جهاد ناصر تكتب
حتمت بيئة مصر علي أهلها أن ينهجوا في حياتها نهجا يقوم علي التعاون الوثيق يهيمن عليه النظام الدقيق فإذا كان نيلها قد وهب لها الحياة فانه في نفس الوقت قد حدد الإطار الذي تتحرك فيه أسس هذه الحياة فقد اجبر النيل الناس الذين يعيشون علي شاطئيه علي التعاون الجماعي لدرء خطر الفيضان وهكذا كانت مصر في التاريخ من الأمم الأولي التي قامت حياة شعبها علي التعاون والنظام وكانت هي الأمة الأولي التي أجبرتها ظروفها الطبيعية علي إيجاد حكومة تسيطر علي شمالها وجنوبها تحت حكم ملك واحد هو سيد البلاد ملك الوجهين القبلي والبحري وقد استطاع مؤسس الأسرة الأولي أن يكون لمصر حوالي 3200ق.م حكومة مركزية قوية علي رأسها الملك الإله الذي يجمع بين يديه كل السلطات فهو الإله العظيم وهو الإله حور المجسد في صورة بشرية ومن ثم فهو في نظر رعاياه اله حي علي شكل إنسان يتساوي مع غيره من الإلهة فيما لها من حقوق ومن هنا كان الأساس السياسي والاجتماعي الذي قامت عليه الحضارة المصرية هو التأكيد بان مصر يحكمها اله وان هذا الإله الجالس علي عرش الكنانة غير محدود المعرفة والمقدرة وانه علي علم بكل ما يدور في البلاد ومن هنا كان من الصعب أن نفرق بين الملك والدولة إذ كانت كلمته قانون ورغبته أمر ورعيته ملك يمينه يتصرف فيها متي شاء وكيف يشاء
هذا وقد اختلف المؤرخون فيما بينهم في كيفيه إيمان المصريين بان الجالس علي عرش مصر اله يحكم بشرا وكيف أصبحت إلوهية الفرعون عقيدة الدولة الرسمية وقد ظهرت عدة أراء بشان تلك العقيدة فهناك رأي ينادي بان عقيدة الملكية الإلهية إنما كانت وليدة أسباب انتصار الملك علي منافسيه من أهل الدلتا ثم اصطناعه صفات إلهية حتي غدا إلها بين الإلهة هناك رأي أخر هي أن الصعاب التي لاقاها مؤسسو الوحدة من ملوك عصر التأسيس في تحقيق الوحدة إنما دفعتهم إلي القول بان مصر يحكمها اله تتمثل فيه القوي التي تهيمن علي القطرين ومن ثم نجح الإله في أن يتباعد بنفسه عن أن يكون من البشروانما اله حي يتساوي مع غيره من الإلهة فيما لها من حقوق التقديس والمهابة
وهناك رأي ثالث يجعلها نتيجة لأسباب دينية ذلك لان المصريين كانوا يعتقدون أن إلهة التاسوعين قد حكموا الواحد تلو الأخر علي الأرض في مصر ذاتها قبل أن يصعدوا إلي السماء وقد ترك أوزير أخر ملوك مصر من الإلهة الحكم لابنه حور ومن هذا الأخير انحدر في زعمهم كل ملوك مصر من الإلهة ومن ثم يصبح حق الملك قائما علي طبيعته الإلهية التي كانت تنتقل مع الدم وأخر يعزوها لأسباب جغرافية تسندها طريقة التفكير المصري ذلك إنما كانت من الناحية الجغرافية بلد لا توجد بينه وبين غيره صلات طبيعية ولذا فقد تمتعت بالإحساس بالطمأنينة وبأنها بلد ذات امتياز خاص كان نصيبها من الوجود غير عادي ذلك لان العناية الإلهية جعلتها وحدها فريدة بنفسها ومنفصلة عن جيرانها إما الرأي الخامس فيعزوها لأسباب اقتصادية ومن ثم فانه يتجه إلي أن ألوهية الفرعون إنما تتصل اتصالا وثيقا بالعناصر الأساسية التي شكلت المبادئ والقيم المصرية فقد امن المصري بالظواهر المحيطة به والمسيطرة علي بيئته واعتبر الملك أحق من أن يقوم بوظيفة الوساطة بين الإنسان والإلهة وهكذا نري المؤرخين يختلفون في تفسيرهم لإلوهية الملك الفرعون وكيف نشأت ؟ وكيف اقتنع المجتمع المصري وأمن بإلوهية ملوكه ويرجح أن تكون هذه الأسباب مجتمعة هي التي عملت علي تاليه الملك وان واحد منها ليس كافيا لتاليه الملوك عند المصريين القدامى
