفعل تم تنفيذ الإتفاق وغادر فريزر الإسكندرية متجها إلى صقلية يوم 25 سبتمبر عام 1807م وجدير بالذكر أنه بهزيمة هذه الحملة وخروجها من مصر تخلص محمد علي من هذا الكابوس الذى كاد أن يزلزل أركان حكمه ويطيح به بعد حوالي سنتين فقط منذ توليه حكم مصر وفي هذا الصدد يقول الجبرتي نبه السيد عمر مكرم النقيب على الناس وأمرهم بحمل السلاح والتأهب لجهاد الإنجليز حتى مجاوري الأزهر أمرهم بترك حضور الدروس وكذلك أمر المشايخ بترك إلقاء الدروس ويعلق الرافعي على ذلك بقوله فتأمل دعوة الجهاد التي بثها السيد عمر مكرم والروح التي نفخها في طبقات الشعب فإنك لتري هذا الموقف مماثلا لموقفه عندما دعا الشعب على التطوع لقتال الفرنسيين قبل معركة الأهرام ثم تأمل دعوته الأزهريين إلى المشاركة في القتال تجد أنه لا ينظر إليهم كرجال علم ودين فحسب بل أيضا كرجال جهاد وقتال ودفاع عن الوطن عندما يتهدده الخطر فعلمهم في ذلك العصر كان أعم وأعظم من عملهم اليوم .

وعلى الرغم من المساعدات التي قدمتها الحركة الشعبية بقيادة عمر مكرم لمحمد علي بداية من المناداة به واليا علي مصر ثم التشفع له عند السلطان العثماني لتعيينه واليا على مصر وبالرغم من الوعود والمنهج الذي إتبعه وألزم نفسه به محمد علي في بداية فترة حكمه مع الزعماء الشعبيين بالإلتزام بالحكم بالعدل والتشاور معهم قبل إتخاذ أي قرار ورضائه بأن تكون لهم سلطة رقابية عليه إلا أن ذلك لم يدم طويلا حيث وجد محمد علي أنه لن تطلق يده في الحكم حتى يزيح الزعماء الشعبيين وتزامن ذلك مع إنقسام علماء الأزهر حول مسألة من يتولى الإشراف على أوقاف الأزهر بين مؤيدي الشيخ عبد الله الشرقاوي ومؤيدي الشيخ محمد الأمير وفي شهر يونيو من عام 1809م فرض محمد علي ضرائب جديدة على الشعب فهاج الناس ولجأوا إلى عمر مكرم الذي وقف إلي جوار الشعب الذى كان علي وشك التحرك في ثورة عارمة ونقل الوشاة الأمر إلى محمد علي بأن عمر مكرم يحرض الشعب علي الثورة ضده ومن ثم إستغل محمد علي محاولة عدد من المشايخ والعلماء للتقرب منه وغيرة بعض الأعيان من مكانة ومنزلة عمر مكرم الكبيرة بين الشعب كالشيخ محمد المهدي والشيخ محمد الدواخلي فإستمالهم محمد علي بالمال ليوقعا بعمر مكرم وكان محمد علي قد أعد حسابا ليرسله إلي الدولة العثمانية يشتمل علي أوجه الصرف ويثبت أنه صرف مبالغ معينة جباها من البلاد بناءا علي أوامر قديمة وأراد أن يبرهن علي صدق رسالته فطلب من بعض الزعماء المصريين أن يوقعوا علي ذلك الحساب كشهادة منهم على صدق ما جاء به إلا أن عمر مكرم إمتنع عن التوقيع وشكك في صحة هذا الحساب فأرسل محمد علي يستدعي عمر مكرم إلي مقابلته فإمتنع قائلا إن كان ولا بد فأجتمع به في بيت السادات فوجد محمد علي في ذلك إهانة له فجمع جمعا من العلماء والزعماء وأعلن خلع عمر مكرم من نقابة الأشراف وتعيين الشيخ السادات معللا السبب أنه أدخل في دفتر الأشراف بعض الأقباط واليهود نظير بعض المال وأنه كان متواطئا مع المماليك حين هاجموا القاهرة يوم الإحتفال بعيد وفاء النيل في شهر أغسطس عام 1805م ثم أمر بنفيه من القاهرة إلي دمياط وبنفي عمر مكرم إختفت الزعامة الشعبية الحقيقية من الساحة السياسية وحل محله مجموعة من المشايخ الذين كان محمد علي قادرا على السيطرة عليهم إما بالمال أو بالإستقطاعات وهم الذين سماهم الجبرتي مشايخ الوقت .

