الاثنين, 29 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

قتيبة بن مسلم الباهلي
-ح2-

قتيبة بن مسلم الباهلي
-ح2-
عدد : 07-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"


وبعد فتح سمرقند عاد قتيبة بن مسلم إلى مرو ووجد أنه من المستحيل إستتباب الأمن والنظام ما لم يقضِ نهائيا على جيوش الدويلات الثلاث الباقية إلى الشرق من الصغد وهي الشاش وعاصمتها بنكث أو الطاربند عند البلاذرى وأشروسنة وعاصمتها خجندة وفرغانة وعاصمتها أخسيكث ومن ثم بدأ المرحلة الرابعة والأخيرة من فتوحاته في بلاد ما وراء النهر والتي إمتدت ما بين عام 94 هجرية الموافق عام 712م وحتي عام 96 هجرية الموافق عام 714م وكانت خطَته تقضي بِالتقدم على جميع تلك الدويلات في آن واحد وكان هدفه تجميد القوات العسكرية لكل دويلة داخل حدودها وعدم السماح لهم بِنجدة الواحدة لِلأُخرى لِذلك وضع خطَة لِلتقدم بِرتلين الأول هو الرتل الجنوبي بِقيادته وعليه أن يتقدم على طريق سمرقند خجندة فرغانة قاسان وكان الرتل مؤلفا من العرب المسلمين إذ أنه توقع مقاومةً شديدة سيَما وأنه سيقوم بِحركات ضد دولتين أما الرتل الشمالي فتألف من محاربي المناطق المفتوحة من مسلمي خوارزم وبخارى وسمرقند وكش ونسف وغيرهم وتقدم على طريق سمرقند طشقند على أن يلتقي بِالرتل الجنوبي في قاسان وبدا قتيبة في تنفيذ مخططه فتقدم من مرو عابرا نهر جيحون وتوجه إلى منطقة الحشد العسكرى في سمرقند ومنها سار على رأس الرتل الجنوبي على محور سمرقند خجندة فأخضعها بعد معارك شديدة كما قام بِحركاتٍ في المناطق الجبلية من أشروسنة بِالإضافة إلى سهولها لِفتح كل أراضي الدويلة ثم إندفع نحو خجندة فرغانة ففتح فرغانة بعد عدة معارك مع الفرغانيين ولم يلقَ أى مقاومة تذكر في تلك الدويلة وتقدم الرتل الشمالي على محور سمرقند طشقند فخاض معركةً عنيفةً حول عاصمة الشاش التي أبدت مقاومةً شديدة إنتهت بِإحراقها وللقضاء على أى مقاومة تذكر في بلاد الشاش دفع قتيبة الرتل الشمالي إلى مدينة إسفيجاب وهي جيمكند أو شيمكنت المعاصرة الكائنة على مسافة 120 كيلومترا إلى الشمال من مدينة طشقند عاصمة أوزباكستان حاليا ففتحها الرتل ثم إنحدر جنوبا عائدا إلى قاسان حيث إلتقى بِالرتل الجنوبي الذى وصلها قبله وإنصرفت الجموع عائدةً إلى مرو لِقضاء فصل الشتاء وفي العام التالي 95 هجرية الموافق عام 713م أرسل الحجَاج بن يوسف الثقفي إلى قتيبة جيشا من العراق فغزا بهم الشاش مجددا نظرا لوجود تمرد قضي عليه بِسهولة وبينما هو بِالشاش بلغه نبأ وفاة الحجاج بن يوسف فإغتم لموته وحزن حزنا شديدا وأدرك الخليفة الوليد بن عبد الملك تأثير وفاة الحجاج على قتيبة فبعث له بِرسالة مواساة وتشجيعٍ وثناء قال فيها قَد عرفَ أَمير المؤمِنِينَ بلاءَكَ وجدكَ فِي جهاد أَعدَاءِ المسلمين وأَمير المؤمِنِين رافعك وصَانِع بِك كالذى يجِب لَك فإلمم مَغَازيَكَ وإنتظِر ثوابَ ربِك ولا تغيبَ عَن أَميرِ المؤمنينِ كتبك حتى كَأني أَنظر إِلَى بِلَادِكَ والثغر الذى أنتَ بِهِ فأحدثت تلك الرسالة أثرا طيبا في نفس قتيبة وبعد تمام فتوحات الشاش وفرغانة حول قتيبة أنظاره ناحية الصين وهي ما يلي تلك المناطق من بلاد ما وراء النهر وشجَعه على ذلك الوضع السياسي المضطرب في تركستان الشرقية والتي تقع شرق الأراضي المفتوحة من بلاد ما وراء النهر وتعد بداية حدود مملكة الصين إذ كان حكامها من الأُمراء الأويغوريون متفرقين وفي تناحر مستمرٍ فيما بينهم فوجد بِذلك قتيبة فرصةً طيبةً لِلتقدم إلى بلادهم وفتح ما تيسر منها ويبدو أن القائد قتيبة بن مسلم أراد تحقيق إنجاز إسلامي لم يسبقه إليه أحد من قادة المسلمين على الحدود مع الصين في مقدمته ردع أُمراء الأويغور من التدخل وإثارة القلاقل في المناطق المفتوحة حديثا سيما وأنهم كثيرا ما ساندوا حكام فرغانة في معاركهم .


