الأحد, 28 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

ثمامة بن آثال الحنفي

ثمامة بن آثال الحنفي
عدد : 12-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"


ثمامة بن آثال بن النعمان بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وهو من نسل نبي الله إسماعيل عليه السلام بن نبي الله إبراهيم عليه السلام رضي الله عنه صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينتمي إلى بني حنيفة وهي قبيلة عدنانية تعد بطنا من بطون بكر بن وائل والتي تعد من أشهر قبائل ربيعة على الإطلاق في العصر الجاهلي وصدر الإسلام وفي عصور الخلافة الأموية والعباسية وتعد من أكبر القبائل العربية عددا وعدة وكان من بطونها الكبيرة أيضا بنو شيبان والذين كانت لهم تحالفات مع جيرانهم من الفرس قبل الإسلام وبعد ظهور الإسلام دخل الكثير من رجالها فيه وبرز منهم العديد من قادة الجيوش الإسلامية في الفتوحات التي تمت في بلاد العراق وفارس منهم المثني بن حارثة الشيباني وأخواه المعنى ومسعود إبنا حارثة الشيباني رضي الله عنهم جميعا وكانوا أول من حارب الفرس وكان منهم أيضا الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وكان من بطون بني بكر بن وائل أيضا بنو عجل وبنو ذهل وبنو قيس بن ثعلبة هذا وينسب بنو حنيفة إلى حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وكانت تقطن نواحي الحجاز ثم هاجرت مع من هاجر من بطون ربيعة وإستقرت في إقليم اليمامة في الجزيرة العربية مما يسمى اليوم منطقة الرياض شرقي المملكة العربية السعودية وكان ميلاد الصحابي ثمامة بن آثال في منطقة اليمامة على الأرجح قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بحوالي 30 عاما ونشأ بديار قومه وكان يوصف بأنه حسن الوجه وسيم أبيض البشرة طويل القامة عريض المنكبين نحيف الجسم سريع الحركة حاد الصوت واضح الكلمات قوى النظر وصار سيدا لبني حنيفة ثم أصبح من أعظم وأكبر زعماء العرب مطلقا وأكثرهم ثراءا وغنى وحدث بعد غزوة الأحزاب أو الخندق ومع بداية العام السادس الهجرى أن بدأ النبي صلى الله عليه وسلم وطوال هذا العام يخرج سرايا من المدينة المنورة بلغ عددها 20 سرية بمعدل سرية كل عشرين يوما تقريبا وكان الهدف من تلك السرايا تأديب القبائل التي تحالفت مع الأحزاب الذين حاصروا المدينة المنورة في غزوة الأحزاب وتعرض المسلمون خلال هذا الحصار لأخطار جسيمة إلى جانب إجهاض أى محاولة جديدة من جانب تلك القبائل لتهديد المدينة المنورة وتحسين الوضع الأمني للمسلمين في الجزيرة العربية سواء في المدينة أو في القبائل التي دخلت في الإسلام في أى مكان من أنحاء الجزيرة أو حتى للمسلمين العابرين أو المسافرين من مكان إلى مكان وبالتالي تصبح هيبة المسلمين في قلوب الجميع عظيمة جدا وقد حققت تلك السرايا كل هذه الأهداف مجتمعة فكانت النتيجة أن إرتفعت الروح المعنوية للمسلمين جدا وإزدادت ثقة المسلمين في أنفسهم وإستطاعوا أن يقيموا علاقات دبلوماسية قوية مع الكثير من موازين القوى في شبه الجزيرة العربية سواء على مستوى القبائل أو على مستوى شيوخ وزعماء وكبار العديد من القبائل فعلى سبيل المثال لا الحصر إستطاع المسلمون إقامة علاقات دبلوماسية قوية وحسن جوار مع قبائل بني المصطلق وقبائل بني كلب بمنطقة دومة الجندل التي تقع شمالي شبه الجزيرة العربية ومع ثمامة بن آثال رضي الله عنه زعيم قبيلة بني حنيفة بأرض اليمامة شرقي شبه الجزيرة العربية وكان لذلك قصة نوردها في السطور القادمة .


