السوق، هو المكان الذى يجلب إليه المتاع والسلع للبيع والابتياع ومن الملامح الرئيسية للمدن أنها ذات طابع تجارى بل إن بعض الباحثين يعزو نشأة المدن أصلا إلى أنها مراكز للتبادل التجارى وكانت تنشأ عند ملتقى طرق التجارة وتمثل الأسواق مراكز النشاط التجارى بصوره ومراحله المختلفة التى انعكست انعكاسا مباشرا على نمطية الأسواق وأنواعها والأسواق بداخل المدينة تنوعت مواضعها ومساحتها حسب خدماتها فمنها ما كان اختص بتلبية الحاجات اليومية لقطاع صغير فى المدينة فسميت سويقات ،وكانت الأسواق إلى جانب كونها مراكز تبادل السلع ومراكز لتبادل الأفكار والشائعات لما يحدث من مناقشات فى الأمور السياسية والاقتصادية والدينية وغيرها مما يبرز أهميتها كمراكز اتصال ، وإنشاء الأسواق فى المدن الإسلامية كان من محاور النهضة بعمرانها فهو من متطلبات الجماعة الإسلامية وهو أحد الركائز الاقتصادية لأن المدن تتفاضل بالأسواق وكثرة الأرزاق .
وتمثل الأسواق أهم المعالم لبعض المدن منها طرابلس فهى تحتل مكانة الشريان المحرك والمكون لشكل المدينة وهى تجمع بين مختلف النشاطات العامة ،ومن الملاحظ من المخطط العام للمدينة القديمة تركز الأسواق ناحية الميناء البحرى حيث تمركز الخدمات منها جامع أحمد باشا وما يحيط به فى الأسواق (سوق الرباع القديم , سوق المشير ، سوق العطارة وباقى الأسواق الممتدة والمتفرعة وأيضا الفنادق والحمامات وأماكن الصناعات المحلية والمدارس .
هذا إلى جانب المحور الرئيسى الشرقى الغربى ( سوق الحرارة والذى يبدأ بمنطقة سوق الترك وتقاطع أربع عرضات من الجهه البحرية وينتهى بمدخل المدينة ( باب الجديد ) ومنه تتفرع الطرق السكنية لبقية مناطق المدينة .
وتذكر بعض المصادر التاريخية ان مدينة طرابلس كانت فى نهاية ق9 هـ /15 م ، وبداية ق10 هـ/16م تنعم برخاء وازدهار كبير وأن أسواقها عامرة وكانت (الحركة التجارية مزدهرة مع السواحل الأوربية وأن سفن النصارى كانت تتردد عليها بالسلع التى ينقد التجار ثمنها ) وعاشت فترة ازدهار ( وكانت فى ذلك الوقت أغنى من تونس ويتردد عليها تجار الجنوب والشمال الإفريقى والأتراك والجنوبيين والصقاليين والمالطيين ).
وأكد على ذلك الوصف الرحالة العياشى في كتابه الرحلة العياشية ق13 هـ/ 19م .
وقد كتب العديد من الرحالة والكتاب الأجانب عن طرابلس وأسواقها من عام الفترة 1198 هــ/ 1783 م الى 1208هــ / 1793 م .
وتشمل مدينة طرابلس نوعين من الاسواق :
النوع الاول :
وهو النمط التقليدى الذائع الانتشار وهو السوق الذى يقام فى مكان فسيح أو أرض فضاء ويقام فى أيام معينة أحيانا يخصص لبيع مواد معينة ، ويعرف أحيانا هذا النوع من الأسواق باسم المكان الذى تقام فيه كسوق الرقبة ,أو اليوم الذى تعقد فيه كسوق الثلاثاء .
ومن هذا النوع الأول سوق الرحبة والذى كان يقع بداخل أسوار المدينة القديمة بالقرب من باب هواره وبالقرب أيضا من قلعتها المعروفة بالسرايا وعرف هذا السوق أيضا برحبة طرابلس إلى أن بنى عليه أحمد باشا القرمانلى جامعه المعروف باسمه.
ونقل هذا السوق إلى بطحاء أخرى قريبة من الأسوار الجنوبية للمدينة بالقرب من ميدان "عمرو طاسوب"باب الحرية ثم نقل بعد ذلك إلى منطقة عرفت باسم سوق الثلاثاء القديم والقريب من شارع المصرى قبل أن ينقل إلى مكانه الأخير بسوق الثلاثاء الحالى خارج أسوار مدينة طرابلس القديمة ، واختص هذا السوق ببيع الحبوب بمختلف أنواعها كالقمح والشعير والفول والطعام والنمور والحرارات "البهارات" مثل الفلفل والبزار .
ويعرف أحيانا هذا النوع من الأسواق باسم الموادالتى تباع فيها كسوق الغنم المعروف أيضا بموقف الغنم وهو سوق فسيح مكشوف بداخل أسوار المدينة ويقعبالقرب من باب المنشية أو باب هواره.
النوع الثاني :
وهو النمط الإنشائى البنائي الذى لم يقتصر فيه السوق على ساحه مخصصه للبيع بل تعداها بإنشاء مبانى عبارة عن حوانيت للتجار وبذلك اكتسب السوق هنا سمة الثبات والاستقرار عكس النوع الأول الذى يتسم بالترحال وكثرة الانتقال من مكان لآخر .
وهذه الأسواق البنائية فى طرابلس تتكون من ممر رئيسى مغطى أو مكشوف بارتفاع حوالي 5,25م وكان يغطى بأقبية أو أسقف خشبية أو يترك مكشوفا. ويبلغ طول الممر من 30 إلى 40 م ويصطف على جانبى هذا الممر الحوانيت بشكل متتالى , وكانت تغطى أيضا بأقبية .
