الأحد, 28 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

محمد بن الحنفية
-ج2-

محمد بن الحنفية
-ج2-
عدد : 03-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"


في صباح اليوم الثامن الأربعاء 8 صفر عام 37 هجرية قرر الإمام علي بن أبي طالب الخروج بنفسه على رأس جيشه كما قرر معاوية بن أبي سفيان أيضا الخروج على رأس جيشه ودار بين الطرفين قتال عنيف وشرس لم يحدث مثله حيث كان بين المقاتلين من الطرفين الأسود الشجعان الذين قهروا دولة الروم ودولة الفرس وإستمر القتال من الصباح حتى الغروب وثبت الفريقان لبعضهما ولم يفر أحد فتحاجز الفريقان عند الغروب بعد سقوط الكثير من القتلى والجرحى من الطرفين وفي اليوم التاسع 9 من شهر صفر عام 37 هجرية وبعد أداء صلاة الفجر خرج الإمام علي مباشرة لساحة القتال وكان على ميمنته عبد الله بن بديل وعلى ميسرته عبد الله بن عباس فهجم عبد الله بن بديل على ميسرة معاوية بن أبي سفيان وعليها حبيب بن مسلمة وأجبرهم عبد الله بن بديل على التوجه إلى القلب وبدأ جيش علي في إحراز بعض من النصر ورأى معاوية هذا الوضع فوجه جيشه لسد هذه الثغرة ونجح جيشه بالفعل في سد الثغرة وردوا عبد الله بن بديل عن ميسرتهم وقتل في هذا اليوم خلق كثير وإنكشف جيش علي بن أبي طالب حتى وصل الشاميون إلى موضع الإمام علي فقاتل بنفسه قتالا شديدا وبدأ جيش علي بن أبي طالب في الإنكسار بعد الهجمة التي شنها عليه جيش معاوية فأمر الإمام علي الأشتر النخعي لينقذ الجانب الأيمن من الجيش وبالفعل فقد إستطاع بقوة بأسه وكلمته على قومه أن ينقذ الموقف وأظهر بأسه وقوته وشجاعته في هذا الموقف العصيب ورد الأمر إلى نصابه وإستطاعت ميمنة الجيش من السيطرة مرةً أخرى على أماكنها التي كانت قد إنسحبت منه وقتل في هذا اليوم عبد الله بن بديل وبدأت الكفة تميل لصالح جيش الإمام علي الذى بدأ يحقق إنتصارات علي جيش معاوية ولما رأى معاوية بن أبي سفيان هذا الوضع دعا عمرو بن العاص إلى خطة لوقف هذه الإنتصارات فقام عمرو بن العاص بخدعة حيث دعا جنود جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنة الرماح في دعوة صريحة لجيش الإمام علي إلى التوقف عن القتال ويدعون عليا إلى حكم القرآن الكريم ومعنى ذلك أن القرآن الكريم سيكون هو الحكم بين علي ومعاوية وجاء زهاء عشرين ألف مقاتل من جيش علي حاملين سيوفهم على عواتقهم يتقدمهم مجموعة من القراء الذين صاروا خوارج فيما بعد فنادوه بإسمه لا بإمرة المؤمنين قائلين يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذا دعيت وإلا قتلناك كما قتل إبن عفان فوالله لنفعلنها إن لم تجبهم وكان الإمام علي بن أبي طالب في هذا الموقف أمام خيارين فإما المضي في القتال ومعنى ذلك أنّه سيقاتل ثلاثة أرباع جيشه وجيش معاوية وإما القبول بالتحكيم وهو أقل الشرين خطرا فقبل التحكيم ومن ثم توقف القتال وأذن الإمام علي بالرحيل إلى الكوفة وتحرك معاوية بجيشه نحو الشام وأمر كل منهما بإطلاق أسرى الفريق الآخر وعاد كل إلى بلده ومما يذكر من الطرائف أنه خلال معركة صفين كان الجنود من الطرفين المتصارعين يصلون خلف إمام واحد هو الإمام علي بينما كانوا يتناولون الطعام في معسكر معاوية وكانوا يقولون الصلاة خلف الإمام علي أتقي والطعام عند معاوية اشهي .


