السبت , 7 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تباشير الرحيل

تباشير الرحيل
عدد : 05-2013
بقلم الأديب / عبد الرازق الشاعر
Shaer129@me.com

لقد تحولت الأرض في أعوامها الأخيرة إلى كرة من اللهب تضيق بساكنيها شيئا فشيئا، مع تسارع مضطرد في معدلات العنف والجريمة، حتى يظن المتابع للأحداث أن الأرض على وشك أن تضع أوزارها وتتخلص من حملنا دفعة واحدة بحرب كونية وشيكة لتختم تاريخنا البائس فوق ترابها المعجون بالدموع والدماء غير آسية على من تبقى منا. كم كنا أغبياء - معشر الإنس - حين قبلنا أن نحمل الأمانة سفاهة وظلما وجهالة، فملأنا الأرض جورا وظلما ورذيلة بدلا من عمارتها، وتحولنا من دعاة عاملين إلى قناصة مأجورين، نطارد أشباحنا في السديم، ونسفك دماءنا فوق كل الطرقات التي عبَّدها الله لنا لنضرب في الأرض ونبتغي من فضله.

كانت الملائكة تعلم أن في جيناتنا البشرية ما يحملنا على الظلم وسفك الدماء، ولم تر حكمة من وراء خلقنا وخلافتنا على أرض كانت تعرف يقينا أننا سنملؤها جورا وظلما لكنها كمثلنا لم تدرك الحكمة الإلهية من وراء خلافتنا الفاسدة الدامية. اليوم، تفسر الأحداث المتتابعة تخوف الملائكة من دمويتنا المفرطة، بعدما لم تترك أنهار الدماء في ربوع كوكبنا المتهالك دربا إلا سلكته ولا وعيا إلا طمسته.

ولأننا لا نصبر على طاعة، كانت بعثة محمد عليه الصلاة والسلام إيذانا بقرب الخاتمة. فسرعان ما عادت طبيعتنا القاهرة للتغلب على نوازع التعقل والحكمة بعد رحيله، فتحولت البشرية الضالة إلى قطعان من الذئاب الهائمة في شعاب الحياة تبحث عن قنص. حتى الدعاة الذين ترك فيهم النبي ما إن بينوه للناس هدوهم إلى صراط العزيز الحميد، زاغوا واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير كأتباع موسى الذين فضلوا الثوم والبصل على المن والسلوى.

اليوم، وبعد أن توحشت غريزتنا الدموية، وتحولت الدماء على شاشاتنا وفوق كل الطرقات إلى طقوس يومية تذيعها نشراتنا الإخبارية فتشنف بها الآذان وتزداد الهمة والحمية. اليوم، وبعد أن خفت فينا صوت العقل والحكمة حتى لا يكاد يسمع، أرانا نقترب رويدا رويدا من نهاية نستعجلها بحماقاتنا كل حين وآن. لم يعد هناك مهرب إذن من مصيرنا المحتوم، وليس هناك مفر من خاتمة حزينة تذيل خلافتنا المرهقة.

كان الأمل معقودا بنواصي الدعاة إلى الله كي يوقفوا زحفنا المحزن نحو الهاوية أو يعطلوه قليلا. كنا نحمل في صدورنا كثيرا من الأمل في قدرتهم على كبح جماح شهوة التدمير الذاتية في خلايانا المؤتمتة، لكنهم خذلونا وتحولوا إلى رؤوس حراب وراجمات عنف. الخاتمة قريبة إذن أيها الجنس البائس التعس، وقريبا تخرج الشمس من مغربها لتؤذن برحيل أبدي عن سلطة لم نحسن استغلالها فوق أرض تعج بخيرات لم نجن ثمارها تقاعسا، ولم نوزع فيوأها طمعا.

قريبا تنتهي خلافتنا على كوكب سقطنا فوقه ذات معصية، لنغادره بكل أسف عاصين سفاحين. لن ننتظر علامات كبرى لندرك أننا إلى زوال بعد أن تحكمت فينا نوازع القتل حتى صار الرجل فينا يقتل لا يدري فيم قُتِل، ويرفع الرجل سلاحه على أخيه وجاره والصحب بالجنب وابن السبيل. لم يعد بيننا وبين النهاية غير ضغطة عابثة ونعلم يقينا أن الأصابع التي تمتد نحو زرها كثيرة لا تحصى.

لم يصبر ابن آدم الأول طويلا، فمضى يبحث عن تراب يوارى دمويته منذ أن سقط على أرض الغواية دون مران، فصار الغراب معلم البشرية الأول، وظل الناس يستنون بسنة قابيل في القتل والدفن حتى عهد قريب. أما اليوم، فقد أطلق ابن آدم الأخير يديه ليعيث في الأرض فسادا فيقتل ويحرق ويدمر، دون أن يكترث بالبحث عن كوة يواري فيها سوءة من قٌتل، لأن ماراثون الذبح صار قاب قوسين أو أدنى من إسدال الستار بعد أن أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن سكانها التافهون أنهم قادرون عليها. لكننا يا رب نبرأ إليك من كل من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض. ونبرأ إليك من كل من تلوثت يداه بدماء هابيلية مقدسة. نبرأ إليك ممن يوقظ الفتن ويزرع الحقد ويسعى في الأرض فسادا، ونشهدك يا ربنا أننا لا نحب الفساد. ونبرأ إليك ممن استباح أعناق الرجال وخصور النساء بغير حق، ونبرأ إليك ممن أفسدوا في الأرض وادعوا أنهم مصلحون، ومن كل من أضل الناس على علم مدعيا أنه يهديهم سواء الصراط نبرأ إليك. فإن أردت اليوم بعبادك فتنة، فاقبضنا اللهم على وعي غير مفتونين.