الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

صناعة السياحة بين الدولار والقيمة الإنسانية

صناعة السياحة بين الدولار والقيمة الإنسانية
عدد : 07-2015
بقلم الدكتور/ إبراهيم حسن الغزاوي
eommar@hotmail.com


ليس من شك أن السياحة كصناعة مبتغاها الأول يكون فيما تدره من عائد مادي على المجتمع السياحي بكامله، وليس فقط على مجتمع المزارات والعاملين بالمرافق والخدمات السياحية..ولا تثريب عليهم في ذلك..فالعائد المادي يلعب بحكم حتميات الاقتصاد ، وضرورات العيش والارتزاق دور الهدف في أي نشاط خدمي أو إنتاجي أو تصنيعي...والسياحة ليست استثناءا على ذلك... ولكن هناك فارق كبير بين منظومة عائد مادي منفردة..ومنظومة عائد مادي مرتبطة إنسانيا بحتميات التعايش البشري الإيجابي بين شعوب الأرض ...
وأقصد بمنظومة العائد المادي منفردة ،أن ينصب جل اهتمام الدولة والقطاع الخاص السياحي، وكافة دوائر المنتفعين بالنشاط السياحي على مجرد تحقيق عائد مادي، بأقصى قدر ممكن، دونما اعتبار لأي عوائد متاحة أخرى من وراء النشاط السياحي مثل البعد الثقافي والحضاري والديني وغيرها... فمنظومة العائد المادي المنفردة، تفتقر لكثير من روافد الحيوية، ويشوبها في غالب الأحيان ، للأسف مثلما هو الحال بمصر، سيادة المتسلقين والنهابين والباحثين عن الثراء بلا مقابل حقيقي..مما يفقد العمل السياحي واحد من أهم مفردات استقراره وهو مبدأ الثقة والاطمئنان، الذي لا يكفي فيه مجرد تطمينات الدولة الرسمية، من خلال وزارة السياحة وأدواتها، أو إعلامها، من خلال الترويج بكافة السبل للمنتج السياحي المصري، أو حتى مكاتب التسويق الخارجية المنتشرة بدول كثيرة غربية ، فكل هذه الجهود، وهي بالقطع أمور محمودة، إلا أنها تتبدد هباءا فور نزول السائح إلى أرض مصر، وإمكانية اصطدامه بواقع غير المعلن عنه، في كثير من أوجه النشاط السياحي خلال برنامجه بالبلاد.
فغرض العائد المادي ، وراء تسلط أصحاب البازارات ومن يجندونهم في المسارات السياحية، للإيقاع بالسائح، فيتم تسويق منتجاتهم بأضعاف أضعاف ما تستحق، غير عابئين بما يشعر به السائح عندما يدرك أنه قد خدع... والعائد المادي المنفرد يقف وراء جشع سائق التاكسي وغيره من مرحلة الوصول للمطار حتى الوصول للفندق...فيقوموا بسلخ السائح بأجرة أضعاف ما يستحقونه بالفعل..غير مدركين أنهم ينفرون الزوار من البلاد... والعائد المادي المنفرد يقف وراء أن تنظر الدولة للمنشآت السياحية باعتبارها الدجاجة التي تبيض ذهبا..فتفرط في تحميلها بالضرائب...حتى في أوقات الكساد السياحي..مما قد يجبر تلك المنشآت إما على رفع أسعار خدماتها..أو العبث بدفاترها للهروب من المحاسبة، أو إغلاق أبوابها إن عجزت عن كفالة استمرارها في أوقات الخمول السياحي... والعائد المادي المنفرد يقف وراء رذالة أصحاب الخيول والجمال وغيرها من الخدمات الهامشية التي يقدمها بعض الأفراد للسياح..ولكنهم يفرطون في أثمانها..