الأحد, 28 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

سهيل بن عمرو العامرى

سهيل بن عمرو العامرى
عدد : 12-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"

سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى بن غالب بن فهر المكنى بقريش بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن نبي الله إسماعيل عليه السلام بن نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام العامرى القرشي الكناني رضي الله عنه صحابي جليل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يلتقي معه في الجد الثامن لؤى بن غالب وهو ينتمي إلى بني عامر بن لؤى أحد أشرف بطون قريش وكان هو سيدها وأحد سادات ووجهاء مكة وخطيبها المفوه وكان من أعلام بني عامر بن لؤى بخلاف الصحابي سهيل بن عمرو رضي الله عنه السيدة أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها وزوجها الأول الصحابي السكران بن عمرو رضي الله عنه والصحابة الكرام وعبد الله بن أم مكتوم الذى كان يتبادل رفع الآذان وإقامة الصلاة مع بلال بن رباح وعبد الله وأبو جندل إبنا سهيل بن عمرو والسيدة سهلة بنت سهيل بن عمرو زوجة الصحابي الجليل شهيد معركة اليمامة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة رضي الله عنهم جميعا وكان ميلاد الصحابي الجليل سهيل بن عمرو قبل عام الفيل على الأرجح بخمسة عشر عاما بمكة المكرمة وليس لدينا معلومات كافية عن حياته قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه كما ذكرنا كان من كبراء مكة وإشتهر بعقله الراجح وفصاحة لسانه وحسن خطابه وبحكمته في تصريف الأمور وبجوده وسماحته ومع بداية الدعوة إلى الإسلام لم يتجاوب معها وعاداها ووقف ضدها بقوة منذ اليوم الأول لها مثله مثل أغلب كبار وسادات وزعماء مكة المكرمة مثل عتبة بن ربيعة وأبي سفيان بن حرب الأموى والوليد بن المغيرة المخزومي وأمية بن خلف الجمحي وعمرو بن هشام المعروف بإسم أبي جهل والذين عادوا الإسلام ورسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وماتوا على الكفر فيما عدا أبي سفيان بن حرب الذى أسلم يوم فتح مكة في شهر رمضان عام 8 هجرية وكان سهيل بن عمرو نظرا لما يتمتع به من فصاحة اللسان وحسن الخطاب فكان يحمس المشركين على إيذاء ومعاداة المسلمين وعلى العكس من أبيه أسلم إبنه عبد الله بن سهيل بن عمرو رضي الله عنه قديما في مكة ولما إشتد إيذاء مشركي مكة للمسلمين هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ثم عاد إلي مكة فحبسه أبوه وأوثقه عنده ودفعه إلى ترك دينه فأظهر الرجوع وبعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وإستقر بها ومرت الأيام وجاءت غزوة بدر في شهر رمضان عام 2 هجرية وكانت قريش قد جمعت جموعها للقتال في هذه الغزوة وقام سهيل بن عمرو بمكة وحض على النفير وعلى قتال المسلمين وقال يا معشر قريش أتاركون أنتم محمدا والصباة يأخذون عيركم من أراد مالا فهذا مال ومن أراد قوة فهذه قوة وخرج عبد الله رضي الله عنه مع أبيه إلى بدر فلما إلتقى الجمعان تحول إلى المسلمين وقاتل معهم فعد من البدريين وأقام في المدينة المنورة وحدث في هذه الغزوة أن وقع أبوه سهيل بن عمرو في الأسر وهو يقاتل في صفوف مشركي قريش وأراد الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ينزع ثنيتى سهيل بن عمرو أى أسنانه الأمامية حتى يمنعه من الخطابة وقال للنبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يقوم عليك خطيبا وينال منك ومن المسلمين لكن الرسول صلى الله عليه وسلم رفض أن يمثل به وقال لعمر لعله يقوم مقاما لا تكرهه وتحمده عليه وإفتدى سهيل نفسه بالمال وعاد إلى مكة وظل على عناده ومعاداته للإسلام والمسلمين فلم يكن الله قد شرح صدره للإسلام بعد .


