بقلم الدكتور/ على طه
قام إنطوان جالان (1646 - 1715 م) المستشرق الفرنسى عام 1704 بأول ترجمة لكتاب "ألف ليلة وليلة" إلى الفرنسية في اثني عشر مجلداً 1717, وقد أدت هذه الترجمة إلى تفتح عيون الغرب على الشرق, وتلاه المسشترق الإنجليزى إدورد وليم لين (١٨٠١-١٨٧٦م) بترجمته لنفس الكتاب للغة الإنجليزية من عام 1838 إلى 1840, بعد ذلك بدأ الإهتمام الكبير بالشرق, وقد احتلت المرأة الشرقية حيز إهتمام المستشرقين، منذ بدء الغزو الاستعماري الغربي للشرق، فقد شُغف الغربيون بموضوعين هما : الحجاب والحريم.
وقد كان الحجاب وقلة إحتكاك المرأة العربية بالمستشرقين, يحيل رؤية المرأة العربية, كذلك ى عربى دلوكان لها عالم خاص كان من الصعب اقتحامه فهو فضاء البيوت المغلقة المحكومة بسلطة الرجال, والعمارة الإسلامية, وحرص المعمارى على عدم السماح ب رؤية المرأة وإحتفاظها بخصوصيتها, فنجد المداخل المنكسرة, والحرملك, والمغانى, والمشربيات تحيل عدم الوصول لرؤية المرأة العربية, وقد كان ذلك سببا لجموح المستشرقين بالخيال والتلويح بتجارب غريبة وشهوانية مع المرأة المتحجبة, لذلك نراهم مهووسين بتصوير النساء في مخادعهن وبوضعيات حميمية وبأوضاع جنسية رغم أن أغلبهم لم يشاهد امرأة شرقية ولم يدخل مخدعها أبدا.
وبمقارنة رسم المرأة الغربية فى اللوحات, التى كانت تظهر دائما مشغولة بالتطريز والطبخ والحياكة أو أى شىء أخر, ولكن تظهر المرأة العربية في مخدعها وبوضعيات حميمية وبأوضاع جنسية أو تتزين فى إنتظار الرجل, أو تظهر فى سوق الرقيق عارية تماما ومعروضة للبيع, أى أن المرأة العربية ظهرت فى لوحات المستشرقين فى حالتين: المتعة و العبودية و كأن لم يكن لها دور فى المجتمع غير ذلك.
ونجد اللوحات التى تظهر المرأة فى السوق أو الشارع أو غيره تظهر المرأة فى طبيعتها غير المبهرجة, حيث تظهر وقار وإحترام المرأة العربية, مما يكذب اللوحات التى تخيلها الفنانون اللذين لم يدخلوا قط مخادع النساء العربية, والتى للأسف أخذها البعض على أنها حقيقة.
ويأتى الرد من اللايدي ايفلين كوبولد أول إنجليزية تؤدى مناسك الحج, والتى توفت 1964, حيث قالت:
((لما جاء الإسلام رد للمرأة حرياتها , فإذا هي قسيمة الرجل لها من الحق ما له وعليها ما عليه ولا فضل له عليها إلا بما يقوم به من قوة الجلد وبسطة اليد, واتساع الحيلة, فيلي رياستها فهو لذلك وليها يحوطها بقوته ويذود عنها بدمه وينفق عليها من كسب يده , فأما فيما سوى ذلك فهما في لسراء والبأساء على السواء. ذلك ما أجمله الله بقوله تعالى:
{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة}
وهذه الدرجة هي الرعاية والحياطة لا يتجاوزها إلى قهر النفس وجحود الحق , وكما قرن الله سبحانه بينهما في شؤون الحياة , قرن بينهما في حسن التوبة وادخار الأجر وارتقاء الدرجات العليا في الدنيا والآخرة . وإذا احتمل الرجل مشقات الحياة , ومتاعب العمل وتناثرت أوصاله , وتهدم جسمه في سبيل معاشه ومعاش زوجه فليس ذلك بزائد مثقال حبة عن المرأة إذا وفت لبيتها وأخلصت لزوجها وأحسنت القيام في شأن داره)).
ولهذا, ومع إننى من أشد المعجبين بأعمال المستشرقين, و حيث نلجأ أحيانا لها كمرجع للتوثيق فى أعمال الترميم والصيانة للمبانى الأثرية, فأنا أشك فى كل ما رسموه من لوحات ولابد من توخى الحذر, لأن الذين رسموا اللوحات فنانون, والفنانون دائما وأبدا يأخذهم الخيال, ويضعون خيالهم لإضافة الجمال والجاذبية للوحاتهم..
|