بقلم الباحث / محمود فرحات
تعتبر هذه المعركة هي أول معركة بحرية مصورة عرفت في التاريخ العالمي وقد سجلت وقائعها على جدران معبد رعمسيس الثالث الجنائزي بمدينة هابو بالاقصر، وظهرت فيها كل الحركات الحربية التي جرت خلال المعركة بشكل رائع
وقد وقعت احداثها حوالي عام 1178 أو 1175ق.م تقريباً ودارت عند مصب النيل بين الاسطول المصري ومجموعات أطلق عليهم شعوب البحر وهم قبائل (البلست والشردين والمشوش والتجيكر..وغيرها) والذي نشروا الفزع في شرق المتوسط ودمروا مدنه واحرقوها، فلم تسعى شعوب البحر إلى غنائم الأرض فقط وانما كانوا يريدون ارض للاستيطان بها وقد كانت مصر هي اختيارهم الأمثل
و دائماً كان قدر مصر انها حينما تتعرض لخطر يهيئ لها الله من ابنائها من ينقذها من ذلك الخطر وكانت مصر في تلك الفتره قد حاصرها خطر هجوم الليبو من الغرب وشعوب البحر من الشمال والشرق، ويعد ذلك الهجوم من أخطر التهديدات التي واجهتها مصر القديمة على الإطلاق ولا يقل في ذلك عن غزو الهكسوس لمصر خلال الاسرة الثالثة عشر، ولكن ابناء مصر كانوا في انتظار الموعد هذه المرة فقد قدر ان يحكم البلاد احد شبابها الاشداء وهو رعمسيس الثالث رأس الاسرة العشرين والذي لولا شجاعته وحسن تدبيره لحلت بالبلاد كارثة
شعوب البحر هو الاسم الذي أطلقه المؤرخين والأثريين على مجموعة من الشعوب القديمة التي أتت في موجات مهاجرة هاجمت الممالك الواقعة شرق حوض المتوسط، ومن بينها مملكة مصر فترة حكم الأسرتين التاسعة عشر والعشرين، والتي أدت هجماتهم إلى سقوط الإمبراطورية الحيثية وإضعاف المملكة المصرية بشكل كبير وتدمير العديد من مدن شرق المتوسط كمدينة أوجاريت.
وأقدم ذكر لشعوب البحر يعود إلى نهاية القرن الثالث عشر ق.م حيث ذكر الملك مرينبتاح قائمة من الشعوب التي انتصر عليها وكان من بينها شعوب البحر
تجددت هجمات شعوب البحر في عهد رعمسيس الثالث حيث قاموا بعدة حملات على مصر كان أولها في السنة الخامسة من حكمه حيث شنوا هجوماً مشتركاً مع حلفائهم الليبو (الليبين) على حدود الدلتا الغربية، وحاولوا الوصول إلى مدينة منف، فاستطاع رعمسيس صدهم، وهزمهم هزيمة منكرة، ثم عادوا في السنة الثامنة من حكمه وفي هذه المرة استطاع ملك مصر الشجاع بمعونة جيشة واسطوله من سحقهم واستئصال شأفتهم وإبعاد خطرهم بشكل نهائي عن مصر وعن غرب آسيا وقد سجل تفصيلات انتصاراته على جدران معبده في مدينة هابو الواقعة على البر الغربي للعاصمة طيبة حيث كان دفاع الجيش والاسطول المصري في تلك الحرب مستميتا فقد كانت مصر تحت الحصار تقريبا وتدافع عن وجودها ضد الاحتلال وتصف لنا النصوص التى وصفت هذه المعركة بقولها: "انتفض جلالته عليهم وجيشه كلهب نار منتشر في هشيم كثيف فسقطوا غارقين في دمائهم واقتيد كل من بقى منهم حيا أسير الى مصر"
ونجد رعمسيس الثالث نفسه يصف المعركة بقوله:
"هؤلاء الذين وصلوا الى حدودي قد فنيت بذرتهم، وقضي على قلبهم وروحهم الى ابد الابدين، اما اللذين قدموا بحراً الى الشاطئ فأن اللهيب كان بأنتظارهم عند مصبات النيل، في حين ان سياجاً من الحراب كانت بانتظارهم على الشاطئ، وانتهى بهم الامر ان جروا الى الشاطئ محاصرين ومطروحين ارضاً على الجسور قتلى مكدسين اكواماً عن بكرة ابيهم، وامتعتهم سقطت في الماء"
والمنظر المسجل على جدران معبده يسجل اسطول العدو المؤلف من خمسة سفن تطاردها اربعة سفن من البحرية المصرية بكل قوة وعنف حتى انحل الاسطول المعادي انحلالاً
بينما نجد رعمسيس الثالث اثناء المعركة يقف على الشاطئ ومعه رماته يرسلون وابلاً من السهام والرماح على العدو المهزوم لا محال
حقاً إنها تضحيات كثيرة بذلها اجدادنا لنحيا على هذه الارض في سلام.. فذهبوا هم لخلودهم.. وبيقنا نحن لنحمل اللواء... |