الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تعرف على قصة المصرى الذى أنقذ الأثيوبيين من المجاعة

تعرف على قصة المصرى الذى أنقذ الأثيوبيين من المجاعة
عدد : 07-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


ميريت بطرس غالي سياسي ووزير مصري ظهر إسمه في أواخر العهد الملكي عندما تم إختياره وزيرا للشئون البلدية والقروية في حكومة أحمد نجيب الهلالي باشا الثانية التي لم تكمل يوما واحدا في الحكم مابين يوم 22 ويوم 23 يوليو عام 1952م وذلك نتيجة قيام تورة يوليو عام 1952م وقد إختاره علي ماهر باشا في الوزارة التي تلتها والتي كانت برئاسته وذلك في يوم 6 سبتمبر عام 1952م وهي الوزارة التي قدمت إستقالتها في اليوم التالي 7 سبتمبر عام 1952م وهو ينتمي لعائلة مصرية قبطية عمل الكثير من أفرادها في السلك الدبلوماسي كان منهم جده بطرس غالي باشا الذى تقلد منصب ناظر الخارجية في وزارة نوبار باشا في الفترة بين 15 أبريل عام 1894م وحتي يوم 12 نوفمبر عام 1895م ثم في النظارة التي تلتها وهي وزارة مصطفي فهمي باشا والتي إستمرت 13 سنة كاملة خلال الفترة من يوم 12 نوفمبر عام 1895م وحتي يوم 11 نوفمبر عام 1908م حيث تولي بعد ذلك منصب رئيس النظار خلال الفترة من يوم 11 نوفمبر عام 1908م وحتي إغتياله في يوم 21 فبراير عام 1910م وكان أيضا من ضمن أفراد الأسرة الذين عملوا في السلك الدبلوماسي الدكتور بطرس بطرس غالي وهو إبن عم ميريت بطرس غالي والذى شغل منصب وزير الدولة للشئون الخارجية في عهد الرئيس السادات عدة مرات ثم تقلد منصب السكرتير العام للأمم المتحدة خلال الفترة من عام 1991م وحتي عام 1995م وفضلا عن ذلك فقد كان أبوه نجيب بطرس غالي باشا وهو أكبر أبناء الجد بطرس غالي باشا وكيلا لنظارة الخارجية في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني حتي أواخر عام 1914م في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولي وقبل إلغائها بعد فرض الحماية البريطانية علي مصر في شهر ديسمبر عام 1914م ثم تم إختياره وزيرا للزراعة في وزارة عدلي يكن باشا الأولي التي حكمت البلاد بين يوم 16 مارس ويوم 24 ديسمبر عام 1921م والتي إضطرت لتقديم إستقالتها للملك فؤاد الأول نظرا لفشل المفاوضات بينها وبين بريطانيا والتي عقدت بالعاصمة البريطانية لندن وأصرت خلالها بريطانيا علي عدم رفع الحماية البريطانية عن مصر وأيضا علي مواصلة التدخل في شئون مصر الداخلية .

وكان مولد ميريت بطرس غالي في يوم 10 مايو عام 1908م بالقاهرة وبعد أن أنهي دراسته الإبتدائية والثانوية درس القانون والعلوم السياسية وحصل على ليسانس الحقوق ودبلوم مدرسة العلوم السياسية من جامعة باريس عام 1929م ليلتحق بعدها للعمل دبلوماسياً في وزارة الخارجية المصرية وكان ميريت غالي رجلًا متعدد الأنشطة والإهتمامات إلا أن الدور الهام الذى لعبه كان في مجال السياسة الخارجية المصرية وخاصة ما قام به من أجل توطيد العلاقات المصرية الأثيوبية منذ منتصف الثلاثينيات إلى نهايات السبعينيات من القرن العشرين الماضي يحتاج إلى وقفة وتأمل خاصة أنه دور موثق وثابت وتشهد عليه مجموعة الوثائق التى قدمتها العائلة البطرسية لمكتبة الإسكندرية قبل نحو ١5 عاما وكان من حسن الحظ، ان العائلة البطرسية كانت محتفظة بكل تاريخها فى حجرات مقفلة داخل الكنيسة البطرسية بالقاهرة وظل العمل جاريا لأرشفته ونقله طيلة ٦ سنوات وكانت مجموعة ميريت غالى من أبرز المجموعات الوثائقية فى مقتنيات العائلة البطرسية وجدير بالذكر أن دور ميريت غالي المشار إليه في السطور السابقة كان دور غير رسمي وكان مدخله الأساسي فيه مكانته في المجتمع القبطي المصري وصلته الوثيقة ببطريرك الكرازة المرقسية وقد تبلور هذا الدور في العديد من المواقف والذى نحتاج لإستعادته الآن بشدة لسببين أولهما تأكيد أن الأقباط كانوا ولا يزالون جزءا أصيلا من الحركة الوطنية المصرية وأنهم كانوا ولا يزالون مواطنين لا رعايا أما السبب الثانى فالتأكيد على دور مصر التاريخى فى دعم الشعب الأثيوبى وما قدمته من مساعدات لينال حريته ويتغلب على أزماته ومحنه لكن يبدو أن النظام الذى يحكم أثيوبيا الآن ويتفنن فى صنع الأزمات لمصر ويقطع على المصريين مياه النيل لا يقرأ التاريخ ويبدو أننا مضطرون لأن نقرأ له ومعه ما لا يعرفه أو يتجاهله .

