جهاد ناصر تكتب/
رغم غزارة الإنتاج الحضاري الذي كشف عنه في ارض مصرنا الحبيبة والذي مازال عطاؤه مستمرا ليكشف لنا كل يوم أسرارا من عبقرية الإنسان المصري الذي تمكن في عصوره القديمة ومنذ أن بدأ مسيرة الحضارة الإنسانية من السيطرة علي مقدرات حياته والتحكم في الظروف المحيطة به فكان إنتاجه الحضاري متوافقا مع متطلبات حياته ووفق عقائده وتصوراته فإن هذا الإنتاج الحضاري رغم غزارته وتنوعه وتعدد مصادره يوجد هناك احد أوجه الحياة الهامة تغيب فيها النصوص ونقل المصادر بشكل يثير الحيرة ألا وهو مجال التشريعات القانونية ورغم أن القانون كان في مصر منظما تنظيما جيدا فان معلوماتنا عن شئون القضاء في مصر قليله فلم تصل إلينا صورة واحدة متكاملة لأي قانون مصري من عصر الدولة القديمة وقد يشير ذلك إلي احد أمرين الأول أن هذه المجموعات القانونية قد كتبت علي أوراق البردي والجلود أما السبب الأخر فهو أن المصري القديم لم تكن لديه مجموعة قانونية متكاملة وكان البديل لديه قواعد العدالة التي ينظمها الملك الإله وربما كان الأمر الأخير يتسق مع المفاهيم الراقية الفكرية للإنسان المصري القديم والذي نظر إلي العدالة ماعت علي أنها توازن العالم كله وتعايش جميع عناصره في سلام وانسجام وعلي تماسك وحدته الذي لاغني عنه للمحافظة علي الأجسام المخلوقة والتنظيم القانوني عمل معقد ولا يستطيع المشرع أن يبتدعه من وحي خيالة لكي يفرضه علي المجتمع بل هو ثمره من ثمرات تطور المجتمع ونتيجة لمجموعة مختلفة من العوامل سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو دينية أو فلسفية وعلي ذلك يمكن القول بان التنظيم القانوني لأي مجتمع من المجتمعات إنما هو وليد ظروف تاريخية فهو ينمو ويزدهر ويتطور داخل المجتمع متلائما مع ظروف هذا المجتمع ومتفاعلا مع باقي الظواهر الاجتماعية الأخري وقد عرف القانون في اللغة المصرية القديمة باسم "كوت" واخذ عنها الاسم "كانون " في اليونانية وأصبح قانون في اللغة العربية وقد بني المصريين أساس سلطة حكومتهم علي مجموعة من المبادئ والقواعد التي يجب أن يسيروا عليها حددت هذه المجموعة وظيفة كل فرد وعلاقته بغيره وكانت مرشدا لعلاقتهم بالإلهة وعلاقة كل عضو من الرعية بغيرة من الأفراد وبالاختصار حاولت هذه المجموعة أن توجد نظاما عمليا لكل شئ يبعث علي حسن النظام واستتباب الأمن.
ماعت رمز العدالة:
في الواقع أن ماعت أنما هي كلمة مصرية تترجم أحيانا بكلمة الحق وأحيانا بكلمة العدل وأحيانا النظام وأحيانا الاستقامة وكان لهذه الكلمة نفس المرونة التي لكلمة حق أو عدل أو شئ منتظم وكانت القوة الكونية للانسجام والنظام والاستقرار قد نزلت منذ خلق العالم كالصفة المنظمة للظواهر التي تتم خلقها.
مما لاشك فيه أن العدالة "ماعت " عند المصري القديم كانت الأساس الذي قام عليه البناء الأخلاقي والاجتماعي في المجتمع وإذا كانت العدالة بجانبها الأخلاقي قد نجحت الأفكار والعقائد الأخروية في معالجتها فقد أنيط بالقضاء ومجالسه معالجة جانبها الدنيوي بين البشر وكان رجال القضاء يلقبون بكهنة ماعت وكانوا يمثلونها في هيئة أمراه جالسة أو واقفة علي رأسها ريشة نعام وكان كبير القضاة يضع حول عنقه تمثالا صغيرا لهذه الإلهة يرمز به إلي وظيفته.
