جهاد ناصر تكتب
المنارات نوع عرف علي السواحل قبل عصر الأسكندر الأكبر وتعتبر منارة الإسكندرية من عجائب الدنيا السبع القديمة . وقد شيدت المنارة في عام 280\279 ق.م في عصر بطلميوس الثاني علي يد المهندس سوستراتوس والذي أذن له الملك البطلمي بنقش اسمه علي هذا الصرح كنوع من الاعتراف بالفضل وقد صاغ الإهداء إلي الإلهة لهؤلاء الذين يسافرون بواسطة البحر وقد قام الرومان بتقليد منارة الإسكندرية مباشرة في مناراتهم مثل منارة cartage و Ostia بالرغم من تعدد الأبحاث التي تناولت شكل المنارة إلا أن دراسة العالم تيرش يعتبر من أهم المراجع الآن نظرا لاعتماد دراسته علي مباني مشابهة لشكل المنارة مثل بقايا المنارة بالقرب من أبوصير بمريوط والتي تعتبر صورة مصغرة من منارة فاروس وكذلك نجد شكل المنارة ممثلا علي أحد الفوانيس الرومانية المعروضة بالمتحف الروماني وعلي أيه حال فقد بلغت تكلفة بناء منارة الإسكندرية حوالي 800 تالينت (حوالي 2000 جنيه إسترليني في الأيام الحالية ) وهي تكلفة رخيصة للغاية ولقد سخر العبيد في إنشائها وقد بنيت المنارة من الأحجار المنحوتة التي استخرجت من محاجر المكس وعملت لها حلي بديعة من المرمر والرخام والبرونز وأقيمت فيها أعمدة كثيرة جرانيتية استخرجت خصيصا من محاجر أسوان ولا تزال آثار هذه الأعمدة الجرانيتية موجودة إلي الآن حول طابية قايتباي في قاع البحر ويقال أن البناء كله كان منيعا صلدا بمعني انه لا يسمح بنفاذ الماء وصامدا لأمواج البحر المتلاطمة التي كانت تنكسر علي الكتلة الحجرية التي بني منها.
وأقيمت المنارة علي قاعدة واسعة مربعة وكان المدخل لهذه المنارة في الجهة الجنوبية ويؤدي إلي المدخل درج وقد شيدت المنارة علي الطراز البابلي علي هئية ثمانية أبراج كل فوق الأخر وكل منها اصغر حجما من الذي أسفله. الطابق الأرضي مربع الشكل ارتفاعه حوالي 60م به مالا يقل عن أربعمائة حجرة كان يقيم فيها العمال والحرس وتوضع بها الآلات والوقود وغيرها والطابق الثاني مثمن ارتفاعه حوالي 30م والثالث مستدير الشكل وبداخل البناء سلم حلزوني وربما كان السلم مزدوج يتوسطه اله رافعة تستخدم في نقل الوقود إلي المنارة في قمة المنارة كان توجد مجمرة عظيمة يخرج منها عمود من النار يظل مشتعلا بصفة مستمرة طوال الليل ويتحول إلي عمود دخان أثناء النهار أما عن الجزء الداخلي للمنارة أو ما يوجد في باطنها فمعلوماتنا قليلة للغاية وطبقا لما يرويه العرب الأوائل فإن المنارة كانت مبنية من الزجاج وأن سوستراتوس أجري اختبارات علي أنواع مختلفة من الأحجار والذهب والفضة والنحاس والرصاص وغيرها فوجد أن الزجاج هو أفضل هذه العناصر والمعادن جميعا في القرن السابع كانت المرأة الضخمة التي توجد في المنارة تعتبر من أروع وأعظم معالمها بل أكدت بعض الأساطير انه كان من الممكن خلال هذه المرأة رؤية ومشاهدة كل ما هو موجود في مدينة القسطنطينية وانه من الممكن أن تعكس هذه المرأة الضخمة أشعة الشمس فتتسبب في حرق كثير من السفن التي تعبر أمامها في البحر علي بعد 100ميل وعلي أيه حال فقد بقيت منارة الإسكندرية تؤدي وظيفتها في إرشاد السفن حتي الفتح العربي عام 641 ثم توالت عليها الكوارث ففي عام 700م سقط المصباح وتهدم الطابقان العلويان ثم قام احمد بن طولون عام 880م بترميمها إلا انه في حوالي 1100م حلت بها كارثة أخري وهي سقوط الجزء المثمن الأضلاع اثر زلزال عنيف ولم يتبق منها سوي الطابق الأول المربع الشكل الذي أصبح بمثابة نقطة مراقبة وشيد فوقه مسجد ثم حدث زلزال أخر في أواخر القرن الرابع عشر أتي علي البقية من البناء وتبعثرت الأحجار المتخلفة عن سقوطه في أنحاء الجزيرة وفي عام 1480م أقام السلطان قايتباي علي أنقاضها حصنا وذلك بسبب تهديد الأتراك حينئذ بغزو مصر ثم جدد محمد علي هذا الحصن الذي هدمه الانجليز بقنابلهم عام 1882 عند احتلالهم أرض مصر وأخيرا قامت مصلحة الآثار بترميم البناء وتقويته في السنوات الأخيرة وقد نسبت إلي المنارة بعض الغرائب منها أن المرأة العجيبة التي كانت تحملها في أعلاها فهي احدي عجائب الدنيا حيث يري الجالس تحتها مدينة القسطنطينية ويمكن أن يشاهد فيها كل مركب يقلع من سواحل البحر كلها والي جانب المرآة قيل أن المنارة كانت تحمل في رأسها تمثالا يشير بسبابته نحو الشمس أينما كانت وتمثالا يشير إلي البحر إذا قرب العدو يطلق دويا هائلا علي إيه حال فقد كانت المنارة مبجلة عند السكندريين الذين خصصوا لها يوما جعلوه عيدها السنوي وكان يوم الخميس دائما ويبدو انه كان خميس العهد وانه حرف ليسمي خميس العدس بعد أن أصبح طعام يوم العيد هو العدس وكان الناس يصعدون في هذا اليوم إلي أعلي يتأملون بنيانها ويطلون أعلاها إلي البحر وعلي معالم المدينة ويصلي من يريد التبرك بالصلاة في مسجدها وذلك من الصباح إلي أن ينتصف النهار وتجدر الإشارة إلي أن للمنارة أثرها في العمارة الإسلامية وخاصة في شرقنا العربي وبلاد المغرب العربية واعتقد أن منارة الإسكندرية كان لها تأثيرها علي بناء أبراج الكنائس في مصر والشام وان هذه الأبراج أوحت إلي العرب ببناء مآذن المساجد ابتداء من النصف الثاني للقرن الأول الهجري وأقدم نماذج تذكرنا بشكل منارة الإسكندرية هي مسجد الجامع بالقيروان وصفاقس والمسجد الجامع بقرطبة |