ففي شهر أكتوبر عام 1935م إفتعل الزعيم الإيطالي الديكتاتور بينيتو موسوليني حادثاً حدوديا بين الصومال الذي كانت تسيطر عليه إيطاليا وبين أثيوبيا وبدلا من الإحتكام إلى منظمة عصبة الأمم جردت إيطاليا حملة عسكرية ضخمة ضد الأحباش وقاد الإمبراطور هيلا سيلاسي جيشه بنفسه للدفاع عن أثيوبيا وإستمرت هذه الحرب حتي شهر فبراير عام 1937م لكنه هزم أمام العدو المتفوق مما أدى إلى فراره إلى الصومال الفرنسي وهي جيبوتي حاليا ومنها إلى القدس التي كانت تحت الإنتداب البريطاني هو وعائلته ثم ذهب بعد ذلك إلى مستعمرة جبل طارق الإنجليزية وبعدها وصل إلى إنجلترا عن طريق عبارة بريطانية ومن منفاه في إنجلترا تولي هيلا سيلاسي مهمة تدويل القضية الأثيوبية وكان دائم الحديث عن إستقلال بلاده في المحافل الدولية ومنها إنتقاده إستخدام إيطاليا للسلاح الكيماوي ضد العسكريين والمدنيين الأحباش حيث كانت الطائرات الإيطالية تقصفهم بغاز الخردل المحرم دوليا أمام منظمة عصبة الأمم عام 1936م وطالب بتحرك دولي ضد الدوتشي الإيطالي بينيتو موسوليني وإستصرخ وناشد عصبة الأمم وطلب مساعدتها بعد أن فتكت الأسلحة الحربية لدولة أوروبية من الدرجة الأولى بجيشه وبلاده ووقتها أعلنت عصبة الأمم أن إيطاليا دولة معتدية وقررت فرض عقوبات عليها في شهر مارس عام 1936م لكن الإيطاليين ضربوا عرض الحائط بهذا القرار وأعلنوا ضم أثيوبيا في يوم 7 من شهر مايو عام 1936م وأصبح فيكتور عمانويل الثالث ملك إيطاليا إمبراطورا عليها مما دعا عصبة الأمم إلى الإقرار بعجزها وقررت رفع العقوبات التي فرضت على إيطاليا في منتصف عام 1937م وفي فترة الإحتلال الإيطالي لأثيوبيا تسلط المارشال رودلفو جراتسياني المعروف بعنفه وقسوته على الأحباش وإستبد بهم وأذلهم وخاصة بعد إخفاق محاولة إغتياله التي وقعت في يوم 19 فبراير عام 1937م ومن ثم صب جام غضبه على سكان العاصمة الأثيوبية أديس أبابا وقتل الآلاف منهم وأحرق الكنائس وأعدم عددا من القساوسة حتي أطلق عليه لقب جزار أثيوبيا لكن بعد توالي الهزائم علي إيطاليا في الحرب العالمية الثانية وتحرج موقفهم في جبهة شمال أفريقيا وإستنجادهم بالألمان وبدعم من إنجلترا تمكن الإمبراطور هيلا سيلاسي من العودة إلى وطنه في عام 1941م وإثارة مواطنيه ضد العدو وذلك بعد دخوله العاصمة الأثيوبية أديس أبابا وإسترجاع عرشه بعد طرد الإيطاليين من بلاده وكانت أثيوبيا بذلك هي الدولة الوحيدة في قارة أفريقيا التي تم إحتلالها لفترة زمنية قصيرة حيث لم تدم فترة إحتلالها أكثر من 5 سنوات وكانت هذه التجرية الأثيوبية رمزا للإستقلال الأفريقي في الحقبة الإستعمارية البغيضة .

ومنذ بداية الصراع الأثيوبي الإيطالي أبدى المصريون تعاطفا حقيقيا وفعليا مع الشعب الأثيوبى وقاموا بتدعيم نضاله لصد الغزاة وهو تعاطف إتخذ شكلا عمليا عن طريق تأسيس لجنة سميت لجنة دعم الحبشة وكان هو إسمها الرسمى حينذاك برعاية الأمير عمر طوسون إبن محمد طوسون باشا إبن محمد سعيد باشا والي مصر بين عام 1854م وعام 1863م وكان نشاط اللجنة يتكون من شقين الأول كان سياسيا ويتمثل فى الدفاع عن إستقلال أثيوبيا وإصدار تقارير عن الأحداث هناك والإنتهاكات التى تقوم بها القوات الإيطالية وإرسالها إلى دول العالم الحر ومنظماته الدولية أما الثانى فكان طبيا متمثلا فى لجنة طبية تقرر إرسالها إلى أثيوبيا لتقديم الخدمات الطبية العاجلة للشعب الأثيوبى كانت مكونة من عدد ١٢ طبيبًا وعدد 60 ممرضا وعدد ٣ كيميائيين وكان ميريت غالى على رأس تلك اللجنة الطبية التى قدمت خدمات جليلة وأسهمت فى تخفيف آلام الأثيوبيين طيلة سنوات المقاومة والتي حظيت بشعبية واسعة بين الأحباش وطوال تلك السنوات نجح ميريت غالى فى مد شبكة متشعبة من العلاقات مع المجتمع الأثيوبى وتضاعفت بعد نجاح الأثيوبيين فى الحفاظ على إستقلالهم وإعادة إمبراطورهم لكن سنوات الصراع خلفت مجاعة طاحنة وأوبئة قاتلة بين أفراد الشعب الأثيوبي فإستغل ميريت غالى علاقاته الدولية التى حققها فى سنوات عمله الدبلوماسى ونجح فى تحريك منظمات الإغاثة الدولية لنجدة الشعب الأثيوبى وفضلا عن ذلك فقد كان لميريت غالي دورا مشهودا أبدى من خلاله حكمة بالغة في حل الأزمة التى نشبت بين الكنيسة الأثيوبية والكنيسة الأرثوذكسية الأم فى مصر وكانت الكنيسة الأثيوبية حينذاك تابعة بشكل كامل لبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وكان البابا المصرى هو من يقوم بترسيم مطران أثيوبيا وترسيم أساقفته وفى سنوات الإحتلال الإيطالى للحبشة الخمس قام الطليان بعزل المطران القبطى وتعيين مطران جديد تابع لهم كما غذوا فى نفوس الأثيوبيين النزعة إلى الإستقلال عن الكنيسة المصرية مع عودة الإمبراطور هيلا سيلاسى إلى عرش أثيوبيا بدأت الألغام التى زرعها الطليان فى الإنفجار وظهر العديد من التساؤلات مثل ما مصير الأنبا يؤانس المطران الذى عينته سلطات الإحتلال الإيطالي وما موقف الأساقفة الذين جاء بهم بعيدا عن موافقة بابا الإسكندرية وما مصير ما قام به من شعائر تخص الحياة اليومية للشعب الأثيوبى كالزواج والطلاق والتعميد وهل أصبحت فى قيد البطلان والتحريم وكان الأخطر هو كيف تتعامل الكنيسة المصرية مع مطالب الإستقلال التى بدأت ترفعها الكنيسة الأثيوبية وحقها فى إدارة شئونها بعيدا عن التبعية الكاملة للكنيسة المصرية ولذلك أرسل البابا كيرلس السادس بطريرك الأقباط وقتها وفدا رفيع المستوى للتفاوض مع الأثيوبيين كنيسة وحكومة وكان ميريت غالى من أبرز أعضائه ونجح فى الوصول إلى إتفاق يرضى جميع الأطراف ويبقى على المكانة الروحية للكنيسة المصرية بل ويوثق العلاقات المصرية الأثيوبية سياسيا وإقتصاديا بإفتتاح مفوضية مصرية في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا وقد نجح ميريت غالى فى إقناع الحكومة المصرية بأن ترسل خبراءها ورجالها للمساهمة فى إدارة المصانع الأثيوبية وإعادتها إلى الإنتاج بعدما خربتها سنوات الإحتلال الإيطالى وأن ترسل معهم أيضا ما تيسر من مساعدات مالية وأدوات مدرسية لإعادة الحياة إلى أثيوبيا وتأكيد مكانة مصر فى القارة الأفريقية .