ومثلت ماعت الأساس لجميع الطبقات الاجتماعية وشكلت العدالة والاحترام والأخلاق والقيم التي عاش بها جميع المصريين ولم يكن هناك من هو فوق القانون علي الإطلاق وبوجه عام كان المواطنون في مصر القديمة طائعين للقانون حيث خشوا العقاب في الحياة الدنيا ولما كان نظام الحكم في مصر القديمة يقوم علي أساس تطبيق فكرة ماعت فقد كانت القوانين المصرية التي صدرت خلال جميع العصور التاريخية التي كان يتكون منها تاريخ الحضارة المصرية القديمة تتوخي تطبيق فكرة العدالة المطلقة والمساواة المطلقة أما القانون دون أي تميز في الواقع أن العدالة هي احدي الفضائل التي تتلخص في إعطاء كل فرد حقه أو ما هو واجب له وتتضمن فكرة العدالة المساواة بمعناها العام وفكرة العدالة بهذا المعني وثيقة الصلة بالقانون فالقانون يهدف إلي تنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع وإعطاء كل ذي حق حقه ولقد حرص قدماء المصريين كل الحرص علي تحقيق العدالة فكانت العدالة بهذا المعني الهدف الأساسي للقوانين المصرية القديمة كما ينطق بذلك العديد من الوثائق التي جاءت بها الاكتشافات الأثرية وقد ظهرت فكرة العدالة في أول الأمر علي هيئة أحكام إلهية هيئة أحكام إلهية يوحي بها إلي الحاكم أو الملك عند الفصل في النزاع المرفوع إليه ونظرا للعلاقة الوثيقة بين الدين والقانون في تلك المرحلة المبكرة كانت تلك الأحكام تستمد قوتها من صفتها الدينية.
تطور الوعي القانوني في مصر القديمة:
كان القانون الذي يخضع له الناس في مصر القديمة يتكيف دائما مع اختلاف المراحل التاريخية التي مر بها التاريخ المصري القديم ،ففي العصر الثيني لا توجد أي وثائق تشير من قريب أو من بعيد عن كيفية نظام العدالة والتقاضي. وفي عصر الدولة القديمة يمكن القول بان النظم القانونية قد نشأت واستكملت أطوار نموها في ذلك العصر وفي هذه المرحلة من التاريخ المصري القديم كانت النزعة الفردية ظاهرة فقد كان الأشخاص جميعهم متساوون في الحقوق فلكل فرد حق في أن يمتلك ما يشاء من العقارات أو المنقولات ومصادرنا في هذه الفترة عقود البيع المعثور عليها احدها يرجع إلي الأسرة الرابعة في عهد الملك خوفو كذلك سجلات تحديد الضرائب ونقوش المعابد التي تبين استيفاء العمال لأجورهم ومن هذه الآثار يمكن دراسة نظم القانون الخاص بتلك الحقبة وكان نظام الجمع بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية في يد الملك الإله واضحا إلا أن الأمور لم تسر علي نفس المنوال لتطور الظروف السياسية وتغير معالم الصورة بالنسبة لفلسفة نظام الحكم ومع نهاية الدولة القديمة ومع استقلال أحكام الأقاليم نسبت الإحكام القضائية إلي الهة تلك الأقاليم بدلا من الملك وفي عصر الدولة الوسطي حاول ملوكها إعادة السلطات إلي القانون وظهرت القوانين العادلة المتسمة بالنزعة الاشتراكية. وبعد غزو الهكسوس بدأت صحوة البلاد الكبري مع بداية عصر الدولة الحديثة واستمرت نفس النظم القانونية التي كانت سائدة أثناء الدولة الوسطي
مصادر المعرفة القانونية في العصر الفرعوني:
لاشك أن تطور الوعي القانوني يتطلب دراسة الوثائق المرتبطة بالقواعد والنظم القانونية التي تم العمل بمقتضاها علي تحقيق العدالة في المجتمع المصري القديم وقد تكون هذه المصادر مصادر مباشرة ومصادر غير مباشرة...