وكانت أولى هذه السرايا هي سرية الصحابي محمد بن مسلمة الأنصارى والتي خرجت من المدينة المنورة في شهر المحرم عام 6 هجرية في مهمة عسكرية ضد بني القرطاء في أرض نجد من أجل تأديب بني بكر بن كلاب أحد قبائل نجد الذين كانوا قد شاركوا المشركين واليهود في غزوة الأحزاب وكان عدد قوات هذه السرية ثلاثين صحابي وتحركت السرية إلى القرطاء بناحية تسمى ضرية بأرض نجد بوسط شبه الجزيرة العربية وكان بين ضرية والمدينة المنورة مسافة 300 كم تقطع في سبع ليال فلما وصلت السرية إلى هدفها أغارت على القوم فهربوا فإستاق المسلمون نعما وشاء وفي طريق عودة السرية تم أسر ثمامة بن آثال الحنفي أحد سادة بني حنيفة وكان الصحابة لا يعرفونه وكان قد خرج متنكرا لإغتيال النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من مسيلمة الكذاب والذى كان يريد أن يشركه النبي معه في النبوة وكان النبي صلى الله عليه وسلم بداية من العام السادس الهجرى قد قام بكتابة بعض الرسائل للملوك والحكام العرب والعجم يدعوهم إلى الإسلام حتى يوسع نطاق الدعوة إلى الإسلام وكان من ضمن هؤلاء الملوك والسادة ثمامة بن آثال الحنفي والذى تلقى رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بإزدراء وإحتقار ولم يستجب لما جاء بها حتى أن الشيطان وسوس إليه بأن يقوم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم حتي يقضي على دعوة الإسلام وبالفعل فقد بدأ يخطط لتنفيذ هذه الجريمة وعلى الرغم من أنه لم يتمكن من ذلك ولم يؤذ الرسول إلا أنه إستمر في أذى المسلمين والصحابة وقتل الكثير منهم وأضر بالبعض الأخر مما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلن للمسلمين والصحابة بإهدار دم ثمامة لشدة أذاه للمسلمين إلا أنه وقع في أيدى محمد بن مسلمة ورفاقه ولما جاءوا به المدينة ربطوه بسارية من سوارى المسجد فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال للصحابة أحسنوا إساره وبعث إليه بطعام وشراب حيث أمر بأن يشرب من حليب ناقته وأتاه النبي وأخذ يدعوه إلى الإسلام وقال له ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻙ ﻳﺎ ﺛﻤﺎﻣﺔ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻨﺪى ﺧﻴﺮ ﻳﺎﻣﺤﻤﺪ ﺇﻥ ﺗﻘﺘﻠﻨﻲ ﺗﻘﺘﻞ ﺫا ﺩﻡ ﻭﺇﻥ ﺗﻨﻌﻢ ﺗﻨﻌﻢ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﺮ ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﺮﻳﺪ اﻟﻤﺎﻝ ﻓﺴﻞ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ ﻓﺘﺮكه ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ اﻟﻐﺪ ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟه ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻙ ﻳﺎ ﺛﻤﺎﻣﺔ ﻗﺎﻝ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﺇﻥ ﺗﻨﻌﻢ ﺗﻨﻌﻢ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﺮ ﻓﺘﺮﻛﻪ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﺪ اﻟﻐﺪ ﻓﻘﺎﻝ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻙ ﻳﺎ ﺛﻤﺎﻣﺔ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻨﺪى ﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﻓﻘﺎﻝ النبي ﺃﻃﻠﻘﻮا ﺛﻤﺎﻣﺔ ﻓإﻧﻄﻠﻖ ﺇﻟﻰ نخل ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ في وسطه بئر ماء ﻓإﻏﺘﺴﻞ حيث كانت قد هزته الأخلاق المحمدية هزا عنيفا فملكت عليه زمام قلبه وأسرته في أسر جديد بيد أن هذا الأسر كان عن طواعية ﺛﻢ ﺩﺧﻞ اﻟﻤﺴﺠﺪ بوجه غير الذى خرج به منه فقد هطلت على وجهه مسحة الإيمان وتهللت أساريره بشاشة ووضائه وأسلم بين يدى النبي صلى الله عليه وسلم وقال ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ وبايع النبي صلى اله عليه وسلم على الإسلام وقال ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ اﻷﺭﺽ ﻭﺟﻪ ﺃﺑﻐﺾ ﺇﻟﻲ ﻣﻦ ﻭﺟﻬﻚ ﻓﻘﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﻭﺟﻬﻚ ﺃﺣﺐ اﻟﻮﺟﻮﻩ إلى ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺩﻳﻦ ﺃﺑﻐﺾ إلى ﻣﻦ ﺩﻳﻨﻚ ﻓﺄﺻﺒﺢ ﺩﻳﻨﻚ ﺃﺣﺐ اﻟﺪﻳﻦ ﺇﻟﻲ وﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺑﻠﺪ ﺃﺑﻐﺾ ﺇﻟﻲ ﻣﻦ ﺑﻠﺪﻙ ﻓﺄﺻﺒﺢ ﺑﻠﺪﻙ ﺃﺣﺐ اﻟﺒﻼﺩ ﺇﻟﻲ ثم اردف قائلا لقد كنت أصبت في أصحابك دما فما الذى توجبه علي فقال صلي الله عليه و سلم لا تثريب عليك يا ثمامة فان الإسلام يجب ما قبله وبشره بالخير الذى كتبه الله له بإسلامه فإنبسطت اسارير ثمامة وقال والله لأصيبن من المشركين أضعاف ما أصبت من أصحابك ولأضعن نفسي وسيفي ومن معي في نصرتك ونصرة دينك .