والسوق له أكثر من مدخل لتسهيل وتيسير عمليه دخول وخروج المشترين ، ووجد فى طرابلس العديد من هذا النوع من الأسواق بالإضافة لعدد منها قد اندثر وحل محله منشآت أخرى . ووصفها العياشي بأن خياراتها كثيرة وأن لأهلها سماحة على المعتاد ذائدة سيما مع الحجاج والواردين وتزويدهم بما يحتاجون من زاد ويبدو أن أسواق المدينة قد شهدت انتعاشا كبيرا فأصبحت من أهم محطات القوافل التى تمر بين الشرق والغرب لا سيما قوافل الحجاج و ما تمثلة من حركة نشيطة إذ ان هذه القوافل تعطى حركة لأسواق المدينة فيكثر فيها البيع والشراء والمقايضة وقد كانت عادة الركب إذا وصل المدينة سيما فى الذهاب ( إلى الحج ان يقيموا بها نحو شهر يستعدون فيها المفازة التى قل نظيرها وهى مفازة برقة ومن هذة المدينة يشترى الحجاج ما يحتاجون من الإيل ويتخذون زادهم نحو من ثلاثة أشهر إلى مصر إن كان الوقت شتاء وإن كان صيفا فنحوا من شهرين وهذة المدينة شاهد أهلها بركة الحجاج والمجاهدين فى أمر معاشهم فربما اجتمع فيها من الركبان الذاهبين والآتيين خمسة أوستة ، ويصادف ذلك فى كثير من الأحيان خروج عسكر للبحر للجهاد ومع ذلك لا يزيد فيها السعر على ما كان فى كل مطعوم وربما نقص فى البلد مع ان البلد فلى كثير أحواله معروف بغلاء الأسعار للأرياف وسواحل المغرب وحياله , إلا أن أهلها مستكفون بها غاية وراضون إلى النهاية.
كان التجار فى القرن 12 هـ / 18م هنا لا يعرضون بضائعهم فى مخازن كبيرة وإنما هى حوانيت وسقائف مع أن محتوياتها كثيرة ما تكون بضاعة ثمينة تتالف من اللالئ والذهب والجواهر والعطور النادرة وهناك بازاران أو سوقان مستوفان أحدهما كبير جدا ومبنى على شكل اربعة صفوف متصالبة عند التقائها وعلى كل جانب من هذة الصفوف أقيمت دكاكين وبسطات متراصة تحوى مختلف أصناف السلع والبضائع ، كما وصف أحد الرحالة مدينة طرابلس فى النصف الثانى منن القرن 13هـ /19م بأنها تشهد نشاطا للتجارة البحرية وأن الشوارع التى تؤدى إلى المنشية لبيع الخضروات والمصنوعات اليدوية التقليدية وبالقرب منها تباع المنسوجات الصوفية والأردية والوطنية والأغطية الملونة والبرانيس والحابك المستورد من تونس ( بلد الجريد ، جربة ) ، كما وصف البعض مدينة طرابلس وأسواقها فى بداية ق14هـ/16م (1318-1323هـ/1900-1905م) بأنها صلة الوصل بين أوروبا وإفريقيا وكانت البضائع الأوربية تختزن هنا فى السنوات الماضية حتى يحل وقت سير القافلة إلى السودان كما كانت البضائع تنظر هنا لتنتقل عبر المتوسط وكانت التجارة مع الداخل مستمرة وكان ريش النعام وأنياب الفيل والجلود وحتى الذهب تأتى بواسطة القوافل بكميات من بورنى وأوروبا لتقايض باقمشة مانسشتر وأوانى فنيسيا الزجاجية وبضائع من جنوب فرنسا ، ويبدو أن التجارة قد فقدت أهميتها كثيرة فى بداية ق14 هـ/20م فقلت القوافل الواردة من طرابلس وذلك بسبب وجود طرق من وسط إفريقيا إلى غربها أقل تكلفة وأكثر يسراً ، وتذكر مابل نود بأنه كان يرسل خمسمائة أو حتى الألف والآن وعلى الرغم من أن طرابلس ما زالت نقطة انطلاق لمثل هذة الحملات فإنها أصغر وأقل مما كانت بكثير .
أما عن الأسواق التجارية التى كانت موجودة فى طرابلس فإن طرابلس كانت مركزا للتجارة الإفريقية فتتجمع فى أسواقها محصولات السودان وإفريقيا الوسطى وثمورالواحات .
وتضم طرابلس العديد من الأسواق معظمها اندثر والبعض منها مازال قائما ولكن تغيرت معظم معالمه , وقد مرت الأسواق فى طرابلس بعدة مراحل وفترات زمنية متعاقبة تعرضت خلالها لبناء وتوسيع فى الأسواق وذلك كما فى عصر عثمان باشا الساقزلى حيث أنشئ سوق الرباع القديم والفندق الكبير والفندق الجديد 1056- 1038هـ/1646-1672م ) .
وقد ذكره التيجانى فى رحلته سنه706ه-708ه/1306-1308م باب يعرف بباب هوارة وبنى بدية من داخل المدينة بطحاء متسعة يعرفونها بموقف الغنم يبيعون بها أغنامهم ومواشيهم .
و ذكره أبو يحيى بنى مطروح الذى كان حاكما لطرابلس أكثر من أربعين سنة فى قصيدة له:
لوقفه عند باب البحر ضاحيه وباب هواره او موقف الغنم
أشهى إلى النفس من ذكر الخليج ودير الزجاج وشاطئ بركة الخدم
|