أولا المصادر المباشرة:
تشمل المصادر التي تضمنت نصوص تشريعية علي الرغم من انه لم يصلنا عن أي عصر من عصور التاريخ المصري القديم مجموعة قانونية متكاملة شبيهة بتلك المجموعات القانونية التي خلفتها الحضارة العراقية القديمة فانه ثبت تاريخيا أن مصر القديمة عرفت عده تقنيات تشريعية وقد وضعوا قانون تحوت الذي كان يعتبر اله الحكمة والحساب عند المصريين كما انه حارس قوانين أوزير كان هذا القانون ينظم التعاملات بين الأفراد مع بعضهم البعض وكذلك ينظم علاقة الأفراد بالدولة وكان يدرس في جامعة اون وكان ضمن الدارسين الكثير من اليونانيين الذين تعلموا علوم القانون ثم نقلوها إلي بلادهم ثم تبعهم الرومان الذين تعلموا في جامعة اون وصار تحوت وما تبعه من قوانين هو المصدر لقوانين تلك الدول وكذلك بوخوريوس" باك إن رنف" احد ملوك الاسرة الرابعة والعشرين لم يزد حكمه عن ست سنوات وصفه مانيتون بانه كان مشرعا عظيما وذهب ديودور الي انه من بين السته المشرعين الكبار في مصر وان له مجموعة من الشرائع والإصلاحات القضائية التي وجدت اثارها في الوثائق الديموطيقية وأحمس الثاني "570-526ق.م" احد ملوك الأسرة السادسة والعشرين وقد سن قانونا يقضي علي كل مصري بان يتقدم سنويا لحاكم منطقته ليبين له مصادر دخله ويثبت لها حلالها من حرامها وان من أهمل ذلك أو عجز عن إثبات موارد رزقه حكم عليه الإعدام وأخيرا تقنين الملك الفارسي داريوس الأول ومن ناحية أخري عثر علي برديات تتضمن نصوص تشريعية في صورة قوانين أو مراسيم ملكية ترجع إلي بعض الملوك الفراعنة ومن ذلك مرسوم الملك نفر اير كارع ومرسوم الملك بيبي الأول ومن ناحية أخري تضمنت نقوش رخمي رع ما يستدل منها علي وجود ملفات للقوانين وكذلك قانون حور محب الذي نظم موضوعات قانونية عديدة بعضها خاص بالعقوبات والبعض الأخر بالضرائب وكذلك مرسوم سيتي الأول في نوري وهو مرسوم يخص كل الثروات الخاصة بالمعبد الجنائزي للملك سيتي الاول في ابيدوس لحمايته من المساس من جانب أي شخص وعلي راس ذلك الادارة وتثبيت نشاط دور العاملين بالمعبد وفي كل مكان تابع له وينقسم مرسوم نوري الي جزء يتحدث عن سبب صدور هذا المرسوم بمنع الاستيلاء علي أي اشخاص تابعين للمعبد للعمل لصالح أي شخص اخر
البرديات المرتبطة بالنظم والقواعد القانونية :
وصل إلينا العديد من الوثائق المثبتة للمعاملات بين الأفراد والتي يمكن التعرف من خلالها علي النظم القانونية في العهد الفرعوني مثل العقود والتصرفات القانونية التي كانت تجري بين الأفراد مثل عقود البيع والإيجار والزواج والوصية وغيرها
ثانيا المصادر الغير مباشرة:
فينا يتعلق بالمصادر الغير مباشرة فنعني بها الإشارات العابرة التي قد ترد علي لسان المؤرخين والأدباء ويمكن أن يستشف منها علي معلومات ذات قيمة منها: الكتابات الأدبية ومن الآثار الأدبية التي يستدل منها علي مفهوم العدالة شكوى خون انبو والتي تتضمن الكثير من المبادئ التي تدعو إلي العدل ورفع الظلم والمعاناة عن الضعفاء وان كانت الكتابات الأدبية تلقي الضوء علي الحياة السياسية والاجتماعية السائدة في المجتمع المصري القديم ألا أنها تمس بطريقة غير مباشرة الكثير من النظم القانونية القائمة في تلك الحقبة من الزمن
كتابات المؤرخين القدماء:
تمدنا كتابات المؤرخين القدماء بكثير من المعلومات عن النظم القانونية في العصر الفرعوني وتشير إلي أن مصر القديمة قد أسهمت مساهمة فعالة في تكوين الفكر القانوني لدي غيرها من الشعوب إن لم تكن مصدرا لبعض النظم التي عرفتها تلك الشعوب ولقد أشار المؤرخون اليونان إلي انه كان يوجد قانون مصري مكتوب في ثمانية كتب ولكنه لم يعرف إلا منذ العصر الأخير في مصر ولكن تتبع هذه القوانين فيما قبل ذلك أمر صعب نظرا لعدم بقاء النصوص القانونية الخاصة ببعض الإجراءات والقواعد القانونية وقد أورد ديودور الصقلي أن كثيرا من العادات التي نشأت في مصر لم تنل تأييد أهل البلاد فحسب بل حظي بإعجاب اليونانيين الشديد وعلي الرغم مما بلغته السلطة القضائية في مصر القديمة من الخيرة والدراية وعلي الرغم من هذا الرصيد من الثقة التي تجاوز حدود البلاد ليمتد إلي شعوب أخري إلا أن اغلب الدراسات التاريخية للقوانين القديمة لم تتجاوز أكثر من عصري الإغريق والرومان وكانت علي النقيض شحيحة بالنسبة للعصر الفرعوني الذي لا جدال في أن مشكلات السياسة والقانون فيه كانت ترتفع بجانب مشكلات الأخلاق والدين والعلوم إلي مستوي العالم الأصيلة ويؤكد المؤرخين الإغريق والرومان الذين زاروا مصر قبل أو بعد ميلاد السيد المسيح بوقت قصير أن المجتمع المصري لم يعرف قانون الانتقام أو شريعة الغاب ولم يحكمه ملوك تمتعوا بسلطة الحكم المطلق فقط بل كانت الملكية دائما ملكية مقيده وان الملك كان يعرف دائما انه لا يمكن أن يخفي الظلم عن أعين رع صاحب الحق الأصيل في العدالة
مصادر القواعد القانونية:
أما فيما يتعلق بمصادر القانون المصري القديم فيلزم القول بأنه علي الرغم من تتويج مصادر القوانين القديمة واختلاف أهميتها من عصر لأخر إلا انه يتضح أن المصادر الرئيسية تتبلور في العرف والتشريع والسوابق القضائية
أولا العرف :
وجود العرف كمصدر أمر لاشك فيه رغم عدم وجود نص يشير إلي ذلك صراحة فالنظم القانونية التي كانت مطبقة في العصر الفرعوني لم تنشا من العدم وإنما هي استمرار لنظم كانت معروفة في عصر ما قبل الأسرات ولقد تناولتها يد التغيير خلال العصور الفرعونية ولكن هذا التغيير لم يكن يقضي إلي القضاء علي النظام القديم برمته وإحلال نظام جديد محله يختلف عنه جمله وتفصيلا وإنما كان التغيير يتناول هذا الجانب أو ذاك من جوانب النظام
ثانيا التشريع:
وكانت سلطة إصدار قواعد عامة ملزمة حقا للفرعون فكان له سلطة إصدار ما نسميه الآن بالقوانين أو التشريعات وهناك من الشواهد ما يدل علي أن الفراعنة قد استعملوا سلطتهم التشريعية في مناسبات متعددة ولإغراض مختلفة وتعطي بعض الوثائق ذات الصبغة القانونية صورة للتشريع المصري من أواخر عصر الدولة القديمة فقد عثر علي نقوش من عصر الأسرتين الخامسة والسادسة عبارة عن تخليدات حجرية لقرارات ملكية كانت فيما سبق مكتوبة علي البردي وجدير بالذكر أن حجر بالرمو أورد أن الملك نفر إير كارع "كاكاي"قد اصدر مرسوم ملكيا في السنة الأولي من حكمه يعلن فيه إعفاء الكهنة من مزارعي المعابد من القيام بأي عمل أخر تتطلبه مشاريع الإصلاح في الأقاليم الاخري بالإضافة إلي تقديمه العديد من الهبات للمعابد وتقديم مذبح للربة حتحور المعبودة بمعبد بتاح في منف كما اصدر مرسوما في أبيدوس محفوظا الآن في متحف الفنون في بوسطن نقش علي لوحة من الحجر وغير مؤكد إذا ما كانت نسخة هذا المرسوم من عهده أم منقولة في عصر لاحق حيث لا يوجد صيغة "يحيي للأبد"فيه وجاء فيه:مرسوم ملكي إلي رئيس الكهنة حم حور لا أعطي الحق لأي شخص في اخذ أي من الكهنة ممن في المقاطعة لنقلهم لأعمال أخري خاصة بالمقاطعة مضافة إلي أعمال خاصة بالإله لحساب قدس الأقداس وحساب المقاصير التي هم فيها للمحافظة علي المعبد الذي هم فيه بناء علي مرسوم ملك الوجه القبلي والبحري نفر إير كارع ولا مرسوم عليهم في ايه خدمة لا أعطي الحق لأي شخص في حمل عبء في أي عمل أخر في أي حقل لمعبود أخر علي من يخدمون كهنوتيا فيه بواسطة أي كهنة فهم معفون أبديا بناء علي