ومن أجل تحقيق هذا الهدف وضع قتيبة بن مسلم مدينة كاشغر وهي إحدى أشهر مدن تركستان الشرقية وأهمها نصب عينيه أولا وكانت خطَته لِلتقدم إلى المدينة المذكورة تتضمن حشد أكبر قوة مسلمة ممكنة وإتخاذ إجراءات إنضباطية شديدة ووضع حامية على ممر نهر جيحون تمنع العودة إلى الوراء إلا بِإجازة من قتيبة وكذلك التقدم على الطريق التجارى الذى يربط بين فرغانة وبحيرة جاتيركول والتي تقع حاليا على المناطق الحدودية الجنوبية لدولة قرغيزيستان على بعد كيلومترات بسيطة من حدودها مع دولة الصين وإقتحام ممر تيترك في تركستان الشرقية وفي عام 96 هجرية الموافق عام 714م تقدم قتيبة حسب الخطَة التي وضعها وأرسل مقدمة الجيش بقيادة كبير بن فلان ففتح كاشغر وتوغل إلى ما ورائها حتَى بدا أن الصدام بين جيش المسلمين والصينيين وشيكا فكتب إمبراطور الصين شوانزونج إلى قتيبة يطلب منهُ التفاوض فوافق قتيبة على ذلك وأرسل إلى الإمبراطور الصيني وفدا بِرئاسة هبيرة بن مشمرج الكلابي وإتجه الوفد إلي خان بالق وهي مدينة بكين العاصمة الصينية حاليا حيث قابل الإمبراطور بعد عدة أيام فعرض عليه هبيرة الجزية أو الإسلام أو الحرب فثار الإمبراطور وهدد بأنه سيرسل على المسلمين من يهلكهم عن آخرهم وأن أعدادهم ليست شيئا أمام جحافل جيوش الصين فرد عليه هبيرة بأن أول خيل المسلمين في الصين وآخرها في منابت الزيتون في بلاد الشام وأن الأعمار كلها مقدرة ومحسومة فإن حضر الأجل فإنَ أكرم موت عند المسلم هو القتل في ميدان الحرب وأن قتيبة أقسم ألا يغادر الصين حتى يفتحها ويختم ملوكها ويعطى الجزية ويبدو أن إمبراطور الصين أُعجب بِشجاعة هبيرة وبما ترامى إلى أسماعه عن قتيبة وإنتصاراته السابقة وقدر الخسائر التي يمكن أن تنجم عن الحرب فعرض أن يخرج قتيبة من يمينه بأن يرسل له حفنة من تراب الصين فيطأه وأربع غلمانٍ من أبناء الملوك فيختمهم وجزية عبارة عن ذهب وحريرٍ وملابس صينية فاخرة وقبل قتيبة العرض الصيني فأخذ الجزية وختم الغلمان وردهم إلى بلادهم ووطأ التراب وأغلب الظن أن قتيبة ما كان لِيقتنع بِذلك لولا وفاة الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك في منتصف شهر جمادى الآخرة عام 96 هجرية وتولي أخيه سليمان بن عبد الملك الخِلافة وكان بين سليمان وقتيبة ما شغل الأخير عن مواصلة نشاطه العسكرى في بلاد الصين الواسعة والراجح أيضا أن هذه السفارة الإسلامية إلى البلاط الصيني كانت لِأغراضٍ سياسية وتجارية إذ لم يكن المسلمون بِغافلين عن أهمية التجارة بين الشرق والغرب وكانت قد جرت عدة محاولات منذ أيام قتيبة الأولى لِضبط طرق التجارة في أواسط آسيا وحماية القوافل التجارية ويدل تعدد إرسال السفارات الإسلامية إلى الصين بعد ذلك على أهمية إستمرار حركة التجارة بين الشرق والغرب وتأمينها ويضاف إلى ذلك أن قتيبة قد أدرك أنه يواجه إمبراطورية قوية تتطلب منه حشد أعداد ضخمة من الجند المدججين بالسلاح وإستعدادات وتجهيزات ضخمة لم تكن متوافرة له حينذاك مع طول خط الإمدادات وصعوبة الإتصالات مع قاعدته مرو في خراسان أو مع الإدارة المركزية في دمشق عاصمة الخلافة الأموية كما أنه في الوقت نفسه كانت بعض المدن المفتوحة حديثا قد بدأت تنقض عهودها وتنتفض على الحكم الإسلامي مما تطلب إعادة إخضاعها مرة أخرى ولكل ذلك قنع قتيبة بِنتائج الفتوحات التي كان قد حققها خلال عشر سنوات في بلاد ما وراء النهر وتوقف بذلك التمدد الإسلامي بإتجاه الصين عند هذا الحد .