إضافة لكونهم يفرضونها بأسلوب استفزازي على السائح مما يجعله غير راض على أقل تقديرعن وجوده في بعض تلك الأماكن ... والعائد المادي المنفرد أيضا هو ربما مبرر لأن تترك الدولة كل هذه الأمور دونما تدخل حاسم..باعتبار أن تلك الممارسات هي مصدر "رزق" لهؤلاء البشر..وهو منطق ساذج ومتسطح، ويعكس ركود الفكر السياحي الرسمي وتدني طموحاته في مستقبل مختلف... والمؤلم في نهج آليات العائد المادي المنفرد إضافة لكونها تجعل من اليسير تماما ضرب صناعة السياحة بأقل كلفة لمن يريد ذلك مثل العمل الإرهابي أو عدم الاستقرار الأمني والسياسي...لأنها لا تؤدي في النهاية لإقامة مجتمع سياحي محترف وراسخ ، بل مجرد مجتمع سياحي هش يسير بتثاقل، ويفتقر لمقومات الحيوية والقوة... المؤلم أن سيادة منطق العائد المادي إن وقعت الدولة الرسمية فريسة ورهينة له...فهذا قد يصرفها عن التنمية الحقيقية المستقرة لقطاع السياحة..بما يثريه ويجعله قطاعا مستقلا قائما بذاته..قادرا بمفرده على إقامة اقتصاد قوي ومتماسك...يمكنه أن يغير بشكل حقيقي من واقع المجتمع للأفضل... وهنا تبرز أهمية إدخال البعد الإنساني في صناعة السياحة..ليكسبها مزيدا من الحيوية والديناميكية ...إضافة لكونه يعمق من استقرارها كصناعة قائمة بذاتها...والبعد الإنساني للعمل السياحي في الواقع له عدة أشكال في واقع العمل... أول تلك الأشكال ..أن ينظر إلى السياحة باعتبارها معبرا للتواصل بين شعوب الأرض..وأن ينظر لهذا الأمر، بحيث يكون وجود السائح في مصر هو فرصة للدولة المصرية أن تحمله فكرا وسوكا برسالة ما تعكس ثقافة مصر وشعبها... وهناك أيضا البعد الحضاري لعراقة المجتمع المصري..حيث تشكل آثارنا الفرعونية والإغريقية و الإسلامية وغيرها موردا ثريا يتعين أن تجتهد الدولة لأن توجد لها مكانا في أذهان وقلوب كل من يزوروها من السياح من كافة بقاع المعمورة... ثم إننا لا يجب أن نغفل حقيقة أن السياحة في إحدى معانيها، وهي حركة انتقال البشر للزيارة والاستمتاع ، تجد لها أساسا في العقيدة الإسلامية، فقيام الناس بالتجوال في أرض الله له بعد عقائدي لا ينكر، ومناط ذلك قول الله سبحانه وتعالى"قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير "العنكبوت :20" ، وإضافة لذلك هناك العديد من آيات القرآن التي حضت على التجوال والتدبر فيما سلف من المجتمعات والحضارات. وأخيرا ..فإن واقعة تواجد الأجانب على أرضنا بمصر هي نافذة عبقرية لكي نعرف غيرنا ونستفيد من سلوكه وعلمه وثقافته ..فنأخذ منهم ما يصلحنا ويغير واقعنا المؤلم سلوكيا وثقافيا وغيرها .. فالسائح هو مرآه لمجتمعه..وطبيعي أن يكون في وجوده بيننا فرصة لا تقل قيمة عن قيام بعضنا بالذهاب لمجتمعه في دولته.. وهي بالقطع فرصة لا يجب أن نهدرها أو نتهاون في تعميق فائدتها ... ربما يجب علينا ، دولة ومجتمع سياحي وأفراد ..أن نهتم وبسرعة بالبعد الإنساني لصناعة السياحة..فهو بلا ريب مصدرا لرفعة وتنمية المجتمع ..وهو واجب وطني عميق القيمة بشقيها المادي والإنساني على حاضر مصر ومستقبلها.