إنه أعظم مهندس معماري عرفته الحضارة الإسلاميةعلي وجه العموم وتركيا العثمانية على وجه الخصوص ،وله الفضل في رؤيتنا لهذه الصروح المعمارية الرائعة البناء في تركيا بصفة عامة واسطنبول بصفة خاصة .
عاشت الإمبراطورية العثمانية عصراً ذهبياً تاريخياً، أسدل عظمته على أرجائها الشاسعة، وبلغت منشآتها من الرقي والعظمة ما لم تبلغه اي حضارة اخري علي يد المعماري سنان، الذي عرف بلقب أبي العمارة التركية . ولقد دخلت العمارة العثمانية طوراً جديداً متميزاً على يد المهندس العبقري المعماري سنان باشا، الذي يضعه بعض المستشرقين على قائمة أعظم عباقرة الفن المعماري في العالم، إلا أنه حاول بعض الباحثين الغربيين أن يجد له أصلاً "مسيحيا" يونانياً أو ألبانياً ضناً بعبقريته على الإسلام والمسلمين، ولكن واقع الحال يكذب ذلك فأصغر التفاصيل في منشآته تنطق بأنها إسلامية خالصة.
بدايةً نشـأته:-
ولد سنان باشا عام 1489م في قرية أغير ناص التابعة لولاية قيصرية في هضبة الأناضول، وعرف منذ صغره بحبه لشق قنوات المياه وبناء الأكواخ، ولصقل موهبته الفنية،وفي عهد السلطان بايزيد الثاني انضم إلى صفوف الجيش العثماني، وشارك معه في غزوات عدة، وبعد انتقال الحكم إلى السلطان سليم الأول تبوأ سنان مكانة هامة في الجيش، تقديراً لجهوده في وضع تصميمات البناء لمراكز وتجمعات الجيش العثماني وإنشاء الجسور والقلاع والحصون الحربية، غير أن تفوقه العمراني برز أكثر خلال فترة حكم السلطان سليمان القانوني الذي عينه كبيراً لمهندسي الدولة العثمانية، وذلك لسرعة إنجازه جسراً فوق نهر بروت وأخر على نهر الدانوب وغيرها من الأبنية المشادة لخدمة الدولة العثمانية.
تميز سنان باشا بغزارة الإنتاج التصميمي، حيث شيد أربعمائة صرح معماري في أرجاء تركيا والعالم. تمثـل أعمال سنان بتصاميمها المتقنة وبنائها المتين المتميز بنقوشه وزخارفه صفحة ناصعة في تاريخ فن العمارة الإسلامية، حيث شيد خلال مسيرته المهنية الطويلة عدداً كبيراً من المباني ذات الوظائف والمضامين المختلفة، على رقعة جغرافية شاسعة بامتداد الإمبراطورية العثمانية، من بلاد البلقان وحتى مدينة مكة المكرمة في شبه الجزيرة العربية. وماتزال العديد من الآثار العمرانية الهامة تشهد على عبقريته وإبداعه وتحمل توقيعه في العالم العربي، كمجمع الخسروية في مدينة حلب، والتكية السليمانية في مدينة دمشق، كما قام سنان بترميم قباب الحرم المكي الشريف في مكة المكرمة، إضافة إلى إنجازاته الأخرى في كلا من المدينة المنورة والبصرة والقدس . ومن أشهر المساجد التي شيدها المهند س المعماري سنان ولا تزال شاهدة علي عبقريته الفذة في مجال العمارة .