وكان قتيبة بن مسلم كما ذكرنا من قادة الحجاج بن يوسف الثقفي وكان يعلم مقدار كراهية الخليفة الأموى الجديد سليمان بن عبد الملك للحجاج فخشي قتيبة من إنتقامه لأنه وقف إلى جانب الوليد بن عبد الملك حين أراد أن يخلع أخاه سليمان من ولاية العهد ويجعلها لإبنه ولذلك عزم قتيبة على الخروج على سليمان فأرسل إليه 3 كتب الأول كتب فيه يهنئه بالخلافة ويذكر بلائه وطاعته لأبيه عبد الملك بن مروان وأخيه الوليد بن عبد الملك وأنه على مثل ذلك إن لم يعزله عن خراسان والكتاب الثاني يعلمه فيه بفتوحاته في بلاد ما وراء النهر وعظم قدره عند ملوك العجم وهيبته في صدورهم ويذم أهل المهلب ويحلف بالله لئن إستعمل يزيد بن المهلب على خراسان ليخلعنه والكتاب الثالث كتب فيه خلعه وأرسل الكتب مع رجل يثق به وقال له إدفع الكتاب الأول إلى الخليفة سليمان فإن كان يزيد بن المهلب حاضرا فقرأه وألقاه إليه فإدفع إليه بالثاني فإن قرأه وألقاه إليه فإدفع إليه الثالث وإن قرأ الكتاب الأول ولم يدفعه إليه فإحبس الكتابين الآخرين فقدم رسول قتيبة على الخليفة سليمان بن عبد الملك ودفع إليه الكتاب الأول فقرأه وألقاه إلى يزيد فدفع إليه الثاني فقرأه وألقاه إلى يزيد فدفع إليه الثالث فلما قرأه تغير لونه وختمه وأمسكه بيده فأمر سليمان برسول قتيبة فأنزل وأحضره ليلا وأعطاه عهد قتيبة بخراسان ولكن قتيبة تسرع في خلع سليمان وجمع جموعا لذلك من رجاله وأهل بيته لكن حركته فشلت وإنتهت بقتله قيل بسهم طائش من عملاء سليمان بن عبد الملك وفي رواية أخرى أنه لم يتمرد ولكن وقع ضحية مؤامرة حاكها بعض الطامعين في الولاية وهناك أيضا مقولة أخرى وهي أن قتيبة قد تجاوز فترة حكم الخليفة سليمان بن عبد الملك وعاصر فترة خليفتها الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز لأنه في عهد هذا الأخير عقدت محكمة سمرقند وكان الخصوم كهنة سمرقند وقتيبة بن مسلم الباهلي وكانت وقائع وأحداث هذه المحكمة سببا في دخول جميع أهل سمرقند في الإسلام وهو ما رجحه عدد من المؤرخين والباحثين حيث تنص بعض المصادر العربية والإسلامية علي أن قتيبة بن مسلم إفتتح مدينة سمرقند غدرًا من غير أن يخيِر أهلها بين الإسلام والجزية وإنه أسكن المسلمين فيها بعد ذلك فلما عرف أهل سمرقند بأنه كان من الواجب عليه أن يخيرهم أولا أرسلوا منهم وفدا إلى دمشق لِيشتكوا إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز فقابلوه وأخبروه بما حدث و ما فعله قتيبة بن مسلم فإستجاب لِطلبهم وكتب إلى عامله على خراسان أن ينصب لهم قاضيا لِلنظر فيما قالوه فنصب لهم جميع بن حاضر الباجي فرأى أن الحق مع أهالي سمرقند وحكم بِإخراج المسلمين من المدينة على أن يقاتل عدد منهم عددا مساويا من أهل المدينة فيكون صلحا جديدا أو ظفرا عنوة ولكن أهل سمرقند كرهوا الحرب وإعترفوا بِعدل ذلك القاضي والخليفة فأقروا المسلمين على الإقامة في مدينتهم وفي رواية أُخرى قيل إن أهالي سمرقند بعثوا رجلا واحدا فقط إلى عمر بن عبد العزيز لِينقل إليه رسالتهم فتأثر هذا الرجل بزهد الخليفة المذكور وتواضعه فأسلم وعاد بِكتاب منه إلى عامله على سمرقند والذى إستجاب فورا إلى التعليمات المذكورة فيها ونصب جميع بن حاضر الباجي قاضيا لِلفصل في هذه المسألة ففصل فيها خِلال دقائق معدودة وقضى بخروج المسلمين من المدينة فورا فتأثر الأهالي بِعدل كل من القاضي والخليفة ولما بدأ المسلمون في الخروج من المدينة نزولا علي حكم القاضي لحق بهم كهنة وقساوسة المدينة وبعض أهلها وأشهروا إسلامهم ثم دعوهم إلى الرجوع إليها وعموما وعلي أي حال من الأحوال كان قتيبة بن مسلم قائدا من كبار