وقبل أن نسترسل في سرد سيرة الصحابي ثمامة بن آثال رضي الله عنه نقول إن الإختيارات الثلاثة التي عرضها ثمامة على رسول الله صلى الله عليه وسلم آثر النبي ألا يرد عليها سريعا بل تركه مربوطا في سارية المسجد ثلاثة ايام يشاهد حركة المسلمين وتعامل المسلمين وصلاة المسلمين ودروس المسلمين فالمسجد كان حياة المسلمين كلها كل شئ يحدث في المسجد حتى الأمور السياسية والعسكرية الخطيرة كانت تتم في داخل المسجد ويؤخذ القرار في داخل المسجد فثمامة بن آثال وهو مربوط داخل المسجد يرى واقع المسلمين وحياة المسلمين وطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكومين وبين الأخ وأخيه اى يرى الإسلام بصورة واقعية تماما وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ثمامة رجلا عاقلا سيدا شريفا زعيما ومن ورائه رجال وأقوام وقبيلة كبيرة جدا هي قبيلة بني حنيفة ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام لاحظ إنبهار ثمامة بن آثال بالمسلمين وبطبيعة الدين الإسلامي كما لاحظ إنبهاره به شخصبا ومن ثم شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إسلام ثمامة محتمل فلو أنه أطلقه بدون فداء لعل هذا يؤثر فيه ويسلم وقد تسلم من ورائه أيضا قبيلة بني حنيفة وكان إسلام الرجل أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال الدنيا جميعا فإن يسلم واحد ويستنقذ من الكفر إلى الإيمان فهذا يساوى عند الرسول عليه الصلاة والسلام أكثر من كل أموال الدنيا لذلك إختار الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطلق ثمامة بغير فداء مع أنه كان أسير ثمين جدا لعل أن يكون ثمامة بن آثال صادقا عندما قال إن تنعم تنعم على شاكر وهذا التصرف في حسابات أهل الدنيا من السياسيين يعتبر تصرفا غير مفهوم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحكم دولة فقيرة وهي لا زالت خارجة من أزمة إقتصادية طاحنة بعد غزوة الأحزاب ولو طلب الأموال الطائلة لبذلت لفك أسر ثمامة بن آثال لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يفكر في الدنيا بكاملها وكل الذى كان يفكر فيه هو إستنقاذ ثمامة وقبيلته من براثن الكفر وجذبهم إلى جنة الإيمان ولا يفقه ذلك إلا سياسي مؤمن ولقد كان ثمامة عند حسن ظن الرسول صلى الله عليه وسلم فما أن أطلق سراحه حتى ذهب وإغتسل ويبدو أنه أثناء وجوده أسيرا في المسجد قد علم ماذا يفعل من يريد الدخول في الإسلام وقد يكون قد قرر الدخول في الإسلام أثناء وجوده مأسورا في المسجد لكنه خشي إن أسلم وهو في هذا الموقف أن يفسر إسلامه على أنه حيلة لكي يطلق النبي سراحه فإنتظر حتى تم إطلاق سراحه فذهب وإغتسل وعاد ليعلن إسلامه ويبايع النبي صلى الله عليه وسلم وقال له ﺇﻥ ﺧﻴﻠﻚ ﺃﺧﺬﺗﻨﻲ ﻭكنت أريد العمرة وأنا مشرك ﻓﻤﺎﺫا ﺗﺮﻯ ﻓﺒﺸﺮﻩ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺃﻣﺮﻩ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﻤﺮ ولكن علي شرعة الله ورسوله وعلمه ما يقوم به من مناسك فكان بذلك أول معتمر مسلم ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺪﻡ ﻣﻜﺔ جهر بالتلبية وكان مما قاله ومنا الذى لبى بمكة محرما برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم فقام المشركون إليه وقالوا من هذا الذى يرفع صوته بالتلبية بين أظهرنا وأشهروا عليه سيوفهم وضربوه ضربا شديدا مبرحا حتى أنقذه أبو سفيان من بين أيديهم وقال إنه ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة وإن قتله يشعل علينا نارَ حرب كبيرة فخذوا على يديه وإمنعوا أن يناله أحد بسهم فأنتم تحتاجون إلى الحنطة من هذه البلاد وإلا متنا جوعا فأغمدوا سيوفهم وتركوه فجلس ثمامة رضي الله عنه فقال ﻟﻪ ﻗﺎﺋﻞ أﺻﺒﻮﺕ ﻗﺎﻝ ﻻ ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺳﻠﻤﺖ ﻣﻊ ﻣﺤﻤﺪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ وهكذا فبكل شجاعة أعلن ثمامة رضي الله عنه هويته بين ظهراني قريش ومشركيها فهو السيد القوى صاحب العزيمة المعتز بدينه والمفتخر بعقيدته ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ثم قال لهم مهددا إياهم ﻭﻭاﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﺄﺗﻴﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﻴﻤﺎﻣﺔ ﺣﺒﺔ ﺣﻨﻄﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺄﺫﻥ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ولما عاد إلى بلاده أمر قومه بأن يحبسوا الميرة عن قريش فصدعوا بأمره وإستجابوا له مما جعل الأسعار ترتفع في مكة ويفشو الجوع ويشتد الكرب حتى خاف مشركو مكة على أنفسهم وأبنائهم من الهلاك فكان ثمامة رضي الله عنه بذلك أول من فرض حصارا إقتصاديا على الشرك وأهله في مكة حتى أكلت قريش وبر الإبل مع الجلد يضعونه على النار ويأكلونه من شدة الجوع فهي إذن المقاطعة لمن حاد الله ورسوله
المقاطعة لمن حاربوا الإسلام المقاطعة لمن عذبوا المسلمين وفتنوهم في دينهم فقد أيقن ثمامة بن آثال رضي الله عنه أن واضع المعروف في غير أهله كالزارع في السبخ أو كالمسرج في الشمس وأن التعاون التجارى أولى به قبائل أخرى ذات أخلاق سمحة لا تؤذى النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وهكذا فقد لقن ثمامة قريش درسا لا ينسى وأصاب المفصل فيهم وشل إقتصادهم وجعل عيشهم رنق وعذبهم أُجاج وفي النهاية إضطر أبو سفيان أن يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يناشد الله والرحم لكي ينقذ قريش من محنتها قائلا له إن ثمامة منع عنا الميرة وأضر بنا وإن عهدنا بك أنك تصل الرحم وتحض على ذلك فإن رأيت أن تكتب إلى ثمامة ليخلي بيننا وبين الميرة فإفعل فرد عليه معدن الكرم وصاحب الخلق الكريم والأسوة الطيبة والقدوة الحسنة ورحمة الله للعالمين النبي صلى الله عليه وسلم وأرسل إلى ثمامة رضي الله عنه أن خل بينهم وبين الميرة .


وكان لثمامة بن آثال رضي الله عنه بعد ذلك شرف المشاركة في الجهاد في سبيل الله وكان ذلك في غزوة مؤتة في شهر جمادى الأولى في العام الثامن الهجرى حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسل برسالة إلى ملك بصرى بجنوب سوريا وكان مبعوثه إليه هو الصحابي الحارث بن عمير الأزدى إلا أن شرحبيل بن عمرو الغساني والي البلقاء الواقعة تحت الحماية الرومانية إعترض طريقه وقبض عليه وأوثقه وضرب عنقه قبل أن يبلغ رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى ملك بصرى وكان من المتعارف عليه بين الملوك وزعماء القبائل أن الرسل لا تقتل ولا يجوز لأحد أن يتعرض لهم لأنهم يحملون مجرد رسائل من أقوامهم وقد مثل قتل مبعوث النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي الحارث بن عمرو الأزدى إنتهاكا كبيرا لهذا العرف وكان هذا بمثابة إعلان الحرب على المسلمين ولذا فقد إشتد غضب النبي محمد حين نقلت إليه أخبار مقتل مبعوثه إلى ملك بصرى فجهز جيشا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل وكان هذا هو أكبر جيش إسلامي تم جمعه آنذاك فلم يتم جمع مثل هذا العدد قبل ذلك إلا في غزوة الخندق وتجمع جنود المسلمين خارج المدينة وكان اليوم يوم جمعة وأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيأتيهم بعد صلاة الجمعة ووقف الرسول صلى الله عليه وسلم يسمي القادة ويقول قائد الجيش زيد بن حارثة فإن قتل فجعفر بن أبي طالب فإن قتل فعبد الله بن رواحة فإن قتل فإختاروا من شئتم وخرجت نساء المسلمين لتوديع أزواجهن وهن