مرسوم ..... أما عن أي شخص في المقاطعة يستولي علي أي كاهن ممن يخدمون كهنوتيا في المقاطعة لعمل أي عمل أخر خاص بالمقاطعة فيجب أن ترسله أنت للمحكمة وسوف يرسل للعمل بمحاجر الجرانيت ولحصاد الشعير أي موظف أو معروف من الملك أو مدير الزراعة يعمل ضد هذه الأشياء بمقتضي هذا المرسوم سوف يعزل ويقدم إلي المحاكمة بينما يصادر كل ما في حوزته من بيت وضعية وإجراء الملك نفسه كان حاضرا إلي جانب الختم الشهر الثاني من فصل الصيف اليوم الحادي عشر ". وقرر لكل من يخالف أحكامه عقوبات تتفاوت بين السجن والسخرة والعزل من الوظيفة ومصادرة الأملاك وكذلك تجدر بنا الإشارة إلي مرسوم فقط لصالح شماي"كان ملوك الأسرة الثامنة الذين يحكمون عي الأرجح من منف معتمدين علي مساندة حكام بعض الأقاليم القوية لهم وخصوصا في الصعيد والذين حصلوا في مقابل ذلك علي العديد من الامتيازات ويدلل علي ذلك بعض المراسيم التي أصدرها أخر ملوك هذه الأسرة والتي عثر عليها في معبد المعبود مين في فقط فقد صدرت هذه المراسيم لمصلحة اثنين من أعضاء الأسرة الحاكمة في فقط وهما شماي وابنه ايدي وقد تضمنت تحديد ألقاب زوجة الوزير شماي وتعيين ابنه ايدي حاكما للصعيد خلفا لأبيه كما قام بعض الملوك بإصدار قوانين تتناول تنظيم عديد من المسائل مثل تشريعات حور محب وقد عرفت اصطلاحا بقوانين حور محب وهدفت لوقف أعمال النهب والعنف ويظهر فيها حور محب كمصلح ومشرع ويشير هذا المرسوم الذي أصدره حور محب أخر ملوك الاسرة الثامنة عشر الي العديد من الامور الخاصة بهؤلاء الكهنة الذين يجلسون للقضاء وللحكم في قضايا الناس اهمها حرية هؤلاء الكهنة المطلقة في عقد المحاكم في أي وقت ومكان يشاءونه خاصة السماح باقامتها داخل المعبد :ان الكهنة في قدس الاقداس ولكهنة الارباب "wabw " وعبو وللمطهرين ان يكونوا ما شاءوا من محاكم لكي يحكموا بين الناس كما يشير المرسوم الي ان الملك حور محب بذاته هو من امر بتعينهم لاستعادة الاستقرار والسلام الاجتماعي الداخلي بالاعتماد علي المشاعر الداخلية العامة الهائمة بكل ما هو مقدس والهي :ان جلالته قد امر بهذا لاستعادة القوانين في مصر لقد اخترتهم لمباشرة القضاء بما يرضي ذلك الموجود في .... وقمت بتوزيعهم في المدن الكبري ... ويصف المرسوم القضاه منفذي القوانين بالصفات التالية :رجال يتسمون بالرزانة والخلق القويم قادرون علي معرفة افكار الناس مطيعون لتعليمات الاملاك الملكية وللقوانين المحفوظة في دور المحفوظات ويؤكد المرسوم علي انه حدد لهم اطار عملهم قائلا : قد زودتهم بالتعليمات الشفهية وبالقوانين لكي تصبح عندهم بمثابة السجل اليومي الفعال لقد رسمت خط سيرهم وقمت بتوجيههم الي الحقيقة كما حذرهم من الشبهات وامرهم بتجنبها :لا تعرضوا انفسكم للشبهات من الناس ولا تقبلوا المكافاة من الغير لا تسعوا الي الاستفادة ومن يبرئ مذنبا فلن تكون له قيمة .كما يشير المرسوم الي تحيرات الملك حور محب لهؤلاء الذين يسمون قضاه المحاكم بان من يخالف منهم احقاق العدالة يستوجب العقاب والاعدام واذا سمعت ان أي كاهن قد جلس في محكمة ليقضي فيها وانه قد برأ مذنبا فانه يكون قد ارتكب جرما كبيرا يعاقب عليه بالاعدام " ورغم عدم العثور علي مجموعات قانونية ترجع إلي العصر الفرعوني لكن هذا لا يمنع من أن القوانين كانت تسجل كتابة ويحفظ بها دور القضاء للرجوع إليها عند الاقتضاء ولعل ما يشير إلي وجود ملفات للقوانين في المحاكم ما ورد في تحذيرات ايبور كما يظهر الوزير رخمي رع في احد نقوش مقبرته وهو في قاعة المحكمة وأمامه أربعون ملفا لقوانين موضوعة علي أربعة حصائر
إما المصدر الثالث وهو السوابق القضائية:
