الأحد, 15 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

حشود الكراهية

حشود الكراهية
عدد : 06-2013
بقلم الأديب /عبد الرازق أحمد الشاعر

Shaer129@me.com

حين تسير محاصرا بين سدين، وتجد الطريق أمامك متعرجا ملتويا يزداد ضيقا كلما هممت بالتقدم نحو أي أفق، وتشعر أنك لا تستطيع أن تدير أحد صدغيك ذات اليمين أو ذات اليسار، وأنك مراقب من عل، وممنوع من التصرف في أنفاسك وأفكارك ودقات قلبك ولون أحبارك، فاعلم أنك مقبل على شفير حرب غير معلنة وغير مقدسة، وأنك أحد سجناء الفكر في بلاد تضيق بالرأي الآخر كما كانت تضيق ذات حرية بمستعمريها.

ما أصعب أن تضطر إلى قبض أنفاسك ونبضات قلمك وشذرات فكرك لأنك ملاحق حد المهانة من كتائب منظمة من الذين لا يرون إلا ما يرى رؤساء أحزابهم وكهنة تنظيماتهم غير المعلنة. فإن ذكرتهم بخير، انهالوا عليك تقريظا ومدحا، وأمطروك بوابل غير صيب من كلمات الإعجاب والإطراء، وإن خالفتهم في رأي أو نازعتهم في فكرة، انهالوا عليك سبا ولعنا، وأمطروك بقذائف ألسنتهم وسهام نقدهم وكأنهم وحدهم يملكون الحق وما على سواهم إلا التأمين وقول آمين. وهو نوع من الإرهاب الفكري المنظم الذي يأباه الدين ويرفضه العقل ويمجه المنطق، وهو ما يبشر بسقوط صروح الفكر وزوال منارات الحكمة في بلاد لم تعرف ظلامية الفكر وضيق الأفق واحتكار الرأي في يوم من الأيام.

في مصر، عليك أن تكون يمينيا للغاية أو يساريا حتى النخاع أو تتصنع الميل إلى أولئك أو الركون إلى هؤلاء لتهرب من عواصف النقد الطائشة التي لا تفرق بين قلم وقلم أو بين رأس ورأس. ففي عالم الهوس الفكري والتطرف العقائدي، تذوي الفكرة وتتهافت الأديان، ويعيش الناس على حافة المسغبة العلمية التي تنتهي إلى اقتتال طائفي وعقائدي بغيض، وتنتهي بسقوط الأوطان والأفكار والمذاهب.

لكنني رغم كل هذا أجدني مضطرا إلى قول ما أراه حقا، وإن تكاثرت على كلماتي سهام النقد وعلى شخصي عبارات التجريح، لأنني أحب هذا البلد حقا، وأنتمي إلى تراثه وأرضه صدقا، وأعشق دينه السمح الذي لن يشاد أحدا إلا غلبه. مضطر أنا للدفاع عن قيم هذا الدين وإن خالفت من يدعون احتكاره، ومصر أنا على الوقوف في وجه التضليل الإعلامي والفكري والروحي حتى تعود إلى هذا البلد عافيته أو أهلك دونه.

لن أتحدث لأرضي الناس، ولن أكتب إلا لأنفعهم، ولن أرضى الدنية في ديني لأنال عرضا من التصفيق أو التهليل أو المديح. أعرف أن الذين يصلون في النهاية إلى قمة الجبل إحدى الطائفتين اللتين تتصارعان على حزام التقسيم، لكنني أعلم أيضا أن جبلهم من جليد وأنه سينفيهم سريعا كما تنفي النار خبث الحديد ليمكث ما ينفع الناس في الأرض.

سأغرد خارج سرب التمرد، وأنأى بفكري عن طوفان التجرد، وسأبقى مواطنا مصريا أدافع عن يمين البلد ويساره ما حييت، ولن أشارك في فتنة قتلاها ليسوا بالضرورة شهداء. سأقاوم فكر التقسيم وإن تعرض لي سفهاء القوم باللفظ النابي والكلمة الجارحة لأنني أعلم يقينا أن الواقفين وسط المعركة أقرب الناس للموت. وأنا على يقين أنني لست في درب الوسطية وحدي، فهناك آلاف البسطاء الذين يأملون في حياة هادئة ولا ينتمون لأي من فسطاطي المعركة.

وأشكر كل من وجه لي اللوم على كلمة هنا أو فكرة هناك، حتى وإن أساء اللفظ أوأغلظ في القول، فأنا أقدر والله غيرة هؤلاء البسطاء على الدين، لكنني أؤكد لهم أنني وإياهم في فسطاط واحد، وأنني أغار على الدين كما يغارون ، غير أنني لا أعتبر البصمة دينا والتصويت فريضة والتحزب والتشيع رخصة للسب والقذف والشحن والكراهية والاقتتال.

أومن أن الاقتتال خيانة وعصيان وتمرد على أوامر الإله، وأوقن أن هارون لم يكن مرتدا ولا يساريا حين صبر على عبدة العجل من قومه حتى يرجع إليهم موسى. وأجزم أن تقسيم الوطن إلى فسطاطين خيانة للتاريخ وتآمر على الأمة. لهذا سأستمر في حملتي ضد الكراهية وضد النبذ وضد الاستعلاء، وسأقاوم القادمين من اليمين أو الزاحفين من اليسار لاختطاف الوطن أو بعض من أرياشه. وأعلم أنني لا أسلك هذا الدرب الضيق وحدي.