وقد شهد عبد الله بن سهيل بن عمرو رضي الله عنه في شهر شوال عام 3 هجرية غزوة أحد وفي شهر شوال عام 5 هجرية غزوة الخندق أو الأحزاب ثم غزوة بني قريظة في شهر ذى القعدة عام 5 هجرية وفي العام التالي وفي شهر ذى القعدة عام 6 هجرية كان عبد الله رضي الله عنه ضمن من خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم قاصدين مكة لأداء العمرة وكان عددهم 1400 من الصحابة غير النساء والأطفال وصحب النبي صلى الله عليه وسلم معه زوجته أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها وجاءتهم وهم في موضع يقال له عسفان يقع بين مكة والمدينة أخبار إستعدادات قريش لصد ومنع المسلمين من دخول مكة فإستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأشار عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالتوجه إلى مكة لأداء العمرة والطواف بالبيت وقال فمن صدنا عنه قاتلناه فقال صلى الله عليه وسلم إمضوا على إسم الله وصلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه في عسفان صلاة الخوف ثم سلك بهم طريقا وعرة متجنبا الإصطدام بخالد بن الوليد وكان لا زال على الشرك حيث كان قد خرج من مكة بفرقة من الجنود ليمنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخولها فمضى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه بإتجاه مكة حتى إذا إقتربوا من الحديبية بركت ناقته القصواء فقال الصحابة خلأت القصواء أى إمتنعت عن المشي فقال صلى الله عليه وسلم ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل فالله لايريد قتالا في البلد الحرام ثم قال صلى الله عليه وسلم والذى نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ولما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديبية أرسل الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه لقريش لكي يتفاهم معهم ويخبرهم أنهم ما جاءوا لقتال وإنما لزيارة البيت ولأداء العمرة وسرت إشاعة بأنه قد قتل فكانت بيعة الرضوان التي بايع فيها الصحابة الذين كانوا قد خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم آنذاك من المدينة بايعوه على الموت والثأر لمقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ولكن تبين بعد ذلك عدم صحة هذه الإشاعة وبدأت قريش تتفاوض مع النبي صلى الله عليه وسلم وإنتهى الأمر بتوقيع صلح الحديبية بين الطرفين والذى كان من شروطه عودة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة المنورة على أن يفدوا لأداء العمرة في العام المقبل وسوف تخلي قريش لهم مكة لمدة 3 أيام يؤدون خلالها مناسك العمرة وأن تتوقف الحرب بين الطرفين لمدة 10 سنوات وكان من فاوض النبي صلى الله عليه وسلم ووقع معه هذا الصلح هو سهيل بن عمرو العامرى .


وقد بدات المفاوضات بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش بأن أرسلت قريش للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي في رجال من قبيلة خزاعة فكلموه وسألوه ما الذى جاء به فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا وإنما جاء زائرا البيت ومعظما لحرمته فرجعوا إلى قريش فقالوا يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد إن محمدا لم يأت لقتال وإنما جاء زائرا هذا البيت فقالوا لهم وإن كان جاء ولا يريد قتالا فوالله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ولا تحدث بذلك عنا العرب ومما يذكر أن قبيلة خزاعة كانت عينا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئا كان يحدث بمكة وبعد ذلك بعثت قريش للنبي مكرز بن حفص بن الأخيف العامرى القرشي فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا رجل غادر فلما إنتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكلمه قال له النبي صلى الله عليه وسلم نحوا مما قال لبديل بن ورقاء وأصحابه فعاد إلى قريش فأخبرهم بما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعثت قريش حليفهم الحليس بن علقمة الكناني وكان يومئذ سيد الأحابيش وهو من بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ليفاوض النبي محمد فلما رآه النبي قال إن هذا من قوم يتألهون وإنه رجل يعظم شعائر الله فإبعثوا الهدى في وجهه حتى يراه فلما رآى الهدى عاد إلى قريش ولم يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأى فأخبرهم بما رأى فقالوا له إجلس فإنما أنت أعرابي لا علمَ لك فغضب منهم وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم أيصد عن بيت الله من جاء معظما له والذى نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد فقالوا له مه كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به وقامت