فليس لدينا من المعلومات ما يشير صراحة إلي أن أحكام المحاكم كانت تعد مصدرا من مصادر القانون ومع ذلك فان مما لا شك فيه أن الأحكام التي سبق صدورها كانت تؤخذ بعين الاعتبار عند النظر في قضايا مماثلة لتلك التي صدرت بشأنها ويستدل من الوثائق ذات الطبيعة القانونية أن الملكية الخاصة كانت موجودة وكانت تنتقل إلي الآخرين كما كانت هناك مساواة حقيقية بين الرجل وزوجته أمام القانون كما كان الأطفال يتساوي نصيبهم في الميراث من أبويهم ولم تكن الزوجة تابعة لزوجها من الناحية القانونية ولكن كان لها استقلال وتستطيع أن تدير أملاكها ولدينا وثيقة ترجع إلي الأسرة الرابعة توضح انه كان يتم تسجيل الأشياء المراد بيعها وتعرف هذه الوثيقة باسم عقد بيع منزل صغير حيث سجل فيها بيع المنزل وان ذلك تم بالاتفاق ومنذ عهد الأسرة الرابعة قام احد الأشخاص ويدعي خيتي بعمل وصيته حيث قام بتوزيع ثروته علي من يشاء ومنذ عهد الأسرة الخامسة تغير الاعتقاد في القوة الملكية حيث أصبح القانون تعبيرا للمثل القانونية وظل نشر القانون بالطريقة المثلي في ازدياد حتي وجدانا احد ملوك هذه الأسرة وهو وسركاف يعلن بعد اعتلائه للعرش انه قد جاء ليضع الحق وظهر ذلك في اسمه الحوري إلي اتخذه وهو "ايري ماعت"
المصريون القدماء أول المشرعين في العالم:
من الأخطاء التي كانت سائدة في علم تأريخ القانون بعض الآراء التي تقول بان الملك حمورابي هو أول المشرعين في التاريخ القديم وأراء أخري كانت تقول بان قانون مانو التي كان ينص عليها مذهب البراهمة في الهند القديم هي أقدم قوانين العالم ورأي ثالث يقول أن فكرة التشريع أو وضع القوانين ترجع إلي الخطيب المفوه والحكيم المشرع الإغريقي صولون ورأي رابع وأخير كان يؤكد أن قانون الألواح الاثني عشر والقانون الروماني بصفة عامة هو الأب الروحي لفكرة القانون أو التشريع في العالم القديم والعالم الحديث علي حد سواء غير أن المؤرخين وعلماء تاريخ القانون قد أعادوا النظر في كل هذه الأخطاء بعد أن دلت الشواهد الأثرية بصفه قاطعة علي أن المصريين القدماء كانوا أول المشرعين في العالم كله وذلك بعد أن ثبت من الدراسات المقارنة أن الغالبية العظمي من القواعد والأحكام القانونية المقررة التي كانت تتضمنها القوانين الرومانية ترجع في أصلها إلي جذور قانونية مصرية ووجود قوانين ثابتة مستقرة تكفي العدالة للجميع فكانت هناك تشريعات مصدرها المعبودات مما زاد احترام الشعب لها وعمل علي تطبيقها والالتزام بها وتشريعات مصدرها الإنسان أي الملك الذي كان له حق التشريع وبان اوامرة كانت لها قوة القانون ولكنه كان أول الناس التزاما بها وكان الملك يظهر في النقوش ملتزما الحياد التام تجاه أحكام القضاء الذين كانوا يضعون أحكاما قضائية لها قوه التشريع وطبقا لما ذكره بلوتارخ كان الملك يطلب من القضاة بالا يطيعوه اذا كانت أوامره إليهم ظالمة أي تتضمن ما يؤدي خرق التشريعات ولهذا كان يعتبرا رمزا للعدالة ولكن التوراة قد شوهت صورة الفرعون وجعلت من اسم الفرعون رمزا للقهر والاستبداد في حين كانوا رمزا للمساواة والعدل والتقوى فقد كانوا بهدي الماعت التي يمثلونها مصدر القانون والتشريع لا تضاهيها قوة أخري وتدل النقوش والكتابات الأثرية علي أن مينا موحد القطرين أول من نشر القوانين المتوارثة والتي كانت عبارة عن أوامر إلهية صدرت عن الإله رع والإله انبو وقام بصياغتها الإله جحوتي والذي اعتبره المصريون القدامى القاضي الذي حكم في السماء ويقضي في المنازعات بين الإلهة ثم نسبوا إليه أصول الحكمة والحساب ورعاية الكتاب والكتابة والفصل في القضاء ويبدو أن تقنين تحوت هذا إنما كان تقنينا مكتوبا وان أول ما استعملت فيه الكتابة إنما هو هذا القانون بالذات والذي لم يصل إلينا منه شئ والي جانب هذه القوانين القديمة المقدسة كانت توجد قوانين سنها بعض الملوك الحكماء وفي واقع الأمر فان كبير القضاة ووزير سنوسرت الاول وكاهن الهة العدل منتوحتبي يفخر بأنه سن القوانين القانون المصر القديم الجنائي والمدني:
