بقلم الباحث/ مصطفى محمود على
عقدت مؤخرًا ندوة بكلية الآداب قسم التاريخ جامعة القاهرة تحت عنوان "أندلسيات"، وهذه الندوة واحدة من سلسلة ندوات ينظمها منتدى المؤرخ الراحل الأستاذ الدكتور/ عبادة كحيلة للدراسات التاريخية والبينية، دارت حلقات النقاش حول "الفردوس المفقود" أو الأندلس الضائع،وآلمتني كلمة قالها أحد أساتذة التاريخ الإسلامي: "إن الدولة الوحيدة التى نمتلك شهادة ميلادها ووفاتها هى الأندلس"، ثم قال: "أشعر بالحزن المرير وأنا أقرأ عن الأندلس الماجد، الذى كان مَعبرًا للفكر والحضارة الإسلامية إلى العالم الغربي فى عصور اضمحلاله"،وأجدنى أشاركه هذا الشعور بقوة.
رغم تاريخنا الإسلامي الماجد وفضله على أوربا سواء فى المجال العلمي كالكيمياء والفيزياء .. أوْ المجال النظرى كالفلسفة والمنطق وعلم الكلام، حتى قيل إن نهضة أوربا صعدت على أكتاف الإسلام، مُنى تاريخنا بإخفاقات تشيب منها رؤوس الولدان، وما كان هذا التراجع إلَّا لعوامل الفرقة والتصارع على السلطة.
وتقف حيراناً عندما تعلم أنَّ هارون الرشيد أرسل هدية إلى شارلمان،عبارة عن (ساعة رملية) فلمَّا وصلت عندهم أصابهم الهلع منها، وتساءلوا ما هذا الشيء؟ وكان تاريخ إرسال هذه الساعة لم يتجاوز القرن الثانى من الهجرة، إنها عظمة الإسلام وحضارته.
فمن يقرأ تاريخنا يقف مشدوها من كثرة انتصاراته وسماحته، وخاصة عندما يعلم أن صلاح الدين - الذى حرر الأقصى السليب - هو نفسه الذى ضرب مثلا لن يتكرر إلى أن تقوم الساعة، حينما دخل القدس منتصراً، لم يرق أو يهدر دماء الفرنجة،وأمنهم على أنفسهم وأموالهم حتى خروجهم إلى بلادهم، وتقف مشدوها عندما تعلم أن الظاهر بيبرس رد كيد التتار وحطم أرجلهم فلم يستطيعوا أن يتقدموا إلينا قيد أنمله إلا للوراء.
ذكريات قاتله عندما تبدأ بالتفكر فيها وتناقشها فمن الأندلس، إلى بغداد، إلى سقوط الخلافة العثمانية، إلى اختفاء الدولة القوية، إلى استعمار الشعوب، إلى نشر الجهل، وتصدير الثقافة الغربية، إلى الفقر والحرمان.
إنَّ تاريخنا حافل مليئ بالصور الرائعة والانتصارات التى لا يوجد لها مثيل، إنه الايمان فهو نفسه الذى جعل فرسان الإسلام يعبروا البحر بالخيول إلى فارس فاتحين، وبنصر الله مكبرين.
والآن نقف على ذكريات تثير عواطفنا، عندما نعلم أن داعش تستخدم نفس الأسلوب الهمجى الذى استخدمه التتار والمغول قبل ذلك، فكانوا يعتمدون على فظاظتهم فى نشر صورة مروعة عنهم، فما تكاد الأخبار تصل لأى مكان حتى يفروا منه.
أى تاريخ الذي نحياه هذا؟أى عالم الذى نعيش فيه الان؟
ومع ذلك ننتظر صلاح الدين الجديد أوْ الظاهر بيبرس الجديد، الذي يعيد للإسلام رونقه وبهائه وسماحته، ورد أعدائه، ونشر الأمن، أو ننتظر محمد الفاتح الثاني، الذى يوحد الصفوف ويعيد فتح البلدان ليس فتحًا عسكريًا إنما إعادة القيم والروح المسلوبة. |