الدكتور ناصر الكلاوي يكتب :ـ
يلخص المؤسس وليام موريس أسباب إنشاء جمعية حماية المباني العتيقة والإقتراحات الخاصة بذلك قائلاً :ـ لقد ظهر اهتمام جديد خلال الخمسين عاماً الماضية للإهتمام بالآثار فأصبحت محط الكثير من الدراسات ، كما ثارت حماساً دينياً وتاريخياً وفنياً ، وهي ظاهرة تُعتبر من الظواهر الإيجابية لهذا العصر ، لكننا نعتقد أن الطريقة التي نتعامل بها مع هذه الآثار ستفقدها أهميتها وتنفر الأجيال القادمة منها ، من المؤسف أن نصف قرن من المعرفة قد تتسبب في تدمير أكبر من قرون الثورة والعنف والإزدراء التي سبقته.
لقد مات فن العمارة في نفس الوقت الذي ولدت فيه الدراية الحديثة بفنون القرون الوسطي ، إذاً فنحن في هذا القرن ـ القرن التاسع عشر ـ لا نتمتع بتراز معماري خاص بنا لكننا علي معرفة واسعة بفنون القرون السابقة ؛ ما فقدناه الطراز المعمار المميز ، وما اكتسبناه الدراية بالفنون السابقة جعلتنا نصل إلي فكرة ترميم المباني من خلال إعادتها إلي حالتها الأصلية restoration ، وهي فكرة غريبة وقاتلة ، فنحن نعتقد أننا نستطيع أن نمحو من المبني جزء من تاريخه أو من حياته ، ونعيده إلي لحظة تاريخية معينة نختارها نحن علي هوانا وفي الوقت نفسه نبقي عليه تاريخياً وحياً مع إعادته إلي حالته الأصلية.
هذا النوع من التزوير لم يكن ممكناً في العصور السابقة لأن البنائين لم يمتلكوا القدرة المعمارية علي إنجازه ، أو ربما لأن فطرتهم السليمة منعتهم عن ذلك ، فعند إصلاح المبني (للضرورة الإنسانية أو لأسباب دينية أو بسبب طموح شخصي ) كانت التعديلات تتم علي نسق العصر ، أي أن كنيسة من القرن الحادي عشر يدخل عليه تعديلات علي طراز القرن الثاني عشر والثالث عشر إلي القرن الثامن عشر حسب التاريخ الذي رممت به.
كل تعديل دمر جزء من تاريخ الكنيسة لكنه ترك تاريخاً أخر مكانه ، تاريخاً حياً ينطق بروح عصره ؛ والنتيجة مبني تظهر علية تعديلات كثيرة قد تتعارض في الشكل مع النسيج الذي أدخلت عليه لكنها نتيجة لهذا التناقض الواضح تحكي حكاية دون تزوير ،علي الجانب الأخر من يقومون بالترميم restoration اليوم يدعون أنهم يعيدون المبني إلي أصله لكنهم في حقيقة الأمر لا دليل لهم سوي نزواتهم الشخصية فهم يحددون ما يجب إزالته علي أساس ذوقهم الشخصي ، كما أن هدفهم في إعادة الشيء إلي أصله يحتم عليهم إزالة التعديلات اللاحقة واستبدالهم بتصورهم عما بناه البناؤون الأصليون ، كما أن عملية الإزالة والإضافة هذه تعبث بأسطح المبني وتأخذ من روحة القديمة والنتيجة النهائية هي مسخ ضعيف لا حياة فيه يجعل المتلقي لا يكف عن التكهن عما فقد في عملية الترميم.
من المؤسف أن هذه الظاهرة أفقدتنا معظم كنائسنا الرئيسية والكثير من المباني الأخرى الأكثر حجماً، وأن من قام بهذه الأعمال رجال ذوو موهبة يستحقون فرص عمل أفضل من المتاح ولكن أذانهم صمن عما يقوله التاريخ من شعر من خلال هذه المباني.
ويضيف الإعلان قائلاً :ـ "نحن نتوسل للمعمارين قبل الحماة الرسميين للآثار وقبل جمهور العامة للحفاظ علي القليل المتبقي ، ونرجو أن يتذكروا كل ما فقد معتقدات وتاريخ وأفكار وعادات الماضي."
وعادات الماضي هي أمور اتفق الجميع أنها لا تُسترجع ، أي أنه لا سبيل إلي إعادتها إلي أصلها ، وبالتالي لا سبيل إلي استرجاع المباني أيضاً فهي تجسيم لهذه الأمور بل أن روحها جزء لا يتجزأ من معتقدات وتاريخ وعادات الماضي ، ونحن بدورنا نؤكد أن الأعمال التي تمت لإعادة المباني إلي أصلها تعني في أسوأ أحوالها المحو الأهوج لأكثر الملامح دلالة بالمبني. أما في أفضل أحوالها فهي تشبه أعمال ترميم اللوحات الفنية القديمة حيث يقوم مرمم عديم الدراية ونصف موهوب بتنظيف وتهذيب عمل الفنان القديم المندثر جزئياً.
وأخيراً إذا أردنا تحديد أي نوع من الفن وأي طراز غي الميني جدير بالحفظ تقول أنه كل ما ننظر إليه علي اعتباره فن أو جميل أو تاريخي أو أثري ، باختصار هو أي عمل يلفت نظر المتعلمين المقدرين للفن ويثير بينهم الجدل والنقاش.
إننا نتوسل من أجل كل هذه المباني ونطالب من يتعامل معهم أن يحافظوا علي ما تبقي ولا يحاولوا إعادته إلي أصله ، أن يراعوا المبني يومياً فلا يتلف وأن يسندوا حائطاً أو يصلحوا سقفاً يسرب ماء بطرق مباشرة واضحة دون ادعاءات فنية وألا يتلاعبوا بنسيج وزخارف المبني ، ويتركوه علي وضعه. وأن يبنوا مبني أخر يفي باحتياجاتهم الجديدة أفضل من أن يدخلوا التوسيعات أو الوسيعات علي المبني القديم ، أي نعامل مبانينا العتيقة كآثار من زمن ماضي نتاج عادات ماضية. فقط في هذه الحالة نستطيع أن نهرب من الفخ الذي وضعتنا فيه معرفتنا و دايتنا بالمباني فنسلمها لمن يأتي بعدنا في إجلال وتبجيل. |