وبعد حوالي عام وفي شهر صفر عام 38 هجرية كان محمد بن الحنفية إلي جانب الإمام علي في معركة النهروان والتي وقعت بين الإمام علي وبين المحكمة الذين أصبحوا الخوارج فيما بعد بمنطقة النهروان التي تقع قرب بغداد وكانت هذه المعركة واحدة من نتائج معركة صفين والتي إنتهت بالإتفاق على التحكيم بين الإمام علي وبين معاوية بن ابي سفيان بعد رفع المصاحف على أسنة الرماح إشارة إلى ضرورة التحاكم إلى كتاب الله وحينها رفضت هذه الجماعة وكانت بقيادة عبد الله بن وهب الراسبي ورفعوا شعارهم الشهير لا حكم إلا حكم الله وتجمعوا في منطقة النهروان فخرج لهم الإمام علي بجيشه وإنتهت المعركة بين الطرفين بإنتصار جيش الإمام علي عليهم ولم ينج من المحكمة إلا أربعين شخصا فقط كان منهم رجل يسمي عبد الرحمن بن ملجم والذى قرر ضرورة قتل الإمام علي من باب الثأر والإنتقام لأقاربه الذين قتلوا في النهروان ونفذ ذلك فعلا في منتصف شهر رمضان عام 40 هجرية أثناء خروج الإمام علي لأداء صلاة الفجر بمسجد الكوفة وإلى آخر اللحظات كان محمد بن الحنفية مع أبيه علي بن أبي طالب وفي كنفه وإلى جانبه حتى روى أنه إشترك في غسل والده وشارك في تجهيزه بعد أن كان أخواه الأكبران الحسن بن علي يغسله والحسين بن علي يصب عليه الماء وورث محمد أباه في علمه وقد دفعا أخواه الحسن والحسين إليه بصحيفة فما إستطاع فتحها لكنه علم منها شيئا فأخبر عبد الله بن عباس بالأمر حيث أوصاه ابوه قائلا يا بني إني أخاف عليك الفَقْر فإستعذ بالله منه فإن الفقر منقصةٌ للدين أى عند أغلب الناس إذ لا يتحملونه مدهشةٌ للعقل داعيةٌ للمقت وإياك والإتكال على الأماني وأوصاه علي بوصيةً خاصة بأخويه الحسن والحسين فقال له أُوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك ولا توثق أمرا دونهما كما أوصى ولديه الحسنَ والحسين بأخيهما محمد بن الحنفية فقال لهما أُوصيكما به فإنه أخوكما وإبن أبيكما وقد كان أبوكما يحبه وبعد ذلك لازم إبن الحنفية أخاه الحسن ملتزما بمحبته وولايته والدفاع عنه وعن إمامته والإستماع إلى وصاياه وكان قد بويع بالخلافة بعد مقتل أبيه وإستمر بعد بيعته خليفة على الحجاز واليمن والعراق وخراسان نحو سبعة أشهر وقيل ثمانية أشهر وقيل ستة أشهر ويعتقد أهل السنة والجماعة أن خلافة الحسن بن علي كانت خلافة حقة وأنها جزء مكمل لخلافة النبوة أي خلافة راشدة والتي كان قد أخبر النبي محمد صلي الله عليه وسلم أن مدتها ثلاثون سنة ثم تصير ملكا وتنازل بعد ذلك الإمام الحسن عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان وتم الصلح بينهما ورجع الإمام الحسن بمن معه من أصحابه وبني هاشم إلى المدينة المنورة وإستقر بها وكانت زعامة بني هاشم عنده ولما آل الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان بايعه محمد بن الحنفية على السمع والطاعة في المنشط والمكره رغبةً في رأب الصدع وحقنا لدماء المسلمين وإستشعر معاوية صدق هذه البيعة وإطمأن إلى صاحبها ولما أحس الإمام الحسن بقرب أجله أرسل إلى أخيه محمد بن الحنفية فجاء من فوره وكان في بستان له فدخل عليه وجلس عن يساره إذ كان الحسين عن يمينه فقال الإمام الحسن بعد أن فتح عينيه لأخيه الإمام الحسين يا أخي أُوصيك بمحمد أخيك خيرا ثم قال يا محمد وأنا أُوصيك بالحسين وعندما حضرته الوفاة قال لأخيه محمد يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدى يا أخي وأنا ميت من يومي فلما مات الإمام الحسن وكان ذلك علي الأرجح عام 49 هجرية تأثر إبن الحنفية تأثرا شديدا ورثاه ثم شارك أخاه الحسين في إدخال الحسن في قبره في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة ووقف على شفير القبر وقد خنقته العبرة فقال رحمك الله يا أبا محمد فلئن عزت حياتك فلقد هدت وفاتك ولنعمَ الروح روح ضمها بدنك ولنعم البدن بدن ضمه كفنك وكيف لا يكون ذلك وأنت بقية ولد الأنبياء وسليل الهدى وخامس أصحاب الكساء وغذتك أكف الحق وربيت في حجر الإسلام فطبت حيا وطبت ميتا وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك .


وبعد وفاة الإمام الحسن عايش إبن الحنفية أخاه الإمام الحسين أخا وإماما في جميع ما جرى من وقائع وأحداث بعد ذلك وكان يقول إن الحسين أعلمنا علما وأثقلنا حلما وأقربنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم رحما وكان إماما فقيها وبقي محمد بن الحنفية يترقب الوقائع وقد طغى بنو أُمية ولم يكن ليتحرك إلا بأمر إمامه الحسين وقال في ذلك محمد بن سعد في طبقاته كان أهل الكوفة يكتبون إلى الإمام الحسين يدعونه إلى الخروج إليهم في زمن معاوية بن أبي سفيان فكان يأبى ذلك فقدم منهم قوم إلى محمد بن الحنفية يطلبون منه أن يخرج معهم فأبى وجاء إلى الحسين يخبره بما عرضوا عليه فأجابه إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا منا ويشيطوا دماءنا وبقي إبن الحنفية على إرتباط ولائي وإعتقاديّ بإمامه الحسين وبعد وفاة معاوية بن أبي سفيان وتولي إبنه يزيد بن معاوية الحكم ورفض الحسين مبايعته قرر الإمام الحسين الخروج من المدينة المنورة متوجها إلي الكوفة لملاقاة أنصاره هناك فهز هذا الخبر كيان أخيه محمد بن الحنفية وإنتابه القلق والأسف معا إذ لم يكن قادرا حينذاك على الخروج معه وما كان من إبن الحنفية إلا أن قال لأخيه الإمام الحسين إنى والله ليحزنني فراقُك وما أقعدني عن المسير معك إلا لأجل ما أجده من المرض الشديد فوالله يا أخي ما أقدر أن أقبض على قائم سيف ولا كعب رمح فواللهِ لا فرحت بعدك أبدا ثم بكى بكاءا شديدا حتى غشي عليه فلما أفاق من غشيته قال يا أخي أستودعك الله وودعه الإمام الحسين ميمما نحو مكة المكرمة ولما بلغه سيره من مكة المكرمة نحو كربلاء بكى بكاءا شديدا وكان الكل مرتقبا خائفا أن يسمع أن مصيبةً قد أحاطت بالإمام الحسين وأهل بيته الكرام أو أن فاجعة حلت بهم وللأسف حدث ما كان يخشي منه وجاءت الأخبار قاتلة وصادمة حيث جاء نعي الإمام الحسين ونعي غالبية أهل بيته حيث قتل منهم إبنه علي الأكبر وأخوته العباس وعبد الله وجعفر وعثمان وأبناء أخيه الحسن القاسم وأبو بكر وعبد الله وبنو عقيل بن أبي طالب جعفر وعبد الرحمن بالإضافة إلي عبد الله ومحمد إبني مسلم بن عقيل وأبناء عبد الله بن جعفر الطيار عون ومحمد فكسا المدينة المنورة الأسي والحزن الشديدين وإنهمرت الدموع من عيون أهلها والكل مذهول لا يريد أن يصدق نبأ مقتل الإمام الحسين ومنهم أخوه محمد بن الحنفية والذى قال أنا والله كنت أتوقع ما أصابه فعند الله نحتسبه ونسأله الأجر وحسن الخلف ثم أخذ يبكي بكاءا شديدا وبقيت تلك الحسرة تعيش في قلبه بسبب أنه لم يرحل إلى كربلاء مع أخيه الإمام الحسين وأن يدافع ويذود عنه حتي يقتل بين يديه .