القادة الذين سجلهم التاريخ فعلى يديه فتحت البلاد التي تسمى اليوم بالجمهوريات الإسلامية التي إنفصلت عما كان يسمى بالإتحاد السوفيتي وتوغل حتى حدود الصين ووصل الدين الإسلامي إلي تلك البلاد وتدين كثير من أهلها بدين الإسلام بإرادتهم لما لمسوا سماحة الإسلام والمسلمين وحسن معاملتهم والذين لم يكرهونهم علي الدخول في الإسلام هذا وما يزال قبر القائد العظيم قتيبة بن مسلم معلوما في وادى فرغانة شرق دولة أوزباكستان في حي جالاكودوق في قرية باختاكور التي تقع علي بعد 28 كم إلى الجنوب الشرقي من مدينة أنديجان القريبة من الحدود بين دولتي أوزباكستان وقرغيزيستان وهو عبارة عن بناء بسيط طابعه إسلامي تعلوه قبة محززة يوجد تحتها ضريح هذا القائد العظيم فاتح بلاد ما وراء النهر والذى يعد من أهم المعالم والمزارات الإسلامية بدولة أوزباكستان .


وبعد أن إستعرضنا سيرة القائد والفاتح العظيم لبلاد ما وراء النهر قتيبة بن مسلم لا يفوتنا أن نذكر أنه كان من نتيجة الفتح الإسلامي لتلك البلاد أن أقبلت قبائل الترك تدريجيا خلال العصر الأموى ثم العصر العباسي على إعتناق الإسلام حتى إنتهى أغلبها إلى قبوله وكان من أبرز الشخصيات بتلك البلاد التي إعتنقت الإسلام ملك بخارى طغشاد بن خاتون الذى تأثر بالمسلمين وخصوصا بِقتيبة بن مسلم فأشهر إسلامه بِحضوره وسمى إبنه قُتيبة محبة في ِالقائد المسلم ومما يذكر أن حركة إقبال الترك على إعتناق الإسلام في العصر العباسي كانت أوسع وأسرع مما كانت عليه في العصر الأموى ويعود ذلك إلى إعتماد الأُمويين على العنصر العربي في المقام الأول في إدارة شؤون الدولة وفي القيادة العسكرية إلي جانب إنهماك الدولة في تثبيت أقدام الإسلام والمسلمين في المناطق المفتوحة حديثا وأخيرا تنقل بلاد ما وراء النهر الكثير ما بين سلطة المسلمين والصينيين والأُمراء المحليين إذ منعت هذه الأُمور مجتمعةً حدوث تفاعل حضارى مؤثر وسريع بين العرب المسلمين والترك خلال فترة الحكم الأموى وإستمر الأمر على هذا المنوال حتى قضى المسلمون على نفوذ الصينيين في تلك المنطقة بانتصارهم عليهم في معركة نهر طلاس والتي وقعت في شهر ذى الحجة عام 133 هجرية الموافق شهر يوليوعام 751م في إطار الفتوح الإسلامية بوسط آسيا وفيها أوقع المسلمون هزيمة ساحقة بالجيش الصيني كذلك تميز إسلام بعض الترك خِلال هذه الفترة بأنه كان لِتحقيق المصالح الشخصية أو خوفا من نفوذ المسلمين أو نفاقا بغرض تحقيق بعض المكتسبات وكان من أبرز الذين أظهروا إسلامهم وأبطنوا غير ذلك قتيبة بن طغشاد سالف الذِكر الذي كان بعكس أبيه مجوسيا باطنا ومسلما ظاهرا ومن ثم كان دخول الترك المؤثر والفعلي في الإسلام خِلال العصر العباسي بعد إنتصار المسلمين في معركة نهر طلاس كما ذكرنا في السطور السابقة وإستتباب الأمر لهم في بلاد ما وراء النهر فحينها تمكنت القبائل التركية من التعرف على الإسلام بلا تشويشٍ أو ضغوطات فوجد الترك تشابها بين الإسلام وديانتهم التنكرية من جهة إيمانهم بِإله واحد وبِوجود الشيطان وبقاء الروح وبِوجود الآخرة والجنة والجحيم كما كان الترك يحرمون الزنا والسرقة والقتل بلا مبرر كما كان ذبح الأضاحي والسجود وتعدد الزوجات شائعا لديهم وكانوا لا يأكلون لحم الخنزير أو يربوا الخنازير بِغرض الحصول على لحومها أضف إلى ذلك أن طبيعة القبائل التركية القتالية وميلهم نحو الحرب جعلهم يحبون فكرة الغزو والجهاد في سبيل الله فبرزوا في الجيوش الإسلامية في وقت لاحق وبِمرور الوقت إنتهى أغلب الترك إلى إعتناق دين الإسلام حتى أصبحوا من أكبر القوميات المسلمة في العالم إلى جانب العرب والفرس والبربر وغيرهم .