وكان ميريت غالى فى تلك السنوات هو مفوض الحكومة المصرية ووكيل الكنيسة القبطية ومبعوثها إلى أثيوبيا وهو ما يعترف به ويشير إليه البابا كيرلس السادس فى تلك الرسالة التى أرسلها إليه يشكره فيها على ما قدمه للكنيسة من نصائح سديدة فى مسألة تعيين مطران جديد للحبشة بعد رحيل الأنبا باسيليوس مما كان له أثره الطيب فى حفظ وحدة الكنيستين المصرية والأثيوبية ونجد البابا كيرلس فى رسالته هذه قد خاطبه بوصفه بالإبن المبارك العزيز وكان نص الرسالة بعد منحكم البركات وإمدادكم بصالح الدعاء تلقينا بالتقدير والإرتياح خطابكم المؤرخ في يوم ٢١ يناير عام 1971م وعلمنا ما جئتم به عن مسألة إختيار البطريرك الجديد كما علمنا أيضا الظروف والإتجاهات فى هذا الموضوع ولا شك أنه يهمنا جدا أن نعمل من جهتنا ما يكون له الأثر الطيب والوزن الأكبر فى نفوس أبنائنا الأثيوبيين إمبراطورًا وحكومة وشعبا وأرفق البابا مع الخطاب رسالة أخرى طلب من ميريت غالي أن يسلمها لإمبراطور الحبشة وكان للمواقف السابقة من جانب ميريت غالي أثرا كبيرا في أنه إكتسب شعبية ومصداقية لدى الأحباش بداية من الإمبراطور إلى رجل الشارع العادى وهو ما تجلى فى حدثين بالغى الأهمية والدلالة فى مسيرة العلاقات التاريخية بين القاهرة وأديس أبابا وكان الحدث الأول في عام ١٩٧٤م حينها كانت موجة قاسية من التصحر والجفاف تضرب القارة الأ فريقية وعانت أثيوبيا خلالها من ظروف رهيبة وضربتها المجاعات والأوبئة وباتت فى حاجة إلى معونات عاجلة وكان ميريت غالي حينذاك موجودا فى أثيوبيا على رأس لجنة المساعدات المصرية وقام بدور بطولى فى مواجهة الكارثة التى ضربت الشعب الأثيوبى وفى إنقاذ الجوعى والمشردين وهو ما يظهر من مراسلاته المتبادلة مع الكنيسة القبطية والبطريرك الجديد البابا شنودة الثالث فمن أديس أبابا كتب ميريت غالى في يوم ٢٦ يونيو عام 1974م رسالة قال فيها إلى قداسة البابا البطريرك أتقدم لقداستكم بالإجلال والإحترام الزائدين راجيا أن تكونوا فى أتم صحة وبعد فأتشرف بأن أعرض أنى أعتقد أن ثمة ما يدعو لإتصال من قداستكم بجلالة الإمبراطور لإشعاره بأن قداستكم والكنيسة القبطية جمعاء إنما تفكرون فيه دائما كما تفكرون فى شعبه وكنيسته وبلاده فى هذا الإمتحان الصعب الذى تمر به أثيوبيا وأضاف إنى على يقين من أن لفتة كهذه من قداستكم ستكون مقبولة وذات وقع حسن وطيب جدا بل ستكون شبه منتظرة فى الوقت الحاضر وأقترح إعداد كتاب كريم من قداستكم يكون باللغة العربية مع ترجمة متقنة باللغة الإنجليزية وأفضل منها اللغة الفرنسية إن أمكن يتضمن العبارات الرعوية التى تناسب المقام على أن يحمل هذه الرسالة الكريمة أحد الآباء المطارنة ويأتى إلى أثيوبيا خصيصًا لهذا الغرض وحبذا لو سمحت الظروف أن يكون نيافة الأنبا صموئيل أسقف الخدمات بالكنيسة القبطية حينها هو الذى يحمل رسالة قداستكم .