أولا القانون الجنائي :
لعل من الأهمية بمكان قبل أن نتحدث عن القانون المصري القديم إنما استمد وجوده من ارض مصرية خالصة فجاء القانون متجاوبا تماما مع المجتمع الذي نبتت فيه بذوره رغم أن القانون الفرعوني لم يصطبغ بالصبغة الدينية فلقد كانت الأخلاق هي الطابع الغالب للقانون الفرعوني وكانت العدالة سمه ومن سماته وهدف من اهدافة وقد سجل لنا ديودور الصقلي بعضا من نصوص القانون الجنائي المصري القديم ومنها الحكم بالإعدام علي شاهد الزور وعلي من يمتنع عن تقديم العون لمن يعترض للموت وهو قادر علي إنقاذه ربما لان القوم رأوا في موقفه السلبي نوعا من الاشتراك في القتل هذا ويحكم بالإعدام علي من يزور في بيان الذي يقدمه للسلطات الحكومية عن مصدر دخله أو أن يكون دخله من مصدر حرام وعلي من يقتل أنسانا حرا أم عبدا فضلا عن جرائم الرشوة والاختلاس هذا ويسجل لنا ديودور الصقلي نصوصا أخري من القانون الجنائي المصري منها الحكم بالجلد بالسياط والحرمان من الطعم ثلاثة أيام علي من يهمل في الإبلاغ عن جريمة القتل نماذج من القضايا الجنائية : هذه النماذج من القوانين أشار إليها ديودور الصقلي في القرن الاول قبل الميلاد وهي بالطبع تفتقد للأساس النصي أو الأثري للتدليل عليها بيد انه لدينا أمثلة لجرائم مكتملة الأركان تخص امن الدولة أو جنائية ومدنية يمكن أن نشير إليها وعلي النحو التالي علي مستوي الدولة وهناك حوادث كان يرتكبها بعض من يحيط بشخص الملك مباشرة ولا يمكن التقاضي عنها وكانت المحكمة تقضي بعدم عرضها علي أنظار الجمهور ففي هذه الحالات كما جرت بذلك العادة في الدول الأوتوقراطية كان الفرعون يخرج عن الإجراءات القضائية المعتادة متخطيا اكبر موظفيه القضائيين ويعهد بالمحاكمة إلي احد الموثوق فيهم من أتباعه المخلصين هناك أشهر مؤامرتين لحريم القصر الملكي حدثت أحداهما في عهد الملك بيبي من الأسرة السادسة وأشار إليها في سيرته الذاتية احد كبار الموظفين في عهده ويدعي وني ا يكر أن الملكة ايمتس تورطت لاغتيال مليكه الذي عهد إليه بالمحاكمة سرا وبكافة الإجراءات التي لم تتخذ مسارا قانونيا لان وني كان مقربا من جلالة الملك وكانت له خبرة قضائية وان كانت المرتبة القضائية التي وصل إليها لم تكن لتؤهله لهذا النوع من القضايا أما المؤامرة الاخري فحدثت علي عهد رعمسيس الثالث وتولي تدبيرها نساء القصر وكبار موظفي الحريم الملكي وبعض ضباط الجيش واحد الكهنة إلا أن مؤامرتهم قد باءت بالفشل وأطلق عليهم رسميا "خزي البلاد" وشكل الفرعون محكمة خاصة لعقابهم وطلب منهم إلا يخبروه بمصير المتآمرين ربما لكونهم اقرب الناس إليه وربما أيضا توخيا للكتمان والسرية
أما علي مستوي الأفراد فهناك قصة الخيانة الزوجية التي جاءت ضمن بردية وستكار و حدثت هذه القصة علي أيام الملك "نب كا" وقد قصها الأمير خفرع وقد جاء فيها الملك نب كا في زيارة لمعبد بتاح في منف ,كان "أوبا اونر " كبيرا للكهنة المرتلين في المعبد وكان من آمراه داعرة كانت علي علاقة جنسية بشاب من أواسط الناس وأنهما كان يلتقيان في غياب زوجها حيث كانا يعاقران الخمر ويرتكبان ما حرم الله ثم ينزل الفتي أخر النهار فيغتسل في البحيرة علي انه حارس البيت وقد مضت الزوجة في ضلالها زمنا وعندما علم زوجها الذي صنع من