أيا ما كان الأمر فلقد امن المصريون القدامى ربما راغبين لا مكروهين بان الجالس علي عرش الكنانة اله تكرم وأقام فوق ارض مصر ليحكم بني الناس ويسعدهم أما الاتصال الشخصي لهذا الملك فلم يكن متاحا إلا لخاصته واقرب المقربين إليه أما الأشخاص العاديون فلم يكن في مقدورهم أن يجرؤا علي الاقتراب من هذا الكائن الذي يفوق البشر إلا وقد استولي الهلع علي قلوبهم وارتعدت فرائضهم وخروا له سجدا
تجدر الإشارة إلي أن إلوهية الفرعون لم تكن بمعني انه خالق الكون ومدبره أو أن له سلطات في عالم الأسباب وإنما كان يدعي الإلوهية بمعني انه حاكم الشعب بشرعيته وقانونه وانه باراته تمضي الشئون وتقضي الأمور كما أن المصريين لم يتعبدوا إلي الفرعون بمعني تقديم الشعائر التعبدية ولكن تجدر الإشارة إلي أن عدداً من الملوك العظام قد تم تأليههم في حياتهم أو بعد موتهم، وأقيمت لهم الطقوس والشعائر، وخصصت لعبادتهم مقاصير ومعابد في أرجاء البلاد. وقد بدأها الملك أمنحتب الثالث في السودان عندما انتشرت الديانة المصرية هناك فشيد معبد في صولب بغية أن يعبد فيه بجوار أمون بل انه رفع زوجه "تي" إلي مرتبة التقديس فشيد لها معبدا في سدنجا "علي مبعده 3ك شمالي صولب " غير أن هناك من يري أن الفرعون لم يعبد بعد وفاته كما كان منتظرا لان ولده اختانون إنما يظهر في معبد صولب بملابس ملكية عادية وليس بالملابس الخاصة بعبادة الملك وان تعبد بعض الموظفين لتمثاله علي أيام حياته أما رعمسيس الثاني فقد ادخل عبادة شخصه بين الإلهة في معابده التي أقامها في النوبة
أما رعمسيس الثاني فهناك لوحة عثر عليها في منف 1915 تشير إلي عبادته وهو حي في مدينة منف والي تعيين اثنين من الرجال واثنين من النساء لخدمة طقوس تماثيله فضلا عن إحصائيات تفصيلية للقرابين اليومية والشهرية المختلفة من الطعام والشراب والإزهار والملابس التي صنعت للتمثال الملكي
واجبات الملك تجاه شعبه:
وفي مقابل الحقوق التي كان يتمتع بها الملك كان عليه عدة واجبات فهو المسئول عن الدفاع عن مصر وحماية حدودها من غارات الشعوب المجارة والطامعة في خيراتها وهو الذي يعمل علي تدعيم العدالة ونشر لواء الحق بين أفراد شعبه إقامة المعابد للإلهة وتقديم القرابين لها والاحتفال بأعيادها وإقامة الطقوس الدينية المختلفة ومن عجب أن واجبات الملك نحو شعبه لم تكن تنتهي بوفاته وإنما تستمر في حياته الاخري ذلك لان الملك المؤله فيما يعتقد القوم لا يمكن أن يموت وإنما يبدأ حياه خارقة للطبيعة حياة تكون فيها الوسيط بين الأموات من الناس وبين الإلهة فيظل الحامي الشفيع الذي يرعي الموتي كما كان يرعي الإحياء ومن هنا جاءت لهفة القوم علي تشييد مقابر ضخمة للمحافظة علي جثة الملك من كل أذي ولتهيئ له وسائل خاصة ملائمة وخالدة
|