الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

ليلة بكى فيها أبو الهول

ليلة بكى فيها أبو الهول
عدد : 04-2014

ساقتني قدماي إليه في ليلة قمرية ..ربما لأنني أشعر ببعض ما يعانيه من الوحدة ، وأردت أن أسري عنه قليلا ..وهو الذي اعتاد على الصحبة من كل أرجاء المعمورة...إنه أبو الهول ..حارس الحضارة المصرية، والقيم على أهرامات الجيزة الثلاثة...
وعندما بدأت أراه ... ولاحت على البعد ملامحه ضبابية، مختفية خلف الظلال التي تركتها أشعة القمر على الناحية المواجهة لي فبدا قاتما وساكنا ..بل بدا وكأنه ميتا ..وأنا أعلم أنه ليس كذلك...
وعندما وصلت إليه ، رأيته هادئا ساكنا..ومفكرا ..ولكنه كان يبدو عليه الحزن والغم..فسألته وأنا اعتقد أنني أعلم الإجابة..ولعلني أردت أن أجره للحديث ..أو أن أفرج عنه قليلا... ماذا بك يا حارس الحضارة.... وتخيلت للحظة أنه لم يسمعني..أو أنه أشاح بوجهه بعيدا..وبعد دقيقة فاجئني بقوله: أتسألني ..وكأنك لا تعرف الإجابة؟ ألا ترى هذا الفضاء الرحيب حولي يشكو الزمان فراغه ووحدته؟ .. ألا تعلم أنني اعتدت طوال مدة خدمتي لملوك الأهرام العظام أن ألتقي كل يوم بعشرات الألوف من الزوار ...ألا تعلم أنني تقابلت وصادقت وتصورت مع مئات الملايين من بني البشر منذ بدأت عملي هنا ؟
وأربكتني إجابته..فأنا أعلمها ، ولكنني لم أعلم أنه يمكن أن يتأثر لهذا الحد... فقلت له : ولكنك تعلم أن المجتمع المصري يحبك ..والمجتمع الدولي وكافة ملايين البشر على أرض المعمورة يعرفونك جيدا ويحلمون أن يأتوا إليك لزيارتك والسلام عليك والتقاط الصور في موقعك الدائم هنا على أرض الحضارة...فرد على بسرعة وضيق صدر..وكأنه توقع مني الإجابة وهو غير راض عنها: لا تقل لي ما أعرفه... فأنا على يقين من أن مئات الملايين في العالم يحلمون أن يزوروني..ولكن قل ما لا أعرفه ... فأنا في ضيق شديد وصدري يكاد ينفجر من غيظي وغضبي... قل لي لماذا يفعل بي المصريون هذا ؟
فاجأني السؤال ... ولم أستطع أن أفكر... فبادرته بسؤال ..لعلي ألهيه عن سؤاله فينساه..قلت له المصريون يحملون لك محبة وتقدير عظيمين.. فلماذا الغضب ؟ هنا سالت دمعه على خده .. رأيته يشيح بوجهه بعيدا..وكأنما صعب عليه أن يراه أحد وهو في هذه الحالة من الضعف والوهن... ولأنني نفسي كدت أبكي حاله..فقد تركت برهة من الزمن تمر..احترمت فيها ضعفه ..
مرت عدة دقائق ..حتى التفت إلى قائلا: هل يمكنك أن تفسر لي أسباب منطقية لهذه الوحدة القاتلة..وبالكاد يزورني أفراد قلائل كل يوم ؟ فقلت له لأن السياحة بعافية شويتين عشان الحالة الأمنية مش مستقره... هنا احتد الرجل علي وصاح: لا تستهزئ بي ... وأنا شيخ كبير عمري آلاف السنين... أنتم يا أحفاد الفراعنة غير جادين في حماية تاريخكم...
فقلت له :يا سيدي .. رحمة بمصر..فالوطن يمر بحالة وهن .. والاقتصاد ضعيف والمصريون أكثر من نصفهم فقراء... فنظر إلي الرجل، وأحسست أنه حانق وغاضب ..وكأن إجابتي أغضبته، وقال : أنتم تستحقون ما يحدث لكم... أنا أقسم لك بالإله الواحد الأحد..رب موسى وعيسى ومحمد أنكم تستحقون ما يحدث لكم .. هل يمكنك أن تفسر لي أنكم فقراء وأنا هنا بينكم ومعي كل الأهرامات وهذا الكم الرهيب من آثار ملوكي العظماء..وكل هذا الزخم من المعابد والمنارات والمسلات ... يا بني أرجوك لا تنكئ جراحي ودعني لأحزاني..أنتم في مصر حباكم الله بكل مصادر الثروة والغنى..ولكنكم مهملون في حق أنفسكم..تعانون الفقر وأنا يمكنني بفردي ومعي الأهرامات التي أحرسها بكل همة ودأب منذ ثلاثة آلاف عام، يمكننا نحن فقط سويا أن ندر عليكم عشرات المليارات من الدولارات سنويا ..ولكنكم تأبون أن تتعلموا الجدية في حياتكم..وترضون بأقل القليل..وحتى أقل القليل أضعتموه بعد ثورتكم العظيمة الأولى والثانية ...
فاجأني الرجل أنه علم بثورتي 25 يناير و30 يونيو.. ويبدو أنه متابع جيد لأخبار البلاد..فسألته : كيف رأيت هاتين الثورتين؟ فقال لي : ليس المهم أن تقوموا بثورة أو اثنتين..المهم أن تتعلموا من دروس التاريخ..وأهم هذه الدروس أن المجتمعات التي تريد الحياة الجادة والغنية عليها أن تعمل بجد..وأنا أراكم كسالى..وتضيعون ثرواتكم هباءً، وتتسولون لمعايشكم، وأنا ومعي بعض الآثار يمكننا أن نجعلكم أغنى أغنياء المعمورة... ولكن يبدوا أنكم أدمنتم الفقر والجهل والمرض....
آلمتني كلماته القاسية...ولكنني لم أقدر على الرد ... فقد كانت كلماته صادقة بقدر ما كانت صادمة.... وسادت لحظة صمت .. تحاشيت أن أنظر إليه فيها...ولما طال الصمت نظرت إليه ..فإذا به يبكي مرة ثانية وتسيل دموعه على وجنتيه...
لم أقدر على الوقوف أمامه أكثر من ذلك..وغادرت المكان مسرعا قبل أن يراني أحد من عابري السبيل... فيراني أكلم نفسي..وأخاطب رجلا من الحجر ..ويخاطبني ... فمضيت لحال سبيلي ..ودموع أبو الهول تحرقني وكأنها ماء نار..ساخن...وسألت نفسي ..أليس أبو الهول محقا؟
يا مصريون .... من يمسح دموع أبو الهول...

 
 
د. إبراهيم حسن الغزاوي
المهنة: مواطن مصري
eommar@hotmail.com
algh0031@umn.edu
الصور :