وكان من طريف ما يروى عن محمد بن الحنفية أن ملكَ الروم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان بعد أن تولي الخلافة يقول له إن الملوك عندنا تراسل الملوك ويطرف بعضهم بعض بغرائب ما عندهم وينافس بعضهم بعضا بعجائب ما في ممالكهم فهل تأذن لي بأن يكون بيني وبينك بما يكون بينهم أرأيتم كيف كان حال المسلمين وحال حكامهم ملك الروم يستأذن معاوية بن أبي سفيان خليفة المسلمين أن يكون بين الملكين مراسلات وطرا ئف ومساجلات ومسابقات وما شابه ذلك فأجاب معاوية بالإيجاب وأذن له فوجه إليه ملك الروم رجلين من عجائب الرجال أحدهما طويل مفرط في الطول جسيم موغل في الجسامة حتى لكأنه دوحة باسقة في غابة أو بناء مبني جسمه غير معقول طويل القامة طوله نحة مترين وعشرين سنتيمتر والثاني قوى غاية القوة صلب متين كأنه وحش مفترس وبعث إليه معهما رسالة يقول فيها أفي مملكتك من يساوى هذين الرجلين طولا وقوة فقال معاوية لعمرو بن العاص أما الطويل فقد وجدت من يكافئه ويزيد عليه وهو قيس بن سعد بن عبادة وأما القوى فقد إحتجت إلي رأيك فيه فقال عمرو هناك رجلان غير أن كليهما عنك بعيد هما محمَد بن الحنفية وعبد الله بن الزبير فقال معاوية إن محمد بن الحنفية ليس عنَا ببعيد فقال عمرو ولكن أتظن أنه يرضى على جلالة قدره وسمو منزلته أن يقاوِى رجلا من الروم على مرأى من الناس فقال إنه يفعل ذلك وأكثر من ذلك إذا وجد في ذلك عزا للإسلام والمسلمين فقد حدث أن جاء لرسول الله صلي الله عليه وسلم ذات مرة من يفاخره بالشعر فقال قم يا حسان فأجب الرجل والمقصود حسان بن ثابت شاعر الخزرج والمعني هنا أن هناك مواطن لما يبرز المسلم ويتفوق فيها فهذا العز ليس له وإنما لمجموع المسلمين ودعا معاوية كلا من قيس بن سعد ومحمد بن الحنفية فلما إنعقد المجلس قام قيس بن سعد فنزع سراويله ورمى بها إلى العلج الرومي وأمره أن يلبسها فلبسها فغطت إلى ما فوق ثدييه فضحكَ الناس منه فمعني ما حدث أن قيس هو الأطول وأما محمد بن الحنفية فقال للترجمان قل للرومي إن شاء فليجلس وأكون أنا قائما ثم يعطي يده فإما أن أُقيمه وإما أن يقعدني وإن شاء فليكن هو القائم وأنا القاعد فإختار الرومي القعود فأخذ محمد بن الحنفية بيده وأقامه وعجز الرومي عن إقعاده فدبت الحمية في صدر الرومي وإختار أن يكون هو القائم وإبن الحنفية هو القاعد فأخذ إبن الحتفية بيده وجبذه جبذة كادت أن تفْصلُ ساعدهُ من كتفه وأقْعده علي الأرض فإنصرف العلجان الروميان إلى ملكهما مغلوبين مخذولين .