يقلن ردكم الله إلينا صابرين وخرج الجيش من المدينة المنورة لمواجهة الغساسنة حلفاء الروم الذين كانوا يسكنون شمال شبه الجزيرة العربية وجنوبي الشام في موقع المملكة الأردنية حاليا ويصل الجيش إلي قرب قرية مؤتة وهي قرية تقع في الأردن حاليا وتأتي الأخبار أن الغساسنة قد أعدوا جيشا جرارا قوامه 100 ألف جندى غير أن الروم حلفاءهم قد أعدوا جيشا آخر لمساندتهم لايقل عدده أيضا عن 100 ألف مقاتل ولما رأى المسلمون كثرة الروم أرادوا أن يبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعدد عدوهم وقالوا فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له فوقف فيهم عبد الله بن رواحه رضي الله عنه يبث فيهم الأمل ويرفع معنوياتهم فقال كما ذكر المؤرخ إسماعيل بن كثير في كتابه البداية والنهاية يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به فإنطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة وكان لقول إبن رواحة أثره الكبير في تثبيت المسلمين حيث قالوا قد والله صدق إبن رواحة فمضوا وقرروا دخول قرية مؤتة ليتحصنوا بها فلا يستطيع الغساسنة مواجهتهم إلا بمثل عددهم ويظل القتال محتدما بين الطرفين لمدة تسعة أيام ويقتل من الغساسنة عدد كبير وفي اليوم التاسع يركز الغساسنة علي قائد المسلمين زيد بن حارثة رضي الله عنه حتي يسقط شهيدا رضي الله عنه فيتولي القيادة القائد الثاني الذى عينه الرسول جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فيتكاثروا عليه أيضا حتي يسقط شهيدا بعد أن قطعت يداه فيتولي القيادة القائد الثالث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه والذى تلقى الراية وتقدم بها وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد وأخذ يشجع نفسه وقد رأى بعينيه إستشهاد صاحبيه ثم تقدم وهو يرتجز قائلا أقسمت يا نفس لتنزلنه طائعة أو لا لتكرهنه فطالما قد كنت مطمئنة ما لي أراك تكرهين الجنة هل أنت إلا نطفة في شنة قد أجلب الناس وشدوا الرنة وأتاه إبن عم له بعرق من لحم فقال شد بهذا صلبك فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت فأخذه من يده فإنتهس منه نهسة ثم ألقاه من يده وهو يقول يا نفس إن لا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد لقيت وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت وأخذ سيفه وتقدم فقاتل حتى سقط شهيدا رضي الله عنه وبعد إستشهاد القادة الثلاثة الذين عينهم النبي صلى الله عليه وسلم تصالح الناس علي تولية الصحابي خالد بن الوليد القيادة فأكمل اليوم التاسع وفي المساء جمع قادته وقال لهم إن هذه المعركة لا يمكن أن تحسم بنصر فعدونا أكثر منا عددا وعدة ولن يمكننا أن نظل متحصنين بقرية مؤتة وأن الحل هو الإنسحاب والعودة بسلامة الله إلي المدينة المنورة وإلي جولة أخرى بإذن الله ولكن علينا أن ننسحب إنسحابا منظما دون أن يتبعونا في الصحراء المكشوفة لأنهم إذا إتبعونا أبادونا ووافق القادة علي هذا الحل فبدأ خالد يضع خطة الإنسحاب حيث فكر في مكيدة حربية تلقي الرعب في قلوب الرومان بحيث ينجح في الإنحياز بالمسلمين من غير أن يقوم الغساسنة والرومان بحركات المطاردة فقد كان يعرف جيدا أن الإفلات منهم صعب جدا لو إنكشف المسلمون وقام الرومان والغساسنة بمطاردة جيش المسلمين اثناء إنسحابه .