وإستمر عمر مكرم في منفاه ما يقرب من 10 سنوات وعندما حضر إلى القاهرة في يوم 9 من شهر يناير عام 1819م إبتهج الشعب به ولم ينس زعامته له وتقاطرت الوفود عليه أما الرجل فكانت السنون قد نالت منه فآثر الإبتعاد عن الحياة العامة ورغم ذلك كان وجوده مؤرقا لمحمد علي وعندما إنتفض القاهريون في شهر مارس عام 1822م ضد الضرائب الباهظة التي فرضها عليهم نفاه ثانية إلى مدينة طنطا خوفا من أن تكون روحه الأبية وراء هذه الإنتفاضة لكن الموت كان في إنتظار الزعيم الكبير حيث توفي في ذلك العام بعد أن عاش آلام الشعب وسعى لتحقيق آماله وتحمل الكثير من العنت من أجل مبادئه وفي هذا الصدد تقول حفيدته راجية هانم محمود عمر مكرم عن جدها إنه كان عاشقا لمصر وعلي الرغم من إلتفاف الشعب حوله ورغبته فى أن يكون هو رئيسهم إلا أنه كان رجلا حكيما ورأى أن مصلحة الوطن مع حاكم قوى يمتلك جيشا وسلاحا لذلك ساند محمد على وعلي الرغم مما فعله بجدها فإنها لا تنكر أنه بنى نهضة مصر الحديثة وهذا هو الفارق بين أن تكون القضية شخصية أو قومية ثم إن كتب التاريخ أكدت أن بعض زملاء عمر مكرم غيرة منه كانوا قد أوغروا صدر محمد علي عليه وطمعوا فى المناصب وبالفعل بمراجعة كتب التاريخ وخاصة ما سجله الجبرتى نجدها قد ذكرت أن محمد على كان يخاطب عمر مكرم بشديد التوقير والإحترام وفى أحد الخطابات عندما طلب عمر مكرم أن يسافر للحج خاطبه محمد علي قائلا مظهر الشمايل سنيها حميد الشئون وسميها سلالة بيت المجد الأكرم والدنا السيد عمر مكرم وبعد قيام ثورة يوليو عام 1952م وتكريما لذكرى هذا الرجل العظيم والعالم والمجاهد والبطل المصري عمر مكرم قامت وزارة الأوقاف المصرية بتوسعة مسجد يقع بمنطقة ميدان التحرير خلف مبني المجمع كان يسمي مسجد العبيط والذى كان عالما من علماء الأزهر الشريف في القرن الثاني عشر الميلادى وقام بتصميم هذه التوسعة والإشراف علي تنفيذها المهندس المعمارى الإيطالي ماريو روسي الذى كان متخصصا في العمارة الإسلامية ومسؤولا عن تصميم وترميم المساجد بوزارة الأوقاف المصرية وقامت بتغيير إسمه إلى مسجد عمر مكرم وقد إقترن دائما إسم هذا المسجد بجنازات وعزاء الشخصيات الشهيرة في مصر كما تم تسمية الشارع المطل عليه المسجد بإسمه وأقيم له تمثال بساحة مبني المجمع في مواجهة المسجد مباشرة ومن يزور الجناح المصرى بمتحف اللوفر بالعاصمة الفرنسية باريس سيجد له تمثالا نصفيا معروضا به .