الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

من دخل خباءك فهو آمن

من دخل خباءك فهو آمن
عدد : 06-2021
بقلم الدكتور/ عمر محمد الشريف


عانت المرأة العربية في الجاهلية من النظرة الدونية وإهدار حقوقها بسبب التقاليد التي كانت سائدة آنذاك، فحرمت من أبسط الحقوق مثل الميراث، ولعل الوأد كان أبرز مظاهر ظلم المرأة العربية، فإذا رزق الرجل بمولودة صار حزيناً متشائماً لاعتقاده أنها ستجلب له العار.

لم يكن هذا مصير جميع النساء في ذاك العصر، فقد عُرفت نساء لهن شأن ومكانة رفيعة، اشتهرن بقوة الشخصية ورجاحة العقل وسداد الرأي، منهم سيدة من قريش، شاعرة عربية، وهي سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف، أخت أمية بن عبد شمس، وعمة حرب بن أمية.

لم يصلنا من إنتاجها الشعري الكثير، تقول في رثاء عمها المطلب بن عبد مناف الذي توفي في حدود سنة 550م، وهو أخو هاشم ونوفل وعبد شمس، وكان أصغر اخوته:

أعيني جودا على المطلب ... بوبل وماء له منسكب
أعيني واسحنفرا واندبا ... حليف الندى وقريع العرب
أخا الجود والمجد والمعضلات ... إذا انقطع الدر بعد الحلب
وأكدى المساميح والمنعمون ... من أهل الفعال وأهل الحسب

وقالت تذكر الطوي وهي البئر التي حفرها عبد شمس بأعلى مكة عند البيضاء:
إن الطوي إذا ذكرتم ماءها ... صوب السحاب عذوبة وصفاء

كانت سبيعة ملجأ للمهزومين في حرب الفجار، والفجار (بكسر الفاء) بمعنى المفاجرة، كالقتال والمقاتلة، وذلك لأن القتال كان في الأشهر الحرام، فانتهكوا حرمتها، فسميت حرب الفجار، كانت قبائل العرب تمتنع عن القتال في تلك الأشهر، ويعقدون أسواق تجارتهم بعكاظ، وسوق عكاظ قديماً أكثر أسواق العرب شهرة.

الفجار صراع بين كنانة وتضم قريش من جهة، وقبائل قيس عيلان وتضم هوزان وغطفان من جهة ثانية، وهي حرب دام زمنها أربع سنوات، شهد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هذه الحرب صحبة أعمامه، وكان ابن أربع عشرة سنة، وقيل كان ابن عشرين.

أما سبب حرب الفجار فيروى أن النعمان بن المنذر ملك الحيرة كان يبعث كل عامٍ لطيمةً (أي قافلة من الإبل محملة بالحرير والطيب والمسك للتجارة) لسوق عكاظ لتباع له هناك، وبينما هو في مجلسه ذات يوم، ومعه رجلين بارزين أحدهما عروة بن عتبة بن جعفر المعروف بالرحَّالة من قبيلة قيس، وقد سُمي بالرحال لكثرة ترحاله مع الملوك، أما الثاني فهو البراض بن قيس بن رافع الكناني، كان رجلًا فاتكًا يجني الجنايات على قومه فخلعه قومه، وتبرأوا من صنيعه ففارقهم وقدم مكة فحالف حرب بن أمية، ثم رحل إلى العراق وأقام بباب النعمان بن المنذر.

قال النعمان من يُجيز لطيمتي هذه حتى يُبلغها عكاظ (أي يحميها من قطاع الطرق)؟
فردَّ عليه البراض: أنا أُجيزها على كنانة.
فقال النعمان: أريد من يُجيزها على كنانة وقيس.
فقال عروة: ويحك أكلب خليع يُجيزها لك -يقصد البراض- أنا أُجيزها لك على أهل الشيخ والقيصوم، وهذا مثلًا يُضرب يقْصُد به أنه يحميها من كل العرب.

فسلمه إياها، وساق عروة بالإبل، وانطلق إلى سوق عكاظ، فنقم البراض على عروة وتبعه، وفي غفلةٍ من عروة انقض عليه البراض وقتله بسيفه، وساق البراض الإبل إلى عكاظ، بسبب ذلك اندلعت حرب الفجار بين كنانة وقيس عيلان، حيث جرت بين القبيلتان عدة وقعات، كان يرأس كنانة وقريش وقتها حرب بن أمية وعبد الله بن جدعان.

كانت سبيعة بحكم قرابتها وزواجها تجمع في نفسها بين النقيضين المتناحرين، فزوجها من سادة هوزان، مسعود بن معتب بن مالك بن كعب الثقفي، خرجت سبيعة مع زوجها مسعود تنصب له خيمة خلف جنده، وحين دخل عليها رآها تبكي، فقال لها: ما يُبكيك؟
قالت: أبكي لما عسى أن يصيب قومي.
فقال لها مسعود: من دخل خباءك من قريش فهو آمن.
فقامت سبيعة من فورها تجمع كل ما يصل إليها من حبال وأقمشة وتصلها كلها بخيمتها حتى تستطيع استيعاب أكبر عدد من قومها.
فقال لها مسعود: لا يتجاوزني خباؤك فإني لا أمضي إلا من أحاط به الخباء.
فقالت له: أما والله إني لأظن أنك ستود لو زدت في توسعته.

فلما التقى الفريقان غُلب مسعود بن مالك على أمره، واندفع إلى سبيعة يستجير بها قائلاً: إنا بالله وبك. فقالت: زعمت أنك ستملأ بيتي من أسرى قومي، أجلس فأنت آمن.

وما انقضت ساعات حتى انهزمت قيس عيلان، فهرع الرجال نحو خيمة سبيعة يستجيرون بها، وكان حرب بن أمية قد أجار بسبيعة جيرانها وقال لها: يا عمة، من تمسك بأجناب خيمتك أو دار حولها فهو آمن، فنادت بذلك.

كما أمرت أولادها وكانوا غلماناً أن يدوروا بقيس ويأخذوا بأيديهم إلى خبائها ليجيروهم، فاجتمع خلق كثير من بني قيس حتى ضاق بهم المكان، فعرف ذلك الموضع بمدار قيس، وهكذا حمى خباء سبيعة الرجال.