وتابع ميريت غالي قائلا يحسن أن يحمل رسولكم الكريم هبة متواضعة من الكنيسة ليقدمها للإمبراطور كمساهمة صغيرة فغير منتظر من الكنيسة القبطية أن تسهم بالملايين مثلما تفعل حكومات أوروبا وبعض كنائسها لكن المهم اللفتة لمساعدة منكوبى القحط والمجاعة وليكن المبلغ ما يوازى ٥٠٠ جنيه مصرى على الأقل بالعملة الأجنبية الأثيوبية أو الأميريكية وحبذا لو صعد المبلغ ليكون ١٠٠٠ جنيه وإستكمل أعتقد أن مراقبة النقد ستوافق على التصريح بالنقد الأجنبى لهذا الغرض الكريم وإنى مستعد للمساهمة شخصيا فى تنفيذ إقتراحى هذا إذا ما حاز قبول قداستكم كما أرجو بمبلغ ١٠٠٠ جنيه وأتشرف بأن أرفق بهذا شيكًا بهذا المبلغ بإسم قداستكم على بنك مصر وعنوانه ٤٥ شارع قصر النيل بالقاهرة لتتفضلوا قداستكم بإستخدامه لهذا الغرض وختامًا أقدم لقداستكم أسمى إحترامى وأطلب أن تذكرونى فى صلواتكم ووقع علي الخطاب بكلمات المخلص الأمين ميريت نجيب غالى وقد تعددت رسائل ميريت غالي إلى البابا والذى رد عليه بخطابات وبرقيات وإستجاب لطلبه وقرر أن يتبرع بمبلغ ٣ آلاف دولار للأثيوبيين المتضررين من الجفاف وحمل الأنبا باخميوس رسالة البابا وتبرع الكنيسة المصرية إلى أثيوبيا وكان ميريت غالى فى إستقباله ولم ينم إلا بعد أن وصل المبلغ إلى مستحقيه وكان لما فعله ميريت غالى وما قدمه للشعب الأثيوبى فى سنوات الشدة أثره الطيب فى توطيد العلاقات بين الكنيستين والشعبين والحكومتين وله قيمته فى الحدث الثانى الذى كان حاضرا فيه بمواقفه وخبرته والمقصود بذلك الحدث التوتر الحاد فى العلاقات السياسية بين البلدين عقب الإنقلاب الشيوعى الذى قام به مانجستو هيلامريام فى أثيوبيا وإنهاء حكم الإمبراطور هيلاسيلاسي وخلافه الحاد مع الرئيس الراحل السادات وفى تلك السنوات العصيبة نجح ميريت غالى فى الحفاظ على شعرة معاوية بين الطرفين بحكم علاقاته الوثيقة بالكنيسة القبطية فى البلدين وبحكم رصيده الكبير لدى الأحباش حيث لم ينسوا أبدا ما قدمت يداه من خير لهم ولم ينسوا أنه تكفل بتعليم أبنائهم على نفقته الشخصية فى القاهرة وبكوه بحرارة وصدق عندما وافته المنية فى عام ١٩٩2م وترحموا عليه وذكروا مآثره وأعماله الطيبة من أجلهم وأنه كان القبطى المصرى الذى أوقف سنوات طويلة من حياته لدعم الشعب الأثيوبى وتوثيق العلاقات الطيبة بين الشعبين المصرى والأثيوبي وبين الكنيستين المصرية والأثيوبية .