وبعد وفاة معاوية وإبنه يزيد ومروان بن الحكم وآلت زعامة بني أمية إلى عبد الملك بن مروان ونادى بنفسه خليفة للمسلمين فبايعه أهل الشام ومصر بينما بايع أهل الحجاز والعراق عبد الله بن الزبير وبذلك صارت هناك مشكلة فعبد الله بن الزبير أصبح يحكم الحجاز والعراق وعبد الملك بن مروان يحكم بقية البلاد الإسلامية وطفق كل منهما يدعو من لم يبايعه لبيعته ويزعم لنفسه أنه الأحق بالخلافة من صاحبه فإنشق صف المسلمين مرة أخرى وهنا طلب عبد الله بن الزبير من محمد بن الحنفية أن يبايعه كما بايعه أهل الحجاز غير أن إبن الحنفية لم يكن يخفى عليه أن البيعة تجعل في عنقه لمن يبايعه حقوقا كثيرة منها سل سيفه دونه وقتال مخالفيه وما مخالفوه إلا مسلمين قد إجتهدوا فبايعوا لغير من بايع وهو لا يريد أن يكون ورقةً رابحةً في يدى أحد الطرفَين فقال إبن الحنفية لعبد الله بن الزبير إنك لتعلم علم اليقين أنه ليس لي في هذا الطلب أرب ولا مأرب وإنما أنا رجل من المسلمين فإذا إجتمعت كلمتهم عليك أو على عبد الملك بايعت من إجتمعت كلمتهم عليه أما الآن فلا أُبايعك ولا أُبايعه فجعل عبد الله يلاينه تارة ويعرض عنه ويجافيه تارة أخرى غير أن محمد بن الحنفية ما لبث أن إنضم إليه رجال كثيرون رأوا رأيه وأسلموا قيادهم إليه حتي بلغ عددهم سبعة آلاف رجل ممن آثروا إعتزال الفتنة وكان كلَما إزداد أتباع إبن الحنفية عددا إزداد إبن الزبير منهم غيظا فألح عليه بطلبِ البيعَة فلما يئس من ذلك أمره هو ومن معه من بني هاشم وغيرهم ممن أيدوه أن يلزموا شعبهم بمكة وجعل عليهم الرقباء أي أنه قد فرض عليهم الإقامة الجبرية وقال لهم والله لتبايعنني أو لأهددنكم ثم حبسهم في بيوتهم وهددهم بالقتل وعند ذلك قام جماعة من أتباع إبن الحنفية وقالوا له دعنا نقتل إبن الزبير ونريح الناس منه فقال أفنوقد نار الفتنة التي من أجلها إعتزلنا ونقتل رجلا من صحابة رسول الله ومن أبناء صحابته لا والله لا نفعل شيئًا مما يغضب الله ورسوله ولما بلغ عبد الملك بن مروان ما يعانيه محمد بن الحنفيّة ومن معه من بأس إبن الزبير رأى الفرصة سانحة لإستمالتهم إليه فأرسل إليه كتابا مع رسول من عنده لو كتبه لأحد أبنائه لما كان أرق لهجة ولا ألطف خطابا وكان مما جاء فيه لقد بلغني أن إبن الزبير قد ضيق عليك وعلى من معك الخناق وقطع رحمك وإستخف بحقك وهذه بلاد الشام مفتوحة أمامك تستقبلك أنت ومن معك على الرحب والسعة فإنزل فيها حيث تشاء تلقى بالأهل أهلا وبالجيران أحبابا وسوف تجدنا عارفين لحقك مقدرين لفضلك واصلين لرحمك إن شاء الله .