وبجانب الأثر الديني لفتوحات بلاد ما وراء النهر كان لهذه الفتوحات أثر حضارى حيث عملت الإدارة المركزية الإسلامية في العاصمة الأموية دمشق ومن بعدها في العاصمة العباسية بغداد على تطوير وتعزيز التحصينات في مدن بلاد ما وراء النهر نظرا لِوقُوعها على حدود البلاد غير المسلمة التي كانت ما زالت ديار حربٍ بِالنسبة لِلمسلمين ولأن القبائل التركية الشمالية والجيوش الصينية إستمرت في الإغارة على تلك النواحي في سبيل إعادة ضمها إلى ممالكها كلما سنحت لها الفرصة وكلما إنشغلت عنها الخِلافة لِسبب ما وقام الولاة والقادة المسلمون بنقل الأفكار العسكرية التعبوية والميدانية من بلاد الشام حيث الثغور البيزنطية وطرق بناء القلاع والحصون وهندستها وكيفية توزيع المقاتلين فيها وأساليب القتال وإعاقة القوى المهاجمة وكيفية التعرض لها وإنذار القوى العسكريَّة الإسلامية الرئيسية حيث كانوا قد إكتسبوا من خلال التعامل مع البيزنطيين خبرة عالية في مناطق جبلية متشابهة ومعقدة التضاريس وتعرفوا من خلالها علي أساليب التحصينات العسكرية فنقلوها إلي بلاد ما وراء النهر كما نقل البعض الآخر من ولاة تلك البلاد مخططات المدن الإسلامية ولا سيما في التركيب الداخلي للمدينة من مدن البصرة والكوفة والفسطاط فضلا عن المدن التي عربوها مثل الموصل ودمشق وحلب وحِمص وغيرها ولما إستقر الأمر لِلمسلمين في بلاد ما وراء النهر وأقبل أهلها على الإسلام إلي جانب إنتقال العديد من القبائل العربية الكبرى للسكن بها أخذت اللغة العربية تتسرب إليهم رويدا رويدا كونها كانت لغة العلوم والآداب والدين والتي إعتمدت عليها النهضة العلمية التي إمتازت بها بلاد ما وراء النهر والتي كان إتقانها شرطا أساسيا لِتحصيل العلوم وكتابة البحوث وقد بلغت الحضارة العربية الإسلامية في بلاد ما وراء النهر أوج عظمتها وإتساعها بعد فترة قصيرة من الفتح الإسلامي لها وإستطاعت الحضارة الإسلامية أن تمتزج مع حضارات وتراث المدن المفتوحة وأنتجت تطورا حضاريا راقيا فنشطت المدن ثقافيا وفكريا وصارت كل مدينة تنافس مثيلتها من المدن في المجالات العلمية والثقافية وكان من أبرز دلائل هذا التأثير الحضارى خروج العديد من المؤرخين الذين أثروا هذه الفترة ومنهم إبن الطيب السرخي صاحب كتاب فضائل بغداد وأفضالها وكتاب رحلة المعتضد في فلسطين وأحمد بن طيفور صاحب كتاب بغداد وهو من أهم المؤلفات التاريخية التي أثرت التاريخ الإسلامي .
 
 
الصور :
ضريح قتيبة بن مسلم بدولة أوزباكستان