ومن جانب آخر ففي شهر أغسطس عام 1952م نشر ميريت غالي تقرير عن الأزمة الإقتصادية والإجتماعية في مصر أشار فيه إلى حقائق وأزمات مازالت قائمة حتى وقتنا الحالي أو ربما إتخذت أشكالا أخرى غير التي كانت عليها ولكن بنيتها ما زالت كما هي لذا وجب علينا إعادة النظر فيما كتبه هذا المفكر لعله يهدينا إلى بعض سبل حل أزماتنا الحالية ويسهل على المطلع على هذا التقرير أن يدرك الأزمات الإجتماعية والإقتصادية الكبرى التي كانت تنوء بها مصر عشية ثورة يوليو حيث يدرك غالي تمام الإدراك أن أزمة مصر الحقيقية ليست في تحلل الحياة السياسية في الحقبة الليبرالية أو عدم إستقرار الحكم بل إن السياسة ليست إلا عرضا للحالة الإجتماعية التي هي بالأساس إنعكاس للتنظيم الإقتصادي ففي النهاية ليست السياسة إلا توزيعا للقيم والموارد على المجتمع من خلال عناصر الحكم والسلطة لذا لا يتناول الوضع السياسي لمصر إلا قليلا أو على حسب دلالاته وأثره على الوضعين الإجتماعي والإقتصادي وبهذا يخرج تقريره من سياق الجدالات الآنية والتالية وربما المستمرة حول العهد الملكي ومدى أفضليته عن عهد الثورة ويأتي هذا التقرير في ثلاثة فصول يتناول الأول عوارض الأزمة وهي مستوى المعيشة والميزان التجاري ومالية الدولة ويركز الفصل الثاني على أسباب الأزمة وهي توزيع الثروة وتخبط السياسة وعجز أداة التنفيذ بينما يناقش الفصل الثالث مقترحات لعلاج الأزمة من خلال عدة محاور هي تنمية الزراعة والإصلاح الزراعي وتشجيع التصنيع وتوزيع الإيراد القومي والهجرة وتنظيم الأسرة وإصلاح الأداة الحكومية ويذهب غالي إلى أن أزمة مصر الأساسية هي ذلك التفاوت ما بين معدل الإنتاج ومعدل نمو السكان الذين يستهلكون وينتجون في الوقت نفسه وهو ملمح مازلنا نرى آثاره إلى الآن وبالتالي يؤكد التقرير إشكالية النمو السكاني في الوقت الذي كان فيه عدد سكان القطر المصري ما يربو بقليل عن عشرين مليون نسمة ويسهب غالي في إيضاح الأزمات الهيكلية التي عانت مصر منها آنذاك فيما يتعلق بشرح قوتي الإستهلاك والإنتاج ودون أن يسميها يستخدم مؤشرات رقمية وإحصائية للتدليل على تلك الأزمات وشرح أوضاع المجتمع المصري وكان على وعي كامل بأن مصر لا تعيش في العالم منفصلة عن غيرها بل أن إقتصادها جزء من إقتصاد دولي واللافت للنظر في تقريره أنه لا يستغرق في التركيز على الفجوة الحضارية بين الشرق والغرب بل يركز على الأسباب المادية للنهوض أو النكوص الحضاري وكانت سبل الحل عند غالي بسيطة ومرتكزة بالأساس على إعادة تشكيل هيكل الإقتصاد والإجتماع في مصر من خلال التغلب على عقدة نقص الإنتاج في مقابل تصاعد عدد السكان ولعل أسرع توصياته تنفيذًا هو صدور قانون الإصلاح الزراعي بعد حوالي شهر من نشر تقريره والذي أعاد توزيع الملكيات الكبرى على صغار الفلاحين وقدم نمط الزراعة التعاوني بين الدولة والفلاح كذلك توصيته بالإهتمام بالتصنيع في سياق التكامل مع الزراعة فقد شهدت مصر في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين الماضي أكبر طفرة تصنيعية في عهدها الحديث .

