الأربعاء, 1 مايو 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

مصر في عقل أبو الهول
"سياحة الفكر"

مصر في عقل أبو الهول 
 -سياحة الفكر-
عدد : 04-2015
بقلم الدكتور/ إبراهيم حسن الغزاوي
المهنة: مواطن مصري
eommar@hotmail.com
algh0031@umn.edu


باعدت بيننا الأيام... أشعرتني بالتقصير ناحيتك... فما كنت أود أن أبتعد وأنت تدنو بلا كلل ولا زهق منا ومن مشاكلنا ... كلمات فكرت أن ابدأ بها اعتذاراتي له .. فقد غيبتني الظروف لأشهر ... شغلتني الوسيلة والكلام فكيف أبرر بعدي عنه وهو الذي لم يغضب منا نحن المصريين منذ آلاف السنين..رغم أننا تاريخيا قد أهملناه وتركناه وحيدا ومهجورا..ينعي حاله وقبله حالنا ..فلا هو استراح ولا نحن تقدمنا لحيث يسعده أن يرانا في مقدمة الصفوف بين الأمم... نعم ..لقد تراجعنا كثيرا وهو لازال على حاله صامدا..صبورا..مليئا بالرجاء أن نستفيق ونعيد ما فقدناه من مجدنا وعزنا...
ويبدو أنني قد استغرقتني أفكاري وأنستني أنني قد بلغت أعتابه ... ووجدتني وجها لوجه معه..ولم اعد لنفسي إلا عندما أتاني صوته واثقا مجلجلا كعادته يشق الأفق ... ها أنت قد عدت .. انتظرتك وعلمت أنك قادم...
ونظرت لوجهه المحبب لنفوسنا في مصر فوجدته باسما ووادعا..فعادت لنفسي سكينتها ..وبدأت استجمع أفكاري لحوار ثري..عودني عليه ... وقطعته لظروفي ..فاشتقت إليه ... وها أنا في حضرته ... شامخا شموخ الزمان..باسقا في أنفة وعز ما بعده عز ... واثقا بنبل الخالدين ... ثم إنني لما نظرت إليه غمرني بهاؤه ..فضاعت مني الفكرة ... فلم أدر ماذا أقول...
وببدو أنه علم بما يدور في نفسي، لأنه ابتدرني بقوله ... أعلم انك تريد مسارا لكم... وأعلم أنكم في حاجة لكل عمل حكيم ..يعيد لكم مكانتكم بين العالم .. ويضعكم في مرتبة الأكرمين التي تستحقونها... أليس كذلك؟
أذهلتني المباغتة ...وكأنه قرأ ما في نفسي ... ولكنني تجرأت وأجبته مباشرة دونما إبطاء أو تلعثم... نعم يا حكيم الحجر ويا مصباح البشر ... نحتاج لحكمتك في إنارة الطريق ... فقد تكالبت علينا الخطوب.
أعلم يا بني ...قالها بتحسر أشعرني بالقلق على وطني .. حديثي لك اليوم مختلف ...تابع حديثه : ولعلكم تعقلون يا أبناء المحروسة... فقد حباكم الله بفيض من النعم لكنكم اثاقلتم إلى الأرض ..واستمرأتم الثبات..فضعفت شوكتكم وطفا بوؤسكم ..وتهاوت مكانتكم ... واليوم لدي لكم ما ينفعكم ...
قل لي يا حامي الأثر ..ويا قاهر الضجر ... فقد غلبتنا شقوتنا ... هل تحدثني عن الآثار الثمينة التي تنتشر بمصر ؟
يا بني ... ليتكم تعلمون أن تلك الآثار هي جزء مما حباكم المولى به... وليتكم تفطنون لمواطن الثروة فيها وفي غيرها..وتتعلموا كيف تبنوا عليها ومنها مستقبلا زاهرا لكم و لأبنائكم ...زدني يا فيلسوف الزمان .... سألته ... ألم يهبكم الله عقولا نابهة؟ وأقطابا إنسانية فارهة ؟ وعمالقة أثروا العالم العربي بل وخارجه من سنوات وسنوات بالفكر المستنير والعقل الفطن والعلم المفيد؟ ...لم أفهمك يا سيد المكان ... أجبته دونما تبصر بما أقول وقد أرسلتني كلماته لمتاهات بلا حدود.
يا بني ... لقد جعل الله مصر دوما منبعا للحكمة ومنطلقا للعلم بكافة فروعه..لقد أخرجت مصر للبشرية نوابغا لا نظير لها ... لكنكم لا تعو ما لديكم ... وهذا تقصير سيحاسبكم عليه خالقكم..لأنكم لم توصلوا رسالة الحكمة لباقي العوالم حولكم..واكتفيتم بالانكفاء على حالكم ...كيف يا سيدي ؟ لقد أربكتني.... يابني ... لماذا تتصورون أن السياح من كافة البقاع يأتون إليكم فقط لمشاهدة الأثر؟ أو لرياضة البحر ؟ أو لركوب الصحر؟ صحيح أن ذلك جزء من واقع..لكن السائح هو إنسان ويحتاج لكل ما يثري الإنسان من متعة الجسم ومتعة العقل ومتعة الروح..لكنكم لا تعقلون...سيدي ..اغفر ضيق فهمي وزدني... قلت له باستكانة المحتار ...