وقام خالد بإبدال الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة والمقدمة مؤخرة والمؤخرة مقدمة وطلب من الجند تغيير ملابسهم وراياتهم كما قام بإنتخاب 300 فارس وطلب منهم العودة خلف صفوف الجيش بعد صلاة الفجر وأن يقسموا أنفسهم 6 مجموعات كل مجموعة 50 فارس وعليهم أن يثيروا الغبار خلف الجيش بحوافر خيولهم وأن يتصايحوا وتعلو أصواتهم ويكبروا ويهللوا وأن تنضم أول مجموعة إلي الجيش فيستقبلها الجيش بالترحيب والتكبير والتهليل تتلوها المجموعة الثانية فالثالثة وهكذا وذلك بهدف إيهام الغساسنة بقدوم مدد من المدينة المنورة كما أخبر خالد الجند أنه بإنضمام المجموعة السادسة إلي الجيش سيصيح قائلا يا عباد الله توكلوا علي الله فيهجم الجيش كله هجمة شرسة علي صفوف الغساسنة وفي اللحظة المناسبة وقبل أن يفيق الغساسنة من الصدمة سيصيح قائلا يا عباد الله عودوا وهنا تبدأ وحدات الجيش في الإنسحاب تباعا وبالفعل تم تنفيذ هذه الخطة بحذافيرها وأصاب الغساسنة الذهول من شراسة قتال المسلمين ويقول خالد بن الوليد رضي الله عنه عن هذا اليوم تكسرت في يدى يوم مؤنة تسعة أسياف فما بقي في يدى إلا صفيحة يمانية أى سيف من اليمن حيث كان رضي الله عنه مبارزا فذا من الطراز الأول ويستطيع أن يبارز بسيفين في وقت واحد بكلتا يديه وبنفس المقدرة والبراعة وهكذا وفي اللحظة المناسبة أطلق خالد صيحته الثانية يا عباد الله عودوا فبدأ الجيش في الإنسحاب فخشي الغساسنة أن يتبعوا الجيش وهو ينسحب خشية أن يكون هناك كمين قد نصبه خالد لجندهم في الصحراء المكشوفة وهكذا أخذ جيش المسلمين طريقه نحو المدينة المنورة وهكذا نجحت الخطة العبقرية لخالد بن الوليد نجاحا باهرا وجدير بالذكر أن خطة إنسحاب خالد بن الوليد بجيش المسلمين أصبحت بعد ذلك تدرس في الكليات والأكاديميات العسكرية حتى اليوم وكان الرسول صلي الله عليه وسلم في المدينة يشرح للمسلمين المعركة علي الهواء مباشرة ويقول عن ذلك إن الله قد رفع لي الأرض فرأيت معتركهم وأخبرهم عما حدث للقادة الثلاثة الذين عينهم ويخبر المسلمين بأنه يراهم الآن في الجنة ثم يسكت للحظة ثم يقول أخذ الراية سيف من سيوف الله يفتح الله علي يديه ومن الطريف أن بسطاء المسلمين كانوا غير متصورين أن ينسحب الجيش ويترك أرض المعركة غير مدركين أن هذا كان هو القرار الصائب والذى أنقذ به خالد بن الوليد جيش المسلمين من الدمار في ظروف غاية في الصعوبة خاصة بعد إستشهاد القادة الثلاثة الذين سبقوه وخرجوا لإستقبال الجيش العائد من مؤتة وأخذوا يقذفون الجند بالحجارة والطوب ويلقون بالتراب في وجوههم ويقولون يا فرار يا فرار فررتم من الزحف وبالطبع فقد نال القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه والذى إختاره القدر لقيادة جيش المسلمين بعد إستشهاد القادة الثلاثة الذين عينهم النبي صلى الله عليه وسلم النصيب الأكبر من إستهزاء وسخرية أهل المدينة فكان منهم من لا يحضر الصلاة لأَن الناس كانوا يصيحون بمن عاد من مؤتة كما أسلفنا يا فرار يا فرار فررتم من الزحف فعلى سبيل المثال فعن أم المؤمنين السيدة أم سلمةَ هند بنت أبي أمية رضي الله عنها أنها قالت لزوجة الصحابي سلمة بن هشام وكان إبن عمها وكان ممن شهدوا مؤتة ما لي لا أرى سلمةَ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت كلما خرج صاح به الناس هو ومن حضروا مؤتة يا فرار فلما علم الرسول بذلك نهاهم عن ذلك قائلا بل هم الكرار بإذن الله وإن خالد ليس بالفرار بل هو سيف من سيوف الله يفتح الله على يديه ومنذ ذلك اليوم سمي بسيف الله المسلول وكانت هذه المعركة بحق هي شهادة مبكرة من النبي صلي الله عليه وسلم علي مولد العبقرية العسكرية الفذة لهذا القائد العسكرى الفذ رضي الله عنه الذى عجزت النساء أن يلدن مثله خاصة وأنه قد تولي قيادة جيش المسلمين في أصعب الظروف وهو يرى أمامه القادة الثلاثة الذين سبقوه رضي الله عنهم يقتلون علي أيدى الغساسنة ومما يذكر أنه قد إستشهد من المسلمين في مؤتة عدد 12 شهيدا فقط منهم القادة الثلاثة الذين عينهم النبي صلى الله عليه وسلم أما الغساسنة والرومان فقد قتل منهم عدد 3350 رجل .


وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين 12 من شهر ربيع الأول عام 11 هجرية وبعد أن تولي الصحابي أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة ووقعت فتنة الردة كان للصحابي ثمامة بن آثال دور في حروب الردة وكان ممن إرتدوا عن الإسلام الكثير من قومه من أهل اليمامة وعلى رأسهم سيدا من ساداتهم وهو مسيلمة الكذاب إلا أنه وكان مقيما باليمامة أخذ ينهاهم عن إتباع مسيلمة وتصديقه ويقول لقومه إياكم وأمرا مظلما لا نور فيه وإنه لشقاء كتبه الله على من أخذ به منكم وبلاء من لم يأخذ به منكم يا بني حنيفة وقال أيضا لهم إن محمدا لا نبي معه ولا بعده كما أن الله تعالى لا شريك له في ألوهيته فلا شريك لمحمد في نبوته وأين قول مسيلمة يا ضفدع نقى نقى كم تنقين لا الماء تكدرين ولا الشرب تمنعين من قول الله تعالى الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم في سورة غافر حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ وكان مما قاله لهم أيضا دعانا إلى ترك الديانة والهدى مسيلمة الكذاب إذ جاء يسجع فيا عجبا من معشر قد تتابعوا له في سبيل الغي والغي أشنع فقالوا أوقح بمن يقول مثل ذلك مع مثل هذا فأطاعه نفر من قومه وأما من عصوه ورأى أنهم قد صمموا على إتباع مسيلمة الكذاب عزم على مفارقتهم وحدث أن مر الصحابي العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه ومن تبعه على جانب اليمامة وهو في طريقه لمواجهة أهل الردة في بلاد البحرين تنفيذا لتعليمات الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه حيث كان قد إرتد الكثير من أهل البحرين عن الإسلام وملكوا عليهم المنذر بن النعمان الغرور ثم إستطاع الصحابي والمحدث الجارود بن المعلى رضي الله عنه سيد بني عبد القيس أن يعيد جانبا من قومه إلى الإسلام فيما ثبت بنو بكر على ردتهم وحاصر المرتدون من بني عبد القيس ومن معهم من ربيعة قومهم ممن أسلموا كذلك فعل الحطم بن ضبيعة البكرى فيمن بقي على إسلامه ولم يرتد من بني بكر بن وائل وبقيت بلدة جواثا وهي تقع حاليا في محافظة الأحساء شرق المملكة العربية السعودية على الإسلام وكانت أول قرية أقامت الجمعة من أهل الردة فحاصرها المرتدون وضيقوا على أهلها ومنعوا عنهم الأقوات فجاعوا جوعا شديدا وقال الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه للعلاء رضي الله عنه عند خروجه من المدينة المنورة عليك بتقوى الله فخرج العلاء رضي الله عنه ومعه فرات بن حيان العجلي دليلا وكتب الخليفة أبو بكر كتابا للعلاء أن ينفر معه كل من مر به من المسلمين إلى عدوهم فلما بلغ ذلك ثمامة رضي الله عنه قال لأصحابه من مسلمي قومه الذين إستجابوا له إني والله ما أرى أن أقيم مع هؤلاء مع ما قد أحدثوا وإن الله تعالى لضاربهم ببلية لا يقومون بها ولا يقعدون وما نرى أن نتخلف عن هؤلاء وهم مسلمون وقد عرفنا الذى يريدون وقد مر جيش المسلمين قريبا ولا أرى إلا الخروج إليهم فمن أراد الخروج منكم فليخرج فخرج مع العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه ومعه من إستجابوا له من أهل اليمامة وسار ثمامة رضي الله عنه وصحبه برفقة العلاء رضي الله عنه حتى نزل بحصن جواثا فقاتل المرتدين فلم يفلت منهم أحد ثم أتى القطيف وحاليا هي مدينة كبيرة بشرق المملكة العربية السعودية وكان بها جمع من العجم فقاتلهم فأصاب منهم طرفا وفر الباقون أمامه وأرسل العلاء رضي الله عنه إلى الصحابي والمحدث الجارود بن المعلى رضي الله عنه سيد بني عبد القيس يأمره بالمسير بمسلمي قومه إلى الحطم بن ضبيعة وإجتمع الجارود رضي الله عنه بجيش العلاء رضي الله عنه في هجر وهي الأحساء حاليا وأقام المسلمون خندقا حول معسكرهم وكذلك فعل المرتدون وظل الفريقان يتناوشان لمدة شهر حتى جاء يوم سمع فيه المسلمون أصوات صخب وجلبة في معسكر المرتدين فقال العلاء رضي الله عنه هل من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء فقام الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه فدخل فيهم فوجدهم سكارى لا يعقلون من الشراب فرجع إليه وأخبره فركب العلاء رضي الله عنه من فوره والجيش معه فكبسوا أولئك على حين غرة فقتلوهم قتلا عظيما وقل من هرب منهم وتم الإستيلاء على جميع أموالهم وحواصلهم وأثقالهم فكانت الغنائم عظيمة جسيمة ثم ركب المسلمون في آثار المنهزمين الفارين يقتلونهم بكل مرصد وطريق وهزموهم شر هزيمة وقتل الصحابي الجليل قيس بن عاصم المنقرى التميمي رضي الله عنه الحطم بن ضبيعة قائدهم وفر معظم المرتدين إلى جزيرة دارين بالخليج العربي وهي تقع أيضا بمحاذاة ساحل مدينة القطيف بعد أن ركبوا إليها السفن .