جامع السليمية :-
وهو الجامع الذي بناه سنان عام 1568 في عهد السلطان سليم الثاني بن سليمان القانوني فوق أعلى ربوة في مدينة أدرنة، وأنهى بناءه بعد ست سنوات، وكان يبلغ من العمر حينذاك أربعة وثمانين عاماً. يعد جامع السليمية بهندسته أعظم وأجمل إنجازات سنان الإبداعية برأي خبراء ومختصي فن العمارة، إذ تمكن بتصميمه الهندسي من التفوق على هندسة كنيسة أيا صوفيا، بإنشاء قبة أعلى من قبتها بمقدار ستة أذرع وأعمق بأربعة أذرع. والخبراء فيه ويمكن أن نقول أن جامع السليمية يعد الشاهد الحي على عبقرية سنان وخبرته في الهندسة البنائية وتنظيم المدن، كما يعتبر أحد رموز فن العمارة العثمانية الكلاسيكية والإسلامية، يشهد على ذلك موقعه فوق تلة مرتفعة، ليستطيع زائر مدينة أدرنة مشاهدتها من أنحائها كافة، وكما تثبت هندسته الداخلية منها والخارجية، تفوقها على تصميم كنيسة آية صوفيا البيزنطية الطراز، فقد كان سنان شديد الإعجاب بتصميم الكنيسة الفريد، وفنونها العمرانية العريقة، وأراد بناء صرح عمراني يفوقها عظمة وجمالاً، ولتحقيق حلمه المنشود اطلع على أدق التفاصيل الهندسية للكنيسة، وخصص من وقته الكثير لتأمل ودراسة بنائها والتعمق في تخطيطها العمراني، متمكناً في النهاية من اكتشاف سر عظمتها ومعرفة خفايا هندستها البنائية المميزة، ما ساهم في توسيع مداركه المعمارية وإثرائها بفنون عمرانية أكثر تطوراً وإبداعاً، ليتجلى ذلك واضحاً في تحفته العمرانية، جامع السليمية، الذي يؤكد خبراء العمارة والباحثين تفوق بنائه الهندسي وفنونه على كنيسة آية صوفيا التحدي الأهم الذي أوصله إلى القمة في إنجازاته .
وقد جاء في كتاب « تذكرة البنيان » التي أملاها المهندس سنان باشا، حيث وصف رائعته - مسجد السليمية - بقوله : ( و ترتفع المآذن الاربع عند اركان القبة الاربعة، ولكنها ليست غليظة كالبرج، مثلما هي الحال في مآذن « اوجه شرفلي » ولا يخفى بالطبع ما هناك من صعوبات تواجه بناء مآذن سامقة كمآذن السليمية، التي تضم كل منها في نفس الوقت ثلاثة سلالمات منعزلة، واذا كان قد شاع بين المهندسين المسيحيين القول بتفوقهم على المسلمين، لأنه لم تقم في العالم الاسلامي كله قبة تضارع او تنافس قبة ايا صوفيا، ربما يكون من الاعمال العسيرة، ولهذا قررت ـ مستعينا بالله ـ إقامة هذا المسجد، في عهد السلطان سليم خان ( يقصد الثاني )، جاعلا قبته أعلى من آيا صوفيا بمقدار ستة اذرع، واعمق بمقدار أربعة أزرع .
جامع السليمانية :-
يعد جامع السليمانية من أشهر أعمال سنان المعمارية المنجزة في عهد السلطان سليمان القانوني. ففيه قدم سنان تصميماً جديداً وجرئياً أحدث تحولاً هاماً في فن العمارة العثمانية والإسلامية، بني عام 1557 على ربوة عالية مطلة على القرن الذهبي، وأُلحِقَ به دار لإطعام الفقراء ومشفى ومدرسة للطب وحمام ودار للكتاب وأربع مدارس عليا وعدد كبير من الحوانيت، وفي الجهة الخلفية للجامع يوجد مدفن يضم ضريحين، أحدهما للسلطان سليمان وأخر لزوجته، بينما تموضع ضريح سنان باشا الذي شيده بنفسه على مقربة من الجامع، وترمز مآذن الجامع الأربع إلى أن السلطان سليمان القانوني هو رابع السلاطين العثمانيين منذ فتح القسطنطينية، بينما تشير الشرفات العشر إلى أن السلطان هو عاشر سلاطين آل عثمان منذ عهد مؤسس الدولة العثمانية، وبذلك يكون قد حقق سنان رغبة السلطان سليمان القانوني.
جامع شاهزاده :-
بنى سنان جامع شهرزاده عام 1544 بأمر من السلطان سليمان القانوني في مدينة اسطنبول تخليداً لذكرى ولده شهرزاده محمد، وقد استغرق بناء هذا الجامع أربع سنوات، وكان قد بلغ من العمر أنذاك أربعة وخمسين عاماً. يلحق بالجامع المبني على هيئة هرمية مدرجة مجمع مؤلف من مدرسة ودار ضيافة موزعة بتناسق بديع.
لقد مر تطور هذا المعماري الفذ في ثلاثة مراحل -:
أولها:- عندما كان صبيا يتعلم الفن المعماري بنى مسجد شاه زاده ( التحفة النادرة).
ثانيها عندما أصبح معماريا متمكنا بنى جامع السليمانية ( الجوهرة الفريدة ).
ثالثها عندما أصبح أستاذا في فن العمارة بنى مسجد السليمية ( الدرة الجميلة (.
توفي ابو العمارة التركية سنان باشا عن عمر تجاوز المائة عام ودفن في ضريح خاص به بجوار جامع السليمانية بإستانبول .
|