يا بني... لن أغلظ عليك وأنت غر لم تبلغ من العمر شيئا مذكورا..سأذكرك بمن تعرفهم يقينا ممن قرأت لهم وسمعت منهم وعنهم ، وكذلك غيركم من المصريين والعرب.. هل تعلم طه حسين؟ وهل سمعت عن العقاد ؟ وهل صدحت في أذنك أبيات شوقى وحافظ؟ وكيف وجدت فلسفة محمد زكي عبد القادر وزكي نجيب محمود؟ ثم كيف رست بينكم حكمة خالد محمد خالد ، ومتعة أدب نجيب محفوظ وإبداع السباعي وعبد القدوس ؟ الم تطرب أذنك طربا شجيا حزينا بمسرحية الحسين شهيدا للشرقاوي؟ ألم تهتز غبطة وأنت تسمع أم كلثوم؟ وبذكرها فكيف بك وشعر ناجي ؟ وموسيقى العمالقة مثل عبد الوهاب والطويل والقصبجي ؟ وهل لمست رقة إبراهيم ناجي وفيض عاطفة أحمد رامي ؟وماذا فعلتم بذكر سيد درويش ؟ ثم ألم تسمع بعالمكم الجليل مشرفه؟ أو المشد ؟ أو سميرة موسى؟ أو لم يصلكم استنارة الإمام محمد عبده أو حكمة الطهطاوي...هل سمعت عن المازني والمنفلوطي ؟ وأبطالكم القوميين في زمنكم الحديث ... حيث التحمت دماء وعقول مسلميكم مع مسيحييكم أيام سعد زغلول و النحاس ؟ وهل تعرف سينوت حنا الذي تلقى مختارا طعنة غدر بدلا من النحاس في المنصورة ومات على أثرها ضاربا مثلا مبدعا في التحام المصريين ؟ وهل تذكر الإمام عبد الحليم محمود والإمام الشعراوي والبابا شنودة ؟ ..هل تريد المزيد؟
فاجأتني كلماته ..وأغرقتني الأسماء العملاقة التي ذكرها .... ولكنني لم افهم ماذا يريد منها... فسألته وعلامات الدهشة ليست خافية على وجهي... ماذا تقصد يا ناظر النهضة ويا مفكر الدهر الذي لا يلين ...
ابتسم أبو الهول في ثقة وتؤدة ...نظر إلي هنيهة ثم ذهب ببصره بعيدا حيث سفح الأهرامات ماثلا بلا حدود أمامه وكأنه يسترجع الزمن ..ثم عاد إلى :
يا بني..أمة قد منحت هؤلاء ، وغيرهم مئات الآلاف على مر تاريخها الثري ، وهذا حالها ، هي أمة تعسة وبائسة..ولو أردتم لكم ولغيركم نفعا لقمتم من فوركم بمشروع قومي كبير ..تقومون فيه بجمع تراث هؤلاء ..وصيانة منازلهم ..وتحويلها لمتاحف وطنية ..يؤمها القاصي والداني.. ولو أنصفتم لجمعتم هؤلاء في موسوعة مقتضبة، ترفق بجوار موسوعات آثار مصر ومناطق الجذب فيها..وتضعونها في صلب برامجكم السياحية ..تقيمون لها الأسابيع الثقافية وتروجون لها في محافل العالم المتمدين الثقافية الراقية وتطوفون بها على العالم ...فيأتي إليكم من كل حدب وصوب من أبناء الإنسانية من يسعى لغذاء العقل، ومن يلتفت لرحيق الفكر وإبداع الأنفس..وهم في العالم مئات الملايين وليس عشرات...
أهي سياحة الفكر والعقل يا سيدي ما تقصده؟ ..سمها كيفما شئت...ألا أنكم إن تفعلوا تحسنوا لأنفسكم ولغيركم ....بتغيير حالكم واستعادة ريادتكم الثقافية والتنويرية التي كانت قد ميزتكم من قبل ..ولعلكم تشعرون بالغيرة من أسلافكم العظماء...فتقوموا من وهدتكم .. والله الذي خلق السماء بلا عمد إن فعلتم وأحسنتم ..لتجعلنكم ثرواتكم تلك على رؤوس الأشهاد بحكمتكم..ثم إنكم ستستفيدون بمعايشكم أيما إفادة..وتعظمون عوائد الثروات التي منحتم إياها لكنكم لم تحسنوا لها إدارة أو تنظيما.
سألته :سيدي نحسن لأنفسنا هذا أفهمه ولكني لا اعلم بما قصدته من إحساننا بغيرنا إن فعلنا ..
"يا ولدي " .. أتتني كلماته معاتبة لكنها حانية .. "ألا تعلم أنكم في مصر اعتدتم في سالف الأزمان أن تكونوا منارة للعالم وأن تقدموا للإنسانية أقباس من النور في شتى مناحي الحياة ؟ وأنكم إن استكنتم واستسلمتم لبؤسكم..حرمتم العالم من مصدرا رفيعا للتنوير والثقافة لا يتاح لغيركم؟ ألا تعلم أنكم إن أتيتم منهل الثقافة من حيث انتهى مبدعوكم ستعيدون لوطنكم ريادته وتعيدون للإنسانية بغيتها من الإبداع الراقي والثقافة الرفيعة والعلم المفيد؟
ولكن يا سيدي .. وما كدت أنطقها حتى استوقفني بيديه حازما .. فعلمت أنه قد اكتفي ..وبالفعل قال لي :كفاك اليوم يا ولدي حديثا ..إذهب واعملوا بما تحدثنا فيه لعلكم تغيرون واقعكم وتستعيدون ما فات منكم...
أطرقت راضيا بالغنيمة اليوم ..وأي غنيمة أثمن مما أعطاني هذا العملاق الهادي في وقار الزمن وشموخ الدوام ..انصرفت وكلماته تجلجل في عقلي وقلبي.. وحكمته فيها بادية ..وعقله فيها لا يباريه عقل ... لعلنا بالفعل نفعلها .. فنعود لركب الزمان ..بعدما فقدنا الذكر في مصاف الأمم النابهة ... اللهم يسر لنا في مصر ما يصلحنا ويعيدنا إلى زماننا .
 
 
الصور :