وبالفعل سار محمد بن الحنفية ومن معه ميمين وجوههم شطر بلاد الشام فلما بلغوا الأبلة إستقروا فيها وهي تقع شمال بلاد العقبة بالأردن فأنزلهم أهلها أكرَمَ منزل وجاوروهم أحسن جوار وأحبوا محمد بن الحنفية وعظموه لما رأوا من عمق عبادته وصدق زهده فطفقَ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويقيم فيهم الشعائر ويصلح ذات بينهم وهكذا المؤمن أينما جلس يصلح بين المسلمين ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سواء في إقامته أو في سفره ولما بلغ ذلك عبد الملك بن مروان شق عليه الأمر وإستشار خاصته فقالوا له ما نرى أن تسمح له أن يقيم في مملكتك وسيرته كما علمت يستقطب الناس من حوله وكلما إمتد به العمر زادت جماعته فلا مصلحةَ لك في أن يقيم في مملكتك فإما أن يبايِع لك وإما أن يرجع من حيث جاء فكتب إليه عبد الملك يقول إنك قد قدمت بلادى فنزلت في طرف منها وهذه الحرب قائمة بيني وبين عبد الله بن الزبير وأنت رجل لك بين المسلمين ذكر ومكانة وقد رأيت ألا تقيم في أرضي إلا إذا بايعتني فإن بايعْتني فلك مني مائة سفينة قدمت علي أمس من القلزم فخذها بما فيها وبمن فيها ولك معها ألف ألف درهم مع ما تفرضه من فريضة لنفسك ولأولادك ولذوى قرابتك ومواليك ومن معك فإن لم تبايعني فإرجع من حيث أتيت وإن أبيت فتحول عني إلى مكان لا سلطان لي عليه فكتب إليه محمد بن الحنفية يقول من محمد بن علي بن أبي طالب إلى عبد الملك بن مروان سلام عليك وإني أحمد الله الذى لا إله إلا هو أما بعد فلعلك تتخوف مني وكنت أحسب أنك عارف بحقيقة موقفي من هذا الأمر ووالله إني لما أبيت أن أبايِع عبد الله بن الزبير أساء جوارى ثم كتبت إلي تدعوني إلى الإقامة في بلاد الشام فنزلت ببلدة من أطراف أرضك تبعد عن مركز سلطانك فكتبت إلي ما كتبت به نود إخبارك أننا منصرفون عنك إن شاء الله وبالفعل إنصرف محمد بن الحنفية برجاله وأهله عن بلاد الشام وطفق كلما نزلَ بمنزل يدعى إلى الرحيل عنه وكأنه لم تكفه همومه كلها فشاء الله أن يختبره بهموم أخرى أشد وقعا وأثقل وطأة وتشاء الأقدار بعد وقت لم يكن طويلا أن يقضي الحجاج بن يوسف الثقفي علي عبد الله بن الزبير وأن يبايع الناس جميعا عبد الملك بن مروان فما كان من إبن الحنفية إلا أن كتب إلى عبد الملك قائلا إلى عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين من محمد بن علي أما بعد فإني لما رأيت هذا الأمر أفضى إليك وبايعك الناس كنت كرجل منهم فبايعتك لواليك في الحجاز وبعثت لك ببيعتي هذه مكتوبةً والسلام عليكم وهكذا فلما إنتهت الفتنة وآل الأمر إلى عبد الملك بن مروان بايعه بيعةً مكتوبةً ولم يعد عليه تبعة فلو كان قد بايعه قبل إنتهاء الفتنة لكانت عليه مسؤولية المحاربة معه وأن يقتل المسلمين من أجله فلما إستقر الأمر على ذلك بايعه بيعةً مكتوبة ولما قرأ عبد الملك الكتاب على أصحابه قال له أصحابه والله لو أراد أن يشق عصا الطاعة ويحدث في الأمر فتقا لقدر على ذلك فمعه أتباع وعدد كبير وهو في منأى عنك ولما كان عليه من سبيل فإكتب إليه بالعهد والميثاق والأمان وذمة الله ورسوله أن لا يزعج أو يهاج هو أو أحد من أصحابه وكتب عبد الملك إلى الحجاج يأمره بتعظيمه ورعاية حرمته والمبالغة في إكرامه وعاش إبن الحنفية ما تبقي من عمره في المدينة المنورة وكانت وفاته رحمه الله علي الأرجح في شهر المحرم عام 81 هجرية عن عمر يناهز 65 عاما في خلافة عبد الملك بن مروان ودفن بالبقيع وكان له من الولد عبد الله وحمزة وعلى وجعفر الأكبر والحسن وإبراهيم والقاسم وعبد الرحمن وجعفر الأصغر وعون ورقية وكلهم لأمهات شتى .
 
 
الصور :