قريش بعد ذلك بإرسال سيد قبيلة ثقيف عروة بن مسعود الثقفي إلى المسلمين وكان رجل ثقة في قريش كما في بلده الطائف فطفق عروة وهو يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس لحيته وكانت هذه عادة عند العرب عندما يتحدث شخصان مع بعضهما وكان المغيرة بن شعبة في ذلك اليوم قائما على حراسة النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف وهو مقنع بالحديد فكان كلما مس عروة لحية الرسول صلى الله عليه وسلم قرع يده بجراب السيف فلما تكرر منه ذلك أكثر من مرة ضربه المغيرة ضربة قوية على يده فأوجعته وقال له كف يدك عن مس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ألا تعود إليك قاصدا أنه لو مس لحية النبي صلى الله عليه وسلم مرة اخرى فإنه سيقوم بقطع يده فغضب عروة وقال ليت شعرى من هذا يا محمد من هذا الذى أرى من بين أصحابك فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم هذا إبن أخيك المغيرة بن شعبة فقال أى غدر والله ما غسلت عنك غدرتك إلا بالأمس لقد أورثتنا العداوة من ثقيف إلى آخر الدهر أتدرى يا محمد ما صنع هذا لقد خرج في ركب من قومه فلما ناموا وثب عليهم وقتلهم وأخذ حرائبهم وكل ما معهم وفر منهم وحملت أنا الدية عن من قتلهم وتكلم عروة مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد إلى أصحابه وقال لهم يا قوم إني قد وفدت عَلَى الملوك كسرى وهرقل والنجاشي وإنى والله ما رأيت ملكا قط أطوع فيمن هو بين ظهرانيه من محمد في أصحابه والله ما يشدون إليه النظر وما يرفعون عنده الصوت وما يكفيه إلا أن يشير إلى أمر فيفعلون وما يتنخم وما يبصق إلا وقعت في يدى رجل منهم يمسح بها جلده وما يتوضأ إلا إزدحموا عليه أيهم يظفر منه بشئ وقد حزرت القوم وإعلموا أنكم إن أردتم السيف بذلوه لكم وقد رأيت قوما ما يبالون ما يصنع بهم إذا منعوا صاحبهم ودافعوا عنه حتى يقتلوا دونه ولم يكونوا ليسلمنه أبدا فترووا في رأيكم وإياكم وإضجاع الرأى وقد عرض عليكم خطة فمادوه ويا قوم إقبلوا ما عرض عليكم فإني لكم ناصح وإني أخاف ألا تنتصروا عليه إنه رجل أتى هذا البيت معظما له ومعه الهدى ينحره وينصرف فقالت قريش لا تتكلم بهذا لو غيرك تكلم بهذا للمناه ولكن نرده عن البيت في عامنا هذا وليرجع في العام المقبل .


وعند هذا الحد أسرعت قريش بإرسال سهيل بن عمرو لعقد الصلح مع المسلمين فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال قد سهل الله لكم أمركم فقد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل فتكلم وتناقش سهيل طويلا مع النبي صلى الله عليه وسلم وحاول سهيل أن يكسب لقريش الكثير ومما شجعه على ذلك التسامح النبيل والمجيد الذى كان الرسول عليه الصلاة والسلام يديره في التفاوض والصلح وفي النهاية إتفقا على شروط الصلح وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يملي شروط الصلح وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يكتب فأملاه النبي صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فوالله لا ندرى ما هو ولكن إكتب بإسمك اللهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فكتبها كذلك ثم أملى صلى الله عليه وسلم عليا هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقال سهيل لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن إكتب محمد بن عبد الله فوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والله إني لرسول الله وإن كذبتموني إكتب يا علي محمد بن عبد الله وكان من شروط هذا الصلح أن تكون هناك هدنة بين الطرفين لمدة عشر سنوات وأن يعود المسلمون إلى المدينة هذا العام فلا يقضوا العمرة إلا العام القادم وأن يرد محمد صلى الله عليه وسلم من يأتي إليه من قريش مسلما دون علم أهله وألا ترد قريش من يأتيها مرتدا وأن من أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه ومن أراد أن يدخل في عهد محمد صلى الله عليه وسلم من غير قريش دخل فيه وبينما هم كذلك إذ دخل عليهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو في قيوده وألقى بنفسه بين المسلمين وكان قد أسلم لتوه فقال سهيل بن عمرو هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي فأعاده النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين فقال أبو جندل يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنونني في ديني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنا عقدنا بيننا وبين القوم عهدا وإنا لا نغدر بهم ثم طمأنه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا يا أبا جندل إصبر وإحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجا ومخرجا ثم إنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدا المدينة المنورة وقد تمكن أبو جندل بعد ذلك من الهرب من مكة ولكنه لم يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة حتى لا يلقى على المسلمين اللوم بخرق شروط صلح الحديبية ولحق بالصحابي أبي بصير عتبة بن أسيد وقيل عبيد وكان ممن أسلموا في مكة خرج إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بعد صلح الحديبية فأرسلت قريش في طلبه رجلين يردانه وذلك بمقتضى بنود صلح الحديبية فرده النبي صلى الله عليه وسلم معهما وأوصاه بالصبر وفي الطريق قتل أبو بصير رضي الله عنه أحد الرجلين وهرب الآخر للمدينة المنورة ليلحقه أبو بصير إلى النبي صلى الله عليه وسلم موضحا له أنه قد وفى ذمته ورده إليهم وأن الله قد أنجاه منهم وإنطلق بعدها إلى منطقة قرب المدينة على ساحل البحر تسمى العيص وهناك إلتحق به رجال ممن حال الصلح في خروجهم للنبي صلى الله عليه وسلم حالهم كحال أبي بصير والذين كان منهم أبو جندل بن سهيل رضي الله عنه وإنضم كذلك آخرون إليهما فإجتمعت منهم عصابة فكانوا يعترضون رجال قريش وقوافلهم فيقتلونهم ويأخذون أموالهم مما دفع قريش إلى أن تطلب من النبي صلى الله عليه وسلم إلغاء شرط عودة من يأتي المدينة مسلما من قريش وقد وافق الرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية على شروط بدا للبعض أن فيها إجحافا وذلا للمسلمين ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذى قال للنبي صلى الله عليه وسلم ألسنا على الحق وعدونا على الباطل فقال صلى الله عليه وسلم بلى فقال فلم نعطى الدنية في ديننا إذن لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مدركا وموقنا أن هذا الصلح سيكون فاتحة خير وبركة على المسلمين . وبعد إنقضاء العام وفي شهر ذى القعدة عام 7 هجرية خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألفين من أصحابه بخلاف النساء والصبيان وهم بملابس الإحرام وحمل معه سلاحا كثيفا وأخذ عدة حرب كبيرة تحسـبا لأى خيانة من قريش وبعد أن وصل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى ذى الحليفة وهي ميقات أهل المدينة قدم النبي الخيل أمامه وهي 200 فرس وجعل محمد بن مسلمة رضي الله عنه قائدهم ولكنه كان ينوى دخول مكة لأداء العمرة كما إتفق مع أهلها في العام المنصرم طبقا لشروط صلح الحديبية بسلاح المسافر فقط ورأت عيون قريش الأسلحة فَفزعت وأرسلت وفدا ليستوضحوا حقيقة الأمر فقابلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطن يأجج بمنطقة مر الظهران على مقربة من مكة المكرمة فقالوا له يا محمد والله ما عرفناك صغيرا ولا كبيرا بالغدر تدخل بالسلاح الحرم على قومك وقد شرطتَ ألا تدخل إلا على العهد وأنه لن يدخل الحرم غير السيوف في أغمادها ونلاحظ هنا أن قريش كانت قد وصلت إلى حالة من الضعف لا تستطيع فيها أن تواجه قوة المسلمين فكان هذا الفزع من القوة الإسلامية وكان من الممكن أن يستغل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الفزع والهزيمة النفسية وكان من الممكن أن يستغل إقترابه من مكة إلى هذه الدرجة وهو في ألفين من رجاله مدججين بالسلاح كان من الممكن أن يستغل ذلك كله في غزو مكة بحجة إسترداد الحقوق أو بحجة المعاملة بالمثل جزاء حصار الكفار للمدينة في غزوة الأحزاب كان من الممكن كل ذلك لو كان القائد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان الشرع الحاكم غير الإسلام حيث أن المسلمين عند عهودهم مهما كانت الظروف ولذلك أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثقة لا ندخلها إِلا كذلك وسمع وفد قريش الكلمة وطار مسرعا إلى مكة يقول لأهلها إن محمدا لا يدخل بسلاح وهو على الشرط الذى شرط لكم ولقد قال الوفد هذه الكلمات وهو على يقين من تحققها وما دام قد قال النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك أنه صادق وسيفي بالعهد ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح خارج مكة وترك معه الصحابي محمد بن مسلمة رضي الله عنه في مائتي فارس لحمايته ودخل هو وبقية الصحابة الكرام لأداء مناسك العمرة بالسيوف في أغمادها كما وعد وبعد ان أدوا المناسك أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم مائتين من الصحابة لمحمد بن مسلمة رضي الله عنه لكي يتسلموا منه السلاح ويدخل هو ورفاقه مكة لأداء مناسك العمرة وكان الإتفاق على أن تخلى قريش مكة بكاملها للمسلمين مدة ثلاثة أيام كاملة لأداء مناسك العمرة وقد تم ذلك وتم أداء مناسك العمرة المباركة وفقا لما أقرته الشريعة الإسلامية كما علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم وهو القائل خذوا عني مناسككم وإرتاحت قلوب المسلمين برؤية الكعبة المشرفة والطواف حولها وبالسعي