الدكتور ناصر الكلاوى يكتب:
ترجع الجذور التاريخية لمشروع حفر قناة السويس الى عهد سنوسرت الثالث ، حيث تم حفر قناة تصل فرعى النيل بالبحر الاحمر ، و عرفت باسم قناة سيزوستريس ، او ترعة الفراعنه ، او ترعة الملوك . ثم قام سيتى الاول من ملوك الاسرة التاسعة عشر بتطهيرها و استخدمها فى التجارة و الرحلات ، ثم اعاد دارا الاول ملك الفرس حفرها و تم استخدمها فى التجارة بين مصر و بلاد فارس ، ثم اعاد الامبراطور تراجان الرومانى فتح الترعة للملاحة .
و بعد الفتح الاسلامى لمصر على يد عمرو بن العاص عام 21 هجرية تم اعادة حفر هذا الخليج ، و ذلك من أجل سهولة الوصول الى مركز الخلافة الاسلامية فى مكة ، و تيسيرا على حركة التجارة و النقل .
و لقد أبدى نابليون بونابرت اهتماما بالمشروع أثناء الحملة الفرنسية على مصر 1897م ، و فى 30 نوفمبر عام 1846م تم تأسيس جمعية للدراسات الخاصة بقناة السويس فى باريس ، و قام وفد من هذة الجمعية بمقابلة محمد على باشا لعرض فكرة حفر قناة تربط البحر الاحمر بالبحر الابيض المتوسط ، و لكن محمد على رفض المشروع لأنه تخوف من التعديات التى سوف تلى ذلك ، و تدخل الدول الاجنبية فى الشئون المصرية .
و لكن ديلسبس استطاع الحصول على امتياز حفر قناة السويس فى نوفمبر عام 1854م فى عهد سعيد باشا ، على ان يتم استغلال القناة بمعرفة الشركة الفرنسية صاحبة الامتياز لمدة تسعة و تسعين عاما تبدأ من تاريخ افتتاح القناة .
و كانت شروط حفر القناة مجحفة لمصر ، لأنها ألزمت الحكومة المصرية بحفر ترعة مياه عزبة لموقع القناة ، و حصول الشركة صاحبة الامتياز على بعض الاراضى المحيطة بالقناة ، و قيام العمال المصريين بالعمل فى اعمال الحفر ، و لقد توفى جراء ذلك 100 ألف شهيد .
و فى 17 نوفمبر عام 1869م كانت البشرية على موعد مع حدث فريد وهو افتتاح قناة السويس للملاحة العالمية ، فى حضور فرنسوا جوزيف إمبراطور النمسا ، و فريدريك ديليها ممثل ملك فرنسا ، و غياب السلطان العثمانى لعدم توجية الدعوة اليه ، و شارك 6 آلاف شخص من اوربا و 500 من الطهاة .
و كان لحفر القناة تأثير ايجابى تمثل فى عائد اقتصادى يقدر بنحو 35 مليار جنية مصرى تدخل الخزانة العامة للدولة ، و تشييد العديد من المدن مثل بورسعيد ، و الاسماعيلية ، و السويس ، و بورفؤاد .
و نتيجة رفض الدول الاوربية لتمويل مشروع بناء السد العالى ، قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم شركة قناة السويس ، و كان رد فعل الدول الاجنبية هو القيام بالعدوان الثلاثى على مصر .و استيلاء اسرائيل على سيناء عام 1967م ،وتوقف حركة الملاحة فى قناة السويس بسبب العمليات الحربية .
و بعد انتصار الجيش المصرى على إسرائيل فى 6 اكتوبر عام 1973م وتحرير شبة جزيرة سيناء ، تم تطهير القناة وتأهيلها للملاحة الدولية مرة أخرى ،و قام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بإعادة افتتاح قناة السويس في 25 نوفمبر عام 1975م .
و فى عهد مبارك، قامت هيئة قناة السويس بأعمال هامة فى تعميق المجرى المائى للقناة و تمكنت نتيجة ذلك من الحصول على 10% من حجم التجارة العالمية .
و فى عهد حكومة الدكتور كمال الجنزورى، تم البدء فى مشروع شرق التفريعه ببورسعيد و الذى يضمن انشاء ميناء و منطقة صناعية ، و فى مدينة السويس تم انشاء ميناء السخنة و منطقة صناعية ، و لكن للاسف الشديد لم يتم استكمال مراحل هذا المشروع العملاق لرحيل حكومة الجنزورى بعد ذلك .
و مع مطلع هذا الشهر، شهدت مصر حدث تاريخى وهو اعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى بدء مشروع انشاء قناة مائية موازية لقناة السويس بطول 25 كليو متر ، و سوف يشارك فى هذا المشروع العملاق عدد 44 شركة مقاولات مصرية ، و سوف يتم استخدام عدد 5000 معدة ، و عدد 15 ألف عامل و مهندس ، و سوف يصاحب هذا العمل تعميق المجرى الملاحى الحالى للقناة و توسيع المجرى الملاحى الحالى لقناة السويس ، مما سوف يسهم في زيادة الدخل السنوى لمصر .
و منذ ايام اعلنت الحكومة المصرية اسم المكتب الهندسى الذى سوف يقوم باعداد المخطط العام للمنطقة و كيفية استخدام الاراضى المحيطة بقناة السويس فى اقامة مناطق صناعية جديدة ، استصلاح اراضى جديدة ، و اقامة مناطق خدمات ، و اقامة 6 انفاق جديدة تحت قناة السويس .
ان شعوب العالم و الشعب المصرى فى انتظار اللحظة التاريخية التى سوف تنطلق فيها المياة فى القناة المائية الجديدة ، لانها سوف تكون لحظة فارقة نظرا لانها سوف تساعد على ازدهار التجارة بين شرق و غرب العالم ، كما انها سوف تعطى النظام السياسى القائم شرعية شعبية هائلة ، تساعد على تدعيم النظام السياسى الجديد الذى يتشكل فى مصر الان .
ان بداية انطلاق المشروع رائعه ومبشرة و تدعو للتفاؤل ، و لكننا فى انتظار نهاية ناجحة للمشروع ، و يجب على الحكومة دراسة الاخطاء التى صاحبت تنفيذ المشروعات العملاقة الأخرى مثل مشروعات توشكى و شرق التفريعة و العين السخنة.
ان قناة السويس تمثل انتصار ارادة الامة المصرية عبر العصور التاريخية المختلفة .
|