وقد أصدرت وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد الخامس من سلسلة شرفات هذا التقرير في شهر ابريل عام 2018م وقدم هذا العدد الدكتور مصطفى الفقي مدير المكتبة وأشار في هذا التقديم إن ما شجع مكتبة الإسكندرية على تقديم هذا النص الرائع والمتميز للقراء المصريين والعرب الآن هو أن ما تحدث عنه ميريت غالي منذ 66 عاما من مشاكل كان المجتمع يعاني منها ما يزال قائما حتي وقتنا الحاضر وأشار أيضا إلى أن ميريت غالي ينتمي إلى طراز فريد من رجال الدولة الذين شهدتهم مصر في المرحلة السابقة على ثورة يوليو والتالية لها قائلا لقد أدركت ميريت غالي شخصيا في ثمانينيات القرن العشرين الماضي وشاركت معه في إعداد الموسوعة القبطية كما قمنا هو وأنا بشن حملة رسمية وشعبية على الملصقات الدينية على السيارات الخاصة وقد تحقق لنا ما أردنا مضيفا لقد كان غالي بحق ظاهرة محورية في منظومة الإصلاح حول منتصف القرن العشرين ومن جانب آخر فقد إنصب إهتمام ميريت غالي أيضا كذلك على دراسة الآثار حيث قام بتأسيس جمعية الآثار القبطية وترأس مجلس إدارتها منذ عام 1935م حتى عام 1988م وشغل أيضا منصب عضو المجلس الأعلى للآثار عام 1938م وأودع مجموعة من شهادات الإستثمار بإسمه لتصرف على هيئة جوائز للطلاب المتفوقين بكلية الآثار جامعة القاهرة وشارك ونظم العديد من المؤتمرات الخاصة بالدراسات القبطية خاصة الفن القبطى والآثار القبطية بشتى دول العالم والجامعات الكبرى ولم يقتصر دوره فى المجال الأثرى على القبطى منها فقط بل نجده قد أرسل خطابا لوزير الثقافة بخصوص قبة مسجد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما كما كتب رسالة لوزير الثقافة الدكتور ثروت عكاشة أيضا بتاريخ 29 مارس عام 1961م بمشاركة عالم الآثار الدكتور حسن عبد الوهاب يقدمان فيها إقتراحاً بشأن الحفاظ على الآثار الإسلامية وعلاوة علي ذلك لم يقتصر دوره على الجانب النظرى للآثار بل شارك ورأس مجموعة من بعثات الحفائر بوادى النطرون وكانت بحوزة أسرة بطرس غالى باشا وبجمعية الآثار مجموعة كبيرة من الآثار وعند صدور قانون حماية الآثار عام 1983م تقدم بقائمة تشمل الآثار الموجودة بحيازة الأسرة أو حيازة الجمعية .

وشارك ميريت غالي أيضا فى تأسيس الإتحاد الدولى للدراسات القبطية بمراكزه الثلاثة في إيطاليا والمانيا ومصر وقد إهتم أيضا بدراسة القبطيات بإعتبارها عنصرا من عناصر التراث الثقافى العالمى ومصدرا من مصادر فهم التاريخ المصرى والروح القومية المصرية والشعور الوطنى المصرى والذى لابد أن يجمع كل عناصر التراث المصرى فى صورة منسجمة وواضحة وفضلا عن ذلك كان ميريت غالي عضوا بعدد من الجمعيات منها الجمعية العلمية الجغرافية المصرية وجمعية الإقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع والمجمع العلمي المصري وكان أيضا عضو مجلس نواب ما بين عام 1950م وعام 1952م وفضلا عن ذلك فقد تم تعيينه في مجلس الشورى عندما تم تأسيسه في عهد الرئيس السادات عام 1980م وفوق كللك فقد كان كاتبا ومؤلفا للعديد من الكتب الخاصة في السياسة والإقتصاد باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية وأشهرها على الإطلاق كتابه سياسة الغد وهو يعد برنامج سياسى وإقتصادى وإجتماعى متكامل وصدر عام 1938م وفي نفس العام حصل علي رتبة البكوية وقد تلاه بكتاب الأداة الحكومية وصدر عام 1943م وكتاب الإصلاح الزراعى الملكية والإيجار والعمل وصدر عام 1945م وكتاب مشروع قانون الإصلاح الزراعى وصدر عام 1948م وكتاب الأزمة الإقتصادية والإجتماعية وصدر عام 1952م وكتاب البرنامج الإجتماعى لمشروع السنوات الخمس وصدر عام 1954م وأخيرا كتاب الأقباط في مصر وصدر عام 1979م وذلك بالإضافة إلي كتاب تنمية الإقتصاد القومى وهو مترجم من بحث باللغة الفرنسية للأستاذ هنرى مونييه وصدر عام 1935م مما أهله لحمل نيشان الإستحقاق من الدرجة الأولى عام 1956م وأخيرا كانت وفاته في يوم 24 أبريل عام 1992م عن عمر يناهز 84 عاما ودفن بالكنيسة البطرسية بالقاهرة مع باقي أفراد العائلة البطرسية .