بين الصفا والمروة ومرت الأيام الثلاثة بسرعة وفي آخرها تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر زوجاته رضي الله عنهن جميعا السيدة أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث العامرية الهلالية رضي الله عنها وكانت شقيقة أُم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب بن هاشم رضي الله عنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت السيدة ميمونة رضي الله عنها قد جعلت أمرها إلى أختها أم الفضل فجعلت أم الفضل أمرها إلى العباس والذى زوجها من النبي صلى الله عليه وسلم وبعد إنتهاء الأيام الثلاثة المحددة للعمرة جاء سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى موفدين من قبل قريش لحث الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه على الخروج فقالوا له بغلظة إنه قد إنقضى أجلك فإخرج عنا فأراد صلى الله عليه وسلم أن يتلطف معهم بالرغم من جفائهم فقال لهم وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعت لكم طعاما فحضرتموه وقد أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون طبيعيا تماما في تعامله معهم بل أراد أن يكون ودودا كريما مضيافا يدعوهم إلى طعامه وشرابه وإحتفاله بعرسه متناسيا تماما تاريخهم الأسود معه أراد النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك وأرادوا هم غير ذلك وردوا عليه في جفاء الأعراب قائلين لا حاجة لنا في طعامك فإخرج عنا ورغم هذه المعاملة الجافة ورغم قوة المسلمين وضعف الكافرين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إحترم عهده وميثاقه وخرج دون مماطلة وإنطلق دون تباطؤ هو والمسلمون عائدين إلى المدينة المنورة .


ومرت الأيام سريعا وجاء يوم فتح مكة المكرمة في شهر رمضان عام 8 هجرية بعد أن نقضت قريش صلح الحديبية بعدما إعتدت قبيلة بكر حليفة قريش على قبيلة خزاعة حليفة المسلمين في أرض الحرم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يريد دخول مكة بلا قتال وكان قد وجه قسما من جيشه تحت قيادة الصحابي خالد بن الوليد رضي الله عنه لدخول مكة من أسفلها من موضع يسمى الخندمة فواجهت فرقة خالد فرقة من المشركين كانت بقيادة صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو فحذرهم خالد رضي الله عنه من التعرض لفرقته وناشد سهيل بن عمرو بألا يساير صفوان وعكرمة وهو الرجل الحكيم العاقل بينما هما شخصان أحمقان فلم يستجب وما هي إلا لحظات قصيرة من الصدام حتى إنهزم جيش المشركين وفر أفراده مرعوبين وعلى رأسهم قادتهم الثلاثة وخاف سهيل بن عمرو على نفسه وأسرع إلى داره ودخلها وأغلق بابه عليه وخشي على نفسه أن يقتل فأرسل إلى إبنه عبد الله بن سهيل رضي الله عنه ليستأمن له من النبي محمد صلى الله عليه وسلم فأمنه وفتحت مكة جميع أبوابها ووقف المشركون في ذهول ترى ماذا سيكون اليوم مصيرهم وهم الذين أعملوا بأسهم في المسلمين من قبل قتلا وحرقا وتعذيبا وتجويعا ولم يشأ الرسول الرحيم الكريم أن يتركهم طويلا تحت وطأة هذه المشاعر المذلة المنهكة فإستقبل وجوههم في تسامح وأناة وقال لهم ونبرات صوته الرحيم تقطر حنانا ورفقا يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم هنالك تقدم خصم الإسلام بالأمس سهيل بن عمرو وقال مجيبا نظن خيرا أخ كريم وإبن أخ كريم وتألقت إبتسامة من نور على شفتي حبيب الله وناداهم إذهبوا فأنتم الطلقاء ولم تكن هذه الكلمات من الرسول المنتصر لتدع إنسانا حيّ المشاعر الا أحالته ذوبا من طاعة وخجل بل وندم وفي نفس اللحظة إستجاش هذا الموقف الممتلئ نبلا وعظمة كل مشاعر سهيل بن عمرو فكان أن شرح الله صدره للإسلام فأسلم لله رب العالمين يومها وحسن إسلامه وبعد أن ذاق حلاوة الايمان أخذ على نفسه عهدا لخصه في هذه الكلمات والله لا أدع موقفا وقفته مع المشركين إلا وقفت مع المسلمين مثله ولا نفقة أنفقتها مع المشركين إلا أنفقت مع المسلمين مثلها لعل أمرى أن يتلو بعضه بعضا وكان أول موقف له مع المسلمين أن خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شوال عام 8 هجرية بعد ايام قليلة من فتح مكة لمواجهة قبائل هوازن وثقيف في حنين قرب مكة والتي إنتصر فيها المسلمون إنتصارا ساحقا وغنموا غنائم عظيمة ثم شارك سهيل رضي الله عنه في حصار الطائف في شهر ذى القعدة عام 8 هجرية وأعطاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل من الغنائم في المؤلفة قلوبهم وقد أقبل سهيل بن عمرو رضي الله عنه من يوم أن أسلم على العبادة فأكثر من الصلاة والصوم والصدقة وتعلم القرآن الكريم وحفظه ويقال إنه أكثر من الصلاة والصيام والتهجد والصدقات وكافة أنواع العبادة حتى شحب لونه وتغير وكان كثير البكاء إذا سمع القرآن الكريم .


وبعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين 12 من شهر ربيع الأول عام 11 هجرية ومع تولي أبي بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة إضطربت شبه الجزيرة العربية وعمّت الفوضى أرجائها وإرتدت الكثير من القبائل عن دين الإسلام ولم تكن مكة بمنأى عن ذلك حيث حاول البعض إستغلال الموقف والإنفصال عن سلطة المسلمين في المدينة المنورة حتى أن عتاب بن أسيد والي النبي محمد صلى الله عليه وسلم على مكة إختفى خوفا على حياته فما كان من سهيل بن عمرو رضي الله عنه إلا أن قام فخطب في أهل مكة خطبة بليغة يشبه محتواها محتوى خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه التي ألقاها على المسلمين بالمدينة يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال سهيل يا معشر قريش كنتم آخر من أسلم من القبائل فلا تكونوا أول من إرتد وكان لتلك الخطبة البليغة وهذه الكلمات أثرها الكبير في تثبيت قريش على الإسلام وفي درأ الفتنة التي كادت أن تقتلع إيمان بعض الناس بمكة حين بلغهم نبأ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وعاد عتاب بن أسيد إلى ولايتها وفي هذا اليوم أكثر من سواه تألقت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم يقل لعمر يوم إستأذنه في نزع ثنيتي سهيل بن عمرو أثناء أسره ببدر دعها فلعلها تسرك يوما ففي هذا اليوم وحين بلغ المسلمين بالمدينة موقف سهيل بن عمرو رضي الله عنه بمكة وخطابه الباهر الذي ثبت الإيمان في الأفئدة تذكر عمر بن الخطاب نبوءة الرسول وضحك طويلا إذ جاء اليوم الذى إنتفع فيه الإسلام بثنيتي سهيل اللتين كان عمر يريد تهشيمهما وإقتلاعهما ومع بداية الفتوحات في بلاد الشام في عهد الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومن بعده الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج سهيل بن عمرو رضي الله عنه بأهله جميعهم إلا إبنته هند للمشاركة في الفتح الإسلامي لبلاد الشام وكان يوم معركة اليرموك في شهر رجب عام 13 هجرية في بداية عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائدا لأحد كتائب المسلمين في نلك المعركة ولم يزل رضي الله عنه بالشام يؤدى واجب الجهاد في سبيل الله ومع أنه كان يحب وطنه مكة حبا ينسيه نفسه إلا أنه أبى أن يعود اليها بعد مع توالي معارك فتوحات الشام وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مقام أحدكم في سبيل الله ساعة خير له من عمله طوال عمره وإني لمرابط في سبيل الله حتى أموت ولن أعود الى مكة وبالفعل فقد بر بقسمه وظل مرابطا ببلاد الشام حتي جاء موعد رحيله فطارت روحه مسرعة الى رحمة من الله ورضوان حيث توفي في طاعون عمواس الذى ضرب بلاد الشام في عام 18 هجرية رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجزاه عنا وعن الإسلام خير الجزاء وهكذا كانت سيرة المشرك اللدود الذى تحول الى مؤمن أواب لا تكف عيناه من البكاء من خشية الله فكان من أولئك الطلقاء الذين تجاوزوا هذا الخط بإخلاصهم الوثيق وسموا الى آفاق بعيدة من التضحية والعبادة والطهر وضعتهم في الصفوف الأولى بين أصحاب النبي الأبرار وتحول واحد من كبار زعماء قريش وقادة جيوشها الى مقاتل صلب في سبيل نصرة الاسلام مقاتل عاهد نفسه أن يظل في رباط وجهاد في سبيل الله حتى يدركه الموت وهو على ذلك الحال عسى الله أن يعفو عنه ويغفر له ما تقدم من ذنوبه أيام شركه .
 
 
الصور :