وتتبع العلاء بن الحضرمي بجيشه من فر من المرتدين وقال إذهبوا بنا إلى دارين لنغزو من بها من الأعداء فأجابه جنده إلى ذلك سريعا فسار بهم حتى أتى ساحل البحر ليركبوا في السفن فرأى أن الشقة بعيدة لا يصلون إليها في السفن حتى يذهب أعداء الله فإقتحم البحر بفرسه وهو يقول يا أرحم الراحمين يا حكيم يا كريم يا أحد يا صمد يا حي يا محيي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت يا ربنا وأمر الجيش أن يقولوا ذلك وأن يقتحموا معه البحر ففعلوا ذلك فأجاز بهم الخليج بإذن الله تعالى يمشون على مثل رملة دمثة فوقها ماء لا يغمر أخفاف الإبل ولا يصل إلى ركب الخيل ومسيرته للسفن يوم وليلة فقطعه إلى الساحل الآخر فقاتل عدوه وقهره ثم رجع فقطعه إلى الجانب الآخر فعاد إلى موضعه الأول وذلك كله في يوم واحد ولم يترك من العدو مخبرا ولم يفقد المسلمون في البحر شيئا سوى عليقة فرس لرجل من المسلمين ومع هذا رجع العلاء فجاءه بها وهذا الأمر موثق في العديد من كتب التاريخ والحديث حيث قال ياقوت الحموى في كتابه معجم البلدان إن المسلمين إقتحموا إلى دارين البحر مع قائدهم العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه فأجازوا ذلك الخليج بإذن الله جميعا يمشون على مثل رملة ميثاء فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل وإن ما بين دارين والساحل مسيرة يوم وليلة لسفر البحر في بعض الحالات فإلتقوا وقتلوا وسبوا فبلغ منهم الفارس ستة آلاف والراجل ألفين وقال في ذلك عفيف بن المنذر ألم تر أن الله ذلل بحره وأنزل بالكفار إحدى الجلائل دعونا الذى شق البحار فجاءنا بأعجب من فلق البحار الأوائل وبذلك إستطاع العلاء بن الحضرمي أن يقضي على الردة في مناطق شرق شبه الجزيرة العربية والبحرين ومما يذكر في هذا الصدد أنه كان مع المسلمين رجل من أهل هجر فأسلم حينئذ فقيل له ما دعاك إلى دين الإسلام فقال خشيت إن لم أفعل أن يمسخني الله لما شاهدت من الآيات وقد سمعت في الهواء قبل السحر دعاء اللهم أنت الرحمن الرحيم لا إله إلا أنت ولا إله غيرك والبديع الذي ليس قبلك شئ والدائم غير الغافل والذى لا يموت وخالق ما يرى وما لا يرى وكل يوم أنت في شأن وعلمت اللهم كل شئ علما فعلمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة إلا وهم على أمر الله فحسن إسلامه وكان الصحابة يسمعون منه وقال أيضا الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه عن إجتياز العلاء البحر رأيت من العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه ثلاثة أشياء لا أزال أحبه أبدا رأيته قطع البحر على فرسه يوم دارين وقدم من المدينة المنورة يريد البحرين فلما كان بموضع في الصحراء يقال له الدهناء نفدَ ماؤهم فدعا الله تعالى لهم فنبع لهم من تحت رملة فإرتووا وإرتحلوا وأنسي رجل منهم بعض متاعه فرجع فأخذه ولم يجد الماء وخرجت معه من البحرين إلى صف البصرة فلما كنا بموضع يقال له لياس مات ونحن على غير ماء فأبدى الله لنا سحابة فمطرنا فغسلناه وحفرنا له بسيوفنا ولم نلحد له ودفناه ومضينا فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دفناه ولم نلحد له فرجعنا لنلحد له فلم نجد موضع قبره وبعد إنتهاء فتنة الردة في بلاد البحرين واثناء عودة الصحابي ثمامة بن آثال رضي الله عنه ديار قومه باليمامة في أوائل عام 12 هجرية كان لابسا حلة الحطم بن ضبيعة الذى قتله الصحابي الجليل قيس بن عاصم المنقرى التميمي رضي الله عنه كما أسلفنا وظن أصحاب الحطم من قبيلة بني قيس بن ثعلبة أن ثمامة بن آثال رضي الله عنه هو من قتله حيث كان إشتراها من قيس بن عاصم رضي الله عنه فقتلوه ثأرا وإنتقاما لمقتل الحطم فنحتسبه من الشهداء رضي الله عنه وأرضاه ومع قصر المدة التي قضاها هذا الصحابي الجليل ثمامة بن آثال في الإسلام والتي بلغت حوالي 6 سنوات فقط إلا أنها كانت حافلة بنصرة الإسلام والدفاع عنه والدعوة إلى الدين الحق والجهاد في سبيل الله ومحاربة أعداء الإسلام أينما وجدوا رحمه الله رحمة واسعة وأدخله الجنة مع النبيين والصديقين والصالحين وإخوانه من الشهداء وجزاه عنا وعن الإسلام خير الجزاء .
 
 
الصور :