الشمع تمساحا فالقاه في البحيرة بعد أن قرأ عليه من عزائم السحر ما حوله إلي تمساح مفترس عظيم فلما نزل الفتي إلي الماء قبض التمساح عليه ونزل به إلي أسفل الماء ومكث تحته سبعه أيام ثم تحدث الكاهن بخبر زوجته الخاطئة إلي الملك ودعاه إلي بيته ليشهد العشيق الشاب بين فكي التمساح وهناك علي حافة البحيرة وقف الملك مع الكاهن الذي نادي التمساح فخرج اليهما بفريسته فما أن رأي الملك التمساح حتي ارتاع وفزع لمرآه ولكن الكاهن ما كاد ينحني عليه ليلتقطه حتي عاد سيرته الأولي دمية من الشمع ثم أمر الملك التمساح أن يفتك بالفتي الزاني جزاء جرمه وقضي علي الزوج الزانية بالحرق وذر رمادها في النهر ولعل ذلك انما كان جزاء الزاني والزانية عند القوم القتل حرقا أو غرقا ومن أشهر القضايا الجنائية في مصر الفرعونية وأكثرها توثيقا تلك التي تخص سرقات المقابر في أواخر الدولة الحديثة حيث نجحت شرطة المقابر في القبض علي عصابة مهمتها فتح مقابر الملوك والعبث بمحتوياتها وقد اشرف الوزير بنفسه علي هذه علي هذه علي هذه الجريمة النكراء التي تمس الخلود في الصميم وكلف الجناة بتمثيل فعلتهم والإرشاد عن المسروقات ولما تبين صحة تورطهم عوقبوا بالإعدام جلوسا علي عمود خشبي مدبب .
ثانياً القانون المدني:
كان الوعي القانوني قد تطور في عصر باكر في مصر ذلك البلد الذي ازدهر فيه شعبه بشكل لم يبلغه أي شعب أخر ولا غرابة في ذلك فقد كان خاضعا لنظام قوي شديد داخلي لنظام قوي شديد داخلي فكل من كان يعتقد بأنه ذو حق كان لا يتواني في جر خصمه أمام المحكمة الدائمة ومن الطبيعي أن كل دعوي من هذا النوع وكل حكم من أحكام المحكمة كانت تسجل كتابة وقد وصل إلينا عدد لا يستهان به من وثائق القضايا هذه يرجع عهدها إلي الدولة الحديثة وفي نهاية الأسرة الثامنة عشر تولي حور محب الذي سن القوانين الصالحة لمحاربة الرشوة والفساد في دواوين الحكومة وأصلح المحاكم وطاف في أنحاء البلاد باحثا عن الأشخاص الأكفاء الذين يمكن أن يأمنهم علي شئون الحكم والعدل والقضاء بين الناس ثم فرض علي من يخالف القانون اشد أنواع العقاب يستوي في ذلك الكبير والصغير وقد وضع باك إن رنف في الأسرة الرابعة والعشرين قانونا جديدا ادخل فيه كثيرا من الإصلاحات والتعديلات علي القانون واخرج قواعد القانون عن دائرتها الدينية وأضفي عليها طابعا مدنيا وكان المصريون القدماء يعتقدون أن هناك صلة وثيقة بين القوانين الدنيوية والقوانين الدينية وكان مفهوم ماعت أي العدالة عند المصريين القدماء يتلخص في أمرين أن الدولة موجودة لتتحقق ماعت وان ماعت يجب أن تتحقق ليصبح العالم قابل للسكني
ولا يبقي في الختام ألا أن نناقش اذا كانت المراسيم الملكية تندرج في عداد القانون أم أن لها خصوصية تتعلق بها والواقع أنها لا يمكن أن تعد قوانين دولة ملزمة لكل المحاكم بحال من الأحوال فلو نظرنا إلي مراسيم فقط أو مرسوم نوري أو حتي تشريعات حور محب لوجدنا أنها كانت بمثابة لوائح داخلية تتعلق فقط بالمنشاة الصادرة من اجل تنظيم العمل بها او حتي دولاب الحكومة برمته دون أن تنسحب علي كافة الجرائم المدنية المشابهة بها ولعل هذا ما يفر العقوبات الصارمة المنصوص عليها بها وليس كما ادعي البعض أنها تعكس خللا في النظام وضعفا في هيبة الملكية حاول بها ان يربط الأفراد فسرا بخدمة الدولة بأسلوب قوامه المزاجية والقسوة بدلا من الثقة بالنفس وهو رأي غض فيه صاحبه الطرف عن ظروف اصدرا مثل هذه المراسيم والتي كانت في مجملها تحول الإقلال من طغيان وفساد الإدارة والموظفين بمجموعة من القواعد ذات التركيبية القانونية في شكلها العام وان لم تنسحب تحديدا علي مصر كلها .
|